(اللّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمّد)
إنّ ذِكْرَ الصّلاة على محمّدٍ وال محمّد هو من أعظَم الأسرار وأفضَل الأذكار، فَقَد أختَصّهم اللهُ تَعالى دون غَيرهم بالصلاة عليهم، وذلك لِعَظيم مَنزِلَتهم وعُلوّ مَقامهم وَكَمال شَرَفهم، فقد جعل تعالى - الصلاة عليهم - واجبة في الصلوات اليومية كما أشارت الآية الكريمة وذلك تعظيماً لمقامهم وتعريفاً بمكانتهم والتمسك بحبلهم ، والأخذ عنهم فهم العروة الوثقى وحبل الله المتين وصراطه المستقيم.
إنّ المُتّمعّن والمُتّدبّر في هذه الآية الكريمة يَجِدُ أنّ الله تعالى قد بَدأ بالصلاة أولاً ومن ثُمّ ملائكته، وَبَعدَها أمَرَ المؤمنين بالصّلاة على النبيّ، وَهيَ إشارة واضحة لِعِظَم هذه الآية وخصوصيّتها، وهو ما سنأتي لشرحه بالتفصيل لاحقاً.
ثم أن الولوج في سَرْد المَعاني والتَدَبّر في الآية الواردة في ذكر الصّلاة على محمد وآل محمد يستدعي التوقف أولاً عند التفسير اللّغوي وفي المعاني الواردة في ذِكْر الصّلاة، وثانياً مَعرفة أسباب نزول الآية الشريفة، وَفيمَن نَزَلَت.
المَعنى اللّغوي للصلاة:
لقد أورَدَ أهلُ اللغة والتفسير عِدّة مَعانٍ لِمُفرَدة الصّلاة، فَمِنْهُم مَن قال أنّها تَعني العبادة والدّعاء، وإلى ذلك أشار إبن الأثير بقوله: (الصلاة والصلوات هي العبادة المخصوصة، وأصلها في اللغة الدّعاء، فسمّيت ببعض أجزائها 1)، وفي ذات الشأن ذكر إبن منظور: (الصلاة: الركوع والسجود... والصلاة: الدّعاء والاستغفار...2 ، وتكون بمعنىٰ الدّعاء، فكل داعٍ هو مصلٍّ 3).
وقد ذَكَر الرّاغب الأصفهاني معنى الصلاة على أنها (الدّعاء والتبريك والتمجيد, يصال صليت عليه, أي دعوت له وزكيت 4)، بينما أورد الفيروز آبادي في كتابه الصّلات والبُشَر في الصلاة على خير البشر عدة معاني للصلاة، كالدّعاء والرحمة والاستغفار والقراءة 5. ورغم هذا التباين في تفسير معنى الصلاة إلّا أنها تشير إلى معنى واحد ، والاختلاف إنّما يَكمن في مصدر ومضمون الحديث الذي وردت فيه كلمة الصلاة، كما سنوضح ذلك لاحقاً.
المعنى اللّغوي للصّلاة على النبيّ:
لقد اختلف علماء اللغة والتفسير في تبيان معنى الصلاة على النبي وذلك إما لاختلافهم في تفسير معنى الصلاة أو لتعدد تفاسيرهم لها نتيجة لتعدد أفراد الصلاة والتي ترد بعدة أشكال:
صَلاةُ الله:
لقد ورد في القرآن الكريم العديد من الآيات التي تشير لصلاة اللّه تعالى على الخاصة من عباده المؤمنين، قال الله تعالى: ﴿ ... وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَٰئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ ... ﴾ 6، وفي آية أخرى ﴿ هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ ... ﴾ 7.
حيث أشارَ صاحب الميزان إلى أنّ المعنى الوارد للصلاة في آية الأحزاب 43 هي الرحمة والعَطيّة الإلهية المُطلقة: (ولذلك قيل: إن الصلاة من الله الرحمة ومن الملائكة الاستغفار ومن الناس الدّعاء لكن الذي نسب من الصلاة إلى الله سبحانه في القرآن هو الصلاة بمعنى الرحمة الخاصة بالمؤمنين وهي التي تترتب عليها سعادة العقبى والفلاح المؤبد ولذلك علل تصليته عليهم بقوله " ﴿ ... لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ ... ﴾ 7" 8).
وأكّد الشيخ الصدوق أعلى الله مقامه أنّ صَلاة الله على المؤمنين هيَ رَحْمة وصلاة مَلائكته تَزْكية وصلاة الناس دُعاء :( ﴿ هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ ... ﴾ 7، والصلاة من الله رحمة ومن الملائكة تزكية ومن الناس دعاء 9).
وللشيخ فخر الدين الطريحي تفصيلٌ في تفسير غريب القرآن، حيث أورد عدة معان للصلاة: ( الصلاة على أربعة أوجه: الصلاة المعروفة كما في قوله تعالى: ﴿ ... إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا ... ﴾ 10. والترحمة كقوله تعالى: ﴿ أُولَٰئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ ... ﴾ 11
أي ترحم، والدّعاء كقوله: ﴿ ... إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ ... ﴾ 12 أي دعائك سكون وتثبيت. وصلاة الملائكة للمسلمين استغفار لهم. والدين كقوله: ﴿ ... أَصَلَاتُكَ تَأْمُرُكَ ... ﴾ 13 أي دينك 14).
وَذَكَر السّيد علي خان المدني في كتابه رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين (ع)، أنّ الصّلاة من الله على الرسول هي تعظيماً لشأنه: (معنى الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وآله تعظيمه في الدنيا بإعلاء كلمته وإبقاء شريعته، وفي الآخرة بتضعيف مثوبته والزيادة في رفع درجته 15)، وذهب إلى ذلك إبن الأثير في كتابه النهاية في غريب الحديث مشيراً إلى أن الصلاة تعني التعظيم، لقوله: ( فأما قولنا: اللهم صل على محمد فمعناه: عظمه في الدنيا بإعلاء ذكره، وإظهار دعوته، وإبقاء شريعته، وفى الآخرة بتشفيعه في أمته، وتضعيف أجره ومثوبته. وقيل: المعنى لما أمر الله سبحانه بالصلاة عليه ولم نبلغ قدر الواجب من ذلك أحلناه على الله، وقلنا: أللهم صل أنت على محمد، لأنك أعلم بما يليق به 16).
وأورد الشيخ الطبرسي في مجمع البيان معنى الصلاة من الله على النبي أنها التبجيل والثناء والتعظيم، لقوله: (﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ... ﴾ 17، معناه: إن الله يصلي على النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ويثني عليه بالثناء الجميل، ويبجله بأعظم التبجيل، وملائكته يصلون عليه (يثنون عليه) بأحسن الثناء، ويدعون له بأزكى الدّعاء 18).
وذكر الشيخ الطوسي في التبيان أن الصلاة من الله إنما جاءت إعلاءً لدرجاته ورفع منازله: ( صلاة الله تعالىٰ هو ما فعله به من كراماته، وتفضيله وإعلاء درجاته، ورفع منازله وثنائه عليه، وغير ذلك من أنواع إكرامه 19).
صَلاةُ الملائكة:
وأمّا صلاة الملائكة، فَقَد ذَهَب أغلب علمائنا المتقدمين إلى أن المقصود منها يَنحصر بين معانٍ ثَلاث: الاستغفار والدّعاء والتزكية. فقد ذكر فخر المحققين العلّامة الحلي أنّ صلاةَ الملائكة إنّما هي بقصد الاستغفار، في قوله: (الصلاة من الله الرحمة ومن الملائكة الاستغفار 20). وفي ذات المعنى أشار الفخر الرازي في التفسير الكبير: (والصلاة من الله رحمة ومن الملائكة استغفار 21).
وأما معنى الدّعاء فقد أورده أبو حيّان الأندلسي في تفسير البحر المحيط بقوله: (﴿ هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ ... ﴾ 7 أن يكون التقدير: وملائكته يصلون، لاختلاف مدلولي الصلاتين؛ لأنّهما مِنَ الله الرّحمة، وَمِنَ الملائكة الدّعاء 22).
صلاةُ الناس:
لَقَد أورَدَ علماء اللّغة وأهل الحديث والتفسير أكثر من معنى لصلاةِ الناس على النبيّ، والمعنى الأول هو الدّعاء، وذهب إلى هذا المعنى الشيخ الصدوق في قوله :(هو الذي يصلي عليكم وملئكته، والصلاة من الله رحمة ومن الملائكة تزكية ومن الناس دعاء 23). وأكّد على ذلك العسكري في الفروق اللّغوية في قوله: (والصلاة من الله الرحمة ومن الملائكة الاستغفار ومن الآدميين الدّعاء 24). وذهب إلى ذلك البغوي في قوله (﴿ ... يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ ... ﴾ 17 أي : ادعوا له بالرحمة 25).
وقد أورد القرطبي في تفسيره الجامع لأحكام القرآن أنّ المُراد بصلاة الناس في آية 56 من سورة الأحزاب هو التعظيم للنبي: ( والصلاة على التبي من الله رحمته، ورضوانه ، ومن الملائكة الدّعاء له والاستغفار ، ومن الأمّة الدّعاء له والتعظيم لأمره 26) .
وجاء في معالم التنزيل للبغوي تأكيده على أنّ صلاة الناس على النبي تعني الدّعاء: ( وقيل في قوله تعالى ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ... ﴾ 17، إن الصلاة من الله في هذه الآية الرحمة، ومن الملائكة الاستغفار ومن المؤمنين الدّعاء 27).
صلاةُ النبيّ على المؤمنين:
وأمّا الآية التي وُرد فيها صلاة النبي على المؤمنين، فقد جاءت في قوله تعالى: ﴿ خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ ... ﴾ 12، وإلى ذلك أشار صاحب الميزان أن الآية إنما هي إشارة إلى الدّعاء لهم (الدّعاء لهم والسياق يفيد انه دعاء لهم ولأموالهم بالخير والبركة وهو المحفوظ من سنة النبي صلى الله عليه وآله وسلم فكان يدعو لمعطى الزكاة ولماله بالخير والبركة. وقوله: ﴿ ... إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ ... ﴾ 12 السكن ما يسكن إليه الشئ والمراد به أن نفوسهم تسكن إلى دعائك وتثق به وهو نوع شكر لسعيهم في الله كما أن قوله تعالى في ذيل الآية: ﴿ ... وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾ 12 سكن يسكن إليه نفوس المكلفين ممن يسمع الآية أو يتلوها 28).
الروايات الواردة في معنى الصلاة على النبيّ:
روى السيد إبن طاووس عن عبد الرحمن بن كثير قال: سألته (يعني الإمام الصادق) عن قول الله تبارك وتعالى ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ... ﴾ 17 فقال: (صلاة الله تزكيةٌ له في السماء . فقلتُ: ما معنىٰ تزكية الله إيّاه؟! فقال: «زكّاه، بأنْ برّأه من كلِّ نقصٍ وآفةٍ يلزم مخلوقاً» . قلت: فصلاة المؤمنين؟ قال: «يُبَرّؤونه ويُعرّفونه بأن الله قد برّأه من كلِّ نقص هو في المخلوقين من الآفات التي تصيبهم في بُنية خلقهم، فمن عرّفه ووصفه بغير ذلك فما صلىٰ عليه 29).
وعن أبي حمزة قال سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول الله عز وجل: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ 17 فقال : (الصلاة من الله عز وجل رحمة ، ومن الملائكة تزكية ، ومن الناس دعاء . وأما قوله عز وجل : ﴿ ... وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ 17 ، فإنه يعني التسليم له فيما ورد عنه 30).
وعن الصادق (عليه السلام) قال : (الصلاة عليه والتسليم له في كل شئ جاء به 31).
وفي الاحتجاج للطبرسي قدس سره : 1 / 377 : ( ولهذه الآية ظاهر وباطن فالظاهر قوله: صَلُّوا عَلَيْهِ، والباطن قوله: ﴿ ... وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ 17، أي سلموا لمن وصاه واستخلفه وفضَّله عليكم وما عَهِدَ به إليه تسليماً 32) .
وعن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلّم أنه قال: )لما خلق اللّه العرش، خلق سبعين ألف ملك، وقال لهم: طوفوا بعرشي النور، وسبّحوني، واحملوا عرشي، فطافوا وسبّحوا، وأرادوا أن يحملوا العرش فما قدروا فقال لهم اللّه عزّ وجلّ:
طوفوا بعرشي النور وصلّوا على نور جلالي محمّد حبيبي واحملوا عرشي، فطافوا وحملوه وقالوا: ربّنا أمرتنا بتسبيحك وتقديسك، وأمرتنا أن نصلّي على نور جلالك محمّد فننقص من تسبيحك؟ فقال اللّه لهم: يا ملائكتي إذا أنتم صلّيتم على حبيبي محمّد فقد سبّحتموني، وقدّستموني وهلّلتموني 33).
وبذلك نَستطيع أن نَجزم بأنّ الصلاة على النبيّ توجِب الرّفعة والعزّة والثّواب، فَمِنَ المَعلوم أنّ المؤمن وخلال سَيره إلى الله تعالى قد يصيبه طائف من الشيطان فيتعثّر هنا أو هناك ليدخُل في ظلمات الذنوب، فصلاة الله إذن له نجاة ورحمة وعطفاً لتخرجه من الظلمات إلى النور، وحينما يكون رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هو النّور والسراج والرّحمة المهداة من الله إلى النّاس أجمعين، لقوله تعالى: ﴿ ... قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ ﴾ 34 وقوله جل جلاله: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا * وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا ﴾ 35، فصلاة الله جل جلاله على هذا النور إنما هي تعظيم لشأنه وتعريف بقرب مقامه من الله العزيز المتعال، وتنزيه له عن كل عيب أو نقص.
لقد أورد ذكر الصلاة على محمد وأل محمد العديد من أصحاب المذاهب والصحاح، وعلماء الحديث والتفسير، ومن طرق أهل السنّة والشيعة، وبمصادر ومسانيد متعددة، نورد منهم التالي:
علي بن أبي طالب (عليه السلام)
طلحة بن عبيد الله
فاطمة الزهراء (عليها السلام)
أبو أمامة الباهلي
الإمام الحسن (عليه السلام)
عبد الرحمن بن بشير بن مسعود
الإمام الحسين (عليه السلام)
أبو مسعود عقبة بن عمرو الانصاري
عمار بن ياسر
فُضالة بن عبيد
أبو ذر الغفاري
عبد الرحمن بن عوف
جابر بن عبد الله الأنصاري
البراء بن عازب
عبد الله بن عباس
عامر بن ربيعة
سهل بن سعد الساعدي
سعيد بن عمير الأنصاري عن أبيه
إبراهيم بن يزيد النخعي
جابر بن سمرة
عبد الله بن مسعود
أبو بُردة بن دينار
أبو حميد الساعدي
أبو اُمامة بن سهل بن حنيف
أبو بكر بن أبي قحافة
مالك بن الحُويرث
عمر بن الخطاب
عبد الله بن جزء الزُبيدي
عائشة بنت أبي بكر
زيد بن خارجة
أنس بن مالك
واثلة ابن الأسقع
أبو هريرة
حبان بن منقذ
محمد بن المنكدر
عبد الله بن عمرو بن العاص
أبو مسعود الأنصاري
أوس بن أوس
أبو رافع (مولىٰ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم )
عبد الله بن أوفىٰ
بريدة بن الحَصيب الخُزاعي
بريدة الخزاعي
أبو رافع بن ثابت الأنصاري
كعب بن عجرة
أبو طلحة زيد بن سهل الأنصاري
الحسن البصري
رُويفع بن ثابت الأنصاري
عبد الرحمن بن بشر بن مسعود
أبي بن كعب
أبو سعيد الخدري
لقد أختلفت الروايات والأحاديث في ذكرِ كيفيّة الصّلاة على محمد وآل محمد، فمنها ما جاءت مُطوّلَة ومنها المختصرة، إلّا أنّها كانت جميعاً مُتواترة، مُستفيضة، ثابتة بالقطع عند كل منصف وغير منصف ، لا شُبهة فيها ولا يَعتريها شكّ ولا ريب، من حيث ورود واقتران آلُ النبيّ في الصلاة عليه (صلى الله عليه و آله).
كما أنّ المصطفى أكّد بنَحو الإيجاب وفي موارد متعددة على ضَمّ الآل في الصلاة وإلا فإنَّها صلاة بتراء. والأحاديث الصحيحة المتواترة جاءت تبياناً للكيفيّة والهيئة المأمور بها وإنّ أمثَلَ ما ورد هو ما روى عن أبي حمزة الثمالي عن كعب بن عجرة قال: لما نزلت هذه الآية قلنا: يا رسول الله هذا السلام عليك قد عرفناه، فكيف الصلاة عليك؟ قال: قولوا: (أللهم صلّ علىٰ محمد وآل محمد كما صلّيت علىٰ إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد, وبارك علىٰ محمد وآل محمد كما باركت علىٰ إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد 36).
فَلسَفة ذِكر الصّلاة على محمدٍ وآلِ محمد:
إنّ التَدَبر، والتأمّل، والتّفكر في عَظَمة هذا الذّكر والذي جاءت الإشارة إليه في الآية: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ 17 إنّما هو من أجل فَهم حَقيقته وإدراك جَوهر معانيه وبالتالي الوصول إلى مَنافعه وآثاره في حياتنا الرّوحية، والتي تشد السالك نَحوَ بلوغ أعلى مدارج القرب الإلهي.
أنّ صلاةَ الله جل جلاله على النبي في الآية الكريمة إنّما هي إشارة بَليغة على أنّ أوّل المُصلين هو الله تعالى وقد أشير إلى ذلك بذكر لفظ الجلالة (الله)، وهو الإسم الأعظم الجّامع لصفات الكّمال والجّمال وهو إسمٌ للذّات المقدّسة الكامل والمُنَزّه عن كل عَيْب ونَقْص ، تَفَرّد الرّب جلّ وعلا بهذا الإسم وَخَصّ به ذاته، إنّه الدّلالة الجامعة لكل الأسماء الإلهية، وأن الموجودات إنّما هيَ أسماءٌ لتجلّي صفات تلك الذّات المقدّسة ، مِن هنا نُدرك عَظَمَةَ قَول "إنّ اللهَ" يُصَلّي أي أنّ مَقام الذّات المقدّسة تتجلي لمقام الصفات.
وَكَما أشَرنا في مُقدّمة البحث وما دلّت عليه أغلب الروايات أنّ صلاة الله هي تَجسيد للرّحمة الإلهية، وأنّ حقيقة هذه الرحمة هي النبوّة المُطلقة ، لقول الله عز وجل: ﴿ أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ ﴾ 37.
ففي الآية إشارة إلى أنّ النبوّة هي رحمة ربك وهي خيرٌ من المال، وأن النبي هو صاحب مرتبة النبوة المُطلقة، أي أنّه رحمة الله المُطلقة إلى العالمين: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ 38، فصلاة الله عليه إنما جاءت كاشفة ودالة عن تلك الرحمة المطلقة والتي تَجَسّدت بنبوة محمد المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم .
وأما الصّلاة من الملائكة في قوله تعالى: " ﴿ ... وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ ... ﴾ 17 "، فهي إشارة إلى أنّ الصلاة أمرٌ وَتَكليف مِنَ الله جل جلاله إلى الملائكة مِن أجل تَطبيق مقام التَجَلّي، وهي تزكية وإقرار بكمال النبي وبفضله ومنزلته والاستغفار لأمته، يقول الله جلّ وعلا: ﴿ الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ * رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ وَمَنْ تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴾ 39.
فصلاة الملائكة هنا هي في مقام الفعل والظهور للإفاضة على كل مَن له استعداد في نيل تلك الفيوضات الصادرة من منبع الجود فينال بذلك فضلاً وقرباً من المعبود، وعليه فصلاة الملائكة هي من أجل تهيئة الأسباب لتلك الإفاضة الإلهية، "على النبي" وهو المتجلّي الأعظم لجميع تلك التجليات، فالنبي وآل بيته الأطهار هم تجليات لأسم الله الأعظم، وأنّهم مظهرٌ لأسماء الله الحسنى، يقول تعالى: ﴿ وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ فَادْعُوهُ بِهَا ... ﴾ 40.
وأما صلاة المؤمنين على النبي وتسليمهم في قوله تعالى " ﴿ ... يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ 17 " فإنَّها إشارة إلى تَجَلّي لصفات الذّات في الغيب والشهادة والطبيعة والقلب والعقل والنّفس بكل مراتبها، وإنّه تَمام التّسليم للمُصطفى صلوات الله عليه وآله .
ثم إنَّ المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم حي وهو ليس بعيداً عن المؤمن الرسالي، فالأنوار المحمدية تسري معه، تنير له الطريق ، قال الله تعالى ﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ ... ﴾ 41، فأنوار محمد وآل محمد تفيض على المُتّبعين لهم والسائرين على دربهم، فهو مُطّلع على أعمالنا وَيَرُدّ سلامنا، بل أن كل ما لدينا إنما هو من بركات المصطفى وآل بيته وما نقدمه إنما هو جزء مما أفاضوا به علينا، وأن صلواتنا هي من أجل التّقَرّب لهم والسَعيَ لِمعرفة منزلتهم وبهذه المعرفة ستسقي المصلي الرحمات الإلهية من مجرى الفيض الرحماني وهو المصطفى وآل بيته صلوات الله عليه وعليهم أجمعين، فبدعائنا لهم بالرحمة سوف ترشح وتفيض منهم (عليهم السلام) إلى غيرهم ممّن عَرَفَهَم وأتّبعهم وصلى عليهم. وفي الزيارة الجامعة تأكيد لهذا المعنى: (وَجَعَلَ صَلَواتِنا عَلَيْكُمْ وَما خَصَّنا بِهِ مِنْ وِلايَتِكُمْ طيباً لِخَلْقِنا، وَطَهارَةً لاِنْفُسِنا، وَتَزْكِيَةً لَنا، وَكَفّارَةً لِذُنُوبِنا، فَكُنّا عِنْدَهُ مُسَلِّمينَ بِفَضْلِكُمْ، وَمَعْرُوفينَ بِتَصْديقِنا اِيّاكُمْ).
وقد روي في هذا الشأن عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال مخاطباً علي (عليه السلام): (تدري ما سمعت من الملأ الأعلى فيك ليلة اسري بى، يا علي ؟ سمعتهم يقسمون على الله تعالى بك، ويستقضونه حوائجهم، ويتقربون إلى الله تعالى بمحبتك، ويجعلون أشرف ما يعبدون الله به الصلاة علي وعليك، وسمعت خطيبهم في أعظم محافلهم وهو يقول: على الحاوي لأصناف الخيرات المشتمل على أنواع المكرمات، الذي قد اجتمع فيه من خصال الخير ما قد تفرق في غيره من البريات، عليه من الله تعالى الصلاة والبركات والتحيات، وسمعت الأملاك بحضرته والأملاك في سائر السماوات والحجب والعرش والكرسي والجنة والنار يقولون بأجمعهم عند فراغ الخطيب من قوله: آمين، أللهم وطهرنا بالصلاة عليه وعلى آله الطيبين 42).
إنّ ذِكْر الصّلاة على النبيّ وآله هي الطريق لِمَعرفتهم وَبِمَعرفتهم يَصِل المؤمن إلى السنخية بينه وبينهم، وبهذا المستوى يكون قادراً على تَلَقّي الفُيوضات الإلهية ، فَذِكْر الصلوات هو مِنْ أعظَم الأذكار المُوصلة لهذه المرتبة والتي يكون فيها الدّاعي مُستعدأ لتلقّي تلك الفيوضات. وبمعنى آخر، أرواح البشر لا تَملك القُدرة على تَلَقّي الأنوار الربّانية وأنّ ذكر الصلاة يَعرُج بالأرواح لكي تَصِلَ إلى المستوى الذي تستطيع بها تلقي تلك الأنوار الإلهية فتنعكس على أرواحهم وتستنير القلوب فيبصر المؤمن طريقة بنور الله، فعن الإمام الرضا (ع) في هذا الشأن أنه قال: (فيما سأل الخضر الحسن بن علي عليهما السلام: أخبرني عن الرجل كيف يذكر وينسى؟ قال: إن قلب الرجل في حق، وعلى الحق طبق، فإنْ صلّى الرجل عند ذلك على محمد وآل محمد صلاة تامة انكشف ذلك الطبق عن ذلك الحق فأضاء القلب، وذكر الرجل ما كان نسي، وإن هو لم يصل على محمد وآل محمد أو نقص من الصلاة عليهم، انطبق ذلك الطبق على ذلك الحق فأظلم القلب، ونسي الرجل ما كان ذكره 43).
إذن فَصلواتنا على النبي وآله لا تزيدهم رفعة أو كمالاً، فالله جلّ وَعَلا قد أفاض عليهم بأعلى درجات الكمال، فالنبيّ تامٌ لأنوار الجّمال، ومظهر جامع لمظاهر الكمال، وأنه قاب قوسين في العالم الأكبر، وفي الزيارة الجامعة مصداق وتأكيد، فالإمام يقول: (فَبَلَغَ اللهُ بِكُمْ اَشْرَفَ مَحَلِّ الْمُكَرَّمينَ، وَاَعْلى مَنازِلِ الْمُقَرَّبينَ، وَاَرْفَعَ دَرَجاتِ الْمُرْسَلينَ، حَيْثُ لا يَلْحَقُهُ لاحِقٌ، وَلا يَفُوقُهُ فائِقٌ، وَلا يَسْبِقُهُ سابِقٌ، وَلا يَطْمَعُ فى اِدْراكِهِ طامِعٌ، حَتّى لا يَبْقى مَلَكٌ مُقَرَّبٌ، وَلا نَبِىٌّ مُرْسَلٌ، وَلا صِدّيقٌ وَلا شَهيدٌ، وَلا عالِمٌ وَلا جاهِلٌ، وَلا دَنِىٌّ وَلا فاضِلٌ، وَلا مُؤْمِنٌ صالِحٌ، وَلا فِاجِرٌ طالِحٌ، وَلاجَبّارٌ عَنيدٌ، وَلا شَيْطانٌ مَريدٌ، وَلا خَلْقٌ فيما بَيْنَ ذلِكَ شَهيدٌ الا عَرَّفَهُمْ جَلالَةَ اَمْرِكُمْ، وَعِظَمَ خَطَرِكُمْ، وَكِبَرَ شَأنِكُمْ وَتَمامَ نُورِكُمْ، وَصِدْقَ مَقاعِدِكُمْ، وَثَباتَ مَقامِكُمْ، وَشَرَفَ مَحَلِّكُمْ وَمَنْزِلَتِكُمْ عِنْدَهُ، وَكَرامَتَكُمْ عَلَيْهِ، وَخاصَّتَكُمْ لَدَيْهِ، وَقُرْبَ مَنْزِلَتِكُمْ مِنْهُ )، ونحن بصلواتنا هذه لا نقدّم مَنْفَعَة أو نَرفَع لَهم مَنزلة، فكمالهم وأنوارهم كالبّحر وأن كأساً من الماء في البحر لا تزيده كثرة، لذلك فحقيقة هذه الصلوات إنّما هي من أجل إظهار وتبيان درجاتهم الرفيعة ومقاماتهم العالية وفي هذا الظهور سنتزود بالنور المحمدي والذي يكون سبباً في نزول الرحمة الإلهية؛ لأنه وأهل بيته الأطهار مصادر وعلل وآثار الفيوض الرحمانية، فعن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال: ( وأشهد أنك لم تأمر بالصلاة عليه إلّا بَعد أن صلّيت عليه أنت وملائكتك فأنزلت في فرقانك الحكيم : ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ 17، لا لحاجة به إلى صلاة أحد من الخلق عليه بعد صلاتك ولا إلى تزكية بعد تزكيتك بل الخلق كلهم محتاجون إلى ذلك لأنك جعلته بابك الذي لا تقبل إلّا من أتاك منه ، وجعلت الصلاة عليه قربة منك ووسيلة إليك وزلفة عندك ، ودللت عليه المؤمنين، وأمرتهم بالصلاة عليه ليزدادوا بذلك كرامة عليك 44).
إنّ في ذِكر الصّلاة على محمد وآل محمد طَلَب مِنَ الله بالرّحمة لَهم كما مَرّ ذِكْره، ونحن بهذا الفعل إنّما نقدم هدية لأهل الكرم والجود، وهم الذين يقابلون الإساءة بالإحسان فكيف بِمَن أحسَن إليهم ودعا لهم بالرحمة وإنْ كانت لا تزيدهم علواً ولا رفعة ولكنهم وبمقتضى إحسانهم وجودهم (عليهم السلام) سَيَردّوا الإحسان بالإحسان بل بأضعافه ويردوا بالدّعاء لمن صلّى عليهم وتَقَرّب إليهم عارفاً بحقهم وبعظيم منزلتهم. فعن الجعابي، عن إبن عقدة، عن أحمد بن يحيى، عنأسيد بن زيد، عن محمد بن مروان، عن الصادق (عليه السلام) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: (صلاتكم علي إجابة لدعائكم وزكاة لاعمالكم 45).
ثم إننا، وَنَحن المُقَصّرون المُحتاجون، لو سألنا الله أو دعونا لأنفسنا فلا نَدري أيُجاب دُعاؤنا أم يُرَد لِسوء فعالنا، أما حينما نبدأ بالصلاة على النبي وآله فإنَّنا بالصلاة عليهم إنّما نَطْرُق أبواب الوسائط ونسعى للوصول إلى معرفتهم من أجل تَلَقّي الفَيض والعَطاء الإلهي ، ولأنّهم وسائط الفيض الإلهي لكل المخلوقات فنحن بذلك نضمن دعاءهم لنا وَتَشَفعهم إلى الله بأن يجيبنا وينزل علينا فيوض رحماته. وفي هذا الشان وردت الكثير من الأحاديث في فضل البدء بالصلاة على النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم قبل أو أثناء الدّعاء أو بعده، ذلك لأن الصلوات على محمد وآل محمد إنّما هو دُعاء مُستجاب، وَلَيس من كَرَم الله (وَهُو أكرم الأكرمين) أن يستجيب دعاء في الصلاة على النبي ويمنع دعاءنا، فعن الإمام الصادق عليه الصلاة والسلام أنه قال: (من صلى على النبي وآله مرة واحدة بنية وإخلاص من قلبه قضى الله له مائة حاجة منها ثلاثون للدنيا، وسبعون للآخرة 46).
إنّ المُؤمن حينما يَعيش ذِكْرَ الصّلاة على محمد وآله وهو على معرفة ويقظة سيصل إلى حالة روحية وَمَلكَة تَقوائية تَنعكس على أفعالِهِ فَيَندكّ في أعمالِ العِبادَة والتّقرب إلى الله وَتَتولّد لديه مودّة ومحبّة تَربطه بالله تعالى، فَعَن ابن مسرور، عن إبن عامر، عن عمه، عن ابن أبي عمير، عن ابن سنان، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله ذات يوم لعلي (عليه السلام): (ألا أبشرك؟ فقال: بلى بأبي أنت وأمي فإنك لم تزل مبشراً بكل خير، فقال: أخبرني جبرئيل آنفاً بالعجب، فقال له علي (عليه السلام): وما الذي أخبرك يا رسول الله.
فقال: أخبرني أن الرجل من أمتي إذا صلى علي وأتبع بالصلاة على أهل بيتي فتحت له أبواب السماء، وصلت عليه الملائكة سبعين صلاة، وإن كان مذنباً خطأ ثم تتحات عنه الذنوب كما يتحات الورق من الشجر، ويقول الله تبارك وتعالى:
لبيك يا عبدي وسعديك، ويقول الله لملائكته: يا ملائكتي أنتم تصلون عليه سبعين صلاة، وأنا أصلي عليه سبعمائة صلاة، وإذا صلى علي ولم يتبع بالصلاة على أهل بيتي كان بينها وبين السماء سبعون حجاباً، ويقول جل جلاله: لا لبيك ولا سعديك يا ملائكتي لا تصعدوا دعاءه إلّا أن يلحق بنبيي عترته، فلا يزال محجوباً حتى يلحق بي أهل بيتي 47).
هذه الصلاة الإلهية ذات المعرفة والتي توجب خروج أولياء الله وأحباءه من ظلمات النّفس لتخرق حجب النور هذا النور والذي به يواصل أولياء الله طريق الكمال نَحوَ مدارج القرب الإلهي، وهذا السّير مصدره وسائط الفيض الإلهي الموصل إلى معدن العظمة، ففي المناجاة الشعبانية ما ورد عن الإمام زين العابدين قوله: (اِلـهي هَبْ لي كَمالَ الانْقِطاعِ اِلَيْكَ، وَاَنِرْ اَبْصارَ قُلُوبِنا بِضِياءِ نَظَرِها اِلَيْكَ، حَتّى تَخْرِقَ اَبْصارُ الْقُلُوبِ حُجُبَ النُّورِ فَتَصِلَ إلى مَعْدِنِ الْعَظَمَةِ ، وَتَصيرَ اَرْواحُنا مُعَلَّقَةً بِعِزِّ قُدْسِكَ).
ونختم برُواِيَة عن الإمام جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام) يقول فيها َ : (إِذَا ذُكِرَ النَّبِيُّ ( صلى الله عليه وآله ) فَأَكْثِرُوا الصَّلَاةَ عَلَيْهِ ، فَإِنَّهُ مَنْ صَلَّى عَلَى النَّبِيِّ ( صلى الله عليه وآله ) صَلَاةً وَاحِدَةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ أَلْفَ صَلَاةٍ فِي أَلْفِ صَفٍّ مِنَ الْمَلَائِكَةِ، وَ لَمْ يَبْقَ شَيْءٌ مِمَّا خَلَقَهُ اللَّهُ إلّا صَلَّى عَلَى الْعَبْدِ لِصَلَاةِ اللَّهِ عَلَيْهِ وَ صَلَاةِ مَلَائِكَتِهِ ، فَمَنْ لَمْ يَرْغَبْ فِي هَذَا فَهُوَ جَاهِلٌ مَغْرُورٌ قَدْ بَرِئَ اللَّهُ مِنْهُ وَ رَسُولُهُ وَ أَهْلُ بَيْتِهِ 48).
______________
1. النهاية في غريب الحديث - إبن الاثير - ج3، ص50.
2. لسان العرب - إبن منظور - ج14، ص464.
3. لسان العرب - إبن منظور - ج14، ص465.
4. الراغب في مفرداته، ص285.
5. الصلات والبشر - الفيروز آبادي - ص16- 20.
6. القران الكريم: سورة البقرة (2)، الآيات: 155 - 157، الصفحة: 24.
7. a. b. c. d. القران الكريم: سورة الأحزاب (33)، الآية: 43، الصفحة: 423.
8. تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج16، ص329.
9. الاعتقادات في دين الإمامية - الشيخ الصدوق - ص25.
10. القران الكريم: سورة النساء (4)، الآية: 103، الصفحة: 95.
11. القران الكريم: سورة البقرة (2)، الآية: 157، الصفحة: 24.
12. a. b. c. d. القران الكريم: سورة التوبة (9)، الآية: 103، الصفحة: 203.
13. القران الكريم: سورة هود (11)، الآية: 87، الصفحة: 231.
14. تفسير غريب القرآن - فخر الدين الطريحي - ص43.
15. رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين (ع) - السيد علي خان المدني الشيرازي - ج 1، ص 421.
16. النهاية في غريب الحديث - إبن الأثير - ج 3، ص50.
17. a. b. c. d. e. f. g. h. i. j. k. القران الكريم: سورة الأحزاب (33)، الآية: 56، الصفحة: 426.
18. تفسير مجمع البيان - الشيخ الطبرسي - ج 8، ص 179.
19. التبيان - الشيخ الطوسي - ج8، ص359.
20. إيضاح الفوائد في شرح مشكلات القواعد - فخر المحققين الحلي - الجزء1 ، ص 6.
21. التفسير الكبير - الفخر الرازي - ج 25، ص215.
22. تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج 1، ص 560.
23. الاعتقادات في دين الإمامية - الشيخ الصدوق - الصفحة 25.
24. معجم الفروق اللغوية - العسكري، أبو هلال - جلد 1، ص558.
25. معالم التنزيل - البغوي - سورة الاحزاب - ص 1051.
26. تفسير القرطبي 14-232.
27. معالم التنزيل - البغوي - ج1 آية الصلاة على النبي، ص 20.
28. تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج 9، ص377.
29. جمال الأسبوع - السيد إبن طاووس - الفصل 6، ص 234.
30. معاني الأخبار- الشيخ الصدوق، ص 368.
31. بحار الأنوار - العلامة المجلسي- ج 2، ص204.
32. الاحتجاج - الشيخ الطبرسي - ج1، ص 377.
33. مشارق أنوار اليقين - الشيخ البرسي، مستدرك الوسائل، باب استحباب الإكثار مِنْ الصَّلاة عَلَى مُحمَّد وآل مُحمَّد ص241.
34. القران الكريم: سورة المائدة (5)، الآية: 15، الصفحة: 110.
35. القران الكريم: سورة الأحزاب (33)، الآية: 45 و 46، الصفحة: 424.
36. تفسير أبي حمزة الثمالي ص 269، ح 240.
37. القران الكريم: سورة الزخرف (43)، الآية: 32، الصفحة: 491.
38. القران الكريم: سورة سبإ (34)، الآية: 28، الصفحة: 431.
39. القران الكريم: سورة غافر (40)، الآيات: 7 - 9، الصفحة: 467.
40. القران الكريم: سورة الأعراف (7)، الآية: 180، الصفحة: 174.
41. القران الكريم: سورة الأنفال (8)، الآية: 33، الصفحة: 180.
42. بحار الأنوار - المجلسي- ج 41، ص21، ح12.
43. عيون الأخبار - الدينوري - ج1، ص66 . والاحتجاج - الطبرسي - ص142. والمحاسن - البرقي - ص332. والغيبة - النعماني- ص 27.
44. بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج 87، ص 82.
45. الامالي - الشيخ الطوسي - ج 1، ص 219.
46. الدعوات - الراوندي ص 33. والبحار ج 94 ص 70 ح 63.
47. ثواب الأعمال - الشيخ الصدوق - ص167. وبحار الأنوار - العلامة المجل.
48. الكافي - الشيخ الكليني - ج2، ص492.