المرأة والمعرفة الدينية
الشيخ حسن الصفار
هل المؤسسة الدينية العلمية مؤسسة ذكورية لا مكان فيها للمرأة؟
وهل أنّ حركة الاجتهاد والفقاهة محصورة في الرجال محظورة على النساء؟
ولماذا لا نجد للمرأة المسلمة المعاصرة دوراً في المعاهد العلمية،
والمؤسسات الدينية، وساحة النشاط الفكري الإسلامي؟
تفرض هذه الأسئلة نفسها من عدة منطلقات:
أولاً:
إنّ المرأة
مخاطبة بالدين كالرّجل تماماً، فالدّين يخاطب الإنسان بقسميه الذكر والأنثى
على حد سواء، وهو ليس للذكر أولا وللأنثى ثانياً، ولا أنّ المرأة مخاطبة
عبر الرجل وبالتبع له، بل هي مكلفة مباشرة من قبل الله تعالى، ومحاسبة
أمامه يوم القيامة كما هو الرجل.
وحينما يأتي في القرآن نداء للناس، أو لبني آدم، أو للعباد، أو للإنسان،
فإنّه موجّه بالطبع للذكور والإناث، كقوله تعالى:
إنَّ هذه الآيات وأمثالها نداءات من قبل الله تعالى للرجل والمرأة، وكذلك
فالتكاليف والأحكام الشرعية موجهة لهما معا. وباعتبارها مخاطبة ومكلفة فهي
معنية بتلقي الخطاب وفهمه، وبمعرفة التكليف وتبينه.
ثانياً:
مشاركة
المرأة في الحركة العلمية، والنشاط الفكري والشرعي الإسلامي، يعني مضاعفة
الجهود التي تبذل في هذا الميدان، فالمرأة نصف المجتمع، وتمتلك الطاقة
والكفاءة، فإذا ما وجهت قدراتها وإمكانيتها الذهنية والفكرية، في خدمة
البحث العلمي الديني، أضافت إليه رصيداً كبيراً، وإثراء عظيماً بينما
انكفاؤها عن هذا الميدان يعني خسارة ونقصاً.
وقد تكون عدم مشاركة المرأة في ميدان العلوم الدينية خسارة نوعية في بعض
الأحيان، لأنّ مشاركتها لا تضيف رصيداً كمياً في الجهود العلمية المبذولة
فقط، بل قد تقوم المرأة بدور مميز، خاصة في تنقيح الأحكام، والموضوعات
المرتبطة بشؤون المرأة، والقضايا المختصة بها، فالفقيه في ممارسته لاستنباط
الحكم الشرعي ليس جهاز حاسوب آلي، ينجز مهامه بعيداً عن أي تأثير، بل هو
بشر تنعكس الأجواء المحيطة به، والمشاعر والتصورات التي يحملها على رأيه
ورؤيته، بشكل أو بآخر، خاصة في مجال تنقيح الموضوعات الخارجية. فإذا امتلكت
المرأة قدرة الاجتهاد والاستنباط، وتصدت لبحث القضايا والأحكام المرتبطة
بها، ضمن الضوابط المقررة، فقد يكون تشخيصها أعمق وأدق في تلك الموضوعات.
ثالثاً:
في هذا
العصر وحيث أصبح موضوع المرأة معركة صراع بين الحضارات والتوجهات، ووظفت
الحضارة المادية وسائل الإعلام والمعلومات المتطورة، للتبشير برؤيتها
وثقافتها, ولترويج أنماط السلوك الاجتماعية المنبثقة عنها، فإنّ من الضروري
جدّاً أن تتسلح المرأة المسلمة برؤية الإسلام، وأن تتحصن بمفاهيمه ومناهجه،
حتى لا تقع فريسة لتأثيرات الأفكار والبرامج الوافدة، خاصة وأنها تستهدف
المرأة بدرجة أساسية، وأيضاً لتكون المرأة المسلمة هي خط الدفاع عن تعاليم
الإسلام، والمبشرة بمفاهيمه وقيمه الأخلاقية الاجتماعية، على مستوى العالم.
إنّ مؤتمرات كبرى عالمية تعقد حول موضوع المرأة، كمؤتمر (نيروبي) عام
1975م، ومؤتمر (بكين) عام 1995م، ضمن سياق إبراز النموذج الغربي للمرأة،
وتعميمه لكلّ المجتمعات البشرية، وهناك سيل لا ينقطع من البرامج الإعلامية
والثقافية، عبر الأفلام والمجلات، والمؤسسات الاجتماعية الضخمة، التي تدفع
بهذا الاتجاه.
فإذا ما كانت المرأة محدودة المعرفة والوعي الديني، أو لم تكن مفاهيم
الإسلام واضحة وراسخة في ذهنها وفكرها، فإنها لن تصمد أمام هذه الثقافة
الغربية الزاحفة.
إنّ تفقّه المرأة في الدين، وإلمامها بمعارفه، وتعمقها في فهم أحكامه
ومناهجه، هو الذي يؤهلها للقيام بدور الدعوة إلى الإسلام، والتبشير بنموذجه
للمرأة على الصعيد العالمي.
بالعلم تميز الإنسان على غيره من المخلوقات، ونال الجدارة من الله سبحانه
بأن يكون خليفته في الأرض:
هكذا أصبح
العلم ميزة للإنسان، وصفة نال بها الجدارة للخلافة في الأرض، وكلما زاد
علمه زاد تميزه، واتسعت قدراته لتسخير قوى الطبيعة، واستثمار طاقات الكون
والحياة.
وكما تميز الإنسان على غيره بالعلم. فإنّ أفراد الإنسان يتمايزون فيما
بينهم ويتفاضلون بالعلم أيضاً:
(
فباب العلم مفتوح للراغبين فيه وساحته ميدان سباق، بما منحه الله تعالى من
نعمة إدراك وتعقل، دونما فرق بين شقيه الذكر والأنثى.
فالمرأة كالرجل، توازيه في إنسانيته، وتشاركه في القيام بدور الخلافة،
وتحمل مسؤولية عمارة الأرض، وقد منحها الله تعالى كالرجل نعمة العقل، وقدرة
الإدراك والمعرفة، ولا تختلف عنه في كونها تملك استعداداً وقابلية تامة
لإدراك الحقائق والمفاهيم، وتملك القدرة على العمل والتعلم، والسير في هذا
الطريق إلى أقصى غاياته.
بل إنّ دماغ النساء يحتوي على خلايا الدماغ المسماة العصبونات، بنسبة تزيد
بحوالي 10% عن دماغ الرجال، بالرغم من أنّ الرجال بصفة عامة أكبر حجماً من
النساء، وأدمغتهم كذلك أكبر حجماً.
والتفاوت في حجم الدماغ لا يؤثر في مستوى فعاليته، وإلاّ فدماغ الفيل يزن
حوالي 6 كيلوغرامات بينما دماغ الإنسان لايزن أكثر من 1300 غرام.
وقد نشرت الدكتورة (كيمورا) الباحثة في الأسس العصبية والهرمونية للوظائف
الفكرية ـ الذهنية ـ لدى الإنسان، وهي أستاذة في علم النفس في جامعة غربي
اونتاريو، نشرت بحثاً علمياً حول الفوارق في الدماغ بين الجنسين، أكدت فيه
وجود تفاوت متبادل في بعض الجوانب والمهارات، حيث يقابل تفوق كلّ طرف في
جانب، تفوق الطرف الآخر في جانب آخر، وخلصت إلى (أنّ الفوارق الجوهرية بين
الجنسين، تكمن في الطرز المختلفة للمهارات الفكرية التي يتمتع بها كلّ
منهما، أكثر مما هو راجع إلى المستوى العام للذكاء (حاصل الذكاء)، فمن
المعروف أنّ هناك تفاوتاً بين الناس في قدراتهم الذهنية: فمنهم من يبرع في
الجوانب اللغوية، ومنهم من يجيد الأعمال اليدوية، وهكذا يمكن لشخصين أن
يتمتعا بمستوى واحد من الذكاء، مع اختلاف في نمط المهارات التي يجيدها كلٌّ
منهما.