لا ريب انّ العصمة موهبة إلهية،وفخر لصاحبها، وهي لطف منه تعالى، ولكن هذا اللطف لا يمكن أن يفاض على جميع الأفراد، بل أنّه يفاض بعد تحقّق الأرضية الصالحة في نفس المعصوم تقتضي إفاضة تلك الموهبة الإلهية إليه.*
ولا شكّ أنّ قسماً من تلك القابليات خارج عن اختيار الإنسان،وقسماً آخر يقع في إطار إرادته واختياره، فعلى سبيل المثال: الكمالات والقابليات الروحية التي تكون عاملاً مساعداً في إفاضة العصمة وتوفر الأرضية اللازمة لذلك الفيض،هي من قبيل الأُمور الوراثية التي تنتقل من الآباء والأجداد إلى الأبناء، ولقد أثبت «علم الأحياء» بما لا شكّ فيه تلك الحقيقة، سواء كانت تلك الصفات والروحيات صالحة أو طالحة، كالشجاعة والجبن وغير ذلك....
إذا كانت العصمة أمراً مفاضاً وموهبة من اللّه منحها للمعصومين فحينئذ ما هو وجه افتخار المعصومين وفضلهم على غيرهم من الناس؟
الجواب: لا ريب انّ العصمة موهبة إلهية،وفخر لصاحبها، وهي لطف منه تعالى، ولكن هذا اللطف لا يمكن أن يفاض على جميع الأفراد، بل أنّه يفاض بعد تحقّق الأرضية الصالحة في نفس المعصوم تقتضي إفاضة تلك الموهبة الإلهية إليه.
ولا شكّ أنّ قسماً من تلك القابليات خارج عن اختيار الإنسان،وقسماً آخر يقع في إطار إرادته واختياره، فعلى سبيل المثال: الكمالات والقابليات الروحية التي تكون عاملاً مساعداً في إفاضة العصمة وتوفر الأرضية اللازمة لذلك الفيض،هي من قبيل الأُمور الوراثية التي تنتقل من الآباء والأجداد إلى الأبناء، ولقد أثبت «علم الأحياء» بما لا شكّ فيه تلك الحقيقة، سواء كانت تلك الصفات والروحيات صالحة أو طالحة، كالشجاعة والجبن وغير ذلك، ومن هذا المنطلق نجد أنّ الأنبياء ـ وكما يرسم لنا ذلك تاريخ حياتهم ـ كانوا يتولّدون في البيوتات الصالحة والعريقة بالفضائل والكمالات ومازالت تنتقل تلك الكمالات والفضائل الروحية السامية من نسل إلى نسل وتتكامل إلى أن تتجسد في نفس النبي حتّى يتولّد وهو يحمل روحاً طيبة وقابليات كبيرة واستعدادات واسعة تكوّن الأرضية المناسبة لإفاضة المواهب الإلهية عليه.
ثمّ إنّ العامل الوراثي ليس هو العامل الوحيد لانتقال الكمالات الروحية وتكوّن القابليات والاستعدادات المقوّمة للشخصية، بل هناك عامل آخر لتكوّنها وهو عامل التربية. وعلى هذا الأساس تكون الكمالات والفضائل المتوفرة في بيئتهم ومحيطهم تنتقل إليهم من طريق التربية.
ففي ظلِّ هذين العاملين:«الوراثة، والتربية» ـ وهما بلا شك خارجان عن الاختيار ـ تنشأ سلسلة من الكمالات الروحية والقابليات الأخلاقية، وتتوفر الأرضية اللازمة لإفاضة «العصمة» من اللّه سبحانه على الأنبياء والأئمّة.
وليس هذان العاملان هما السبب الوحيد لإفاضة العصمة، بل هناك عوامل أُخرى لاكتساب الأرضية الصالحة داخلة في إطار الاختيار وحرية الإنسان وهي:
1. المجاهدات الفردية والاجتماعية للأنبياء، فعلى سبيل ا لمثال إبراهيم ويوسف وموسى( [1])والنبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) قبل البعثة، فلقد كانوا يجاهدون النفس الأمّارة أشدّ الجهاد ويمارسون تهذيب أنفسهم، بل ومجتمعهم لتوفير اللياقات والقابليات وإعداد الأرضية اللازمة والنفوس المستعدة لتلقّي هذا الفيض بنحو إذا أُفيض عليهم ذلك فإنّهم سيستفيدون من هذا اللطف لتهذيب الفرد والمجتمع.
صحيح انّنا لن نطّلع على جميع جزئيات تاريخ الأنبياء، ولكنّ في نفس الوقت تكون مثل تلك القابليات والاستعدادات عاملاً مۆثراً في إفاضة اللطف الإلهي عليهم.
2. علم اللّه سبحانه ووقوفه على ضمائرهم ونيّاتهم ومستقبل أمرهم، وعلمه أنّهم ذوات مقدّسة لو أُفيضت إليهم تلك الموهبة لاستعانوا بها في طريق الطاعة ولسعوا وبشكل يبعث على الإعجاب والدهشة في الإصلاح الفردي والاجتماعي.
فهذه العوامل التي يكون بعضها واقعاً في إطار الاختيار وبعضها الآخر خارجاً عن اختيارهم توجد القابليات والأرضية المناسبة والصالحة لإفاضة وصف العصمة عليهم وانتخابهم لذلك المقام السامي، ولا شكّ حينئذ تكون العصمة مفخرة للنبي باعتبار أنّه باختياره وبجهاده قد وفّر قسماً من تلك الأسباب الدخيلة في الإفاضة.
وفي الختام لابدّ من الإشارة إلى نكتة مهمة وهي: لا ريب أنّ إفاضة العصمة في المراحل الأُولى لأولياء اللّه، وهي مرحلة العصمة في دور الطفولة خارجة عن إطار بعض تلك الشرائط كالمجاهدات قبل البعثة، بل انّ تلك الشروط مۆثرة في المراحل العليا من العصمة.
وعلى هذا الأساس يمكن التعرف على أهمية العامل الرابع(علم اللّه ووقوفه...) من خلال بعض الزيارات والأدعية، فقد ورد في زيارة الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء(سلام اللّه عليها): «يا مُمْتَحَنَةُ امْتَحَنَكِ اللّهُ الَّذي خَلَقَكِ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَكِ وَكُنتِ لِمَا امْتَحَنَكِ بِهِ صابِرَةً».
وقد ورد في دعاء الندبة:
«أَوليائِكَ الَّذينَ اسْتَخْلَصْتَهُمْ لِنَفْسِكَ ... بَعْدَ أَنْ شَرَطْتَّ عَلَيْهِمُ الزُّهْدَفي دَرَجاتِ هذِهِ الدُّنْيَا الدَّنِيَّة... فَشَرَطُوا لَكَ ذلِكَ وَعَلِمْتَ مِنْهُمُ الوَفاءَبِهِ».( [2])
المصادر:
[1] . لقد ورد في القرآن الكريم الإشارة إلى قسم من مجاهدات هۆلاء الأنبياء العظام الثلاثة، وكذلك في تاريخ النبي الأكرمصلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم قبل البعثة توجد دلائل واضحة وشفافة تُعدّ الأرضية اللازمة لمثل تلك الإفاضات.
[2] . منشور جاويد:5/24ـ 26.