نافذة على إعجاز القرآن
  • عنوان المقال: نافذة على إعجاز القرآن
  • الکاتب: آية الله مكارم الشيرازي
  • مصدر: مؤسسة البعثة
  • تاريخ النشر: 16:39:42 3-9-1403

سرّ الحروف المقطعة:نلاحظ في أوائل عدد من سور القرآن بعض "الحروف المقطعة" مثل "ألم" و"ألمر" و"يس".

تقول بعض الروايات الاسلامية إن واحداً من أسرار هذه الحروف المقطعة هو أنَّ الله يريد أن يرينا كيف أن هذه المعجزة الخالدة العظيمة، "القرآن العظيم" قد بنيت من حروف الالفباء البسيطة التي تعتبر من أبسط مواد البناء! وكيف أنَّ هذا الكلام الرائع العظيم قد تألف من هذه الحروف التي يستطيع التكلم بها حتى الاطفال الصغار. لاشك إذن في أنَّ ظهور هذا الامر العظيم من هذه المواد البسيطة اعجاز لا يُدانيه إعجاز.

هنا يتبادر للذهن سؤال: من أية ناحية يكون اعجاز القرآن؟ أمن حيث البلاغة والفصاحة، اي من حيث حلاوة عباراته ودخولها الى القلب بنفوذ عجيب، أم أنَّ هناك جوانب اُخرى لإعجازه؟

الحقيقة هي أنَّك من أية زواية نظرت الى القرآن لطالعتك إمارات الاعجاز واضحة. من ذلك مثلاً:

1- الفصاحة والبلاغة: هنا تجد حلاوة الالفاظ والجاذبية العجيبة التي تتجلى لك في المعاني والمفاهيم.

2- المحتوى الرفيع وخاصة العقائد البعيدة عن كل انحراف.

3- المعجزات العلمية، فالقرآن يكشف الستار عن مسائل علمية لم يكن الانسان قد اكتشفها يومذاك.

4- الاخبار عن الغيب والتنبؤ بحدوث بعض الحوادث في المستقبل.

5- عدم وجود التضاد ولا الاختلاف ولا التّشتت.

الفصاحة والبلاغة :لكل كلام جانبان، "الفاظه" و"محتواه". عندما تكون الالفاظ والكلمات جميلة ولائقة وتتميز بالانسجام والترابط اللازم وخالية من التعقيد، ويوصل تركيب الجمل المعنى المراد بدقّة تامّة وبطريقة مقبولة وجذابة قيل عن ذلك الكلام أنَّه فصيح وبليغ.

وفي القرآن يتجسد هذان الجانبان تجسداً لا مزيد عليه، بحيث أنَّ أحداً لم يستطع حتى الآن أنْ يأتي بآيات وسور تضاهي آياته وسوره من حيث الجاذبية والحلاوة والتناغم.

إنَّ الوليد بن المغيرة، منتخب مشركي العرب، هاجت مشاعره وانفعل عند سماع بضع آيات من القرآن، ولم يتوصل تفكيره العميق الى إلصاق أي تهمة به إلاّ أن يصفه بالسحر وإلاّ أنْ يصف رسول الله بالساحر!

وعلى الرّغم من أنَّهم راحوا يكررون إلصاق صفة السحر بآيات القرآن على سبيل الذم والتنديد، إلاّ أنَّ ذلك كان في الواقع مدحاً وتكريماً، إذ أنَّ فيه إعترافاً ضمنياً بسيطرة القرآن الكريم الخارقة للعادة على السامع ونفوذه الى أعماقه.

بحيث إنَّك لا تستطيع إنْ تفسر ذلك تفسيراً عادياً، إلاّ أنْ تقول أنَّ فيه جاذبية غامضة مجهولة. ولكنهم بدلاً من أنْ يتقبلوا تلك الحقيقة ويعتبروها معجزة فيؤمنوا بها، انحرفوا عن جادة الصواب وقالوا إنَّها سحر وأساطير.

يذكر لنا التاريخ أمثلة كثيرة عن أشخاص غلاظ شداد كانوا يفدون على رسول الله صلى الله عليه وآله، وما أنْ يستمعوا الى بضع آيات منه حتى يتغير حالهم وتشرق شمس الايمان في قلوبهم، الامر الذي يدل بوضوح على أنَّ ما في القرآن الكريم من فصاحة وبلاغة معجز.

بل إنَّنا في أيّامنا هذه نجد العارفين بآداب اللغة العربية كلما كرروا تلاوة القرآن الكريم إزداد إحساسهم بما فيه من حلاوة ومايثيره فيهم من لذّة بحيث إنَّهم لا يتعبون من تكرار تلاوته. تتصف العبارات القرآنية بالدقة المتناهية المحسوبة، فالقرآن عف البيان متين البنيان، وهو في الوقت نفسه ناطق صريح، وصارم شديد عند الاقتضاء.

ولا بدّ من الاشارة الى أنَّ العرب مذاك كانوا قمة في الفنون الادبية من شعر ونثر وصناعة كلام، ومازالت قصائد من الشعر الجاهلي تعتبر من أرفع الشعر، وكان سوق عكاظ موضعاً يجتمع فيه فطاحل الشعراء كلّ سنة ينشدون فيه اشعارهم ويتنافسون في أجودها، ويختارون أفضلها طراً ويعلقونها على جدار الكعبة باعتبارها خير قصيدة قيلت في تلك السنة.

وعند ظهور الدّعوة الاسلامية كانت هناك سبع قصائد معلقة على حائط الكعبة، اطلق عليها اسم "المعلقات السبع".

ولكن بعد نزول القرآن لم يبق لتلك المعلقات أي لون ولا طعم، فازيلت الواحدة بعد الاخرى وطواها النسيان. ولقد سعى المفسرون جهد طاقاتهم للاشارة الى دقائق الابداع الالهي العجيبة في القرآن، فيمكن الرجوع الى تلك التفاسير للتوسع في الاطلاع1.

إنَّ معرفة القرآن تؤكد أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله لم يبالغ حين قال: "ظاهره أنيق وباطنه عميق لا تحصى عجائبه ولا تبلى غرائبه".
والامام علي أمير المؤمنين عليه السلام، تلميذ مدرسة القرآن العظيم، يقول في نهج البلاغه واصفاً القرآن: "فيه ربيع القلب، وينابيع العلم، وما للقلب جلاء غيره".

 

*سلسلة دروس في العقائد الاسلامية،آية الله مكارم الشيرازي . مؤسسة البعثة،ط2 ، ص101-105

________________________

1- يمكنكم الرّجوع الى "تفسير الامثل" بهذا الخصوص.