الاَئمّة من علماء الشيعة ينفون التحريف
  • عنوان المقال: الاَئمّة من علماء الشيعة ينفون التحريف
  • الکاتب:
  • مصدر:
  • تاريخ النشر: 16:37:10 3-9-1403

إنّ المشهور بين علماء الشيعة ومحققيهم ، والمتسالم عليه بينهم ، هو القول بعدم التحريف في القرآن الكريم ، وقد نصّوا على أنّ الذي بين الدفّتين هو جميع القرآن المُنْزَل على النبيّ الاَكرم صلى الله عليه وآله وسلم دون زيادة أو نقصان ، ومن الواضح أنّه لا يجوز إسناد عقيدةٍ أو قولٍ إلى طائفةٍ من الطوائف إلاّ على ضوء كلمات أكابر علماء تلك الطائفة ، وباعتماد مصادرها المعتبرة ، وفيما يلي نقدّم نماذج من أقوال أئمة الشيعة الاِمامية منذ القرون الاُولى وإلى الآن ، لتتّضح عقيدتهم في هذه المسألة بشكل جلي :
1 ـ يقول الاِمام الشيخ الصدوق ، محمّد بن علي بن بابويه القمي ، المتوفّى سنة (381 هـ) في كتاب (الاعتقادات) : «اعتقادنا أنّ القرآن الذي أنزله الله على نبيّه صلى الله عليه وآله وسلم هو مابين الدفّتين ، وهو ما في أيدي الناس ، ليس بأكثر من ذلك ، ومبلغ سوره عند الناس مائة وأربع عشرة سورة.. ومن نسب إلينا أنّا نقول إنّه أكثر من ذلك فهو كاذب» (1).
2 ـ ويقول الاِمام الشيخ المفيد ، محمّد بن محمّد بن النعمان ، المتوفّى سنة (413 هـ) في (أوائل المقالات) : «قال جماعة من أهل الاِمامة : إنّه لم ينقص من كَلِمة ولا من آية ولا من سورة ، ولكن حُذِف ما كان مثبتاً في مصحف أمير المؤمنين عليه السلام من تأويله وتفسير معانيه على حقيقة تنزيله ، وذلك كان ثابتاً منزلاً ، وإن لم يكن من جملة كلام الله تعالى الذي هو القرآن المعجز ، وعندي أنّ هذا القول أشبه ـ أي أقرب في النظر ـ مِن مقال من أدّعى نقصان كَلِمٍ من نفس القرآن على الحقيقة دون التأويل ، وإليه أميل» (2) .
وفي (أجوبة المسائل السروية) ، قال : «فان قال قائل : كيف يصحّ القول بأنّ الذي بين الدفّتين هو كلام الله تعالى على الحقيقة من غير زيادة فيه ولانقصان ، وأنتم تروون عن الاَئمّة عليهم السلام أنّهم قرأوا «كنتم خير أئمّة أُخرجت للناس» ، «وكذلك جعلناكم أئمّة وسطاً» . وقرأوا «يسألونك الاَنفال» . وهذا بخلاف ما في المصحف الذي في أيدي الناس ؟
قيل له : إنّ الاَخبار التي جاءت بذلك أخبار آحاد لايُقْطَع على الله تعالى بصحّتها ، فلذلك وقفنا فيها ، ولم نعدل عمّا في المصحف الظاهر ، على ما أُمِرنا به (3)حسب مابيّناه مع أنّه لايُنْكر أن تأتي القراءة على وجهين منزلين ، أحدهما : ما تضمّنه المصحف ، والثاني : ما جاء به الخبر، كما يعترف به مخالفونا من نزول القرآن على أوجهٍ شتّى» (4).
3 ـ ويقول الاِمام الشريف المرتضى ، عليّ بن الحسين الموسوي ، المتوفّى سنة (436 هـ) في (المسائل الطرابلسيات) : «إنّ العلم بصحّة نقل القرآن ، كالعلم بالبلدان والحوادث الكبار والوقائع العظام ، والكتب المشهورة ، وأشعار العرب المسطورة ، فإنّ العناية اشتدّت ، والدواعي توفرت على نقله وحراسته ، وبلغت إلى حدّ لم يَبْلُغه في ما ذكرناه ‎؛ لاَنّ القرآن معجزة النبوّة ، ومأخذ العلوم الشرعية والاَحكام الدينية ، وعلماء المسلمين قد بلغوا في حفظه وحمايته الغاية حتّى عرفوا كلّ شيءٍ اختلف فيه من إعرابه وقراءته وحروفه وآياته ، فكيف يجوز أن يكون مغيّراً أو منقوصاً مع العناية الصادقة والضبط الشديد ؟!
وقال أيضاً : إنّ العلم بتفضيل القرآن وأبعاضه في صحّة نقله كالعلم بجملته ، وجرى ذلك مجرى ماعُلِم ضرورةً من الكتب المصنّفة ككتابي سيبويه والمزني ، فإنّ أهل العناية بهذا الشأن يعلمون من تفصيلها مايعلمونه من جملتها ، حتّى لو أنّ مُدْخِلاً أدخل في كتاب سيبويه باباً ليس من الكتاب لُعرِف ومُيّز ، وعُلِم أنّه مُلْحَقٌ وليس من أصل الكتاب ، وكذلك القول في كتاب المزني ، ومعلومٌ أنّ العناية بنقل القرآن وضبطهِ أصدق من العناية بضبط كتاب سيبويه ودواوين الشعراء» .
وذكر : «أنّ من خالف في ذلك من الاِمامية والحشوية لايعتدّ بخلافهم ، فإنّ الخلاف في ذلك مضافٌ إلى قومٍ من أصحاب الحديث ، نقلوا أخباراً ضعيفة ظنّوا صحّتها ، لايرجع بمثلها عن المعلوم المقطوع على صحّته»(5)
وذكر ابن حزم أنّ الشريف المرتضى كان يُنكر من زعم أنّ القرآن بُدّل ، أو زيد فيه ، أو نُقِص منه ، ويكفّر من قاله ، وكذلك صاحباه أبو يعلى الطوسي وأبو القاسم الرازي (6).
4 ـ ويقول الاِمام الشيخ الطوسي ، محمد بن الحسن ، المعروف بشيخ الطائفة ، المتوفّى سنة (460 هـ) في مقدمة تفسيره (التبيان) : «المقصود من هذا الكتاب علم معانيه وفنون أغراضه ، وأمّا الكلام في زيادته ونقصانه فممّا لا يليق به أيضاً ، لاَنّ الزيادة فيه مجمعٌ على بطلانها ، والنقصان منه فالظاهر أيضاً من مذهب المسلمين خلافه ، وهو الاَليق بالصحيح من مذهبنا ، وهو الذي نصره المرتضى رحمه الله ، وهو الظاهر من الروايات ، غير أنّه رُويت روايات كثيرة من جهة الخاصّة والعامّة بنقصان كثير من آي القرآن ، ونقل شيءٍ من موضع إلى موضع ، طريقها الآحاد التي لاتُوجِب علماً ولا عملاً ، والاَولى الاعراض عنها وترك التشاغل بها ، لاَنّه يمكن تأويلها ، ولو صَحّت لماكان ذلك طعناً على ماهو موجودٌ بين الدفّتين ، فإنّ ذلك معلومٌ صحّته لايعترضه أحدٌ من الاَُمّة ولا يدفعه» (7).
5 ـ ويقول الاِمام الشيخ الطبرسي ، أبو علي الفضل بن الحسن المتوفى سنة (548 هـ )، في مقدمة تفسيره (مجمع البيان) : «ومن ذلك الكلام في زيادة القرآن ونقصانه ، فانّه لا يليق بالتفسير ، فأمّا الزيادة فمجمعٌ على بطلانها ، وأمّا النقصان منه فقد روى جماعة من أصحابنا وقوم من حشوية العامّة أنّ في القرآن تغييراً ونقصاناً ؛ والصحيح من مذهب أصحابنا خلافه، وهو الذي نصره المرتضى ، واستوفى الكلام فيه غاية «الاستيفاء»(8) .
6 ـ ويقول الاِمام العلاّمة الحلي ، أبو منصور الحسن بن يوسف بن المطهر ، المتوفّى( سنة 726 هـ) في (أجوبة المسائل المهناوية) حيثُ سُئل ما يقول سيدنا في الكتاب العزيز ، هل يصحّ عند أصحابنا أنّه نقص منه شيءٌ ، أو زِيد فيه ، أو غُيِّر ترتيبه ، أم لم يصحّ عندهم شيءٌ من ذلك ؟
فأجاب : «الحقّ أنّه لا تبديل ولا تأخير ولا تقديم فيه ، وأنّه لم يزد ولم ينقص ، ونعوذ بالله تعالى من أن يُعْتَقَد مثل ذلك وأمثال ذلك ، فإنّه يُوجِب التطرّق إلى معجزة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم المنقولة بالتواتر» (9).
7 ـ ويقول الاِمام الشيخ البهائي ، محمد بن الحسين الحارثي العاملي ، المتوفّى سنة 1030 هـ ، كما نقل عنه البلاغي في (آلاء الرحمن) : «الصحيح أنّ القرآن العظيم محفوظٌ عن التحريف ، زيادةً كان أو نقصاناً ، ويدلّ عليه قوله تعالى : ( وإنّا لَهُ لَحَافِظُونَ )
 وما اشتهر بين الناس من اسقاط اسم أمير المؤمنين عليه السلام منه في بعض المواضع ، مثل قوله تعالى (
يا أيُّها الرسولُ بَلّغ ما أُنْزِل إليكَ ـ في عليّ ـ ) وغير ذلك ، فهو غير معتبرٍ عند العلماء» (10).
8 ـ ويقول الاِمام الشيخ جعفر كاشف الغطاء ، المتوفّى سنة (1228 هـ ) في (كشف الغطاء) : «لا ريب في أنّ القرآن محفوظٌ من النقصان بحفظ الملك الديّان ، كما دلّ عليه صريح الفرقان ، واجماع العلماء في جميع الاَزمان ، ولاعبرة بالنادر ، وما ورد في أخبار النقيصة تمنع البديهة من العمل بظاهرها ، ولاسيّما مافيه نقص ثلث القرآن أو كثير منه ، فإنّه لو كان كذلك لتواتر نقله ، لتوفّر الدواعي عليه ، ولا تّخذه غير أهل الاِسلام من أعظم المطاعن على الاِسلام وأهله ، ثمّ كيف يكون ذلك وكانوا شديدي المحافظة على ضبط آياته وحروفه» (11).
9 ـ ويقول الاِمام المجاهد السيد محمد الطباطبائي ، المتوفّى سنة (1242 هـ) في (مفاتيح الاُصول) : «لاخلاف أنّ كل ماهو من القرآن يجب أن يكون متواتراً في أصله وأجزائه ، وأمّا في محلّه ووضعه وترتيبه فكذلك عند محقّقي أهل السنة ، للقطع بأنّ العادة تقضي بالتواتر في تفاصيل مثله، لاَنّ هذا المعجز العظيم الذي هو أصل الدين القويم ، والصراط المستقيم ، ممّا توفّرت الدواعي على نقل جمله وتفاصيله ، فما نقل آحاداً ولم يتواتر ، يقطع بأنّه ليس من القرآن قطعاً» (12).
10 ـ ويقول الاِمام الشيخ محمد جواد البلاغي ، المتوفّى سنة (1352 هـ ) في (آلاء الرحمن) : «ولئن سمعت من الروايات الشاذّة شيئاً في تحريف القرآن وضياع بعضه ، فلا تُقِم لتلك الروايات وزناً ، وقلَّ ما يشاء العلم في اضطرابها ووهنها وضعف رواتها ومخالفتها للمسلمين ، وفيما جاءت به في مروياتها الواهية من الوهن، وما ألصقته بكرامة القرآن ممّا ليس له شَبَه به»(13).
11 ـ ويقول الاِمام الشيخ محمد حسين آل كاشف الغطاء ، المتوفّى سنة( 1373 هـ) في (أصل الشيعة وأصولها) : «إنّ الكتاب الموجود في أيدي المسلمين ، هو الكتاب الذي أنزله الله إليه صلى الله عليه وآله وسلم للاعجاز والتحدّي ، ولتعليم الاَحكام ، وتمييز الحلال من الحرام ، وإنّه لا نقص فيه ولا تحريف ولا زيادة ، وعلى هذا إجماعهم ، ومن ذهب منهم ، أو من غيرهم من فرق المسلمين ، إلى وجود نقصٍ فيه أو تحريفٍ ، فهو مخطئ، يَرُدّهُ نص الكتاب العظيم ( إنّا نحنُ نزّلنا الذكرَ وإنّا لَهُ لَحَافِظُونَ ) (الحجر15: 9).
والاَخبار الواردة من طرقنا أو طرقهم الظاهرة في نقصه أو تحريفه ، ضعيفة شاذّة ، وأخبار آحاد لا تفيد علماً ولا عملاً ، فأمّا أن تُؤوّل بنحوٍ من الاعتبار أو يُضْرَب بها الجدار» (14).
12 ـ ويقول الاِمام السيد عبدالحسين شرف الدين العاملي ، المتوفّى سنة (1377 هـ) ، في (أجوبة مسائل جار الله) : «إنّ القرآن العظيم والذكر الحكيم ، متواترٌ من طُرقنا بجميع آياته وكلماته وسائر حروفه وحركاته وسكناته ، تواتراً قطعياً عن أئمة الهدى من أهل البيت عليهم السلام ، لا يرتاب في ذلك إلاّ معتوهٌ ، وأئمّة أهل البيت عليهم السلام كلّهم أجمعون رفعوه إلى جدّهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن الله تعالى ، وهذا أيضاً ممّا لا ريب فيه . وظواهر القرآن الحكيم ، فضلاً عن نصوصه ، أبلغ حجج الله تعالى ، وأقوى أدلّة أهل الحقّ بحكم الضرورة الاَولية من مذهب الاِمامية ، وصحاحهم في ذلك متواترةٌ من طريق العِترة الطاهرة ، ولذلك تراهم يضربون بظواهر الصحاح المخالفة للقرآن عرض الجدار ولا يأبهون بها ، عملاً بأوامر أئمتهم عليهم السلام .
وكان القرآن مجموعاً أيام النبي صلى الله عليه وآله وسلم على ماهو عليه الآن من الترتيب والتنسيق في آياته وسوره وسائر كلماته وحروفه ، بلا زيادةٍ ولا نقصانٍ ، ولا تقديمٍ ولا تأخيرٍ ، ولا تبديلٍ ولا تغيير» (15).
13 ـ ويقول الاِمام السيد أبو القاسم الموسوي الخوئي ، المتوفّى سنة 1413 هـ ، في (البيان في تفسير القرآن) : «المعروف بين المسلمين عدم وقوع التحريف في القرآن ، وأنَّ الموجود بأيدينا هو جميع القرآن المنزل على النبي الاَعظم صلى الله عليه وآله وسلم ، وقد صرح بذلك كثير من الاَعلام ، منهم رئيس المحدثين الشيخ الصدوق محمد بن بابويه ، وقد عدّ القول بعدم التحريف من معتقدات الاِمامية» (16).
ويقول أيضاً : «إنّ حديث تحريف القرآن حديث خرافة وخيال ، لايقول به إلاّ من ضعف عقله ، أو من لم يتأمّل في أطرافه حقّ التأمّل ، أو من ألجأه إليه من يحبّ القول به ، والحبّ يعمي ويصمّ ، وأمّا العاقل المنصف المتدبّر فلا يشكّ في بطلانه وخرافته» (17).
14 ـ يقول الاِمام الخميني المتوفّى سنة 1409 هـ : «إنّ الواقف على عناية المسلمين بجمع الكتاب وحفظه وضبطه ، قراءةً وكتابةً ، يقف على بطلان تلك الروايات المزعومة . وما ورد فيها من أخبار ـ حسبما تمسّكوا به ـ إمّا ضعيف لا يصلح للاستدلال به ، أو موضوع تلوح عليه إمارات الوضع ، أو غريب يقضي بالعجب ، أمّا الصحيح منها فيرمي إلى مسألة التأويل ، والتفسير، وإنّ التحريف إنّما حصل في ذلك ، لا في لفظه وعباراته .
وتفصيل ذلك يحتاج إلى تأليف كتاب حافل ببيان تاريخ القرآن والمراحل التي قضاها طيلة قرون ، ويتلخّص في أنّ الكتاب العزيز هو عين ما بين الدفّتين ، لا زيادة فيه ولا نقصان ، وأنّ الاختلاف في القراءات أمر حادث ، ناشئ عن اختلاف في الاجتهادات ، من غير أن يمسّ جانب الوحي الذي نزل به الروح الاَمين على قلب سيد المرسلين» (18).

 

روايات التحريف

يقول السيد شرف الدين العاملي المتوفّى سنة (1377 هـ) : «لا تخلو كتب الشيعة وكتب أهل السنة من أحاديث ظاهرة بنقص القرآن ، غير أنّها ممّا لا وزن لها عند الاَعلام من علمائنا أجمع ، لضعف سندها ، ومعارضتها بما هو أقوى منها سنداً ، وأكثر عدداً ، وأوضح دلالةً ، على أنّها من أخبار الآحاد ، وخبر الواحد إنّما يكون حجّة إذا اقتضى عملاً ، وهذه لا تقتضي ذلك ، فلا يرجع بها عن المعلوم المقطوع به ، فليضرب بظواهرها عرض الحائط» (19) .

ثلاث حقائق مهمّة ! قبل الخوض في موقف علماء الشيعة من روايات التحريف ، وعرض نماذج من هذه الروايات ، نرى لزاماً علينا بيان بعض الحقائق المتعلّقة بهذا الموضوع :
1 ـ إنّ من يحتجّ على الشيعة في مسألة تحريف القرآن ببعض الاَحاديث الموجودة في كتب بعض علمائهم ، فهو متحاملٌ بعيدٌ عن الانصاف ؛ لاَنّه لا يوجد بين مصنّفي الشيعة من التزم الصحّة في جميع ماأورده من أحاديث في كتابه ، كما لا يوجد كتابٌ واحدٌ من بين كتب الشيعة وُصِفت كلّ أحاديثه بالصحّة وقوبلت بالتسليم لدى الفقهاء والمحدّثين .
يقول الشيخ الاستاذ محمّد جواد مغنية : «إنّ الشيعة تعتقد أنّ كتب الحديث الموجودة في مكتباتهم ، ومنها (الكافي) و (الاستبصار) و (التهذيب) و (من لايحضره الفقيه) فيها الصحيح والضعيف ، وإنّ كتب الفقه التي ألّفها علماؤهم فيها الخطأ والصواب ، فليس عند الشيعة كتاب يؤمنون بأنّ كلّ مافيه حقٌّ وصوابٌ من أوّله إلى آخره غير القرآن الكريم ، فالاَحاديث الموجودة في كتب الشيعة لا تكون حجةً على مذهبهم ولا على أيّ شيعي بصفته المذهبية الشيعية ، وإنّما يكون الحديث حجّةً على الشيعي الذي ثبت عنده الحديث بصفته الشخصية» .
ويكفي أن نذكر هنا أنّ كتاب الكافي للشيخ محمد بن يعقوب الكليني المتوفّى 329 هـ ، وهو من الكتب الاَربعة التي عليها المدار في استنباط الاحكام الشرعية ، يحتوي على ستة عشر ألفاً ومئتي حديث ، صنفوا أحاديثه ـ بحسب الاصطلاح ـ إلى الصحيح والحسن والموثق والقوي والضعيف .
2 ـ لايجوز نسبة القول بالتحريف إلى الرواة أو مصنفي كتب الحديث ؛ لاَنّ مجرد رواية أو إخراج الحديث لا تعني أنّ الراوي أو المصنّف يعتقد بمضمون مايرويه أو يخرجه ، فقد ترى المحدث يروي في كتابه الحديثي خبرين متناقضين يخالف أحدهما مدلول الآخر بنحو لا يمكن الجمع بينهما ، فالرواية إذن أعم من الاعتقاد والقبول والتصديق بالمضمون ، وإلاّ لكان البخاري ومسلم وسواهما من أصحاب الصحاح والمجاميع الحديثية ، وسائر أئمّة الحديث ، وجُلّ الفقهاء والعلماء عند فرق المسلمين ، قائلين بالتحريف ؛ لاَنّهم جميعاً قد رووا أخباره في كتبهم وصحاحهم ! والاَمر ليس كذلك بالتأكيد ، فلو صحّ نسبة الاعتقاد بما يرويه الرواة إليهم للزم أن يكون هؤلاء وغيرهم من المؤلّفين ونقلة الآثار يؤمنون بالمتعارضات والمتناقضات ، وبما يخالف مذاهبهم ومعتقداتهم ، ماداموا يروون ذلك كلّه في كتبهم الحديثية ، وهذا ما لم يقل به ولا أدعاه عليهم ذو مسكة إذا أراد الانصاف .
3 ـ إنّ ذهاب بعض أهل الفرق إلى القول بتحريف القرآن ، أو إلى رأيٍ يتفرّد به ، لايصحّ نسبة ذلك الرأي إلى تلك الفرقة بأكملها ، لا سيما إذاكان ما ذهب إليه قد تعرّض للنقد والتجريح والانكار من قبل علماء تلك الفرقة ومحقّقيها ، فكم من كتبٍ كُتِبت وهي لا تعبّر في الحقيقة إلاّ عن رأي كاتبها ومؤلّفها ، ويكون فيها الغثّ والسمين ، وفيها الحقّ والباطل ، وتحمل بين طيّاتها الخطأ والصواب ، ولا يختصّ ذلك بالشيعة دون سواهم ، فذهاب قوم من حشوية العامّة إلى القول بتحريف القرآن لا يبرّر نسبة القول بالتحريف إلى أهل السنة قاطبة ، وذهاب الشيخ النوري المتوفى (1320 هـ ) إلى القول بنقص القرآن لايصلح مبرّراً لنسبة القول بالتحريف إلى الشيعة كافة ، وكذا لا يصحّ نسبة أقوال ومخاريق ابن تيميّة التي جاء بها من عند نفسه وتفرّد بها إلى أهل السنة بصورة عامة سيما وإنّ أغلب محققيهم قد أنكروها عليه ، فإذا صحّ ذلك فانّما هو شطط من القول وإسراف في التجنّي وإمعان في التعصّب ومتابعة الهوى .

____________
(1) الاعتقادات : 93 .
(2) أوائل المقالات : 55 .
(3) روي عن الصادق عليه السلام أنه قال : «اقرءوا كما عُلّمتم...» ، وقال عليه السلام : «اقرءُوا كما يقرأ الناس».
(4) المسائل السروية : 83 تحقيق الاستاذ صائب عبدالحميد .
(5) مجمع البيان 1 : 83 .
(6) الفصل في الملل والنحل 4 : 182 .
(7) التبيان 1 : 3 .
(8) مجمع البيان 1 : 83 .
(9) أجوبة المسائل المهناوية : 121 .
(10) آلاء الرحمن 1 : 26 .
(11) كشف الغطاء : 229 .
(12) البرهان للبروجردي : 120 .
(13) آلاء الرحمن 1 : 18 .
(14) أصل الشيعة وأُصولها : 101 ـ 102 ط15 .
(15) عبدالحسين شرف الدين | أجوبة مسائل جار الله : أُنظر ص 28 ـ 37 .
(16) البيان في تفسير القرآن : 200 .
(17) البيان في تفسير القرآن : 259 .
(18) تهذيب الأصول 2: 165 .
(19) أجوبة مسائل جار الله ـ المسألة الرابعة : 31 ـ 37 .