الصوم عند المجتمعات السابقة(الصيام عند المانوية)
  • عنوان المقال: الصوم عند المجتمعات السابقة(الصيام عند المانوية)
  • الکاتب:
  • مصدر:
  • تاريخ النشر: 5:43:24 2-9-1403

الصوم عند المجتمعات السابقة:

الصوم من العبادات التي مارسها الإنسان منذ القدم وكان معروفاً لدى الكثير من الاُمم والأديان السابقة كما صرَّحت بذلك الآية الكريمة: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)(1).
قال السيّد السبزواري في تفسيره: «أي: كما ثبت على الأنبياء السابقين واُممهم... ويمكن أن يراد من قبلكم جميع الملل، فأنّ الثابت أنّ الصوم أمر محبوب في جميع الملل، حتى الوثنية، وهو مشروع فيهم، بل يمكن أن يقال: إنّ الإمساك عن الطعام في الجملة من لوازم العبودية بالنسبة الى كل معبود، فإنّ أوّل قدم الوصول الى المحبة الحقيقية، الإمساك عن جملة من الاُمور المادية، والتنزّه عن المستلذات الجسمانية، حتى يليق العبد بالمقامات العالية التي منها قول الله عزّ وجل: «لخلوق فم الصائم أحب إليّ من ريح المسك».
وقال السيد العلامة في الميزان: «والمراد بالذين من قبلكم، الاُمم السابقة من المليين في الجملة، ولم يعيّن القرآن مَنْ هم، غير أنّ ظاهر قوله: كما كتب، أنّ هؤلاء من أهل الملّة وقد فرض عليهم ذلك، ولايوجد في التوراة والانجيل الموجودين عند اليهود والنصارى مايدلّ على وجوب الصوم وفرضه، بل الكتابان إنّما يمدحانه ويعظمان أمره، لكنّهم يصومون أيّاماً معدودة في السنة إلى اليوم باشكال مختلفة: كالصوم عن اللحم والصوم عن اللبن والصوم عن الأكل والشرب، وفي القرآن قصة صوم زكريا عن الكلام، وكذا صوم مريم عن الكلام...
بل الصوم عبادة مأثورة عن غير المليّين كما ينقل من مصر القديمة واليونان والرومانيين... وأمّا والوثنيون من الهند يصومون حتى اليوم، بل كونه عبادة قريبة مما يهتدي إليه الإنسان بفطرته».
فكان الصوم ركناً في جميع الأديان السماوية، كاليهودية والنصرانية والأديان الاُخرى كالمانوية والحرنانية، حيث ورد في التاريخ، أنّ الاُمم السابقة كانوا يصومون، «فلم يخلُ منه دين من الأديان سواء السماوية منها أم الوضعية، فقد يظهر من بعض الروايات أنّ المجوس كان لهم صوم، وأنّ «الصياميّة» نحلة منهم تجرّدوا للعبادة، وأمسكوا عن الطيّبات من الرزق، وعن النكاح والذبح على ماهو المقرّر عندهم وتوجّهوا في عبادتهم للنيران».
إلاّ أنّه هل الصوم الذي كتب علينا هو عَنْيُهُ وبكل خصوصياته كتب على الاُمم السابقة، وهل أنّ جميع اُمم الأنبياء السابقين كان مكتوباً عليهم الصوم من غير استثناء؟
قال العلامة الطباطبائي: «وليس قوله: كما كتب على الذين من قبلكم، في مقام الاطلاق من حيث الاشخاص ولابد من حيث التنظير، فلا يدل على أنّ جميع اُمم الأنبياء كان مكتوباً عليهم الصوم من غير استثناء، ولا على أنّ الصوم المكتوب عليهم هو الصوم الذي كتب علينا من حيث الوقت والخصوصيات والأوصاف، فالتنظير في الآية إنّما هو من حيث أصل الصوم والكف لا من حيث خصوصياته»(2).
وقال السيد السبزواري: «... نعم، في هذا الامساك اختلاف كبير بين الملل... وكيف كان، ففي الآية إشارة إلى وحدة اُصول المعارف في الأديان الإلهية»(3).

الصيام عند المانوية:

ظهرت المانوية في الفترة الممتدة بين ظهور المسيحية والإسلام واستطاعت في فترة وجيزة أن تنتشر وأن تكتسب أنصاراً مخلصين ومتحمّسين، وهي في الواقع مزيج من معتقدات الصابئة والبوذية والزرادشتية والمسيحية.
وقد ناصب حكام إيران والروم العداء للمانويين ومارسوا بحقِّهم عمليات قتل جماعية.
ونسبت هذه الطائفة الى ماني الذي ولد في مدينة بابُل عام (216م) لأسرة إيرانية.
وكان أبوه «بابيك» قد انتقل من همدان إلى بابل واعتنق فيها دين الصابئة.
وإدّعى ماني النبوّة عام (228م) وجاب مختلف البلدان لنشر دينه. توجّه عام (243م) إلى شابور الأوّل حين تتويجه ودعاه إلى دينه، فرحب به الشاه. وجاب ماني بلاد آسيا الوسطى.
وعاد بعد عشرين سنة إلى إيران زمن الشاه بهرام الأوّل الذي عاداه وتمكّن من قتله عام (274م) وقام اتباعه بعد مقتله بالدعوة إلى المانوية(4).
قال ابن النديم: «فرض ماني على أصحابه عشر فرائض على السماعين، ويتبعها ثلاث خواتيم، وصيام سبعة أيام أبداً في كل شهر...
فإذا نزلت الشمس القوس، وصار القمر نوراً كله، يصام يومين ولايفطر بينهما. فإذا أهلّ الهلال، يصام يومين ولايفطر بينهما. ثم بعد ذلك يصام، إذا صار نوراً، يومين في الجدي. ثم إذا أهلّ الهلال، ونزلت الشمس الدلو، ومضى من الشهر ثمانية أيام يصام حينئذ ثلاثين يوماً، يفطر كل يوم عند غروب الشمس(5).
_____________________________________
(1) البقرة: 183 .
(2) تفسير الميزان: 2/7 .
(3) تفسير مواهب الرحمن: 3/7 .
(4) دروس في تاريخ الأديان : 87 .
(5) فهرست ابن النديم: ص 396 ـ 397 .