في تعظيم شهر رمضان
  • عنوان المقال: في تعظيم شهر رمضان
  • الکاتب:
  • مصدر:
  • تاريخ النشر: 4:55:14 2-9-1403

عن عبد الله بن العباس بن عبد المطلب أنه سمع النبي صلى الله عليه وآله يقول:
إن الجنة لتنجد وتزين من الحول إلى الحول لدخول شهر رمضان، فإذا كان أول ليلة منه هبت ريح من تحت العرش يقال لها: المثيرة، تصفق ورق أشجار الجنان وحلق المصاريع، فيسمع لذلك طنين لم يسمع السامعون أحسن منه، وتبرزن الحور العين حتى يقفن بين شرف الجنة، فينادين: هل من خاطب إلى الله عزوجل فيزوجه ؟ ثم يقلن: يا رضوان ما هذه الليلة ؟ فيجيبهن بالتلبية، ثم يقول: يا خيرات حسان ! هذه أول ليلة من شهر رمضان، قد فتحت أبواب الجنان للصائمين من امة محمد صلى الله عليه وآله. قال: ويقول له عزوجل: يا رضوان ! إفتح ابواب الجنان، يا مالك ! أغلق أبواب الجحيم عن الصائمين من امة محمد، يا جبرائيل ! أهبط إلى الأرض فصفد مردة الشياطين، وعلقهم بأغلال، ثم اقذف بهم في لجج البحار حتى لا يفسدوا على امة حبيبي صيامهم. قال: ويقول الله تبارك وتعالى في كل ليلة من شهر رمضان ثلاث مرات: هل من سائل فأعطيه سؤله ؟ هل من تائب فأتوب عليه ؟ هل من مستغفر فأغفر له ؟ من يقرض الملئ غير المعدم والوفي غير الظالم ؟ قال: وان لله تعالى في آخر كل يوم من شهر رمضان عن الافطار ألف ألف عتيق من النار، فإذا كانت ليلة الجمعة ويوم الجمعة، أعتق في كل ساعة منهما ألف ألف عتيق من النار، وكلهم قد استوجبوا العذاب، فإذا كان في آخر يوم من شهر رمضان أعتق الله في ذلك اليوم بعدد ما أعتق من أول الشهر إلى آخره. فإذا كانت ليلة القدر أمر الله عزوجل جبرئيل عليه السلام، فهبط في كتيبة من الملائكة إلى الأرض، ومعه لواء أخضر، فيركز اللواء على ظهر الكعبة، وله ستمأة جناح، منها جناحان لا ينشرهما إلا في ليلة القدر، فينشرهما تلك الليلة، فيتجاوزان المشرق والمغرب، ويبث جبرئيل الملائكة في هذه الليلة، فيسلمون على كل قائم وقاعد، ومصل وذاكر، ويصافحونهم ويؤمنون على دعائهم حتى يطلع الفجر. فإذا طلع الفجر نادى جبرئيل عليه السلام: يا معشر الملائكة ! الرحيل الرحيل، فيقولون: يا جبرائيل ! فماذا صنع الله تعالى في حوائج المؤمنين من امة محمد ؟ فيقول: ان الله تعالى نظر إليهم في هذه الليلة فعفا عنهم وغفر لهم إلا أربعة. قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: وهؤلاء الأربعة: مدمن الخمر، والعاق لوالديه، والقاطع الرحم، والمشاحن. فإذا كانت ليلة الفطر، وهي تسمى ليلة الجوائز، أعطى الله العاملين أجرهم بغير حساب، فإذا كانت غداة يوم الفطر بعث الله الملائكة في كل البلاد، فيهبطون إلى الأرض ويقفون على أفواه السكك، فيقولون: يا امة محمد أخرجوا إلى رب كريم، يعطي الجزيل ويغفر العظيم، فإذا برزوا إلى مصلاهم قال الله عزوجل للملائكة: ملائكتي ! ما جزاء الأجير إذا عمل عمله ؟ قال: فتقول الملائكة: الهنا وسيدنا جزاؤه أن توفي أجره. قال: فيقول الله عزوجل: فاني أشهدكم ملائكتي أني قد جعلت ثوابهم عن صيامهم شهر رمضان وقيامهم فيه رضاى ومغفرتي، ويقول: يا عبادي ! سلوني فوعزتي وجلالي لا تسألوني اليوم في جمعكم لآخرتكم ودنياكم إلا أعطيتكم، وعزتي لأسترن عليكم عوراتكم ما راقبتموني، وعزتي لآجرتكم ولا أفضحكم بين يدي أصحاب الخلود، إنصرفوا مغفورا لكم، قد أرضيتموني ورضيت عنكم. قال: فتفرح الملائكة وتستبشر ويهنئ بعضها بعضا بما يعطي الله هذه الأمة إذا أفطروا.
ومن ذلك ما رواه محمد بن ابي القاسم الطبري في كتاب بشارة المصطفى لشيعة المرتضى باسناده الى الحسن بن علي بن فضال، عن علي بن موسى الرضا، عن ابيه موسى بن جعفر، عن ابيه جعفر بن محمد، عن ابيه محمد بن علي، عن ابيه علي بن الحسين، عن أبيه السيد الشهيد الحسين بن علي، عن أبيه سيد الوصيين أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليهم السلام قال:
ان رسول الله صلى الله عليه وآله خطبنا ذات يوم فقال: ايها الناس ! انه قد أقبل إليكم شهر الله بالبركة والرحمة والمغفرة، شهر هو عند الله أفضل الشهور، وايامه أفضل الايام، ولياليه أفضل الليالي، وساعاته أفضل الساعات، وهو شهر دعيتم فيه الى ضيافة الله، وجعلتم فيه من أهل كرامة الله، أنفاسكم فيه تسبيح، ونومكم فيه عبادة، وعملكم فيه مقبول، ودعاؤكم فيه مستجاب، فاسألوا الله ربكم بنيات صادقة وقلوب طاهرة، ان يوفقكم الله لصيامه وتلاوة كتابه، فان الشقي من حرم غفران الله في هذا الشهر العظيم. اذكروا بجوعكم وعطشكم فيه جوع يوم القيامة وعطشه، وتصدقوا على فقرائكم ومساكينكم، ووقروا كباركم، وارحموا صغاركم، وصلوا ارحامكم، واحفظوا السنتكم، وغضوا عما لا يحل النظر إليه ابصاركم، وعما لا يحل الإسمتاع إليه أسماعكم، وتحننوا على أيتام الناس يتحنن على أيتامكم، وتوبوا الى الله من ذنوبكم، وارفعوا إليه أيديكم بالدعاء في اوقات صلواتكم، فانها افضل الساعات، ينظر الله عز وجل فيها بالرحمة الى عباده، ويجيبهم إذا ناجوه، ويلبيهم إذا نادوه ويستجيب لهم إذا دعوه. أيها الناس ! ان انفسكم مرهونه باعمالكم، ففكوها باستغفاركم، وظهوركم ثقيلة من اوزاركم، فخففوا عنها بطول سجودكم، واعلموا ان الله عزوجل ذكره اقسم بعزته ان لا يعذب المصلين والساجدين، ان لا يروعهم بالنار، يوم يقوم الناس لرب العالمين. أيها الناس ! من فطر منكم صائما مؤمنا في هذا الشهر كان له بذلك عند الله عتق رقبة ومغفرة لما مضى من ذنوبه، فقيل: يا رسول الله وليس كلنا نقدر على ذلك ؟ فقال عليه السلام: اتقوا النار ولو بشق تمرة، اتقوا النار ولو بشربة من ماء. أيها الناس ! من حسن منكم في هذا الشهر خلقه كان له جواز على الصراط يوم تزل فيه الاقدام، ومن خفف منكم في هذا الشهر عما ملكت يمينه خفف الله عليه حسابه، ومن كف فيه شره كف الله عنه غضبه يوم يلقاه، ومن اكرم فيه يتيما اكرمه الله يوم يلقاه، ومن وصل فيه رحمه وصله الله برحمته يوم يلقاه، ومن قطع فيه رحمه قطع الله عنه رحمته يوم يلقاه، ومن تطوع فيه بصلاة كتب الله له براءة من النار، ومن ادى فيه فرضا كان له ثواب من ادى سبعين فريضة فيما سواه من الشهور، من اكثر فيه من الصلاة علي ثقل الله ميزانه يوم تخف الموازين، ومن تلا فيه آية من القرآن كان له مثل اجر من ختم القرآن في غيره من الشهور. أيها الناس ! ان ابواب الجنان في هذا الشهر مفتحة فاسألوا ربكم ان لا يغلقها عليكم، وابواب النيران مغلقة فاسألوا ربكم ان لا يفتحها عليكم، والشياطين مغلولة فاسألوا ربكم الا يسلطها عليكم.
قال امير المؤمنين صلوات الله عليه: فقمت وقلت: يا رسول الله ! ما افضل في هذا الشهر ؟ فقال: يا ابا الحسن ! افضل الاعمال في هذا الشهر الورع عن محارم الله عز وجل، ثم بكى، فقلت: يا رسول الله ! ما يبكيك ؟ فقال: يا علي ! لما يستحل منك في هذا الشهر، كأني بك وانت تصلي لربك وقد انبعثت اشقى الاولين والآخرين، شقيق عاقر ناقة ثمود، فيضربك ضربة على قرنك تخضب منها لحيتك. قال امير المؤمنين عليه السلام: فقلت: يا رسول الله ! وذلك في سلامة من ديني ؟ فقال عليه السلام: في سلامة من دينك، ثم قال: يا علي ! من قتلك فقد قتلني، ومن ابغضك فقد ابغضني، ومن سبك فقد سبني، لانك مني كنفسي، روحك من روحي، وطينتك من طينتي، ان الله عزوجل خلقني واياك، واصطفاني واياك، اختاروني للنبوة واختارك للامامة، فمن انكر امامتك فقد انكر نبوتي. يا علي انت وصيي وابو ولدي وزوج ابنتي وخليفتي على امتي في حياتك وبعد موتي، امرك امري ونهيك نهيي، اقسم بالذي بعثني بالنبوة وجعلني خير البرية انك حجة الله على خلقه وامينه على سره وخليفته في عباده.
ومن ذلك ما رواه الشيخ علي بن عبد الواحد بن علي بن جعفر النهدي في الكتاب المشتهر بالمأثور من العمل في الشهور من عمل شهر رمضان، قال: حدثني عبد الله بن محمد الثعالبي ومحمد بن موسى القزويني، عن علي بن حاتم، قال: حدثني حميد بن زياد قال: حدثنا احمد بن الحسين النخاس، عن زكريا المؤمن، عن عبد الملك بن عتبة، عن محمد بن مروان قال: قال أبو عبد الله عليه السلام:
إذا كان اول ليلة من شهر رمضان غفر الله لمن شاء من الخلق، فإذا كانت الليلة التي تليها ضاعفهم، فإذا كانت الليلة التي تليها ضاعف كلما اعتق، حتى آخر ليلة في شهر رمضان تضاعف مثل ما اعتق في كل ليلة.
ومن ذلك ما رواه ايضا علي بن عبد الواحد المشار إليه رضوان الله عليه، عنهما عن علي بن حاتم، قال: حدثنا محمد بن عبد الله، قال: حدثنا علي بن محمد بن، عن الفضل بن شاذان، عن ابن أبي عمير، عن هشام، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: من لم يغفر له في شهر رمضان لم يغفر له الى قابل، الا ان يشهد عرفة.

في تعظيم التلفظ بشهر رمضان

عن مولانا علي بن أبي طالب صلوات الله عليه قال: لا تقولوا رمضان، فانكم لا تدرون ما رمضان، فمن قاله فليتصدق وليصم كفارة لقوله، ولكن قولوا كما قال الله تعالى: شهر رمضان.
من علل التشريف بتكليف الصيام
اعلم ان اصل علة التكليف انه تشريف لعبادة من يستحق العبادة، لانه جل جلاله أهل لها، فهذه العلة الاصلية في التكاليف الإلهية. واما تعيين وجه اختيار الله جل جلاله من العبد ان تكون خدمته له بجنس من الطاعات وعلى وجه متعين في بعض الأوقات، فهذا طريقة عن العالم بالغائبات على لسان رسله عليهم السلام، وعلى لسان ملائكته ومن شاء من خاصته عليهم افضل الصلوات.
سئل ابا عبد الله عليه السلام عن علة الصيام فقال: انما فرض الله الصيام ليستوي به الغني والفقير، وذلك ان الغني لم يكن ليجد مس الجوع فيرحم الفقير، لان الغني كلما اراد شيئا قدر عليه، فاراد الله عزوجل ان يسوي بين خلقه، وان يذيق الغني مس الجوع والالم، ليرق على الضعيف ويرحم الجائع.
قال الحسن بن علي بن أبي طالب صلوات الله عليهما:
جاء نفر من اليهود الى رسول الله صلى الله عليه وآله، فسأله اعلمهم عن مسائل، فكان فيما سأله ان قال له: لاي شئ فرض الله عزوجل الصوم على امتك بالنهار ثلاثين يوما، وفرض على الامم أكثر من ذلك ؟ فقال النبي صلى الله عليه وآله: ان آدم عليه السلام لما أكل من الشجرة بقي في بطنه ثلاثين يوما، ففرض الله على ذريته الجوع والعطش، والذي يأكلونه بالليل تفضل من الله عزوجل عليهم، وكذلك كان على آدم، ففرض الله ذلك على امتي، ثم تلا هذه الآية:
( كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون، اياما معدودات ). قال اليهودي: صدقت يا محمد، فما جزاء من صامها ؟ فقال النبي صلى الله عليه وآله: ما من مؤمن يصوم شهر رمضان احتسابا الا اوجب الله عزوجل له سبع خصال: اولها: يذوب الحرام في جسده، والثانية: لا يبعد من رحمة الله تعالى، والثالثة: يكون قد كفر خطيئة ابيه آدم، والرابعة: يهون الله عزوجل عليه سكرات الموت، والخامسة: امان من الجوع والعطش يوم القيامة، والسادسة: يعطيه الله عزوجل براءة من النار، والسابعة: يطعمه الله من طيبات الجنة، قالت اليهود: صدقت يا محمد.

اول السنة شهر رمضان

قال الصادق عليه السلام: إذا سلم شهر رمضان سلمت السنة، وقال: رأس السنة شهر رمضان.
قال أبو عبد الله عليه السلام: ان الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السموات والأرض، فغرة الشهور شهر الله عزوجل وهو شهر رمضان، وقلب شهر رمضان ليلة القدر، ونزل القران في اوله ليلة شهر رمضان، وقلب شهر رمضان ليلة القدر، ونزل القرآن في اول ليلة شهر رمضان، فاستقبل الشهر بالقرآن.
وقال عليه السلام: شهر رمضان رأس السنة.
وعنه عليه السلام ايضاً: إذا سلم شهر رمضان سلمت السنة. وذكر الطبري في تاريخه ان فرض صوم شهر رمضان نزل به القرآن في السنة الاولى من هجرة النبي صلى الله عليه وآله في شعبانها.
وقال السيد بن طاووس في "اقبال الاعمال": واعلم انني وجدت الروايات مختلفات في انه هل اول السنة المحرم أو شهر رمضان، لكنني رأيت من عمل من أدركته من علماء اصحابنا المعتبرين وكثيرا من تصانيف علمائهم الماضين، ان اول السنة شهر رمضان على التعيين، ولعل شهرالصيام اول العام في عبادات الاسلام، والمحرم اول السنة في غير ذلك من التواريخ ومهام الانام. لان الله جل جلاله عظم شهر رمضان، فقال جل جلاله: ( شهر رمضان الذي انزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان ).
فلسان حال هذا التعظيم كالشاهد لشهر رمضان بالتقديم. ولانه لم يجر لشهر من شهور السنة ذكر باسمه في القرآن وتعظيم امره الا لهذا الشهر، شهر الصيام، وهذا الاختصاص بذكره كأنه ينبه - والله اعلم - على تقديم امره. ولانه إذا كان اول السنة شهر الصيام، وفيه ما قد اختص به من العبادات التي ليست في غيره من الشهور والايام، فكأن الانسان قد استقبل اول السنة بذلك الاستعداد والاجتهاد، فيرجى ان يكون باقي السنة جاريا على السداد والمراد، ظاهر دلائل المعقول وكثير من المنقول ان ابتداءات الدخول في الاعمال، هي اوقات التأهب والاستظهار لأوساطها ولأواخرها على كل حال. ولان فيه ليلة القدر التي يكتب فيها مقدار الآجال واطلاق الآمال، وذلك منبه على ان شهر الصيام هو اول السنة، فكأنه فتح لعباده في اول دخولها أن يطلبوا اطول آجالهم وبلوغ آمالهم، ليدركوا آخرها ويحمدوا مواردها ومصادرها.

الاستعداد لدخول شهر رمضان

قال السيد بن طاووس: اعلم ان فضل اطعام الطعام معقول فضله بانوار العقول المصدقة للانبياء والمرسلين صلوات الله عليهم اجمعين، ذلك: ان القيام لأهل الصيام بالطعام كأنه تملك لطاعتهم وسلب منهم لعبادتهم، فان القوة الموجودة في الاجساد الذين تؤثرهم بالزاد، تصير كأنها قوة العبد المطعم لهم التي في جسد مهجته. فكما ان قوة جسده كلما حصل بها كان معدودا من عبادته، فكذا يكون كلما صدر عن القوة بتفطير الصائم تكون مكتوبة لمن يطعمه في ديوان طاعته، فكأنك قد اتخذتهم مماليك يتعبون في خدمتك، وانت ساكن، ويحملون ذخائرك الى دار اقامتك، وانت قاطن، ويخافون في مصلحتك، وانت آمن، وحسبك ان تبتاع كل مملوك منهم بمقدار طعامه وشرابه، وهذا فضل عظيم يعجز القلم عن شرح ابوابه وثوابه.
أقول: واما من طريق المنقول: فقد روينا باسنادنا الى محمد بن يعقوب الكليني، وابي جعفر محمد بن بابويه، وجدي ابي جعفر الطوسي رضي الله عنهم، باسنادهم الى الصادق عليه السلام انه قال: من فطر صائما فله اجر مثله.
وبالاسناد عن ابي الحسن عليه السلام انه قال: تفطيرك اخاك الصائم افضل من صيامك.
وبالاسناد المقدم ايضا عن الصادق عليه السلام انه قال لسدير: هل تدري أي ليال هذه ؟ قال: نعم جعلت فداك هذه ليالي شهر رمضان، فما ذاك ؟ فقال له: أتقدر على ان تعتق في كل ليلة من هذه الليالي عشر رقاب من ولد اسماعيل ؟ فقال له: بأبي أنت وامي لا يبلغ مالي ذلك، فما يزال ينقص حتى بلغ به رقبة واحدة، في كل ذلك يقول: لا أقدر عليه، فقال له: أفما تقدر ان تفطر في كل ليلة رجلا مسلما ؟ فقال له: بلى وعشرة، فقال عليه السلام له: فذلك الذي اردت يا سدير، افطارك اخاك المسلم يعدل رقبة من ولد اسماعيل.
والاسناد ايضا عن النبي صلى الله عليه وآله قال: من فطر في هذا الشهر مؤمنا صائما كان له بذلك عند الله عزوجل عتق رقبة مؤمنة، ومغفرة لما مضى من ذنوبه، فقيل له: يا رسول الله ليس كلنا نقدر ان نفطر صائما ؟ فقال: ان الله تبارك وتعالى كريم يعطي هذا الثواب منكم من لم يقدر الا على مذقة من لبن يفطر بها صائما، أو شربة من ماء عذب، أو تميرات لا يقدر على اكثر من ذلك. أقول: واقتد في هذا الشهر بملك اهل الفضائل، فقد رويت عن جماعة منهم ابن بابويه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله إذا دخل شهر رمضان اطلق كل اسير واعطى كل سائل.
واما الاستظهار للصيام باصلاح الطعام: فاعلم انني انما ذكرت ان ذلك من المهام، لانني وجدت الداخلين في الصيام شهر رمضان، باعتبار ما تقووا به من الطعام والشراب عدة اصناف:
صنف منهم: كانت قوته على الصوم من طعام حرام، فدخوله في الصيام كنحو من وجب عليه الحج وفرط فيه، فاخذ جملا حراما حج عليه.
وصنف منهم: كانت قوته على الصوم من طعام حرام مختلطا، فان دخوله في الصيام كمن وجب عليه الحج وفرط فيه، فاخذ جملا له بعضه بقدر الحلال من الطعام ولغيره بعضه بقدر الحرام وحج عليه.
وصنف منهم: كانت قوته على الصيام بطعام حرام لا يعلم كونه حراما أو مختلطا من حلال وحرام، لا يعلم ذلك ويعتقد حلالا، فهو كنحو من وجب عليه الحج ففرط فيه واستأجر جملا لا يعلم ان الجمال غصبه، أو كان ثمنه من حلال أو حرام، واشتراه بعين الذهب، فإذا ظفر صاحب الجمل أو الشريك بالجمل استعاده ومنعه من العمل أو شركه فيما حصل من الامل. وصنف: كانت قوته على الصيام بطعام حلال، لكنه كان يأكله اكل الدواب بمجرد الشهوات، فحاله كحال من دخل حضرة الملوك، حين استدعوه للحضور لمجالستهم وضيافتهم وكرامتهم، وما تأدب في المجئ إليهم في دوابه وثيابه واسبابه، وكان في طريقه غافلا عنهم ومهونا بآداب السلوك إليهم، وقد كان قادرا ان يركب من الدواب ويلبس من الثياب، ويستعمل من الاسباب ما يقربه إليهم فلم يفعل، واتلف ما اكله بالشهوات واتلف ساعات من عمره كانت من بضائع السعادات، وخاصة إذا كان السلطان مطلعا عليه في طريقه، ناظرا الى سوء توفيقه، فان عاتبوه فبعدلهم، وان اكرموه فبفضلهم، وحسبه انه نزل عن ان يكون ملكا يقر بعين رب الارباب، ورضي ان يكون كالدواب.
وصنف : دخل في شهر رمضان بقوة طعام كان اكتسبه بالمعاملة لمولاه جل جلاله، وعمل فيه برضاه، واكل منه بحسب ما يقويه على خدمة مالكه، فهذا دخل دار ضيافتهم وكرامتهم من الباب الذي ارادوه، واقتضى عدلهم وفضلهم ان يكرموه.
وصنف : دخل في الصيام من طعام كان تارة يكون فيه معاملة لله جل جلاله، وتارة معاملا للشهوات، فله معاملة المراقبة فيما عامل مولاه به، وعليه خطرات المعاتبة فيما ترك فيه معاملة مولاه بسوء ادبه. واعلم ان هذه الاصناف المذكورين على اصناف آخر: صنف: لما كان دخوله بطعام حرام وكان فطوره على حرام أو مختلط من حلال وحرام، فله حكم الاصرار.
وصنف: لما كان طعامه على ما لا يعلمه حراما أو مختلطا وفطوره على مثل الذي ذكرنا، فله وسيلة العذر بانه ما تعمد سخط مولاه.
وصنف: لما كان طعامه على مقتضى الشهوات وكان فطوره كذلك، فهو قريب من الدواب في تلك الحركات والسكنات.
والصنف: الذي عامل الله جل جلاله في الطعام والفطور وجميع الامور، فهو الذي ظفر برضا مولاه وتلقاه بالسرور.
وصنف: لما كان طعامه على طرق مختلفة: تارة معاملة لله جل جلاله، وتارة للشهوة وفطوره كذلك، فحاله كما قلناه في طعامه في نقصه وتمامه.
وصنف: لما كان طعامه اما حراما أو مختلطا أو للشهوة، لكنه هذب فطوره، فكان في فطوره على حال معاملة لله جل جلاله، فحاله حال المراقبين أو التائبين، وهو قريب من المسعودين.
وصنف: لما كان طعامه معاملة لله وكان فطوره للشهوة، فحاله كحال من كان مجالسا للملوك أو قريبا منهم، ثم فارقهم وقنع ان يكون بهيمة من الانعام أو مفارقا للانام وبعيدا عنهم.
أقول: وإذا كان الامر هكذا في خطر الطعام، وكان قد تغلب بنو امية وولاة كثيرون على فساد اموال اهل الاسلام، ونقلها عن وجوهها الشرعية. حتى لقد روينا من كتاب مسائل الرجال لمولانا أبي الحسن علي بن محمد الهادي عليهما السلام، قال محمد بن الحسن: قال محمد بن هارون الجلاب: قلت له: روينا عن آبائك انه يأتي على الناس زمان لا يكون شئ اعز من أخ أنيس أو كسب درهم من حلال ؟ فقال لي: يا ابا محمد ان العزيز موجود، ولكنك في زمان ليس فيه شئ اعسر من درهم حلال أو أخ في الله عزوجل. أقول: فقد روي عن خواص العترة النبوية ان اخراج الخمس من الاموال المشتبهات، سبب لتطهيرها من الشبهات، وهذا الوجه ظاهر في التأويل، لان جميع الاموال ومن هي في يده مماليك لله جل جلاله، فله سبحانه ان يجعل تطهيرها باخراج هذا القدر القليل، ويوصل الى كل ذي حق حقه، لاجل الايثار بالخمس لرسوله صلوات الله عليه وآله ولعترته، ولاجل معونتهم على مقامهم الجليل.
الدعاء آخر ليلة من شعبان لدخول شهر رمضان
كان الصادق عليه السلام يقول في آخر ليلة من شعبان واول ليلة من شهر رمضان:
اللهم ان هذا الشهر المبارك، الذي انزلت فيه القرآن وجعلته هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان قد حضر، فسلمنا فيه وسلمنا منه، وسلمه لنا وتسلمه منا، في يسر منك وعافية، يا من اخذ القليل وشكره، وستر الكثير وغفره، اغفر لي الكثير من معصيتك واقبل مني اليسير من طاعتك. اللهم اني اسألك ان تجعل لي الى كل خير سبيلا، ومن كل ما لا تحب مانعا، يا ارحم الراحمين، يا من عفا عني وعما خلوت به من السيئات، يا من لم يؤاخذني بارتكاب المعاصي، عفوك عفوك عفوك يا كريم، الهي وعظتني فلم اتعظ، وزجرتني عن المعاصي فلم انزجر، فما عذري، فاعف عني يا كريم عفوك عفوك. اللهم اني اسألك الراحة عند الموت، والعفو عند الحساب، عظم الذنب من عبدك فليحسن العفو من عندك، يا اهل التقوى ويا اهل المغفرة، عفوك عفوك. اللهم اني عبدك وابن عبدك، ابن امتك، ضعيف فقير الى رحمتك، وانت منزل الغنى والبركة على العباد، قاهر قادر مقتدر، احصيت اعمالهم وقسمت ارزاقهم، وجعلتهم مختلفة السنتهم والوانهم، خلقا من بعد خلق، لا يعلم العباد علمك، ولا يقدر العباد قدرك، وكلنا فقير الى رحمتك، فلا تصرف وجهك عني، واجعلني من صالح خلقك في العمل والامل والقضاء والقدر.
اللهم ابقني خير البقاء، وافنني خير الفناء، على موالاة اوليائك ومعاداة اعدائك، والرغبة اليك والرهبة منك،
والخشوع والوقار، والتسليم لك والتصديق بكتابك، واتباع سنة رسولك صلواتك عليه وآله. اللهم ما كان في قلبي من شك أو ريبة، أو جحود أو قنوط، أو فرح أو مرح، أو بذخ أو بطر، أو فخر أو خيلاء، أو رياء أو سمعة، أو شقاق أو نفاق، أو كبر أو فسوق، أو عصيان أو عظمة، أو شئ لا تحب. فاسألك يا رب ان تبدلني مكانه ايمانا بوعدك، ووفاء بعهدك ورضا بقضائك، وزهدا في الدنيا ورغبة فيما عندك، واثره وطمأنينة وتوبة نصوحا، اسألك ذلك يا رب بمنك ورحمتك يا ارحم الراحمين ويا رب العالمين. الهي انت من حلمك تعصى، فكأنك لم تر، ومن كرمك وجودك تطاع، فكأنك لم تعص، وانا ومن لم يعصك سكان ارضك، فكن علينا بالفضل جوادا وبالخير عوادا يا ارحم الراحمين، وصلى الله على محمد وآله صلاة دائمة لا تحصى ولا تعد، ولا يقدر قدرها غيرك يا ارحم الراحمين.
 
زيارة الحسين عليه السلام في اول ليلة من شهر رمضان وليلة النصف منه وآخر ليلة منه

سئل عن جعفر بن محمد عليهما السلام عن زيارة أبي عبد الله عليه السلام فقيل: هل في ذلك وقت هو أفضل من وقت ؟ فقال: زوروه صلى الله عليه في كل وقت وفي كل حين فان زيارته عليه السلام خير موضوع، فمن أكثر منها فقد استكثر من الخير ومن قلل قلل له، وتحروا بزيارتكم الأوقات الشريفة، فان الأعمال الصالحة فيها مضاعفة، وهي أوقات مهبط الملائكة لزيارته. قال الراوي: فسئل عن زيارته في شهر رمضان ؟ فقال: من جاءه عليه السلام خاشعا محتسبا مستقيلا مستغفرا، فشهد قبره في احدى ثلاث ليال من شهر رمضان: اول ليلة من الشهر أو ليلة النصف أو آخر ليلة منه، تساقطت عنه ذنوبه وخطاياه التي اجترحها، كما يتساقط هشيم الورق بالريح العاصف، حتى انه يكون من ذنوبه كهيئة يوم ولدته امه، وكان له مع ذلك من الأجر مثل أجر من حج في عامه ذلك واعتمر، ويناديه ملكان يسمع نداءهما كل ذي روح الا الثقلين من الجن والإنس، يقول أحدهما: يا عبد الله طهرت فاستأنف العمل، ويقول الآخر: يا عبد الله أحسنت فابشر بمغفرة من الله وفضل.