وقفات علميّة مع آيات كريمة في علم الجيولوجيا
  • عنوان المقال: وقفات علميّة مع آيات كريمة في علم الجيولوجيا
  • الکاتب:
  • مصدر:
  • تاريخ النشر: 22:27:13 1-9-1403

منشأ الأرض والانفجار الكبير

(أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا).

تجمع أكثريّة علماء الكون اليوم على أن السماوات والأرض كانتا في البدء أي منذ ستة عشر مليار سنة تقريبا، كتلة بدائيّة واحدة هائلة الحرارة والضغط، انفجرت انفجارا هائلا فتت أجزاءها وشتّتها ولا يزال يباعد بينها حتى اليوم، ومع مرور مليارات السنين بردت تلك الأجزاء فتألّفت منها الغيوم الكونيّة أو السّدم حيث ولدت لاحقا النجوم والكواكب.

هذا بصورة مختصرة ما جاءت به نظريّة الانفجار التي قال بها العالم «جورج غاموف» في النصف الأول من القرن العشرين، والتي أصبحت اليوم حقيقة علميّة هي الأساس في شرح نشأة الكون بعد أن أيّدها اكتشاف توسّع الكون واكتشاف الإشعاع الأحفوري.

أما الأرض فقد نشأت منذ أربعة مليارات سنة ونصف تقريبا في غيمة كونيّة جزئيّة انفصلت عن الكتلة البدائيّة ثم تحوّلت لاحقا إلى مجرّة سمّيت بالمجرّة اللبنيّة أودرب اللبانة التي يتبع لها نظامنا الشمسي، والتي تحتوي على مائة مليار نجم وكوكب، منها الشمس والأرض وبقيّة الكواكب، علما أنه من الكتلة البدائيّة تكوّنت لاحقا مليارات المجرّات التي تحتوي الواحدة منها على عشرات الملايين وحتى آلاف المليارات من النجوم والكواكب.

تعليق: يقول المولى في محكم تنزيله: (لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ ) (الأنعام:٦٧) . ولقد استقر في النصف الثاني من القرن العشرين نبأ القرآن الذي قال بأن السماوات والأرض كانتا رتقا، أي مجموعة مع بعضها البعض ثم فتقهما البارئ أي فرّق بينهما.

ولو توافر دارس على البحث في معتقد الذين كانوا أوّل من اكتشف هذه المسلّمة العلمية اليوم لتبيّن له أنهم من الذين كفروا، فسبحان الذي لا تبديل لكلماته.

 

عمر الأرض وشكلها

قال تعالى: (وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا ،وَالْأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا، وإِلَى اَلْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ، يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ).

ودحاها وطحاها كلمتان مشتقّتان من دحى وطحى أي بسط ووسّع، والدّحية هي البيضة. يكوّر من كور أي لفّ: يقال كار العمامة أي لفّها.
القرآن والتفسير
وقفات علمية مع آيات كريمة

 

متى تكوّنت الأرض وكيف؟

تقدّر الدراسات الجيولوجيّة بأن الأرض تكوّنت منذ أربعة مليارات ونصف من السنين تقريبا أي بعد بدء نشأة الكون بعشرة مليارات سنة وبعد نشأة الكثير من المجرّات والنجوم. ذلك أن أبعد النجوم منا-وهو»الكازار» -تفصله عنّا ثلاثة عشر مليار سنة ضوئيّة، أي أن ضوءه بقي ثلاثة عشر مليار سنة حتى وصل إلينا فهوإذن موجود منذ ذلك الوقت البعيد، والسنة الضوئيّة تساوي عشرة آلاف مليار كيلومتر تقريبا، وتحديدا ٩٤٦٠ مليار كيلومتر. هذه المسلّمة العلميّة اليوم بأن الأرض تكوّنت بعد العديد من النجوم أشارت إليها الآيات الكريمة التالية: (أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا (27) رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا (28) وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا (29) وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا ). (النازعات:٢٧-٣٠).

 

شكل الأرض

الأرض شبه كرويّة مسطّحة (SPheroideAPlatie) وليست بالكرويّة تماما كما تبدو لنا بعد أن صوّرتها الأقمار الاصطناعيّة منذ عام ١٩5٨، فبفعل دورانها حول نفسها تنتفخ الأرض بصورة بطيئة جدّا عند خطّ الاستواء وتتسطّح في منطقة القطبين-طول قطر الأرض عند خطّ الاستواء يساوي ١٢٧56 كيلومترا وقطرها بين القطبين يساوي ١٢٧١٣ كيلومترا-والفارق الضئيل بين قطري الأرض (4٣ كيلومترا) جعلها تبدو كرويّة الشكل إلا أنها في الحقيقة شبه كرويّة مسطّحة.

ولقد قال الأقدمون من علماء اليونان بكرويّة الأرض، «فيثاغورس» «وأرسطو» «وبطليموس» ، أمّا حقيقة شكل الأرض شبه الكرويّ فلم تعرف إلاّ حسابيّا مع العالم «نيوتن» في القرن السابع عشر (١6٨٧) الذي وجد أن قطر الأرض عند خطّ الاستواء يزيد بنسبة ١/٢٣١ عن قطرها بين القطبين الشمالي والجنوبي، في حين أن القرآن الكريم قد اشار بصورة قاطعة إلى شكل الأرض الحقيقي أي البيضاوي المسطّح، من خلال قوله عنها «دحاها» و»طحاها» و»سطحت» و»يكوّر» . وهنا تكمن المعجزة العلميّة القرآنيّة وهي من الأدلّة القاطعة بأنه قول ربّ العالمين.

 

طبقات الأرض

قال تعالى: (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ ) كلّ شيء علا شيئا آخر فهو بالنسبة له سماء أو سقف أو طبق، وقياسا على هذا المعنى اللغوي العامّ لكلمة السماء فإن كلّ طبقة من الغلاف الجوّيّ المحيط بالأرض هي بالنسبة لها سماء وكذلك النجوم والكواكب، وبما أن الأرض مؤلّفة من طبقات فكلّ طبقة منها هي سماء بالنسبة لما دونها.

أشارت الآيات الكريمة التالية إلى طبقات الأرض والغلاف الجوّيّ الأرضي وحدّدتها بسبع:

1: (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا ). (الطلاق:١٢).

2: (ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ (11) فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ ). (فصلت:١١ و١٢).
القرآن والتفسير
وقفات علمية مع آيات كريمة

اكتشف علماء الفضاء في النصف الثاني من القرن العشرين أن الغلاف الجوّيّ مؤلّف من سبع طبقات، أي سماوات.

 

(وَالْأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ)

الصّدع هوالشّقّ الناشئ عن تفرّق أجزاء الشيء وانفصال بعضها عن بعض.

الأرض المتصدّعة والصفائح أو القطع الأرضيّة وفي سنة ١٩١٢ قال العالم الألماني «ألفرد فغنر»(Wegener) في كتابه «أصل القارّات والمحيطات» بنظرية الأرض المتصدّعة، وفي سنة ١٩6٩، نشر الجيوفيزيائيّ الأميركي «مورجان» (Morgan) نظريّة الصفائح أو القطع الأرضيّة وملخّصها أن الأرض ليست ثابتة وصلبة كما يعتقد كثير من الجيولوجيّين، لكنها عبارة عن مجموعة من القطع أو الصفائح الضخمة يبلغ سمك كلّ واحدة منها حوالى ١٠٠ كيلومتر.

وهذه القطع أو الصفائح مكوّنة من القشرة الأرضيّة الرقيقة، بالإضافة إلى الجزء الأصلب الذي يسفل القشرة الأرضيّة، وهو «الليثوسفير» ، ومع توافر الأدلّة العلميّة على تصدّع الأرض في جميع طبقاتها وليس في قشرتها الخارجيّة فقط، أصبح تصدّع الأرض ثابتة علميّة أساسيّة تعتمدها الأكثريّة الغالبة من علماء الجيولوجيا اليوم. فاليابسة من الكرة الأرضيّة كانت منذ مائتين وخمسين مليون سنة تقريبا قطعة واحدة سمّيت القارّة العملاقة يحيط بها أوقيانوس واحد، وبفعل الضغط الهائل الموجود في باطنها وعوامل جيولوجيّة أخرى انقسمت إلى ثلاث قطع منذ مائتي مليون سنة تقريبا، ومنذ خمسة وستين مليون سنة تقريبا انفصلت أميركا الجنوبية عن إفريقيا، وأميركا الشماليّة عن أوروبا، واتّجهت الهند نحو آسيا وتداخلت فيها، وانفصلت أوستراليا عن القارّة المتجمّدة الجنوبيّة، فأخذت القارّات شكلها الذي نعرفه اليوم.

والأرض متصدّعة أيضا في كلّ طبقاتها: فهناك صدع «موهو» على عمق ٦٠-٦٥ كيلومترا في باطنها، وقد اكتشفه العالم اليوغوسلافي «موهوروفيك» في سنة ١٩٠٩، وعلى عمق ٧٠٠ كيلومتر يوجد صدع «رپتي» ، وعلى عمق ٢٩٠٠ كيلومتر يوجد صدع «غوتنبرغ» (Gutenberg) بالنسبة للعالم الذي اكتشفه في سنة 1913، وعلى عمق 5100 كيلومتر يوجد صدع «لهمن» (Lehman).

وهناك تشقّقات وتصدّعات جزئيّة تحصل كلّ يوم بالقرب من التصدّعات الرئيسيّة وحولها تتمركز وتتوزّع الزلازل والبراكين. ويكفي القول إن علم الزلازل والبراكين قائم على دراسة جغرافيّة الصّدوع الأرضيّة وتوزّعها في طبقات الأرض.
القرآن والتفسير
وقفات علمية مع آيات كريمة

 

تعليق

لم يتبيّن لعلماء الجيولوجيا بأن الأرض متصدّعة إلا في النصف الثاني من القرن العشرين في حين أن القرآن الكريم أكّد هذه الثابتة العلميّة الرئيسيّة في علم الجيولوجيا منذ خمسة عشر قرنا، فهل يكفي في القرن العشرين تفسير قوله تعالى: (وَالْأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ) (الطارق:١٢) ، بجملة «الأرض التي تتشقّق عن النبات» كما لا نزال نقرأ في أكثر كتب التفسير؟ وهل يفي هذا التفسير اليوم بجلال آية القسم هذه لا سيما وقد طأطأ العلم اليوم رأسه خاشعا أمام مضامينها؟

إن قوله تعالى: (وَالْأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ)هو معجزة علميّة قرآنيّة من الواجب علينا تعميمها ونشرها وإدخالها في كتب تاريخ العلوم التي ندرّسها لأبنائنا ليدركوا عظمة القرآن الكريم وبأنه من وجهة علميّة صرف هو قول اللّه.