هـل القـرآن قابل للفهم؟
  • عنوان المقال: هـل القـرآن قابل للفهم؟
  • الکاتب: الشهيد مرتضى المطهري
  • مصدر:
  • تاريخ النشر: 16:50:17 3-9-1403

عند تحليل ودراسة القرآن فان اول سؤال يطرح نفسه هو؛ هل ان القرآن قابل للفهم والدراسة؟ وهل بالامكان التفكير والتدبير في قضايا ومسائل القرآن أم ان هذا الكتاب لم يُعرض اساساً للمعرفة بل للتلاوة والقراءة او الثواب والتبرك والتيمن؟ يحتمل ان نقول في أنفسنا، انه لا داعي لمثل هذا السؤال ذلك أنّ أحدا لا يشك في مسألة أنّ القرآن كتاب للمعرفة. لكن نظراً للقضايا السلبية التي طرحت في العالم الاسلامي حول مسألة معرفة القرآن التي لعبت دوراً كبيراً في انحطاط المسلمين والموجودة جذورها لحد الآن في مجتمعنا، نرى أنفسنا ملزمين باعطاء توضيحات بهذا الخصوص:

ظهر من بين المحدثين في القرون الثلاثة او الاربعة الماضية اشخاص كانوا يعتقدون ان القرآن ليس حجة وكانوا يرفضون ثلاثة مصادر من المصادر الأربعة للفقه التي قدمت من قبل علماء الاسلام بمثابة معيار معرفة المسائل الاسلامية والتي تتكون من القرآن والشريعة والعقل والإجماع فبالنسبة للإجماع كانوا يقولون انه منهج مرفوض ولا يجوز اتباعه و فيما يتعلق بالعقل كانوا يقولون ان العقل بسبب اخطائه الكثيرة لا يجوز الإعتماد عليه، وحول القرآن كانوا يدّعون بكل أدب ان القرآن اكبر بكثير من مستوانا نحن الذين نريد مطالعته ونفكر حوله والرسول والأئمة وحدهم لهم حق التبحر في آيات القرآن، اما نحن فلنا حق التلاوة فقط. تلك الفئة لم تكن سوى فئة الاخباريين.

يقول الإخباريون لا يجوز سوى مراجعة الأخبار والاحاديث. يحتمل ان تصيبكم الدهشة اذا علمتم ان هؤلاء كانوا يذكرون في تفاسيرهم الأحاديث اِنْ وجدت تحت الآيات وفي غير هذه الصورة كانوا لا يذكرون الآية وكأن تلك الآية ليست من آيات القرآن!!

ويشكل هذا الأمر ظلماً بحق القرآن وخروجاً عليه وواضح ان المجتمع الذي يرفض بهذا الشكل، كتابه السماوي المتمثل بالقرآن ويتجاهله، لن يسير مطلقاً في طريق القرآن.

وفي ماعدا فئة الاخباريين، كانت هناك فئات أخرى تؤكد ان القرآن بعيد عن الناس، من جملتها فئة الأشاعرة التي كانت تعتقد أنّ معرفة القرآن لا تعني التدبر في القرآن، بل فهم المعاني الحرفية للآيات و بعبارة أخرى، نقبل ما نفهمه من ظاهر الآيات ولا نعير اهتماماً لباطنها، و في الحقيقة يؤدي اتخاذ مثل هذا الأسلوب حول القرآن إلى الانحراف والضلالة ذلك أنّ هؤلاء كانوا مضطرين لإعطاء معاني الآيات. وبما انهم اوقفوا حركة العقل، فلم يفهموا القرآن بشكل صحيح، لذلك انحرفوا بسرعة عن طريق الادراك الصحيح واكتسبوا اعتقادات باطلة منها انهم كانوا يعتقدون بان الله جسم ومئات أخرى من هذه الاعتقادات مثل امكانية رؤية الله بالعين والتحدث معه بلغة البشر و… الخ.

امام تلك الفئة التي ابتعدت عن القرآن، ظهرت فئة أخرى استخدمت القرآن وسيلة لتحقيق اهدافها واغراضها، على سبيل المثال كانت تُؤوِّل آيات القرآن متى ما اقتضت مصالحها وتنسب إلى هذا الكتاب مسائل لم يتطرق اليها ابداً. وكانت الفئة المذكورة تجيب على الاعتراضات والاحتجاجات المختلفة بالقول، اننا الفئة الوحيدة التي تعلم بباطن الآيات وما نقوله ينبع اساساً من فهم وإدراك باطن هذه الآيات.

ورجال هذا التيّار في التاريخ الاسلامي هما جماعتان: الاسماعيليون (المسمّون بالباطنيين) والمتصوفون. ويتواجد الاسماعيليون على الاغلب في الهند والى حد ما في ايران. اقام هؤلاء حكومة في مصر سُميّت بحكومة الفاطميين ويعتبرون من الشيعة الذين يؤمنون بستة أئمة وهم في الواقع استناداً إلى اجماع واتفاق جميع علماء الشيعة الاثني عشرية، اكثر ابتعاداً عن التشيع من أي غير شيعي، حتى أنّ السُنَّة الذي لا يقبلون أي واحد من الأئمة بالشكل الذي يعتقد بهم الشيعة هم أقرب إلى الشيعة من ما يسمى بشيعة الائمة الستة.

لقد ارتكب الاسماعيليون بواسطة افكارهم، خيانات عديدة في التاريخ الاسلامي ولعبوا دوراً بارزاً في تحريف المسائل الاسلامية.

واذا غضضنا النظر عن الاسماعيليين، نرى ان المتصوفين كانت لهم يد طويلة في تحريف وتأويل الآيات وفق تصوراتهم الشخصية. وهنا نشير إلى نموذج من تفاسير هؤلاء ليتضح اسلوبهم التحريفي ويطالع القارئ حديثاً مفصلا عن هذه المسألة.

جاء في القرآن حول قصة النبي ابراهيم وابنه اسماعيل، ان ابراهيم يُؤمَرُ في المنام بذبح ابنه في سبيل الله. تصيبه الدهشة في الوهلة الأولى وبعد ان تكرر المنام توصل إلى اليقين واستسلم لأمر الله واخبر ابنه بالأمر فما كان منه إلا أن اطاعه بإخلاص واستسلم للأمر الإلهي. كان المقصود بالطبع، الاستسلام لأمر الحق ولهذا السبب عندما استعد الأب وابنه لتنفيذ امر الله تعالى انطلاقاً من اخلاصهما له، فان تنفيذ الأمر قد توقف بأذن الله. غير ان المتصوفين كانوا يقولون ان المقصود من ابراهيم هو ابراهيم العقل والمقصود من اسماعيل هو اسماعيل النفس وكان العقل ينوي ذبح النفس!

الواضح ان مثل هذا الاستنتاج يعني التلاعب بالقرآن وتقديم نوع من المعرفة التحريفية. يقول الرسول (ص) حول هذا النوع من الاستنتاجات التحريفية المبنية على الاهواء والرغبات الشخصية والجماعية: ﴿مَنْ فَسَّرَ القُرآنَ برأيهِ فَلْيَتَبوأ مَقْعَده في النارِ﴾.

مثل هذا التلاعب بالقرآن يُعدّ خيانة كبرى بحق القرآن.

ويقترح القرآن امام الجمود والتصلب الفكري للإخباريين ونظائرهم وأمام انحرافات واستنتاجات الباطنيين الباطلة وغيرهم، حلاً وسطاً ألا وهو التأمل والتدبر اللامغرض والمنصف. فهو يدعو ليس المؤمنين فحسب وانما المعارضين كذلك، للتعمق بآياته وينصحهم بالتفكير حول تلك الآيات بدلاً من الوقوف بوجهها. يقول لمعارضيه: ﴿أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا﴾.(سورة محمد – الآية ۲۴)

ويقول في آية اخرى: ﴿كَتابٌ اَنْزَلْناه اِليكَ مُباركٌ﴾.(سورة ص – الاية ۲۹)

لماذا؟ ﴿لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ﴾. فالقرآن لم ينزل لِيُقبّل او ليوضع على الرفوف بل للتدبر والتفكير في آياته؛ ﴿وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ﴾.

هذه الآيات وعشرات الآيات الأخرى التي تؤكد على التدبر في القران تسمح كلها بتفسير القرآن وليس تفسيراً على اساس رغبات وأهواء النفس بل على اساس الانصافِ والصدق وبدون أي غرض. فعند ما نتأمل في القرآن من دون أي غرض فلا حاجة ان نحل جميع مسائله، لان القرآن من هذه الناحية يشبه الطبيعة، فالطبيعة مليئة بالأسرار والرموز التي لم تحل لليوم ولا يمكن حلها في الظرف الراهن بسبب عدم توفر امكانيات هذا العمل، غير ان هذه المسائل ستحل في المستقبل. اضافة إلى ذلك يتطلب عند دراسة الطبيعة، ان يطابق الانسان فكره مع الطبيعة علي حالتها، لا ان يبرّر ويفسر الطبيعة حسب ما يريد. والقرآن يشبه الطبيعة فهو كتاب لم ينزل لزمان واحد، والا فان جميع اسراره كانت تُكشف في السابق وكان هذا الكتاب يفقد جاذبيته وطراوته وتأثيره وكما قال النبي محمد (ص) والائمة فانه يمكن دائماً التفكير والتدبر في القرآن واكتشاف مسائل جديدة فيه، ولقد جاء في حديث للرسول الأكرم: مثل القرآن مثل الشمس والقمر يجرى مثلهما، أي انه ليس ثابتاً وذا نمط واحد ولا يستقر في مكان واحد. وايضاً يقول في مكان آخر:

 

القرآن، ظاهره انيق وباطنه عميق

وجاء في كتاب (عيون اخبار الرضا) نقلاً عن الامام الرضا (ع) ان الامام سُئِلَ عن سر ازدياد تلاوة القرآن وازدياد طراوته كلما مر زمان على القرآن؟
فَاكد الامام بان القرآن لم ينزل لزمان دون زمان ولناس دون ناس، ولان مُنزّله، أي الباري تعالى، اخرجه بشكل يكون في كلِّ زمان متقدماً على الأزمنة والافكار برغم الفوارق المشهودة في اساليب التفكير والمعلومات ومساحة الأفكار، وفي نفس الوقت يحتوي في كل مرحلة على عدة مجاهيل لقرائه ثم انه يقدم معاني كثيرة ومفاهيم قابلة للإدراك والاستناد ليُشبِع الظرف الزمني.