حط شهر رمضان الكريم رحاله كي نتزود من معينه الإلهي فيوضات الرحمة والمغفرة بيد أن الاستعداد الإعلامي الشيطاني صار أشبه بالمهاجم الذي يطرد هذه الرحمة ويقاوم بركات هذا الشهر الفضيل.
لا يختلف على هذه الحقيقة اثنان وهي أن الفضائيات ببرامجها الاستهلاكية السطحية قد أتقنت المهمة التي تبرمجت عليها في كل سنة استعداداً لطمر معالم شهر رمضان الروحية وإشغال الناس بالمتعة الزائفة والترفيه الفج، فالمسلسلات المكثفة، برامج الضحك السفيهة، سباق الفنانات الأحمق على تصدر بطولة الفوازير، مسابقات الرقص الشرقي، والبرامج الملهية، الطابع الكرنفالي المبهرج الذي يفقد هذا الشهر الفضيل سمته العبادية ويشل الناس في دائرة الخمول والجمود جعل المسؤولية ثقيلة على المربين وممن يتحملون عبء التغيير الاجتماعي. إذ تنفق على هذه البرامج المتهتكة أموالاً خرافية يمكن أن تغطي آلاف المدن والقرى الجائعة في العالم.
فمن المحرض على استثمارها المحرم في المفاسد المدمرة لقيم المجتمع؟
سؤال ينبغي أن يسأله كل مسلم واعٍ في هذا المجتمع كي يعرف تكليفه و واجبه إزاء هذه الهجمة الإعلامية المقصودة على الشهر الفضيل.
فقد بات الناس تنتظر شهر رمضان لا لتتعبد وتستغفر بل لتشاهد هذا الكم الهائل من المسلسلات والبرامج الملوثة التي تستبطن التحميق والتسفيه والتسطيح الذهني، فمن يستقرء الإستراتيجية الإعلامية لبرامج رمضان لن يجد مسلسلاً تاريخياً إسلامياً واحداً، فهناك المسلسل البدوي والمسلسل الاجتماعي الذي يتضمن أفكاراً هدامة وهناك الاستعراض المقصود لجمال الفنانات وأزيائهن فيندر وجود برنامج أو مسلسل ذو طابع ديني أو تربوي هادف وكأنها مؤامرة مسيَّسة ضد المسلمين تقصد استلاب روح رمضان وحيويته وتأطيره بإطار تقليدي بحت.
ولا نريد أن نجتر نظرية المؤامرة فالطرف المعادي لن يتمكن منك ما لم تكن مستعداً لذلك، فرضوخنا لأهوائنا النفسية وضعفنا أمام ملذات الدنيا، انسحاقنا تحت عجلة الراحة والروتين جعلتنا أصنام مرتخية أمام التلفاز لا نملك إرادة التغيير كما يقول شهيدنا الصدر رضوان الله تعالى عليه، فالقوة والمقاومة لا تأتي على طبق من فضة بل هي تربية وجهاد نفسي ومثابرة تصقل معنوياتنا لنكون أسمى من هذه الإغراءات، فأضعف الإيمان أن يقرر رب الأسرة إقفال التلفزيون في أوقات الصلاة مع التوجيه والنصح والمتابعة اليومية فللأسف صار رمضان عبارة عن (نوم وكسل وأكل وإسراف ودراريع وديوانيات وغبقات).
حالة الترف التي استشرت حتى بين المتدينين فبدلا من أن يكونوا رواداً للتغيير الإيجابي انجرفوا مع هذا التيار باستسلام مطلق فلم تعد القلوب حية بذكر الله، حية بإحساسها بالمظلومين ومآسي العالم، لا نقدر حجم الخطر الذي يداهمنا ونحن مهددون من الغرب والصهيونية، غارقين في الغفلة، نائمين في العسل! ورسائل الإعلام الخبيثة تتكرر كل يوم عبر التلفاز أمامنا آلاف المرات ويتلقاها أبناؤنا الشباب وبناتنا بذهن متبلد وباستجابة لا شعورية دون أن ننتقد ونعي أن وراء هذا الزيف استنزاف لطاقتنا الفكرية وقيمنا الروحية ولهذا فإن كل من دخل في سياق هذه المؤامرة مسؤول أمام الله عز وجل وسيحاسب ويعاقب على استخفافه بحرمة هذا الشهر الفضيل والاستهانة بعواقب هذه البرامج الوخيمة، فبمقدار انتشار القنوات الدينية الهادفة التي تربي الإنسان يأتي المد الفاسد كي يغطي ويعتم عليها إذ تنفق رؤوس الأموال الضخمة من أجل هدف واحد وهو الربح على حساب ديننا وقيمنا حتى كانت المفسدة في الشباب باستغراقهم في النوم وتثاقلهم في الصلاة، انصرافهم عن قراءة القرآن الكريم، ضعف الحمية والغيرة على الدين.
فلننتبه يا إخوتي الكرام إلى المعنى الباطني لشهر الصوم وليس بطقوس ظاهرية خاوية حتى نأمن عقاب الله سبحانه والذي نستشعره بشح الخيرات والبركات فإنه عز وجل ينذر ولأكثر من مرة كي نثب إلى رشدنا ونلتزم بتعالم دينه، ولكن قل من يستوعب رسائل الله عز وجل فيستعد للزمن!