فلسفة الصوم من عدة اتجاهات
  • عنوان المقال: فلسفة الصوم من عدة اتجاهات
  • الکاتب:
  • مصدر:
  • تاريخ النشر: 13:2:24 14-9-1403

نرى رسول الله (ص) يبشر بقدوم شهر رمضان المبارك ويصفه بشهر البركة  والرحمة والمغفرة ثم يلوح بعد ذلك فيقول انه من أفضل الشهور وأيامه من أفضل الأيام... إلى أن يقول: فسلوا ربكم بنيات صادقة وقلوب طاهرة أن يوفقكم لصيامه، ولا شك ولا ريب أن للصيام أثار كبيرة على الصائم فأرتينا أن نتناول موضوع الصيام من ثلاث جوانب وهي: ـ
1 ـ الصيام من الجانب التشريعي
2 ـ الصيام من الجانب العلمي
3 ـ الصيام من الجانب التربوي
1 ـ الصيام من الجانب التشريعي
     تعد فريضة الصوم من إحدى الدعائم التي بني عليها الإسلام لأنه عبادة لتهذيب النفوس والرجوع إلى الله تبارك وتعالى.
ومن هنا نرى علمائنا ـ علماء الفقه ـ قد اهتموا اشد الاهتمام وبذلوا قصارى جهودهم لوضع الأحكام التشريعية التي تجعل المكلف مبرءا ً لذمته أمام الله تبارك وتعالى، ونرى لا بد من الوقوف على بعض الأحكام التشريعية المتعلقة في باب الصوم، وهي: ـ
ا ـ يقسم الصوم إلى أربعة أقسام: ـ
أولا ـ الصوم الواجب: ـ وهو كصيام شهر رمضان وصيام النذر مثلا.
ثانيا ـ الصوم المستحب: ـ وفيه موارد كثيرة منها (أول الشهر، ومنتصفة وأخره ومنها شهر شعبان ورجب).
ثالثا ـ الصوم المحرم: ـ كصيام يوم عيد الفطر، ويوم النحر.
رابعا ـ الصوم المكروه: ـ كصيام يوم العاشر من المحرم، لأن بني أمية كانوا يروجون لهذا  اليوم شماتة بآل محمد (ص)

ب ـ الأفعال التي تبطل الصوم وهي أمور: ـ
الأول والثاني: ـ الأكل والشرب، ويشترط فيه صدق الأكل والشرب عمدا ً، ولا فرق بين القليل والكثير.
الثالث: ـ الجماع ويشترط فيه إدخال مقدار الحشفة ولو من دون إنزال، ولا فرق في مفطرية الجماع بين الفاعل والمفعول به.
الرابع: ـ الكذب على الله تعالى أو على نبينا محمد (ص) وعلى الأئمة (ع) سواء كان  في أمر ديني أو دنيوي.
الخامس: ـ تعمد البقاء على الجنابة حتى مطلع الفجر في صوم شهر رمضان وقضاءه، بل في كل صوم واجب.
السادس : ـ خروج المني بقصد الاستمتاع  بفعل ما يثير الشهوة  ( الاستمناء).
السابع :ـ الاحتقان بالمائع، فانه يبطل الصوم، بخلاف التحميل بالجامد فانه ليس مفطرا.
الثامن : ـ تعمد القيء، وان كان مضطرا إليه لمرض ونحوه.
التاسع: ـ الاخلال بالنية.
  وهناك أيضا أحكام أخرى فلذا ينبغي على المكلف أن يراجع الرسالة العملية للفقيه الذي يقلده.
جـ ـ يجب الصوم على من تتوفر فيه الشروط التالية: ـ
ثانيا: البلوغ فلا يجب الصوم على الطفل.
ثانيا : ـ العقل فلا يجب على المجنون.
ثالثا: ـ الحضر فلا يجب على المسافر.
رابعا: ـ أن لا يكون مغمى عليه.
خامسا: ـ أن يكون سالما من الأمراض التي يضر فيها الصوم.
سادسا: ـ الخلو من الحيض والنفاس بالنسبة للمرأة.
هـ ـ يكره على الصائم أمور منها: ـ
أولا: ـ استعمال قطرة العين.
ثانيا: ـ الاكتحال إذا وصل طعمه ورائحته للحلق.
ثالثا: ـ الإتيان بما يضعف الجسد مثل الحجامة.
رابعا: ـ استشمام الأعشاب ذات الرائحة الطيبة.
خامسا: ـ قلع السن وكل ما يوجب إدماء الفم.
سادسا: ـ تقبيل الزوجة من دون قصد الأمناء وكل ما يثر الشهوة الجنسية.
2 ـ الصيام من الجانب العلمي
 اهتم العلماء بدراسة الخصائص الفسيولوجية والتأثيرات العلاجية للصوم واجري العديد من التجارب والدراسات الطبية في هذا الشأن وقد أتضح أن التفاعلات الكيميائية والبيولوجية التي تحدث داخل الجسم البشري أثناء الصوم تبدأ أول الأمر في الشعور بالجوع، ويحدث أحيانا لبعـض الناس نوعا ً من التهيجات أو التوترات العصبية، بالإضافة إلى ذلك يحدث أحيانا عدة تغيرات خفيفة أخرى، من أهمها إن سكر الكبد يتحرك ومعه أيضا الدهن المخزون تحت الجلد. أي يبدأ الصوم باستهلاك المخزون من المواد الغذائية بالجسم. وعندما ينتهي ذلك المخزون تبدأ خلايا البروتينات المكونة لأعضاء الجسم وأولها الكبد والعضلات بالتحرك والتخلخل لتضحي جميع أجزاء الجسم نصيبها الخاص حسب نوعها للإبقاء على كمال الوسط الداخلي وسلامة القلب.
وفي هذا الصدد سوف نمر على بعض شهادات الأطباء والعلماء: ـ
ا ـ نشرت المجلة السوفيتية للأغذية الصادرة في موسكو في العدد يناير عام 1976 مقالا جاء فيه وأخيرا يحق التذكرة بكتاب الجوع من اجل الصحة للبروفسور نيكولايف بيلوي والذي يؤكد فيه انه لكي يتمتع كل مواطن في المدن الكبرى بالصحة يجب عليه أن يمارس الجوع التام – الصوم – بالامتناع الكامل عن الطعام لمدة 3 – 4 أسابيع – بصفة دورية سنويا بصف تخليص الجسم من النفايات والسموم السامة.
ب – يقول الدكتور بندكت رائد الطب الطبيعي في أمريكا يخطئ من يعتقد أن الإنسان لا يتغذى إذا امتنع عن الطعام.... لان الجسم يظل يأكل رغم الصوم، وأول ماياكله هو هذه المواد الدهنية الموجودة بكثرة في جميع الأجسام وتهبط كمية الدهن الموجودة حول القلب والأجزاء الأخرى.
ويضيف إلى ذلك أستاذا بالأمور الطبية يقول: (أن الصوم يعطي للجسم وجميع أنسجته وخلاياه فرصة للتخلص مما تجمع حولها من النفايات والمواد الضارة والتوكسينات التي تتولد في الجسم بعمليات الهضم والتمثيل والعمليات الأخرى التي تجري بداخله، كما إن الصوم يعطي الأنسجة والأعضاء المصابة بشيء من التقيح أو الاحتقان أو الالتهاب مجالا للشفاء.
وتشير الدراسات الحديثة إلى إن أول الأعضاء التي يتغذى عليها جسم الإنسان أثناء الصوم هي الأعضاء المصابة في الأمراض، وخاصة المحتقنة والمتقيحة والملتهبة وهنا يعتبر الصوم أول من يزيل الخلايا التالفة والأورام والزوائد اللحمية والأكياس الدهنية  والأورام الليفية... فقد تأكد الأطباء من خلال نتائج الأشعة التشخيصية أن جميع هذه الزوائد يصغر حجمها أثناء فترة الصوم.
جـ ـ  يقول الدكتور حامد البدري: إذا ماأستمر الإنسان طوال السنة لايريح معدته ولايعطيها إجازة اعتيادية تستريح فيها، اضطرت المعدة أن تطلب إجازة عن طريق المرض.
لأن المعدة اشبه بالمكنة التي تعمل على الوقود، فكلما اعطي لهذه المكنة وقودا كلما استهلكت قطعتها، فكذلك المعدة وقودها الطعام فلابد من ان تستريح لفترة معينة.
د ـ  يقول الدكتور فاك فادون: وهو من الأطباء العالميين الذين اهتموا بدراسة الصوم وأثره: إن كل إنسان يحتاج إلى الصوم وان لم يكن مريضا، لان سموم الأغذية والأدوية، تجتمع في الجسم فتجعله كالمريض وتثقله فيقل نشاطه، فإذا صام الإنسان تخلص من أعباء هذه السموم وشعر بنشاط وقوة لا عهد له بها من قبل.
ومن هنا  يعتبر الصيام القاعدة الطبية الأولى التي لا يمكن أن يشك أحدا بضرورتها، فقد استعان بها الأطباء منذ القدم والى يومنا هذا، وهذا ما أشار إليه الفيلسوف الكبير ابقراط بقوله: استدامة الصحة تكون بترك التكاسل عن التعب وترك امتلاء المعدة بالطعام.
وفي ختام هذا المحور (الصيام علميا) لابد من إشارة طفيفة أقول بها إن كل ما جاء من كلام على لسان الأطباء وعلماء الأغذية إني هو امتداد للنظرية الكبرى التي جاءت على لسان الطبيب الدوار بطبه – على حد تعيير أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) ـ النبي الأكرم محمد بن عبد الله (ص) عندما قال (صوموا تصحوا).
3 – الصيام في الجانب التربوي
بعد ما وقفنا على الصوم من جانب التشريعي والجانب العلمي، لا بدلنا من وقفة نبين بها البعد التربوي من الصيام.
فالصوم مدرسة يعلمنا الصبر والإرادة ومجاهدة النفس وفعالية الهوى ويعلمنا أيضا كيف نحس بشعور الآخرين، وكيف نكون على قدر المسؤولية تجاه من هو اضعف منا.
لكن وللأسف الشديد، نرى بعض الناس في زماننا الحاضر، افرغوا الصيام من محتوياته السامية، وجعلوه عادة سنوية خاليه من روح الإرادة والمجاهدة.. فنرى من يصوم في الصيف يتأوه ويدندن من العطش والجوع، ومن يصوم الشتاء يبقى ساهرا إلى طلوع الفجر يحيي الليل بالسهر والأحاديث الفارغة، والمسلسلات والفوازير التلفزيونية.
من هذا المنطلق كيف نتعلم الصوم الحقيقي الذي فرضه الله تبارك وتعالى على عبادة.  لقد سجل لنا التاريخ صورا لشخصيات أمست بخطتها تناطح السماء: ـ
1 ـ فقد روي عن جعفر الطيار ذو الجناحين (رض) عندما وقع صريعا في معركة مؤتة جاءه عبد الله بن رواحة بكأس من الماء، لكنه امتنع عن أخذه، قائلا له: ـ إني صائم فضعه عند راسي فإذا بقيت حيا حتى الغروب أفطرت وألا لقيت ربي صائما. الملفت للانتباه ليس بقاء جعفر الطيار صائما إلى أن لقي ربه ولكن أصر على صومه مع وجود الماء بقربه وجراحاته تنزف دما عبيطا إلى أن اسلم إلى ربه وروحه مطمئنة.
2 ـ روي عن الإمام السجاد (ع) قال: ـ لقد رأيت عمتي زينب في طريق السبا في بعض المنازل تصلي من جلوس فسألتها عن ذلك، فقالت: ـ اصلي من جلوس من شدة الجوع الذي الم بي منذ ثلاث ليالي، لأن القوم كانوا يدفعون لكل واحد منا رغيفا واحدا من الخبز في   اليوم والليلة، فكانت تقسم ما يصيبها من الطعام على الأطفال.
  هذه الروح التي كانت عند السيدة زينب لا بد أن تكون عند كل إنسان فإنها لم تتحمل الجوع فحسب، بل جمعت مع  ذلك الجوع الصلاة لله. وكيف لا تكون كذلك وهي من ذلك البيت الذي انزل الله فيه شهادة بذلك المعنى يوم قال الباري تبارك وتعالى في كتابه المجيد: ( ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاءاً ولا شكورا).
3 ـ وينقل عن صاحب كتاب (الأنوار النعمانية) عن المنهال بن عمرو الدمشقي  قال: ـ كنت أتمشى في أسواق دمشق، وإذا أنا بعلي بن الحسين يمشي متكأ على عصا في يده، ورجلاه كأنهما قصبتان والدم يجري من ساقيه والصفرة قد علت عليه.
قال المنهال: ـ فخنقتني العبرة، فاعترضه وقلت له: ـ كيف أصبحت يابن رسول الله ؟!
قال يا منهال: ـ وكيف يصبح من كان أسيرا ليزيد بن معاوية ؟!
يا منهال ! والله، منذ قتل أبي، نساؤنا ما شبعن بطونهن ! ولا كسون رؤوسهن صائمات النهار وقائمات الليل.
ولو تأملنا في قول إمامنا السجاد وهو يصف حال عماته وأخواته بقوله (نساؤنا ما شبعن بطونهن، ولا كسون رؤوسهن، صائمات النهار قائمات الليل) لعرفنا الصوم الحقيقي والعبادة الحقيقية وكيف يكون الإنسان قريب من ربه.
وبعد أن تناولنا موضوع الصيام من الجانب العلمي والتشريعي والتربوي اختتم كلامي بالدعاء المروي عن رسول الله (ص) انه قال : ـ
من دعا بهذا الدعاء في رمضان بعد كل فريضة غفر الله له ذنوبه إلى يوم القيامة
 (اللهم ادخل على أهل القبور السرور، اللهم اغن كل فقير، اللهم اشبع كل جائع، اللهم اكسي كل عريان، اللهم اقض دين كل مدين، اللهم فرج عن كل مكروب، اللهم رد كل غريب، اللهم فك كل أسير، اللهم أصلح كل فاسد من امور المسلمين، اللهم اشف كل مريض، اللهم سد فقرنا بغناك، اللهم غير سوء حالنا بحسن حالك، اللهم اقض عنا الدين وأغننا من الفقر انك على كل شيء قدير).