آفاق التعامل
  • عنوان المقال: آفاق التعامل
  • الکاتب: العلامة السيد جعفر العاملي
  • مصدر:
  • تاريخ النشر: 6:19:55 3-10-1403

سماحة العلامة السيد جعفر العاملي - عدد القراءات: 253 - نشر في: 18-أكتوبر-2007م

لقد قرر القرآن أن التحزب إنما هو لله سبحانه لا لسواه، لأن هذا هو الذي يحقق الأهداف الإلهية السامية.

وهذا ما يؤكد حقيقة شمولية النظرة الإلهية في نطاق توجيه الإنسان إلى التعامل مع كل ما يرتبط بالله سبحانه، وينتهي إليه، لإن أي تعامل أو ارتباط يقوم على أساس ومحور آخر -كالجغرافيا، والعرق، والفئة، وغير ذلك- فسيكون قاصراً عن تحقيق الهدف المنشود؛ لأنه سيكون محدوداً بحدود ذلك المحور، ومقيداً بقيوده، وتنعكس عليه سلبياته، كما أن من شانه أن يكرس التمزق، والتشتت، وأن يحد من القدرة على استقطاب الطاقات، لاستخدامها في سبيل هذا الإنسان، وخيره وسعادته ومجده. هذا إن لم يبرر لكثير من الفئات أن تقف في وجهه وتستأثر عنه بما يمكنها الاستئثار به، إن لم تعمل على سلبه ما حصل وإضعاف قدراته عن الحصول على المزيد، أو على شيء جديد.

إلى سلبيات أخرى كثيرة، لسنا هنا بصدد البحث عنها.

 

في نطاق البناء والتشكل:

وإذا أردنا أن ننطلق إلى مجال العمل والبناء، وتربية القاعدة الإيمانية العريضة، فلابد أن نأخذ بالاعتبار أموراً كثيرة حساسة وهامة. نشير هنا إلى بعض منها ؛ فنقول:

 

أ-لابد من خطة:

إن معرفة المواصفات والموانع، والوسائل تفيدنا كثيراً في معرفة الطرق العملية لبناء القاعدة الإسلامية العريضة، والقوية، والراسخة، التي لا تتحزب إلا لله سبحانه، لأن كل واحدة من تلك المواصفات والموانع والوسائل تتطلب خطة عمل مدروسة بدقة، وعمق، ووعي، تراعي حالة التوازن الواعي فيما بينها، ومن دون أن تفريط أو إفراط فيها.

ويمكن استقصاء الآيات القرآنية، وأحاديث المعصومين للإطلاع على كثير من الأمور التي تساعد على تحقيق ما يراد تحقيقه أو يراد التخلص منه، بالنسبة إلى كل نقطة أو حالة بخصوصها.

فمثلاً إذا أردنا أن نعمل للحصول على حالة الإيمان بالغيب، فلابد لنا من معرفة ماهية وطبيعة ذلك الغيب المطلوب الإيمان به، ووسائل إيجاده، ومدى ارتباطه بسائر الأمور التي تدخل في التكوين الفكري والعقيدي للإنسان المسلم، ثم مستوى هذا الإيمان وخصوصياته. بالإضافة إلى دراسة الإمكانات الفكرية والإيمانية، والمادية المتوفرة في محيط العمل وما إلى ذلك. مع الأخذ بنظر الاعتبار كل الظروف الموضوعية وما يواجه العمل من موانع وعراقيل، مع الحفاظ على حالة التوازن بينه وبين سائر المواصفات وغيرها وعدم الإفراط والتفريط حسبما ألمحنا إليه.

 

ب-طبيعة العمل تفرض مواصفات العاملين:

وإذا كان هذا عمل ضخم ومتشعب، يحتاج إلى تكاتف جهود جميع الفئات، وعلى كافة المستويات ومن مختلف الاختصاصات، ولا يمكن لأية فئة أن تستقل به، فلابد لرجال الأخلاق أن يؤدوا دورهم، كما هو الحال بالنسبة للمعلمين. وكذلك الحال بالنسبة للمربين، والمفكرين، والفقهاء، والمختصين بالشؤون العقائدية، والسياسيين، والأجهزة التنفيذية للدولة، بل وحتى العسكريين، وأجهزة الأمن، وسائر الأجهزة والمؤسسات والقطاعات. وغيرهم.

فإن لكل دوره، ومسؤولياته الكبيرة، في كل مجال. وبدون مشاركة هؤلاء جميعاً وبدون تنسيق واع ومدروس فيما بينهم فإن العمل سيكون غير متكامل، وسيعاني من التعارض وهو معرض لحدوث النقص والتشويه والخلل فيه، ولا يكون نموه طبيعياً، ولا سوياً وسوف تظهر فيه الثغرات التي عن طريقها تتسرب الأوبئة إليه، بصورة أو بأخرى.

 

ج-أولويات في مقام العمل:

وإدراكاً منا لأهمية بعض المجالات، وأولويتها على غيرها في المبادرة في مقام العمل والبناء، فإننا نعود فنذكّر: بأن الأولوية القصوى -في اعتقادنا -هي للنواحي العقائدية، ثم للشؤون التربوية والروحية. ثم للتثقيف الشرعي الفقهي. ثم معالجة المشكلات الفكرية التي قد تواجه الإنسان المسلم في نطاق فهمه للإسلام بالمقارنة مع سائر الطروحات التي ترفع شعارات براقة وخادعة بالإضافة إلى توضيح للمفاهيم وللحقائق الإسلامية فيما يرتبط بكثير من القضايا الحساسة، فيما يختص بالنظرة للكون والحياة بصورة عامة.

 

د-ضوابط وأسس العلاقات:

وبالنسبة لعلاقة الإنسان عاطفياً بالله سبحانه، وبالنبي، والولي، والدين، والحق، والجهاد، وكل ما هو صحيح وأصيل -وهي العلاقة القائمة على أساس الحب والطهر، والصفاء، بعيداً عن عوامل الهوى، وعن الدوافع النفعية وغيرها-فإنها لابد أن تتم ضمن ضابطتين:

أحداهما: أن لا يكون ذلك على حساب درجة اليقظة اللازمة للإنسان المؤمن العامل، حيث نجد البعض يستغرق في الإيجابيات حتى لا يكاد ما سواها يخطر له على بال ويمعن في الحب والثقة بالناس، حتى يصل إلى درجة السذاجة.

الثانية: الاعتراف بالواقع، والتعامل معه على أساس الاستفادة من إيجابياته، ومعالجة السلبيات فيه قدر الإمكان. فلا يغيب الإنسان عن جانب نتيجة لاستغراقه في جوانب أخرى، حتى إذا ما واجه الواقع بعجره وبجره، حصلت له الصدمة، وفقد توازنه، واختلت أحواله إلى درجة الانهيار أحياناً.

 

هـ-دراسة التراث الفكري للمحيط:

ويدخل في هذا الاتجاه أيضاً دراسة التراث الفكري والثقافي للمحيط، الذي يفترض أن يكون ساحة للعمل التربوي والتعليمي، لأن دراسة كهذه تفيد في التعرف على الرواسب والخلفيات التي قد يكون لها دور في تسريع، أو إعاقة البناء الفكري والروحي والعقائدي، وغير ذلك مما يفترض أن يترجم حركة، وسلوكاً، وموقفاً.

كما أن هذه الدراسة تفيد في تسهيل العمل لاستئصال الجانب المريض من جهة، ثم في تقوية، وترسيخ، وبلورة النواحي الإيجابية من جهة أخرى. فيخفف ذلك أعباء كثيرة ترهق كاهل الإنسان وتثقل خطوه، وتميل به ذات اليمين تارة، وذات الشمال أخرى. بل قد تجعله يضل الطريق، ويدخل في متاهات خطيرة، حيث المصائب والبلايا. والآلام والكوارث والرزايا.

 

و-درجة الوعي:

إن بعض النواحي التعليمية والتربوية لا يكفي فيها مجرد الحصول على المفهوم، أو حتى الاقتناع به. بل المطلوب هو درجة أعلى من ذلك.

فمثلاً المطلوب في الشأن العقائدي والتربية الروحية، والأخلاقية، والإنسانية هو أن يتحول المفهوم العقائدي أو الإنساني، أو الأخلاقي إلى حالة ضميرية ووجدانية للإنسان المسلم، إلى حد يكون معه الموقف، والحركة والسلوك بتأثير من هذه الحالة وعلى وفقها عفوياً، وطبيعياً بكل ما لهذه الكلمة من معنى.

بل المطلوب في معرفة الله سبحانه، وحتى في كثير من المفاهيم الإنسانية والأخلاقية أيضاً في الفناء والإنصهار، والذوبان، حتى لا يعود الإنسان يشعر بأن هل كياناً ووجوداً في مقابل الله سبحانه.

فمعرفة المستوى المطلوب في المعرفة ودرجة التفاعل في المجال التعليمي والتربوي له أهميته في نجاح العمل، وتحقيق الأهداف المتوخاة منه.

 

ز-المعايير أولاً:

إن من الضروري في نطاق التربية الإسلامية تقديم معايير فكرية، وعلمية، قادرة على أن تحمي صاحبها من حبائل الماكرين وخداع الشياطين ثم أن يميز بواسطتها بنفسه الفكر الدخيل من الأصيل، ويتمكن من مواجهة أي فكر إنحرافي وتقييمه، ومعرفة صحيحه من سقيمه. ولولا هذه المعايير، فمن المفترض -وذلك أمر مستحيل- إقامة حارس (عالم) على كل إنسان، ليلقنه الحجة، والدليل كلما واجهته شبهة أو تعرض لمشكلة في الفكر والعقيدة، والتشريع، وغير ذلك.

وللتدليل على هذا الأمر الهام نقول: إن الأئمة عليهم السلام قد تعاملوا مع أصحابهم رضوان الله تعالى عليهم بنفس هذه الطريقة وكمثال على ذلك نذكر: أن الأئمة (عليهم السلام) كانوا يواجهون حكاماً عتاة يبتغون لهم الغوائل، ويعملون على التخلص منهم ؛ فكان نص الإمام على الإمام الذي يخلفه أمراً صعباً وخطراً على حياة ذلك الإمام بالذات. فكان الأئمة يخبرون بعض الخلّص من شيعتهم به، ويشيرون إليه. ولكن إعلان ذلك على الملأ العام، والجهر به للناس كان متعذراً في كثير من الأحوال.

ولأجل ذلك نجد المنصور العباسي، كان قد صمم على قتل من يوصي إليه الإمام الصادق، باعتبار: أن هذا الوصي سيكون هو الإمام بعده عليه السلام، وإذا به يفاجأ بأن الإمام قد أوصى إليه بالذات وإلى والي المدينة، وإلى زوجته، وولده، فالتبس الأمر على المنصور، ولم يستطع تنفيذ ما كان قد عزم عليه، وصرح بأنه ليس إلى قتل هؤلاء سبيل.

ولكن الشيعة قد عرفوا الإمام عليه السلام بعينه، من خلال هذه الوصية بالذات (!!) كما أنه حينما التبس الأمر على الشيعة في شأن الإمام بعد وفاة الرضا عليه السلام، لأجل صغر سن الإمام الجواد، جاؤا إليه، وامتحنوه بالأسئلة، حتى بان لهم ما كان خافياً وأسفر الصبح لذي عينين.

وقد استمر الشيعة في هذا النهج، فكانوا يأتون إلى من يدعي الإمامة ويمتحنونه بالأسئلة، ويعرفون الإمام الحقيقي من المزيف عن هذا الطريق.

ولكن ذلك لا يعني استقلال الناس في كل شيء فإن ذلك متعسر، بل متعذر، لأن هذه المعايير إنما تفيد في القضايا الفكرية، والعامة، ولا دور لها في ما تتوقف معرفته على توقيف العلماء، وتعليمهم، كالأحكام الشرعية وغيرها.

أضف إلى ذلك: أن البعض قد يكون قاصراً عن الاستقلال في مواجهة المشكلات الفكرية، والعقائدية، فإذا أراد أن يتعامل مباشرة مع النصوص والآثار، فقد يقع في الإرباك الذي ينتهي به إلى شذوذ في الفكر أو إلى لصدمة في الإيمان، والوجدان.

فلا محيط عن تربية أشخاص على مستوى كبير من العلم يؤهلهم لمواجهة حالات كهذه فيكونون مرجعاً ومفزعاً لهذا وأمثاله، ليفتح لهم باباً هنا، ونافذة هناك، ليروا منها نور الحق، ويربط على قلوبهم، وتطمئن بذلك نفوسهم.

 

ح-الاعتراف بالواقع:

ومن الواضح: أننا نعيش في عالم يزخر بالمتناقضات، ويعج بالشرور والانحرافات فإنكار ذلك. والتعامل معه على أساس الفناء أو الإفناء، ثم خوض معركة خاسرة لن يكون حصادها إلا تدمير قوة الإيمان والإسلام، وتقوية شوكة الكفر والطغيان. ليس من العقل والحكمة في شيء، وهو يخالف سيرة القرآن والإسلام، والنبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم، والأئمة المعصومين عليهم السلام فإنهم قد تعايشوا مع الكفر، والانحراف، واعترفوا بوجوده، ولكنهم لم يعترفوا بشرعيته، ولا قبلوا بصوابية أطروحته.

ومعنى ذلك: أننا في مجال تربيتنا وتعليمنا للإنسان المؤمن، علينا أن نأخذ هذه الناحية بعين الاعتبار، حتى إذا كان لابد من التعايش مع الباطل، فلا يكون ذلك على حساب زعزعة إيمان المؤمنين، وإثارة الشكوك والشبهات في نفوسهم، وحتى لا نقع في المحذور الكبير، حينما تفتح صراعات فارغة لا تجدي ولا تفيد إلا في تعميق الفجوات، وإثارة النعرات بمناسبة، وبغير مناسبة. ثم إنتاج المزيد من السلبيات، وزرع المزيد من الموانع والعراقيل في طريق العمل والعاملين.

هذا كله عدا عن أن الإسلام الذي يريد أسلمة العالم، فإنه لا يريد تدميره والقضاء عليه. ولأجل ذلك نجده يتخذ استراتيجية العمل لاحتواء الآخرين، وفتح نوافذ لهم ومنحهم فرصاً للتعرف على الإسلام وعيش أجوائه الروحية، والانفتاح على اخلاقياته، وعلى مفاهيمه الإلهية والإنسانية.

وهذا لا يتلاءم مع روح التشنج، والرفض المطلق، ولا مع الروح التدميرية لكل شيء، كما ربما يعتقده بعض القاصرين والبعيدين عن وعي الإسلام بصورة صحيحة.

 

ط-روحية العاملين:

وأخيراً.. فإن كل عمل في سبيل الله، حتى العمل الجهادي -حيث لابد من الجهاد، حين يصبح تكليفاً شرعياً، ومسؤولية إلهية- لابد أن يكون مصدر شعور بالراحة واللذة، والأنس للعاملين، وللمجاهدين. يرون فيه السعادة والنجاح، والفوز والفلاح، حتى وهم في أشد الحالات، ويواجهون أصعب المشكلات، فلا يعتبرونه مغامرة مخيفة وعبئاً ثقيلاً لابد من التخلص منه بأي طريقة كانت.

وإن لشعور العاملين والمؤمنين بلذة العمل، والجهاد، آثاره الإيجابية الكبيرة، إن بالنسبة للعمل نفسه، أو بالنسبة لتأهيل العاملين لما هو أهم، ونفعه أعم. ذلك في الحقيقة يعد قسطاً من الجهد التربوي المطلوب تحقيقه والاستفادة منه روحياً ونفسياً، وغير ذلك.

 

الحزبية بالمفهوم الغربي:

كان ما تقدم الماحة سريعة جداً إلى الحزبية بمفهومها الإسلامي الصحيح والأصيل، حسبما فهمناه من النصوص الإسلامية القرآنية وذلك يوضح مدى التفاوت فيما بين النظرة الإسلامية للحزبية وللحزب الذي يريده حاكماً ومهيمناً. وبين الحزبية بمفهومها الغربي والمتداول وهو يوضح أيضاً الكثير من السلبيات التي تعاني منها الحزبية بالمفهوم الغربي الشائع ونعود فنذكر هنا ببعض هذه السلبيات، التي ترتبط بالأحزاب التي تطرح نفسها على ساحة الصراع السياسي في عالمنا اليوم، وهي الثلاثة التالية:

1 -إن أكثر هذه الأحزاب قد اختار طريقاً لا يتلقى مع طريق الله سبحانه، ولا ينتهي إليه، لأنه قد استبعد الأطروحة الإلهية، وراح يخترع لنفسه نظريات ومبادئ، ونظم أقل ما يقال فيها أنها ليست صحيحة ولا سليمة.

وقد نجد بعض هذه الأحزاب يريد ان ينطلق من أطروحة إلهية، ولكن مع تقليم وتطعيم، وفق ما يراه مناسباً، أو مفيداً له في عمله، المرحلي، وغير المرحلي أيضاً.

هذا لو أغمضنا النظر عن عدم توفيقه في التعرف على الأطروحة الإلهية الصحيحة والأصيلة.

2 -إن هذه الأحزاب تخل بشكل واضح بالناحية الانتمائية، فتتسبب في خلل في النظرة الموضوعية للإنسان، حيث تنشأ لديه حالة من التعصب الأعمى للفئة وللحزب الذي يتعاطى معه، ولكل ما يصدر منه وعنه. ثم يبدأ بالابتعاد عن أجواء الموضوعية في تقييمه للأمور، وتعامله معها، حينما يصبح المعيار للحق والباطل، وللصحيح وغير الصحيح هو الحزب، ورأيه، وموقفه، وحركته، وكل ما يصدر عنه، ولو استلزم ذلك تضييع الحقائق، بل وسحقها بالأقدام.

3 -إن هذه الأحزاب إنما تعطي الامتيازات، أو تحرم منها على أساس الانتماء الحزبي، وليس وفق المعايير الواقعية والإنسانية الصحيحة. فالحرمان والعطاء، والحب والبغض، والتقديم والتأخير، والرفع والوضع و.. وكل ذلك يكون على هذا الأساس، ومن هذا المنطلق.

 

التجربة الإسلامية للحزبية:

قد رأينا وسمعنا عن أحزاب عديدة تبنت الإسلام، وأرادت أن تتحرك على أساسه. ولكنها منيت بالفشل باستمرار، وذلك لأنها قد أخطأت الأطروحة الإسلامية الصحيحة، أو انحرفت عنها.

إلى أن ظهرت أخيراً التجربة الإسلامية لمشروع "حزب الله" وفقاً للمفهوم القرآني، حسبما تحدث عنه الإمام الخميني رحمه الله في أوائل هذا البحث، وهذه التجربة لا تزال مستمرة، وهي لا تعاني من أي نقص أو خلل من حيث أطروحتها التي تتبناها، لأنها تمتلك الأطروحة الصحيحة والسليمة، ولكنها لم تنج من الوقوع في بعض الأخطاء في مجال التطبيق، ولكنها ليست أخطاء على جانب كبير من الخطورة.

ولعل سبب هذه الأخطاء هو أنها لم تجد الفرصة الكافية للبناء الداخلي الشامل والمستوعب لكافة جهات، وجوانب، وشؤون حياة الإنسان المسلم، سواء على مستوى الفرد، أو على مستوى الجماعة، بالإضافة إلى النقص الذي تعاني منه في الإمكانات والقدرات اللازمة لبناء حساس ودقيق كهذا. والأهم والأخطر من ذلك هو أنها لا تزال تواجه ضغوطاً هائلة، وخططاً ومؤامرات كبيرة وخطيرة من قبل الأعداء الحاقدين، في نطاق عملهم الدائب على إفشال التجربة، والقضاء عليها في مهدها، قضاء مبرماً ونهائياً.

ولكن النصر الكبير، والذي يثلج الصدر، هو أن التجربة -برغم كل ذلك- لا تزال مستمرة، وأملنا وطيد بالله تعالى، وهو الملجأ والملاذ، والمدبر والمعين.

و ﴿إِنْ تَنْصُرُوا اللهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ﴾.

 

صلة النهاية بالبداية:

وأخيراً.. فإننا نعود لنذكّر بأن الإمام الخميني العظيم حينما تحدث عن الحزبية، فإنما كان يرمي إلى تجسيد المفهوم القرآني الصافي والأصيل. هذا المفهوم الذي هو الضمان الوحيد لسلامة المسيرة، وصحة الاتجاه، وهو الذي يستطيع، أن يحقق الأهداف الإلهية السامية، وهو أيضاً القادر على أن يجنبنا أدواء الحزبية بمفهومها الغربي المنحرف الذي يكرس القيادات الفاسدة والمزيفة، ويوجد كل أسباب الإنقسام والتمزق، ويرسخ المجالات اللا إنسانية في واقع هذا الإنسان وفي حياته، وفي كل وجوده، ويعتمد الأطروحة الشيطانية، التي لا تخدم الإنسان، وإنما تستخدمه لأغراضها الهدامة والشريرة.

وفقنا الله للسير على هدى القرآن، والعمل بنصائح الإمام الخميني العظيم.

والسلام عليكم جميعاً أيها الأخوة ورحمة الله وبركاته.