اهمية البناء التبربوي للطفل في الاسلام
عالية ابراهيم الموسوي
ان الهدف الرئيسي لاي مبدأ او تنظيم في التربية هو اعداد مواطنين صالحين لخدمة الدولة وقادرين على كسب عيشهم.
اما الاسلام فينظر الى الآمر نظرة اخطر من ذلك بكثير. فالانسان في نظر الاسلام هو خليفة الله في الارض (اني جاعل في الارض خليفة) والشباب المسلم هو حامل رسالة السماء الى الانسانية كلها. ولهذا الهدف العظيم والرسالة الكبيرة يعد الاسلام ابناءه ليكونوا قادرين على اداء الرسالة وحفظ الامانة وقيادة الانسانية كلها واخراجها من الظلمات الى نور الاسلام يبني شخصية الطفل من ثلاثة جوانب: -
الاول: هو بناء ضميره ووجدانه: -
وذلك بخلق ضمير اسلامي حي يقظ ونفس سليمة خالية من العقد والاحقاد. وتهذيب الغرائز والعواطف البدائية في الطفل وذلك بتعليمه الرحمة والمحبة والتعاون والعزة والكرامة والكرم، وحب الخير وبر الابوين، وطاعة اولي الآمر . وحب الله ورسوله، وحب الوطن وكل هذه المعاني لايتعلمها النشء الا في الدين وحده.
فالرحمة والمحبة والعطف والاحسان الى الاخرين والتواضع وحسن الخلق لا توجد في كتاب علمي او قاموس او في كتب الجغرافيا والتاريخ. انما يتلقها من التربية الصالحة. ويقتنيها من أبويه وسائر افراد اسرته.
ان العلم بدون اخلاق لاينفع الانسان. واذا لم يتلق الطفل التربية الاسلامية فانه مهما تلقى من علوم الدنيا لايكون سعيدا. وسواء اصبح طبيبا او مهندسا او عالما فانه يظل غرضه للانحراف وتطغى عليه الروح المادية. وبدلا من ان يصبح العلم في يديه رحمة للانسانية فقد يصبح وسيلة للتدمير والتخريب والاستغلال. وهذا هو اخطر ما يعانيه مجتمعنا.
الآمر الثاني: هو البناء العقلي والذهني: -
وقد يقول قائل : ان العلوم والمعارف التي يتلقاها الطفل في المدرسة من علوم وحساب وتاريخ تسد حاجة التلميذ في هذه الناحية. وهذا ايضا خطأ . فهناك فرق بين حشر المعلومات في رأس التلميذ وبين تنمية مدارك الطفل لتوسيع افقه وتفكيره، وتعليمه الابتكار وابداء الرأي وملاحظة الظواهر بدقة.
الاسلام يدعو الطفل منذ نشأته الى تأمل كل شيء في الحياة من حوله يدعوه الى تأمل الخلق والمخلوقات. والسماء والنجوم والشمس والقمر والليل والنهار. والى التأمل في الارض والجبل والبحر والانهار، والطير والحيوان والانسان. ان يتأمل في نفسه وفي جسمه وفي خلقه، في امه عندما حملته وهنا على وهن وارضعته عامين ثم فطمته، وسهرت لتحميه من البرد والحر والجوع والعطش. ثم بعد هذا كله يدعوه الى التفكير فيمن خلق هذا الكون كله وأبدعه. وكل هذه الامور وهذا الفكر يوسع مدارك الطفل في الحياة. ويزيد من حدة ذكائه ويجعله اكثر قدرة على استيعاب كل ما يتلقاه بعد ذلك من علوم الدنيا، وخاصة ان هذه المعلومات لا توجد في كتب الدراسة والعلم..
واهم شيء ان يتعلم الطفل كيف ينظر الى الامور باستقلالية؟ ويميز بين الغث والسمين، بين الخطأ والصواب، ولا يتقبل كل شيء دون تأمل وتدبر وتفكير.
الامر الثالثة: هو البناء الجسمي: -
الاسلام يهتم بالصحة والسلامة، ويدعو الى خلق جيل قوي البنية، يتمتع بالقوة والحيوية والنشاط ، خال من العاهات الوراثية والامراض . ثم تربية هذا النشء على حب الرياضة بأنواعها. وبذلك يخلق جيلا واثقا بقدراته ومواهبه وقادرا على حمل الرسالة وعلى الجهاد في سبيل الله.
هذه العوامل الثلاثة هي التي تشكل شخصية الطفل المسلم الروح والعقل والجسم. اما الحضارة الحديثة وما تدعو اليه من الحر ية الجنسية والتمتع بكل ملاذ الحياة باية طر يقة. فانها تجلب الامراض ويكفي في هذه النقطة ما تبثه وسائل الاعلام انه في سنة 2001 توفي ثلاثة ملايين انسان بمرض الايدز . وبلغ عدد المصابين (40) مليون مصاب في تلك السنة. منهم (600) الف طفل لم يبلغوا الخامسة عشر من العمر.
وسائل التربية الاسلامية:-
تقوم التربية الاسلامية للنشء على دعامتين في وقت واحد:-
الاكرام مع التأديب . وذلك لقول رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم):-
«اكرموا اولادكم واحسنوا آدابهم».
والقصد بالتأديب هو التوجيه والتنبيه على الاخطاء، والتعليم مع احترام شخصية الطفل ومنحه الحب والحنان والعطف، وبهذا الاسلوب السليم في التربية، لاينشأ الطفل محروما أو مهانا فيحقد، ولا يصبح مدللا منعما فيفسد.
اكرام الطفل:-
1 - أول مبادىء الاكرام عدم سب الطفل لآي سبب. فلايقال له ياشقي او ياغبي او ياكسول. او يقال الله يلعنك، هذه الامور لا تجوز في الاسلام. وفي هذا يقول الرسول (ص):
«سباب المسلم فسوق»، واذا كان الاسلام قد نهى عن سب البهائم ولعنها. فما بالك بسب الانسان. سمع رسول الله رجلا يسب ناقته فعاقبه رسلو الله وقال له:-
«يا عبد الله لا تصاحبنا اليوم على ناقة ملعونة، فحط عنها رحالها وأطلقها.
ويكره في الاسلام ضرب الطفل المسلم الا لذنب كبير، وينهى نهيا قاطعا عن ضربه على الوجه. لان الوجه هو خلقة الله التي كرمها. فالشرع لايقر معاقبة الطفل. بشدة ولا يسوغ ضرب الوجه.
ويكره ضرب البهائم على وجوهها لانها تسبح الله تعالى:
«وان من شيء الا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم». واذا كان ضرب البهائم على وجوهها غير جائز . فكيف بضرب الاطفال الصغار؟
3 - الاسلام يدعو الابوين ان يكونا قدوة لابنائهما. فاذا كانا متحابين ودودين عطوفين. انتقلت هذه الصفات الى ابنائهما. واذا كان الاب بارا بوالديه. فان ابناءه يبرونه ايضا والعكس بالعكس. يحذر الاسلام الابوين من الكذب على طفلهما الاي سبب سواء كان هذا للتخلص من بكائه او طلباته او لآي سبب آخر.
رأى رسول الله (ص) امرأة تنادي طفلها وتقول له: تعال اعطيك. قال لها: ماذا أردت ان تعطيه؟ قالت اعطيه تمرة. فقال لها الرسول: اما انك لو لم تفعل شيئا كتبت عليك كذبة.
4 - ينصح الرسول الامهات بتولي تربية ابنائهن بانفسهن وعدم الاعتماد على الخدم والخادمات في تربية الطفل. وفي ذلك يقول احد الفقهاء: (أدب ولدك يكن لك بدل الخادم خادمان) التربية الصحيحة تجعل الطفل مطيعا لآبيه محبا لاسرته واثقا بنفسه تربية الخدم تجعل من الاطفال اطفالا غير مهذبين. لاختلاف العادات والتقاليد والقيم الخلقية بين الاهل وبين الخدم.
5 - ومن روائع الاسلام في مجال التربية انه يحترم مشاعر الطفل، ويأمر الرسول المسلمين بالتلطف واللعب مع الاطفال. لان هذا الامر يخلق روح المودة والترابط في الاسرة ، يقول (ص) : «من كان له صبي فيتصاب له» وقد كان رسول الله (ص) مثالا للمودة والعطف والحنان مع أولاده وذريته، ومع اطفال المسلمين. فكان الصحابة اذا زاروه في بيته خرج اليهم وهو يحمل حفيده الحسن على كتفه، وكان الرسول (ص) يداعب ولديه الحسن والحسين. ويلاعبهما .، وكان اذا سجد يركبان فوق ظهره. ويقبلهما كثيرا ويحنو عليهما.
8 - كان الرسول (ص) يعلم الانسان كيف يعامل طفله؟ كيف يكون ودودا مع اطفاله ليزرع الثقة في نفوسهم ويزرع الحب والحنان والعطف في قلوب الاطفال، ليسهل على الابناء تقبل توجيهات آبائهم وتعليماتهم لما يلقون من بذور المحبة ومن المعاملة الحسنة. وقد قال رسول الله (ص) : «رحم الله والدين اعانا ابنهما على برهما».
جاءه رجل فقال يا رسول الله اني اجد قساوة في قلبي وجمودا في عيني . فماذا عساني افعل؟
قال له رسول الرحمة: «ابحث عن طفل يتيم وامسح على رأسه واعطف عليه وأدخل السرور في قلبه ترى من انك شفيت من قساوة القلب وجمود العين.
الرسول يدعو الى الرحمة بالاطفال والاحسان اليهم، وترك القسوة والشدة والعقاب في التربية والتعليم كما ينهى عن ترك الحبل على الغارب واهمال الطفل وعدم العناية بتربيته.
ومن اداب الاسلام مساعدة الاطفال. فاذا رأى المسلم صبيا يسير على قدميه في الشمس او الحر او رآه ينتظر من يوصله ان يتوقف له بسيارته وان يوصله الى بيته كما يوصل ابنه تماما، عملا بقول رسول الله (ص): «من كان له فضل ظهر فليعد به على من لا ظهر له».
اي من كان له مكان زائد على ناقته فيقدمه الى من لاناقة له. وقد كان رسول الله اذا رأى صبيا في الطريق وهو على ناقته يتوقف له وينيخ راحلته، وينادي على الصبي ويمسح راسه في عطف وحنان ومحبة. ثم يحمله خلفه على ناقته حتى يوصله الى بيته.
ويوصي الاسلام بعدم التفرقة بين الابناء في المعاملة وخاصة في الامور المالية والميراث، وقد جاء الى الرسول (ص) رجل فقال للرسول: «اشهدك يا رسول الله اني قد اوصيت لولدي هذا من بعدي بكذا وكذا ... فقال له الرسول: وهل فعلت ذلك لكل اولادك؟ ام هذا وحده؟.
فقال الرجل: هذا وحده.
فقال له الرسول: اذهب فلا وصاية لك عندي ولا تشهدين على جور.هذا في الامور المادية والوراثية.
اما في الامور العاطفية، فان الاسلام يأمر بالعدل والمساواة في اظهار الحب والمودة فلا يفضل احد للاطفال على غيره بالحنان والعطف. فلذك يثير الحسد ويخلق العداوة ويثير الحقد بين الاخوة والاخوات.
والاسلام يأمر بعدم التمييز بين الولد والبنت في المعاملة الا في حدود ما امر الله من ناحية الميراث حيث يكون للذكر مثل حظ الانثيين.
وحكمة ذلك ان الذكر يكون مسؤولا عن الانفاق في اسرته وزوجته.. اما للانثى فليست ملزمة بالانفاق على زوجها واسرتها من مالها ولكن على زوجها ان ينفق عليها.
وليس للابوين ان يفرقا في المعاملة وفي العطف والمودة بين الولد والبنت.
بل لقد كان رسول الله اكثر عطفا على البنات واكثر وصاية بهن حتى يزيل من نفوس العرب عادة الجاهلية البغيضة. وفي هذا الصدد يقول الرسول (ص): «من كان له انثى فلم يهنها ولم يؤثر ولده عليها واحسن تعليمها كانت له سترا من النار» وكثيرا ما كان رسول الله (ص) يحمل امامة بنت ابي العاص وهي ابنة ابنته زينب ويدللها ويضعها تحت عباءته ليدفئها في البرد ويحن عليها ويداعبها في طفولتها.
وللاسلام نظرة عميقة في أمره المسلم بالتعاطف مع الطفل والحنان عليه واحترامه. فهو لايهدف الى مصلحة الطفل وحده. ولكن الى غرس روح المحبة والتعاون في نفوس الكبار.. والى تهذيب مشاعرهم. ولا يكتفي الاسلام بأمر الناس بحسن رعاية اولادهم بل ان المسلمين جميعا ملتزمون بالتضامن مع الدولة في رعاية الاطفال الايتام او الذين لا عائل لهم، فنشأة الطفل اليتيم في اسرة مسلمة صالحة خير له من نشأته في ملجأ حكومي. ولذلك فقد جعل الاسلام تربية اليتامى احد واجبات الاسرة المسلمة حسب استطاعتها.
وفي ذلك يقول الرسول (ص): «خير بيت في المسلمين بيت فيه يتيم يحسن اليه، وشر بيت في المسلمين بيت فيه يتيم يساء اليه».
وقال رسول الرحمة (ص) :- «انا وكافل اليتيم في الجنة كهاتين» واشار باصبعيه معا.
وقد نشأ رسول الله يتيما فرعاه جده عبد المطلب. ثم رعاه ودافع عن رسالته عمه ابو طالب.
فلما شب الرسول واستطاع ان يكسب عيشه بدأ هو ايضا برعاية اليتامى والفقراء في بيته.
واول طفل تولى الرسول رعايته رغم ان والديه كانا أحياء هو ابن عمه علي بن ابي طالب عليه السلام. فعاش مع رسول الله منذ صغره غذاه رسول الله بالعلم وكساه حلل الايمان زينه بالادب. كما كان رسول الله يرعى في بيته زيد بن حارثة.. وكان زيد طفلا اختطفه الاعراب من قبيلته فلم يعرف له اهلا فاشترته خديجة واهدته الى الرسول فتبناه الرسول وأعتقه. ولما جاء اهله وعشيرته الى الرسول ليأخذوه منه. خيره رسول الله بين الاقامة عنده وبين الذهاب مع اهله، فاختار الاقامة عند رسول الله (ص) لما لقيه من الحب والحنان والعطف مما لايجده الطفل عند والديه واقرب الناس اليه.
يقول الامام الغزالي : - «الصبي امانة عند والديه وقلبه الطاهر جوهرة نفيسة ساذجة خالية من كل نقش وصورة وهو قابل لكل نقش وقول الغزالي هذا يتفق مع أحدث النظريات في علم التربية. ذلك ان الطفل البشري يولد وهو في حالة من العجز الشديد بحيث اذا ترك وشأنه هلك. ومن أجل ذلك كانت رحمة الله بالاطفال ماثلة في عاطفه الامومة وعاطفة الآبوة. حيث يتولى الابوان رعاية اطفالهما الى حد تفضيلهما على نفسيهما.
ودور الاب يتفوق على دور الام في تربية الابناء بعد السنوات الثلاث الاولى من عمر كل منهم، وفي هذا يقول النبي (ص) : «ما نحل والد ولده افضل من ادب حسن».
ان الابناء بنين وبنات هم ثمرات القلوب وافلاذ الاكباد، وهم امانة جليلة في اعناق الأباء. واداء الامانة يتمثل في حسن الرعاية ودقة التربية واستقامة التنشئة الاجتماعية.
ومن الواجب على الوالد ان يحرص اولا وقبل كل شيء على غرس بذور الاخلاق الفاضلة في نفس الولد او البنت، وتعويدهما العادات الكريمة والخصال الحميدة والأداب الرفيعة وتجنيبهما الترف الزائد والبذخ ، وابعادهما عن قرناء السوء. وفي هذا يقول الغزالي عن تربية الوالد لولده و صيانته، بان يؤدبه ويعلمه محاسن الاخلاق ويحفظه من قرناء السوء ولا يعوده التنعم والترف، ولا يحبب اليه الزينة واسباب الرفاهية فيضيع عمره في طلبها اذا كبر فيخسر عمره، بل ينبغي ان يراقبه من اول عمره.
والتربية الصحيحة تبدأ من اول فترة الرضاع حيث يطالب الاسلام الابوين باختيار المرضعة الصالحة والمربية الفاضلة ويشترط في المرضعة ان تكون متدينة ذات خلق وعفة وتأكل من حلال حتى تؤثر في الوليد تأثيرا صالحا.
كان المسلمون الاوائل يهتمون كثيرا بمسألة التربية وعرفت الامثال التي تشير الى هذا المعنى مثل قولهم: «من أدب ولده صغيرا سر به كبيرا» وقولهم ايضا: التعلم في الصغر كالنقش على الحجر.
وكذلك قولهم: «اطبع الطين ما كان رطبا واعصر العود ما كان لدنا».
ويقول علماء التربية المعاصرين: بادروا بتعليم الاطفال قبل تراكم الاشغال. وانه وان كان الكبير اوقد عقلا، فانه اشغل قلبا ويقول الشاعر:
اذا المرء أعيته المروءة ناشيئا
فمطلبها كهلا عليه شديد
وينبغي تعليم الطفل المهنة التي يحبها ويعشقها ويبذل جهده في تعلمها والاستفادة منها كما يرى العلامة ابن سينا اذ يقول:
«انه ليست كل صناعة (مهنة) يرومها الصبي ممكنة له مواتية،ولكن ينبغي له ان يزاول ما شاكل طبعه وناسبه. ولقد روي ان يونس بن حبيب كان يتردد على الخليل بن احمد الفراهيدي ليتعلم منه العروض والشعر. فصعب ذلك عليه، فقال له الخليل يوما: من اي بحر قول الشاعر:
اذا لم تستطع شيئا فدعه
وجاوزه الى ما تستطيع
ففطن يونس بن حبيب لقصد الخليل بن احمد وتوجه الى اغراض اخرى في العلم غير العروض ونظم القوافي.
التربية الاجتماعية في الاسلام
هذا النوع من التربية تضع الام الاساس الاول له، ثم يستكمله مع الام الآب والمعلم والقريب والجار والصديق والزميل، وعلى الكبار داخل الاسرة ان يعودوا صغيرهم على آداب المائدة لضرورتها بالنسبة له. ومن اداب الطعام في الاسلام ان لايكون الانسان شرها في الاكل (كلوا واشربوا ولا تسرفوا) من المهم الاعتدال في الطعام وعدم التخمة والاسراف في الآكل.
يقول الغزالي في هذا الصدد: «أول ما يغلب على الطفل من الصفات شره الطعام فينبغي ان يؤدب فيه مثل الا يأخذ الطعام الا بيمينه. وان يقول عليه بسم الله عند اخذه ، وان يأكل مما يليه. والا يبادر الى الطعام قبل غيره وألا يحدق النظر اليه ولا الى من يأكل.
وان يجيد المضغ، وان لا يوالي بين الفم، ولا يلطخ يديه أو ثوبه ويقبح عنده كثرة الآكل ، بان يشبه كل من يكثر الآكل بالبهائم . وبأن يذم بين يديه الصبي الذي يكثر الاكل. ويمدح عنده الصبي المتأدب القليل الآكل وان يحبب اليه الايثار بالطعام، وقلة المبالاة به والقناعة بالقليل.
وكل تلك الامور ينبغي ان يلتفت اليها الوالدان في تربية الابناء وتعليمهم آداب المائدة واساليب تناول الطعام وكيفية الجلوس على المائدة.
ويقول الغزالي ايضا: «وينبغي ان يعود.. الا يضع رجلا على رجل. ولا يضع كفه تحت ذقنه ولا يعمد رأسه بساعده، فان ذلك دليل الكسل، ويعلم كيفية الجلوس ، ويمنع كثره الكلام وانه من فعل ابناء اللئام. (فان من كثرة لغطه كثر غلطه) وان يعود ايضا الاحسان الى الغير، على ان يكون بمقدار وعلى حسب القدرة والاستطاعة، حتى لايخرج به الى رذيلة التفاخر على الغير.
«ويمنع من ان يفتخر على أقرانه وأترابه بشيء مما يملكه والداه، او بشيء من مقتنياته وملابسه او لوحه وأدواته.
وينبغي ان يعود التواضع والاكرام لكل من عاشره والتلطف في الكلام معهم. واذا عجز الوالدان عن ذلك. او اذا كان الطفل قد فقد احدهما او كليهما. فعلى المدرس والمربي والاخصائي الاجتماعي ان يبعد الطفل ويعلمه اداب المائدة باعتبارها من اهم الاداب الاجتماعية.
واذا كان من الخير ان نعود الطفل الشعور بمشاعر الاخرين والتجاوب معهم عاطفيا ومشاركتهم وجدانيا في الفرح والحزن ، فانه من الخير في مجال الصحة النفسية ان نجنب الطفل حدة العواطف المثيرة حتى لاتستبد به وتضله عن الطريق السوي.
ويقول الفيلسوف الاسلامي والطبيب الذائع الصيت ابن سينا: انه يجب علينا ان نجنب الطفل الغضب الشديد والخوف الشديد والحزن والسهر. وان نقدم اليه مايحتاجه ليعتدل مزاجه فتعتدل اخلاقه. لآن الاخلاق الحسنة نابعة لصغار المزاج. وهكذا نجد التربية الاجتماعية الاسلامية تتناول التربية بجانبيها الاجتماعي والنفسي وكذلك الصحة النفسية وتلك هي الصورة المتكاملة للتربية .
التربية الصحية:
على الوالدين ايضا تعويد اطفالهما على النظافة وما يجلب الصحة وتجنيبهم العادات القبيحة التي قد تؤثر على صحتهم وعلى الصحة العامة . وفي هذا يقول الغزالي : ينبغي ان يعود الطفل الا يبصق في مجالسه او في الطريق العام او في مكان يراه احد. ولا يتثاءب بحضره غيره واذا اراد ان يعطس يعطس في منديل ولا يتمخط. واذا تثاءب ان يضع كفه مقلوبا على فمه.
ومعنى ذلك ان الغزالي يطالب الجميع بتعليم الاطفال العادات الحسنة. ويجنب الاطفال عادة البصق على الارض في الشارع او المنزل او في الفصل الدراسي او في مكان العمل. ويعلم الاطفال عادة البصق والتمخط والعطس في المنديل.
التربية الرياضية:
والتربية الرياضية او البدنية لها اهميتها القصوى في التربية الاسلامية على اعتبار ان العقل السليم في الجسم السليم. وفي هذا يقول الرسول (ص): «ان لبدنك عليك حقا».
وفي الحديث الشريف: «علموا اولادكم السباحة والرماية وركوب الخيل» ومن الالعاب الاساسية لعبة الرمي، وهي لعبة تؤدي الى زيادة القوة البدنية.
ويقول الغزالي في هذا الصدد: «وينبغي ان يؤذن للتلميذ بعد الانصراف عن الكتاب ان يلعب لعبا جميلا يستريح اليه من تعب المكتب. بحيث لا يتعب في اللعب فان منع الصبي من اللعب وارهاقه في التعليم يميت قلبه ويبطل ذكاءه وينغص عليه العيش حتى يطلب الحيلة في الخلاص منه».
واللعب الجميل الذي يشير اليه الغزالي ليس لعب الكرة في الشارع داخل الاحياء السكنية، ولا لعب الكمبيوتر واجهزة الاتاري مما يسبب للطفل اضرارا فادحة. بسبب مافيها من عنف مما يغير سلوك الطفل نحو اخوانه ووالديه. وما يؤدي الى اضرار جسدية ونفسية. حيث ان الغزالي ينهى عن الالعاب الضارة للاطفال ايا كانت. واللعب الجميل الذي يشير اليه هو اللعب المنظم داخل ملاعب المدارس والمعاهد والكليات الجامعية والاندية الرياضية تحت اشراف المتخرجين في مختلف اقسام المعاهد العالية للتربية الرياضية.
وهذا اللعب من وجهة نظر الغزالي ضرورة علمية وعقلية واجتماعية ونفسية تجدد ذهن الطفل او اليافع او الشاب الصغير حتى يعود الى دراسته او عمله وهو اكثر اشتياقا اليه وقواه متجددة حتى لايسأمه ويفر منه وممن يفرضون عليه بمختلف الحيل النفسية المعروفة.
وعلى الوالدين ان يقتديا بلقمان في توجيه ابنائهم الى مايتفق مع الفطرة السليمة التي ولدوا عليها. وكما جاء في القرآن الكريم: «يا بني انها ان تك مثقال حبة من خردل فتكن في صخرة او في السماوات او في الارض يأتي بها الله ان الله لطيف خبير يابني أقم الصلاة وأمر بالمعروف وانه عن المنكر واصبر على ما اصابك ان ذلك من عزم الامور” ولا تصعر خدك للناس ولا تمشي في الارض مرحا ان الله لايحب كل مختال فخور” واقصد في مشيك واغضض من صوتك ان أنكر الآصوات لصوت الحمير. (لقمان 16 - 19).