المبحث الأوّل: معنى العِوَض
العوض: “هو النفع المستحق الخالي من التعظيم والإجلال”(1) .
توضيح قيود معنى العوض(2) :
1 ـ قيد “المستحق” : يخرج بهذا القيد “التفضّل” ، لأنّ التفضّل هو النفع غير المستحق .
2 ـ قيد “الخالي من التعظيم والإجلال” : يخرج بهذا القيد “الثواب” ، لأنّ الثواب هو النفع المقترن بالتعظيم والإجلال .
المبحث الثاني: موارد استحقاق العِوَض
مصدر إلحاق الألم بالإنسان على نحوين :
الأوّل: أن يؤلم الإنسان نفسه .
الثاني: أن يؤلم الإنسان غيره .
توضيح ذلك : الأوّل: أن يؤلم الإنسان نفسه ، ويكون سبباً في إيذائها ، وموجباً لإلحاق الألم بها.
وهذا النمط من إلحاق الألم بالنفس على قسمين :
1 ـ قبيح :
مثاله: قتل الإنسان نفسه ، أو جرحه لأحد أعضائه من دون غاية عقلائية .
حُكمه: لا يستحق هذا الشخص “العوض” ، إزاء الألم الذي يصيبه.
ولا يستطيع هذا الشخص أن يطالب اللّه أو أيَّ شخص آخر “بالعوض” في قبال هذا الألم .
2 ـ حسن :
مثاله: إلحاق الإنسان الألم بنفسه عن طريق شربه للأدوية المرّة طلباً للشفاء.
وينقسم حكم هذا النمط من إلحاق الألم بالنفس إلى عدّة أقسام :
ألف ـ إذا كان المسبّب للمرض هو اللّه تعالى .
حُكمه: يستحق هذا الشخص “العوض” من اللّه تعالى .
ب ـ إذا كان المسبب للمرض غير اللّه تعالى .
حُكمه: يستحق هذا الشخص “العوض” من ذلك المسبّب للمرض .
ج ـ إذا كان سبب شرب هذا الشخص للدواء المرّ ، وتحملّه ألم تناوله ، لدواعي من قبيل ازدياد الرشاقة .
حُكمه: لا يستحق هذا الشخص “العوض” من اللّه تعالى أو من غيره .
الثاني: أن يؤلم الإنسان غيره، ويكون سبباً في إيذاء غيره وموجباً لإلحاق الألم به .
وهذا النمط من إلحاق الألم بالغير على قسمين :
1 ـ قبيح :
مثاله: الظلم والتعدّي على حقوق الآخرين .
حُكمه: يستحق المظلوم ـ في هذه الحالة ـ “العوض” من الظالم .
2 ـ حسن :
مثاله: إلحاق الطبيب الألم بالمريض الذي يقوم بمعالجته .
وينقسم حُكم هذا النمط من إلحاق الألم بالغير إلى نفس الأحكام السابقة المذكورة بالنسبة إلى النمط “الحسن” من إلحاق الإنسان الألم بنفسه .
المبحث الثالث: الجهات المعوِّضة
إنّ الجهات التي يكون عليها “العِوَض” عبارة عن :
1 ـ اللّه سبحانه وتعالى .
2 ـ غير اللّه تعالى .
توضيح ذلك :
1 ـ العوض الذي يعطيه اللّه تعالى : إنّ اللّه تعالى يعوِّض جميع المستحقين للعوض .
تنبيه : إذا كان غير العقلاء من قبيل البهائم والسباع والهوام والصبيان ومن في حكمهم سبباً في إلحاق الألم بأحد الأشخاص(3) فإنّ “العوض” إزاء هذا الألم يكون على اللّه تعالى ، لأنّ اللّه تعالى هو الذي مكّن هذه الكائنات غير العاقلة من إلحاق الألم بغيرها، وهو الذي لم يجعل لها عقلا يصدّها ويزجرها عن ذلك(4) .
2 ـ العوض الذي يكون على غير اللّه تعالى .
إذا كان أحد الأشخاص يطلب غيره “العوض” إزاء الألم الذي ألحقه ذلك الشخص به ظلماً وعدواناً ، فإنّ اللّه تعالى هو الذي يأخذ يوم القيامة “العوض” من ذلك الشخص ويعطيه لمستحقه، وهذا ما يسمّى بـ “الانتصاف”.
فالانتصاف ـ في الواقع ـ هو أخذ اللّه تعالى حقّ المظلوم من الظالم بقدر ما يساوي ظلمه .
المبحث الرابع: أنواع المستحق للعوض
إنّ المستحق للعِوَض على نحوين :
1 ـ مكلّف .
2 ـ غير مكلّف .
والمكلّف المستحق للعِوَض على نحوين:
1 ـ من أهل الجنة .
2 ـ من أهل النار .
والمكلَّف المستحق للعِوَض وهو من أهل الجنة :
1 ـ يستحق “العوض” من اللّه تعالى: فإنّ اللّه تعالى سيعطيه “العوض” بتمامه وكماله .
2 ـ يستحق العوض من غير اللّه تعالى: فإنّ اللّه تعالى سيأخذ “العوض” من ذلك الغير، ويوصله إلى هذا المستحق .
وأمّا المكلّف المستحق للعِوَض وهو من أهل النار :
1 ـ يستحق “العوض” من اللّه تعالى : فإنّ اللّه تعالى سيعطيه “العوض” في دار الدنيا أو في دار الآخرة.
وإذا كان هذا التعويض في الآخرة وبعد دخول النار، فإنّه سيكون سبباً في إسقاط جزء من عذاب مستحقِ العِوَض .
2 ـ يستحق “العوض” من غير اللّه تعالى: فإنّ اللّه تعالى سيأخذ العوض من ذلك الغير ، ويوصله إلى هذا المستحق .
وأمّا غير المكلَّف المستحق للعِوَض فهو على نحوين:
1 ـ يستحق “العوض” من اللّه تعالى : فإنّ اللّه تعالى سيعطيه “العوض” بتمامه وكماله .
2 ـ يستحق العوض من غير اللّه تعالى : فإنّ اللّه تعالى سيأخذ “العوض” من ذلك الغير ، ويوصله إلى هذا المستحق .
المبحث الخامس: خصائص العوض
1- لا يحسن أن يؤلم اللّه تعالى أحداً لمجرد “العوض” ، لأ نّه تعالى قادر على إعطاء “العوض” من دون “الألم” ، فلهذا ينبغي في هذا النمط من إيلام الغير :
أوّلا: وجود “المصلحة” ليخرج الألم عن كونه “عبثاً”.
ثانياً: وجود “العوض” ليخرج به الألم عن كونه “ظلماً”(5) .
مثال : إنّ الإيلام لمجرد العوض يكون بمثابة من يستأجر أجيراً ليغرف الماء من النهر ويصبّه في نفس النهر ، لا لغرض سوى نفع الأجير بالأجرة ، وهذا العمل عبث، لأنّ صاحب الأجرة قادر على إعطاء تلك الأجرة للأجير من دون فرض ذلك العمل عليه(6).
2- إنّ “العوض” من اللّه تعالى يكون بحيث لو خُيّر المتأ لِّم بين الأمرين التاليين:
أوّلا: إلحاق الألم به وإيصال العوض إليه .
ثانياً: عدم إلحاق الألم به وحرمانه من العوض .
لاختار الأوّل(7) .
3 ـ إنّ العوض :
أوّلا: إذا لم يكن في “تعجيله” مصلحة: جاز “تأخيره” .
ولكن يشترط في هذه الحالة إلحاق الزيادة بالعوض .
ثانياً: إذا كان في “تأخيره” مصلحة: جاز “تأخيره” .
ولا يشترط في هذه الحالة إلحاق الزيادة بالعوض، لأنّ هذه المصلحة تنوب مكان الزيادة(8).
4 ـ إذا ألحق أحد الناس الأذى والألم بنفسه أو بغيره ظلماً وعدواناً.
فإنّ هذا الشخص هو الذي يتحمّل “العوض” إزاء ذلك .
ولا يصح القول : إنّ اللّه تعالى هو المتحمّل “للعوض” ، لأ نّه تعالى هو الذي مكّن هذا الشخص من الظلم وأعطاه القدرة على ذلك .
ودليل عدم صحّة هذا القول : أنّ اللّه تعالى أعطى هذا الشخص القدرة والاستطاعة ليستعلمها في الخير والطاعة، وقد نهاه تعالى عن الظلم والعدوان ، ولهذا لا يتحمّل اللّه تعالى تبعات سوء تصرفات هذا الشخص ، ولا يكون عليه العوض أبداً.
مثال : إنّ من أعطى شخصاً سيفاً ليقتل به “من يستحق القتل” ، ولكن قتل هذا الشخص بهذا السيف “من لا يستحق القتل” ، فإنّ “العوض” يكون على “القاتل” ولا يكون على “صاحب السيف”(9).
____________
1- مناهج اليقين ، العلاّمة الحلّي: المنهج السادس، البحث السابع، ص258 .
2- انظر: المصدر السابق.
قواعد المرام ، ميثم البحراني: القاعدة الخامسة ، الركن الرابع، البحث الأوّل ، ص119 .
3- بشرط أن لا يكون لهذا الشخص أي تقصير في ذلك .
4- انظر: مناهج اليقين، العلاّمة الحلّي: المنهج السادس، البحث السابع، ص258 .
5- انظر: شرح جمل العلم والعمل، الشريف المرتضى: أبواب العدل ، الكلام في الآلام والأعواض، ص112 .
6- انظر: المنقذ من التقليد، سديد الدين الحمصي: ج1، القول في الأمراض والآلام ، ص318 ـ 319 .
7- انظر: إرشاد الطالبين، مقداد السيوري: مباحث العدل ، ص283 .
8- انظر: الذخيرة، الشريف المرتضى: الكلام في الأعواض، ص254 .
9- انظر: إرشاد الطالبين، مقداد السيوري: مباحث العدل، ص283 ـ 284 .