العناية بالمظهر الخارجي
المركز العالمي الإسلامي
بالرغم من
كون التفاهم والانسجام الفكري هو الأساس في العلاقات الزوجية ، إلاّ أنَّ
المظهر الخارجي له تأثيراته التي لا يمكن التغاضي عنها ، فالمقولة التي
تفيد بأنّ بعض عقول الرجال في عيونهم صحيحة إلى حد ما .
ولذا فإنّ على الزوجين - وخاصة المرأة - الاهتمام بهذا الجانب والسعي
دائماً للظهور بالمظهر اللائق ، ذلك أنّ الحياة فن ، وعلى المرأة أن تحسِّن
مثلاً كيفية الاحتفاظ بقلب زوجها ، وتفجير عواطفه تجاهها ، وسنشير إلى جملة
من الأمور المهمة التي ينبغي أخذها بنظر الاعتبار :
أولاً : إصلاح المظهر :
يظنّ البعض من الرجال والنساء أنّ الاهتمام بالمظهر يقتصر على الأيام
الأولى من الزواج فقط ، أي في الأيام التي ينبغي فيها الظهور بأبهى ما يمكن
من الزينة ، أمّا بعد أن يصبحوا أهلاً وأحبّة فإنّ المرحلة الجديدة تقتضي
التصرف على الطبيعي دون تكلف ، وبالتالي الظهور بالمظهر العادي ، أو حتى
إهمال هذا الجانب كليّة .
إنّ جمال الحياة ولَطافتها تفرض على الزوجين الاستمرار في الظهور بأجمل ما
يمكن ، والحديث الشريف الذي يقول : ( إنَّ اللهَ
جَمِيلٌ يُحِبُّ الجَمَال ) ، له مغزاه ودلالته .
فليس من اللاَّئق أن يكون اللقاء بين الزوجين في ملابس العمل وثياب المطبخ
، فالاحترام المتقابل يفرض على الزوجين اهتماماً أكثر بمظهرهما الخارجي ،
ومحاولة إدخال الرضا في قلب كلّ منهما بما يعزز من مكانته لديه .
وتتجلى أهمية هذا الجانب اليوم أكثر من أي وقت آخر ، فالعصر الحاضر يموج
بكلّ أسباب الانحراف والضياع ، فالمحيط الاجتماعي المفتوح ، وبكلّ ما فيه
من إيجابيات ، يبعث في قلب المرء شعوراً بالميل إلى بعض المظاهر الخلاَّبة
، ولذا فإنّ ضعاف الإيمان سرعان ما ينجرفون مع التيار بعيداً .
وعلى المرأة أن تنتبه إلى هذا الجانب والاهتمام بمظهرها ، وبالتالي الإسهام
في حماية زوجها من الانحراف ، وهذه المسألة تنسحب أيضاً على الرجل ، إذ
ينبغي له الظهور اللائق أمام زوجته بما يجذبها نحوه ويشدُّها إليه .
والاهتمام بالمظهر الخارجي لا يعني فقط الثياب النظيفة والعطور الفوَّاحة ،
بل يشمل أموراً أخرى كالابتسامة المشرقة ، والحديث الحلو ، والمعاشرة
الطيبة ، وإِشادة كلّ منهما بذوق الآخر وإلى آخره .
وتكاد تكون قاعدة ( لا إفراط ولا تفريط ) شاملة لكلّ نواحي الحياة ، ففي
الاهتمام بالجانب الجمالي ينبغي أن يكون الأمر في حدود المعقول .
فلا تفريط بالمظهر الخارجي وإهماله تماماً ، ولا إفراط بهذا الجانب والوصول
إلى حدود غير معقولة ، بحيث تنفق المرأة - مثلاً - من الميزانية ما يهدد
بقية الجوانب ، وبالتالي تفجير كوامن الغضب في قلب الرجل تجاهها .
إنّ أساس الحياة المشتركة هو التفاهم والانسجام الفكري ، ولذا فإنّ مسألة
الجمال والزينة هي الأخرى تخضع لهذا القانون ، فالنفوذ إلى قلب الرجل أو
المرأة لا يقتصر على الزينة الظاهرية فقط ، إنما يتطلب اهتماماً شاملاً
بكلّ أركان الشخصية وبنائها المطلوب .
ذلك أنّ الجمال الظاهري له تأثيراته المؤقتة ، والتي سرعان ما تنتهي ليبقى
الجمال الحقيقي الذي يكمن في جمال النفس والروح .
ثانياً : الحياة المنسقة :
النقطة الأخرى التي لها أهميتها في تعزيز العلاقات الزوجية هي الاهتمام
بنظام المنزل وترتيب شؤونه ، بما يدخل الرضا في أعماق من يعيش فيه .
وقد يعترض البعض بأنّ ذلك يحتاج إلى مال لغرض توفير وسائل الراحة ، وقد
يكون هذا صحيحاً ، إلاّ أنّ الفقر لا يمنع الإنسان من أعمال فكره ،
واستخدام فنِّه ، في مسائل لا تحتاج إلى مال ، بل تحتاج إلى مهارة وذوق فقط
.
فالنظام والذوق والنظافة ، ربما تجعل من الغرفة البسيطة والمنزل البسيط آية
في الجمال ، تغمر القلب بمشاعر الهدوء والسلام ، حتى أنّ المرء ليشعر
بالروح تنبض في كلّ زاوية من زوايا المنزل ، وينظر إلى سَيِّدته بعين
الاحترام والإجلال .
كسر الرتابة والجمود :
إنَّ عمليات التغيير في نظام البيت وتوزيع أثاثه بين فترة وأخرى يكسر في
القلب جدار الملل والرتابة ، ويبعث روحاً جديدة في زواياه .
فترتيب الديكور وتغييره ، وانتخاب نوع آخر من الزينة ، له آثاره النفسية في
تجديد فضاء الحياة المنزلية .
وبالرغم من عدم جوهرية هذه المسائل إلاّ أنّ تأثيرها قد يصل في بعض الأحيان
حدّاً لم يكن يتصوّره أبداً ؛ فقد يعود الرجل من عمله متعباً ، وإذا به يجد
كلّ شيء في استقباله ، كلّ شيء قد لبس حلَّة جديدة ، فيجد ابتسامة زوجته ،
وطعاماً شهيّاً ، ومكاناً جديداً لاستراحته .
وعندها سيشعر بأنّ شريكة حياته تعمل المستحيل من أجل توفير كلّ ما يشعره
بالرضا ، فتنفجر في قلبه مشاعر الحُبّ والمودة ، ويصمم على ردِّ الجميل في
أقرب فرصة تسنح له .
ثالثاً : الجوانب المادّية :
إنّها مجرد مزاعم عندما يدّعي البعض بأنّ النزاع الذي ينشأ في حياتهم
الزوجية لا علاقة له بالمسائل المادّية ، كالطعام وتوفير جوّ من الراحة ،
غير أنّ الحقيقة أن هذه المسائل - وبالرغم من كونها هامشية إلى حدِّ ما
إلاّ أنها قد تكون ذات تأثير بالغ في تفجير النزاع بين الزوجين ، ذلك أن
الحياة لا تنفكّ عن هذه الأمور أبداً .
فالجائع يكون عصبي المزاج ، خاصّة عندما لا يجد مكاناً لاستراحته فإنّه
سرعان ما يثور غاضباً ، ولذا فإنّ على المرأة والرجل أن يوليا أهمية لهذه
الجانب لما له من الأهمية في الحياة الزوجية .
فالرجل الذي يعود من عمله متعباً جائعاً ثمّ لا يجد طعاماً يسدّ به رمقه ،
ولا يجد مكاناً مناسباً يأوي إليه ويستريح فيه ، لابدّ وأن يحزّ في نفسه
ذلك ويستنتج منه أن زوجته لا تقدِّر تعبه ، ولا تحترمه ، مما يولِّد ضعفاً
في عواطفه تجاهها ، وقد يثور في وجهها عندما تشتعل شرارة الموقف .
صحيح أنّه ليس من واجبات المرأة تهيئة وإعداد الطعام ، ولكنه من دواعي
اللياقة والأدب، وحسن المعاشرة أن يكون هناك احترام للزوج، ينعكس ويتجسد في
توفير بعض متطلباته الضرورية .
فالمرأة الماهرة يمكنها وبقليل من المال - أن تهيئ طعاماً متنوعاً يثير
شهية زوجها ، ويدفعه إلى إعجابه بزوجته التي تتفنن وتفعل المستحيل من أجله
، وهذا ما ينعكس في قلبه ، ويفجر مكامن الحب فيه تجاهها .
توفير الراحة :
لا شكَّ في أنّ الرجل والمرأة يبذلان من طاقاتهما الكثير ، هذا خارج المنزل
يكدُّ ويتعب من أجل توفير العيش الكريم ، وتلك تدور في المنزل ، فهي تعدُّ
الطعام تارة ، وتغسل الثياب تارة أخرى ، وترتّب البيت أحياناً ، وتقوم على
تربية الأطفال أحياناً أخرى ، وغير ذلك من شؤون المنزل .
وقد يتعب الرجل أكثر من زوجته ، فالرجل يهبُّ لمساعدة زوجته ، ويخفف عنها
بعض عناء العمل ، والزوجة تهبّ لمساعدة زوجها في إنجاز بعض شؤونه ، وتوفير
بعض مستلزماته ، وإشعاره بالدعم والمحبة .
فالتعب ، والحاجة إلى الاستراحة ، والتقاط الأنفاس ، قد يتسبّب في الشعور
بالمرارة ، خاصّة إذا كان هناك إهمال من الطرف الآخر .
وما أكثر أولئك الذين يتصورون البيت جحيماً ، لأنهم لا يجدون من يهتم بهم
أو يلتفت إليهم .
فقد تتصوَّر المرأة أنها لو بقيت في بيت أبيها لما عانت ما تعانيه من التعب
والإرهاق ، ويتصوّر الرجل لو أنّه يقضي وقته خارج المنزل لوجد له مكاناً
يأوي إليه ويستريح فيه .
إنّ توفير جوّ من الراحة والهدوء هي من واجبات الزوجين تجاه بعضهما البعض ،
فالقيام برحلة ممتعة حتى لو كانت قريبة ، وتغيير الجو كما يقولون ضروري بين
فترة وأخرى ، كما أنّ زيارة الأصدقاء والمعارف ، وصلة الأرحام ، له تأثيره
الإيجابي في إنعاش الحياة الزوجية ، ورفدها بدماء جديدة .
رابعاً : رعاية الأدب والأخلاق :
إنّ أسمى مقوّمات الحياة الزوجية إنما تتجسَّد في رعاية الزوجين للأدب
والخلق الكريم ، وذلك الاحترام العميق ، والعلاقات الصحيحة في علاقة
الزوجين بعضهما ببعض ، ذلك أنّ الخيانة ، والحسد ، وبذاءة اللسان ،
والأنانية ، والكذب ، هي وقود النزاعات والخلافات في الحياة الزوجية .
إنّ جمال الحياة الزوجية يكمن في تلك الابتسامات المضيئة ، والمعشر الحلو ،
والحديث اللطيف الهادئ ، والحب العميق .
فالمرأة لا تنسى أبداً كلمات الحب التي يتمتم بها زوجها ، كما أنّ الرجل
يشعر بالدفء وبالقوة أيضاً عندما يجد زوجته تقف إلى جواره وجانبه ، فالحياة
المشتركة هي رحلة يقوم بها الرجل والمرأة معاً ، يداً بيد .
ضرورة ضبط النفس :
إنّ الحياة المشتركة تفرض على المرأة احترام مشاعر زوجها ، وتوجب على الرجل
مداراة زوجته ، وعدم إهانتها ، أو توجيه كلمة تجرح قلبها ، فقد تفعل الكلمة
القاسية ما لا يفعله خنجر مسموم من الألم والمرارة .
إنّ ضبط النفس والحديث الهادئ الذي يفيض حباً ومودة لابدَّ وأن يزرع في قلب
الآخر شعوراً بالمحبة والصفاء ، ولذا فإنّ على المرأة مراعاة الحالة
النفسية لزوجها ، ومن ثمّ التعامل معه في ضوء ذلك ، وكذلك على الرجل رصد
نفسية زوجته ، ومن ثمّ العمل على إدخال الفرحة إلى قلبها .
فكلمة حبّ دافئة ، وابتسامة مختصرة ، قد تساوي في نظر المرأة ملء الدنيا
ذهباً ، كما أنّ الرجل يشعر بالسعادة عندما يرى زوجته تفيض حيوية ونشاطاً ،
وبهذا يتعانق قلباهما وتتشابك روحاهما ، وبالتالي تتفجر ينابيع السعادة .