الصدق في حياة الإنسان
  • عنوان المقال: الصدق في حياة الإنسان
  • الکاتب:
  • مصدر:
  • تاريخ النشر: 21:12:35 13-9-1403

الصدق في حياة الإنسان

يقوم الصدق على معنى المطابقة. والمطابقة تعني: توافق ما لدى الإنسان ـ من قول أو فكر أو قصد أو عمل ـ مع الواقع الخارجيّ. الصدق يرتبط ـ إذن ـ بمفهوم الانسجام والعلاقة الصحيحة بالله عزّوجلّ، وبالنفس، وبالعالم. وهذا المعنى ممّا نتعلّمه من خطابٍ للإمام أمير المؤمنين عليّ عليه السّلام في قوله: «الصدق مطابقة المنطق للوضع الإلهيّ. الكذب زوال المنطق عن الوضع الإلهيّ (1)؟!

والإنسان خيط في ضمن النسيج العامّ للوجود، منسجم مع نفسه ومنسجم مع الخيوط الأخرى المجاورة، ومع المنظومة العامّة للنسيج في خصائصها، وفي وجهتها المتّجهه نحو الله سبحانه. والصدق هنا هو مَعْلَم من معالم مسيرة الإنسان المتألّهة نحو الكمال؛ الإنسان الذي يمشي سويّاً على صراط مستقيم، و ما مِن دابّةٍ إلاّ هو آخِذٌ بناصيتها، إنّ ربّي على صراطٍ مستقيم (2).

وبيان الله سبحانه إلى الإنسان ـ الذي هو القرآن الكريم ـ سمّاه الله: صدقاً، وهو أصدقُ من القرآن مطابقة للواقع: واقع الإنسان، وواقع الوجود، وواقع الحياة فمَن أظلَمُ ممّن كذبَ على الله، وكذّبَ بالصِّدقِ إذ جاءه ؟! (3).

واستمداداً من قول أمير المؤمنين عليّ عليه السّلام في المطابقة للوضع الإلهيّ.. ينصّ الراغب الإصفهانيّ ـ لدى حديثه عن مفردات الصدق في القرآن ـ على فكرة المطابقة بين القول والضمير والواقع الخارجيّ، باعتبارها شرطاً لتحقّق صفة الصدق في الإنسان، يقول: «الصدق: مطابقة القولِ الضميرَ والمُخبرَ عنه معاً» (4). ويضرب مثلاً مِن عالَم القرآن الكريم ينفي فيه الله جلّ وعلا خصلة الصدق عمّن طابق قولُه الواقع، لكنّ ضميره ينطوي على اعتقادٍ آخر مغاير، وينسبه إلى رذيلة الكذب القبيح، يقول تعالى في المنافقين: إذا جاءك المنافقون قالوا: نَشهدُ إنّك لَرسولُ الله! واللهُ يَعلمُ إنّكَ لَرسولُه، والله يَشهد إنّ المنافقين لَكاذبون (5).

الصدق هو الخطوة الضروريّة الأولى لحياة الإنسان السَّويّة. وتدريب النفس على الصدق، وعلى التعامل الحقيقي مع الأشياء إنّما هو كالأرض الخصبة التي يبذر فيها الإنسان بذور قوله وعمله، يقول الإمام محمّد الباقر عليه السّلام: «تعلّموا الصدقَ قبل الحديث» (6).

وللصدق القوليّ بعد ذلك خاصيّة التطهير والتزكية والنَّماء للأعمال. إنّه باعث للنقاء والانتشار، للصلاح والبركة، و «مَن صَدَق لسانه زكا عملُه» (7).. فهل أدلّ من هذا على ترابط الإنسان وتواشج قوله وفعله وضميره ؟!

إنّ صدق الإنسان يتحوّل إلى مقياس؛ فلا يَصدُق على طول الخطّ من ينطوي على الغشّ والتزوير. ولا يصدق مَن لم يستمسك بعروة الله الوثقى على طول الطريق؛ فإنّه ما أضمرَ أحد شيئاً ـ كما يقول أمير المؤمنين عليّ عليه السّلام ـ إلاّ ظهر في فَلَتات لسانه وصَفَحات وجهه (8). ومَن تُجرِّب صدقَه في المواقف وفي الاختبارات الصعبة والخيارات الحرجة فهو الصادق، وهو المرء السويّ الذي تجد فيه «الرجل» السالك في جادّة الكمال.

ومن مظاهر التديّن والأعمال العباديّة ما لا ينبئ عن جواهر الرجال، ولكنه يحكي القشرةَ الظاهرة والصبغة الفوقيّة التي تغطّي المضمون الواقعي وتتستّر عليه. ويكون الالتزام بهذه المظاهر والأعمال نابعاً من أسباب أخرى غير إسلاميّة: عُرفيّة، أو نفسيّة. نتعلّم هذه الحقيقة من الإمام الصادق عليه السّلام في قوله التحذيريّ: «لا تغترّوا بصلاتهم ولا بصيامهم؛ فإنّ الرجل ربّما لَهَج بالصلاة والصوم [أي حَرَص عليهما] حتّى لو تركه استوحش، ولكن: اختبروهم بصدق الحديث وأداء الأمانة» (9).

إنّ الصادقين والصادقات يتحرّكون في بيئاتهم وهم صامتون.. كأفكار مجسّدة، ويدلّ عملهم وتحرّكهم وتعاملهم على المضامين الفكريّة والروحيّة التي ينطوون عليها. إنّهم يعلنون أفكارهم بصمت، ويَلفتون الآخرين إلى عقيدتهم ومنهجهم لَفْتاً عمليّاً يوميّاً هادئاً، من خلال الممارسات.. وبدون ضجيج. ألَم يَقُل الإمام الصادق عليه السّلام وهو يعلّم أصحابه هذا الأسلوب من أساليب العمل، وهو يحثّهم ويعلّمهم: «كونوا دعاةً للناس بالخير بغير ألسنتكم: لِيَرَوا منكم الاجتهاد، والصدق، والورع» (10) ؟!

وميادين الصدق ـ بالقياس إلى الإنسان ـ ميادين عديدة، أوّل ما يتبادر منها: الصدق في القول.. الذي يعتمد على القصد الصادق؛ فإنّ مَن يجانب الصدق ويقع في رذيلة الكذب فإنّما يتعمّد أن يُلغي المطابقة بين القول والواقع، ويعمل على نَسخ فكرة الانسجام وتبديلها ازدواجيةً بائسة تفصل المرء عمّا حوله، وعندئذٍ يكفّ الإنسان عن مواصلة المسيرة على صراط الله المستقيم.

وأبعد غوراً من الصدق القوليّ: الصدق النفسيّ بين المرء وما ينطوي عليه ضميره، وما يحمله في أعماقه من إيمان ومن مفاهيم. إنّ التوافق والانسجام الداخليّ للإنسان ركيزة جوهريّة في بناء الشخصيّة الإسلاميّة والإنسانيّة المتينة التي تنهض بتكاليفها، وترقى إلى غاياتها الكبيرة بهممها العالية. ومَن يعجز عن تحقيق هذا الانسجام الداخليّ بين الإنسان في سلوكه وعواطفه وبين قناعاته وعقيدته.. فإنّما يحكم على نفسه بازدواجيّة أشدّ بؤساً، وأدعى للبعد عن جادّة الصراط.. إلاّ أن يشاء الله ربّ العالمين، فينتشل الإنسانَ حينئذ من الوضع المُوحل الذي يغرق فيه.

والارتباط بين الصدق القوليّ والعمليّ والاعتقاديّ هو ـ في الرؤية الإسلاميّة ـ ارتباط وثيق نابع من طبيعة الإسلام نفسه.. التي تنبع هي كذلك من طبيعة العلاقة التي يريدها الله تبارك وتعالى: بين الإنسان، وبين العالم الرحيب، وبين الله عزّوجلّ خالق كلّ شيء، وربّ كلّ شيء، والذي إليه يعود كلّ شيء، وهو العزيز الحكيم.

والانسجام ـ لدى الصادقين والصادقات ـ يشمل القول والعمل، وينتظم الظاهرَ والباطن. إنّه الاستقامة في الأقوال والأفعال والأحوال.

ومظاهر حياة الصادقين والصادقات في أنفسهم وفي بيئاتهم هي مظاهر متعدّدة متكثّرة. بَيْد أن هذا التعدّد وهذا التكثّر يرجعان إلى حقيقة واحدة، هي حقيقة الذات الصادقة؛ ففيها ـ كما في الكون الفسيح ـ تلحظ الوحدةَ من خلال الكثرة، والتفرّد من خلال التعدّد. والكون كلّه ـ بتعدّد مظاهره ـ يقوم على الوحدة والتوحيد، ذلك أنّه صادر من الواحد الأحد قُل هو الله أحد. اللهُ الصمد. لم يَلد ولم يولَد. ولم يكن له كفواً أحد (11).

والصادقون والصادقات يمثّلون درجة من درجات الصلة اليقِظة بالله الحيّ القيّوم. وهي درجة عالية رفيعة: رفيعة في مستوى التغيّر الذي طرأ في داخل الإنسان، فنوّره.. وأوقد فيه الجذوة، فصدق في الوعي وصدق في العمل. ورفيعة في مستوى القرب من الله عزّوجلّ والزُّلفى لديه. إنّهم ـ إذَن ـ أمّة من الناس آمنوا، وارتقَوا في الإيمان، فصدقوا واستمرّوا في صراط الصدق لا ينحرفون ولا ينكفئون مِن المؤمنين رجال صَدَقوا ما عاهدوا الله عليه: فمنهم مَن قضى نَحبَه، ومنهم مَن ينتظر.. وما بدّلوا تبديلا (12).

والله تبارك وتعالى يدعو المؤمنين ألاّ يَقنعوا من الإيمان بدرجاتهم التي هم عليها ولو شاء اللهُ لَجعلكم امّة واحدة، ولكنْ لِيبلُوَكم في ما آتاكم، فاستَبِقوا الخيرات (13). إنّهم مدعوّون ـ ببيان الله جلّ وعلا ـ إلى المزيد من الجهد والمزيد من القصد ومن المعاناة للدخول في دائرة الصدق والالتحاق بالصادقين يا أيّها الذين آمنوا: اتّقوا الله، وكونوا مع الصادقين (14).

ولا ريب ـ أيّها الأصدقاء ـ أنّ معاناة العروج الروحيّ والإيمانيّ للاقتراب من دائرة الصادقين في الاعتقاد وفي العمل.. تمرّ بمرحلة محاكاة «المِثال»، والتشبّه بملامحه، والتعاطف الوجدانيّ معه، والتلبّس به. يقول الإمام عليّ عليه السّلام وهو يشير إلى هذا المفهوم: «إن لم تكن حليماً فتحلَّمْ؛ فإنّه قَلّ مَن تشبّه بقوم إلاّ أوشك أن يكون منهم» (15).

والمؤمن حين يهمّه أمر الصدق ويتطلّب التلبّس بحال الصادقين.. تتفتّح له عين جديدة، هي: عين البصيرة.

وعين البصيرة دفقة جديدة في إدراك المؤمن، تمنحه صدق الظنّ ورؤية الأشياء بنور جديد، وبعمق جديد.

ويلحظ الناسُ مستويات مختلفة من دفقة هذا الإدراك المفاجئ، ويطلقون عليها أسماء عديدة. فهم يذكرون: الظنّ الصادق، والفطنة، والفراسة، والتوسّم، والحدس، كما يذكرون «البصيرة» ـ التي تعني: النظر إلى الأشياء والعلاقات بنور خاصّ، هو من نور الله عزّوجلّ، يقول رسول الله صلّى الله عليه وآله، وهو المعلّم الأكبر: «اتّقوا فراسة المؤمن؛ فإنّه ينظر بنور الله عزّوجلّ» (16).

والواقع ـ أيّها الأصدقاء ـ أنّ إنكار صدق الإدراك الذي يفاض على عين البصيرة.. يجرف الانسان إلى نمط من التفكير هو أقرب إلى التفكير المادّيّ الذي يحبس نفسه في تصيّد العلاقات الرياضيّة المباشرة بين الأشياء، ويُحرم من الفوز برؤية أوسع مدىً، وأبعد غوراً، وأوفر حكمةً وسعادة.

الصدق في الحياة ممّا يعين على تنمية عين البصيرة، أو يجعلها تصفو وتزدهر. يقول الإمام عليّ عليه السّلام: «بالهدى يكثر الاستبصار» (17). وبدون الاهتداء الصادق تتعطل هذه العين، ويقبع الإنسان وراء سياج الحواسّ القاصرة، فإنّه «ليست الرؤية مع الإبصار، فقد تَكدِبُ العيونُ أهلَها» (18)، و «ليس الأعمى مَن يَعمى بصره، إنّما الأعمى مَن تعمى بصيرته» (19). وقبل ذلك كان كتاب الله المجيد قد جلّى هذه الحقيقة وكشفها حين قال: .. فإنّها لا تَعمى الأبصار، ولكنْ تَعمى القلوبُ التي في الصدور (20).

ويترقّى الصادقون والصادقات إلى مدىً متألّق رفيع، حين يستغرق الصدقُ دقائقَ حياتهم، في الفكر والعمل، وفي الخواطر والدوافع والنيّات؛ فيكونون ـ في ميزان الله، وفي أثرهم على بيئاتهم ـ قد ارتفعوا إلى درجة جديدة من الصدق، هي درجة «الصدّيقين».

والصدّيقيّة ـ التي هي درجة سامية متألّقة من درجات الصدق ـ هي أن يتحرّى الإنسانُ الصدق ليعيشه في يوميّات حياته ويستغرق فيه، فيقول ما يفعل ويفعل ما يقول، وما ثَمّ مناقضة أو مخالفة بين قوله وفعله

(21). وهذه الخصلة القيّمة تتحوّل إلى «ملَكة» راسخة وصفة متأصّلة في النفس، بحيث لا يتأتّى لصاحبها أن يكذب، لفرط تعوّده الصدق (22). والصدّيقيّة لها صلة قربى بالعصمة، أو إنّها تكاد تكون بمنزلة العصمة، لكنّها في ظروفها الاعتياديّة العامّة لا ترقى إلى مقام النبوّة (23). « والذين آمنوا بالله ورسُلِه أولئك هم الصدّيقون والشهداء عند ربّهم، لهم أجرُهم ونورُهم » (24).

وقد وصف الله سبحانه بعض أنبيائه عليهم السّلام في القرآن بهذا الوصف، فذكر صدّيقيّة إبراهيم عليه السّلام (25) وصدّيقيّة إدريس عليه السّلام (26) إلى جوار صفتهما النبويّة، فجمع لهما الصدّيقيّة والنبوّة.. وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، والله ذو الفضل العظيم.

كما ذكر القرآن من بين الصدّيقات: مريم ابنة عمران التي كانت وعاء حمل ابنها عيسى النبيّ عليه السّلام، ولم يكن لها هي من النبوّة شيء ما المسيحُ ابنُ مريمَ إلاّ رسولٌ قد خَلَت مِن قبله الرسُل، وأمّه صدّيقة.. كانا يأكلان الطعام (27).

وكانت الصدّيقيّة ـ في البيئة الإسلاميّة ـ إحدى المقامات المعنويّة السامقة المنطوية في الإمام أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب. وفي أحاديث عديدة ورد تصريح من رسول الله صلّى الله عليه وآله أنّ علياً عليه السّلام أفضل الصدّيقين، كقوله صلّى الله عليه وآله: «سُبّاق الأمم ثلاثة، لم يكفروا بالله طَرفةَ عين: عليّ بن أبي طالب، وصاحب ياسين، ومؤمن آل فرعون.. فهم الصدّيقون، وعليّ أفضلُهم» (28).

وللصدّيقين والصدّيقات أثر فيّاض على مَن حولهم من الناس، وعلى ما يزاولونه من أعمال: اجتماعيّة، وتربويّة، وسياسيّة، وعسكريّة، وسواها. إنّهم كقناديل الرحمة التي تغمر ما حولها بالنور؛ لتبثّ الرؤية الصادقة المعافاة، ذلك أنّ الصدّيق هو الذي يغدو صادقاً في أقواله وأفعاله ومعارفه ودوافعه وأخلاقه، بحيث يسري صدقه إلى من يُجاوره ويتعامل معه، فيصير سبباً لصدقه.

والصدّيقون والصدّيقات ـ كما يعلّمنا القرآن الكريم ـ أصحاب أفق قريب من أفق النبيّين وأفق الشهداء، أو هم في آفاق من النور الملكوتيّ متجاورة: يُفضي بعضها إلى بعض، وينفتح بعضها على بعض.

والله سبحانه يمتنّ على مَن أسلم وجهه له بصدق، فحقّق معنى الطاعة والانضباط، ودخل صادقاً في رحاب العبوديّة لله.. يمتنّ الله عليه بأن يهديه إلى العروج الإيمانيّ السريع.. إلى أفق الصدّيقين والأنبياء والشهداء ومَن يُطعِ الله والرسولَ فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيّين والصدّيقين والشهداء والصالحين، وحَسُن أولئك رفيقاً. ذلك الفضل من الله، وكفى بالله عليماً (29). يقول الإمام الصادق عليه السّلام يعلّم أحد أصحابه: «يا فُضَيل! إنّ الرجُل لَيصدُق.. حتّى يكتبه الله صدّيقاً» (30).

للصدق شجرة ضاربة الجذور في أعماق الإنسان الصادق، يتراءى منها للناس: قامتها الباسقة، وخضرتها، وثمارها، والظِّلال. وتظلّ الجذور دفينة، تتفاعل في الأعماق المضاءة بنور الله.

يَصدُق الصادق في القول، ويصدق في العمل، ويصدق كذلك في تحمّل تبعات أقواله وأفعاله؛ لأنّه يصدق مع ربّه في دخيلة نفسه، يقول الإمام الصادق عليه السّلام: «يا فُضَيل! إنّ الصادق أوّل مَن يصدّقه الله: يَعلم أنّه صادق. وتصدّقه نفسه: تعلم أنّه صادق» (31).

إنّ التعامل الحقيقيّ والتغيير الواقعيّ الذي يغيّر معالم حياة الإنسانيّة إنّما ينبع أوّلاً من الداخل. والنور الأبقى هو ما كان مضاءً في الداخل. ألم نستمع إلى الدرس البليغ الذي يُلقيه علينا المعلّم العظيم: القرآن الكريم، وهو يومئ إيماءته الكاشفة الخالدة: « إنّ الله لا يغيّر ما بقومٍ.. حتّى يغيّروا ما بأنفسهم » (32) ؟!

ومتى فارق الإنسانُ الصدقَ الداخليّ، واستتر عن أعماقه نور الله.. فماذا يجد عندئذ غير الدهاليز المظلمة السوداء ؟! إنّه يغدو كمن يدخل فجأة في ممرّات شديدة التداخل، شديدة الظلام، يُفضي كلّها ـ في الخاتمة المحتومة ـ إلى ظلمات العقاب الأخرويّ.

إنّ التيقّظ المستمرّ، والإفاقة المتواصلة، والأوبة إلى الله سبحانه بعد الأوبة.. ممّا يكفل للمرء أن يعود إلى الجادّة كلّما زاغت به العوامل عن الصراط؛ فالذين يجاهدون أهواءهم ووساوس الشيطان في الله يهديهم سُبله في الفهم والعمل والموقف، ويهديهم إلى الطيّب من القول، وإلى صراط الإدراك والالتزام المستقيم: « إنّ الذين اتَّقَوا: إذا مَسَّهُم طائفٌ من الشيطان.. تذكّروا، فإذا هم مُبصرون » (33).

آيات مختارة

• يا أيّها الذين آمنوا: اتّقوا الله، وكونوا مع الصادقين سورة التوبة [9] 119.

• إنّما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله، ثمّ لم يرتابوا، وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله، أولئك هم الصادقون سورة الحجرات [49]15.

• ... للفقراء المهاجرين الذين أُخرجوا من ديارهم وأموالهم؛ يبتغون فضلاً من الله ورضواناً، وينصرون الله ورسوله.. أولئك هم الصادقون سورة الحشر [59]8.

• والذي جاء بالصدق وصدّق به .. أولئك هم المتّقون. لهم ما يشاؤون عند ربّهم، ذلك جزاء المحسنين سورة الزمر [39]33 ـ 34.

• إنّ المسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، والقانتين والقانتات، والصادقين والصادقات، والصابرين والصابرات، والخاشعين والخاشعات، والمتصدّقين والمتصدّقات، والذاكرين الله كثيراً والذاكرات.. أعدّ الله لهم مغفرةً وأجراً عظيماً سورة الأحزاب [33]35.

• وإذْ أخَذْنا مِن النبيّين ميثاقَهم، ومنك، ومن نوحٍ وإبراهيم وموسى وعيسى ابن مريم، وأخَذْنا منهم ميثاقاً غليظاً. لِيسألَ الصادقينَ عن صدقهم، وأعدَّ للكافرين عذاباً أليماً سورة الأحزاب [33] 7 ـ 8.

• قالَ اللهُ: هذا يومُ ينفع الصادقين صدقُهم: لهم جنّاتٌ تجري من تحتها الأنهار، خالدين فيها أبداً، رضيَ اللهُ عنهم ورضُوا عنه.. ذلك الفوز العظيم سورة المائدة [5] 119.

 

أحاديث مختارة

• الإمام عليّ عليه السّلام: الصدق كمال النُّبل. (غرر الحكم ـ الرقم 1056)

• الإمام عليّ عليه السّلام: الصدق عزّ. (بحار الأنوار 269:78 الحديث 109)

• الإمام عليّ عليه السّلام: الصدق مبارك، والكذب مَشُوم. (بحار الأنوار 67:77 الحديث 6)

• الإمام عليّ عليه السّلام: إنّ الصادق لَمُكرَم جليل، وإنّ الكاذب لَمُهان ذليل. (غرر الحكم ـ الرقم 3409)

• الإمام عليّ عليه السّلام: قَدْر الرجل على قدر همّته، وصدقه على قدر مروءته. (نهج البلاغة ـ الحكمة 47)

• الإمام الباقر عليه السّلام: ألاَ فاصْدُقوا؛ فإنّ الله مع مَن صَدَق. (بحار الأنوار 386:69 ـ الحديث 51)

• الإمام عليّ عليه السّلام: الإيمان أن تُؤْثر الصدق حيث يضرّك على الكذب حيث ينفعك. (نهج البلاغة ـ الحكمة 458)

• الإمام عليّ عليه السّلام: الصدق إخلاص المرء: يُعْظِم زُلفتَه، ويُجزِل مثوبته. (غرر الحكم ـ الرقم 203)

• الإمام عليّ عليه السّلام: لسان الحال أصدق من لسان المقال. (غرر الحكم ـ الرقم 7636)

• رسول الله صلّى الله عليه وآله: لا تنظروا إلى كثرة صلاتهم وصومهم وكثرة الحجّ والمعروف وطنطنتهم بالليل، ولكن انظروا إلى صدق الحديث وأداء الأمانة. (بحار الأنوار 9:71 الحديث 13)

• الإمام الصادق عليه السّلام: إنّ الله لم يبعث نبيّاً إلاّ بصدق الحديث وأداء الأمانة إلى البَرّ والفاجر. (الأصول من الكافي 104:2 الحديث 1)

• رسول الله صلّى الله عليه وآله: ثلاث يَقبُح فيهنّ الصدق: النَّميمة، وإخبارُك الرجلَ عن أهله بما يكره، وتكذيبك الرجل عن الخبر. (الخصال، للصدوق 87 الحديث 20)

• رسول الله صلّى الله عليه وآله: عليكم بالصدق؛ فإنّ الصدّق يهدي إلى البِرّ، وإنّ البرّ يهدي إلى الجنّة. وما يزال الرجل يَصدُق ويتحرّى الصدق حتّى يُكتب عند الله صدّيقاً. (كنز العمّال ـ الرقم 6861)

• الإمام الباقر عليه السّلام: إنّ الرجل لَيصدُق حتّى يكتبه الله صدّيقاً. (الأصول من الكافي 105:2 الحديث 8)

• الإمام عليّ عليه السّلام: كيف تَعمهون وبينكم عترةُ نبيّكم، وهم أزمّة الحقّ، وأعلام الدين، وألسنة الصدق ؟! (نهج البلاغة ـ الخطبة 87)

• الإمام عليّ عليه السّلام: إنّي لَمِن قوم لا تأخُذُهم في الله لومةُ لائم: سيماهم سيما الصدّيقين، وكلامهم كلام الأبرار.. عُمّار الليل، ومنار النهار. (نهج البلاغة ـ الخطبة 192)

• الإمام عليّ عليه السّلام: الميّت من شيعتنا صدّيق شهيد: صدّق بأمرنا، وأحبَّ فينا، وأبغض فينا... قال الله عزّوجلّ والذين آمنوا بالله ورسُلِه أولئك هم الصدّيقون والشهداءُ عند ربّهم . (نور الثقلين 243:5 الحديث 70)

__________________________________  

1 ـ غرر الحكم ـ الرقم 1552 ـ 1553.

2ـ سورة هود (11) 56.

3 ـ سورة الزمر (39) 32.

4 ـ المفردات في غريب القرآن، للراغب الإصبهانيّ ـ مادّة (صدق).

5 ـ سورة المنافقون (63) 1.

6 ـ الأصول من الكافي 85:2 الحديث 4.

7 ـ حديث للإمام الصادق عليه السّلام، الأصول من الكافي 85:2 الحديث 3.

8 ـ نهج البلاغة ـ الحكمة 26.

9 ـ الأصول من الكافي 86:2 الحديث 2.

10 ـ الأصول من الكافي 86:2 الحديث 10.

11 ـ سورة الإخلاص (112) 1 ـ 4.

12 ـ سورة الأحزاب (33) 23.

13 ـ سورة المائدة (5) 48.

14 ـ سورة التوبة (9) 119.

15 ـ نهج البلاغة ـ الحكمة 207.

16 ـ كنز العمّال ـ الرقم 30730.

17 ـ غرر الحكم ـ الرقم 4186.

18 ـ شرح نهج البلاغة 173:9.

19 ـ عن رسول الله صلّى الله عليه وآله، كنز العمّال ـ الرقم 1220.

20 ـ سورة الحجّ (22) 46.<

21ـ الميزان في تفسير القرآن 56:14.

22 ـ المفردات في غريب القرآن ـ مادّة (صدق).

23 ـ المفردات في غريب القرآن ـ مادّة (صدق).

24 ـ سورة الحديد (57) 19.

25 ـ سورة مريم (19) 41.

26 ـ سورة مريم (19) 56.

27 ـ سورة المائدة (5) 75.

28 ـ بحار الأنوار 205:67 الحديث 4، وانظر أيضاً: 295:92 الحديث 6 ، 212:38 الحديث 14 ، و 47:97 الحديث 34.<

29 ـ سورة النساء (4) 69 ـ 70.

30 ـ الأصول من الكافي 86:2 الحديث 8.

31 ـ الأصول من الكافي 86:2 الحديث 7.

32 ـ سورة الرعد (13) 11.

33 ـ سورة الأعراف (7) 201.