موقف النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من القرآن
  • عنوان المقال: موقف النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من القرآن
  • الکاتب:
  • مصدر:
  • تاريخ النشر: 19:8:9 1-9-1403

القرآن دستور الله ومعجزة نبيه الخالدة ، فهل جمعه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في كتاب خاص ليحفظه من الضياع ؟
     إنّ الناظر في كتب الحديث يرى أنّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أوكل أمر القرآن إلى حفظ الصحابة وجمعهم له ، فقد كان البعض يحفظ ما نزل منه ، وكان آخرون يكتبون بعض سوره في الصحف ، ولا تذكر المصادر أنّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) اتخذ موقفاً حاسماً بشأن القرآن فقام بجمعه حسب ترتيب نزوله في كتاب خاص .
     أجل ، هناك قسم من العلماء يذهب إلى أنّ القرآن جُمع على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، ومنهم : الزرقاني ، الزركشي ، الباقلاني وغيرهم .
     إلاّ أنّ هذا القول يصطدم بروايات جمع القرآن في عهد أبي بكر ، فإذا كان القرآن مجموعاً عند بعض الصحابة فلماذا يأمر أبو بكر زيد بن ثابت بجمعه ؟
     أخرج البخاري عن زيد بن ثابت ، قال : « أرسل إلىَّ أبو بكر ، مقتل(1) أهل اليمامة ، فإذا عمر بن الخطاب عنده ، قال أبو بكر (رضي الله عنه) : إنّ عمر أتاني فقال : إنّ القتل استحرّ يوم اليمامة بقرّاء القرآن ، وإنيّ أخشى أن يستحر القتل بالقراء بالمواطن ، فيذهب كثير من القرآن ، وإني أرى : أن تأمر بجمع القرآن .
     قلت لعمر : كيف تفعل شيئاً لم يفعله رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ؟ !
     قال عمر : هذا والله خير .
     فلم يزل عمر يراجعني حتى شرح الله صدري لذلك ، ورأيت في ذلك الذي رأى عمر...
     قال زيد : قال أبو بكر : إنك شاب عاقل لا نتهمك وقد كنت تكتب الوحي لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، فتتبع القرآن فاجمعه ، فوالله لو كلفوني نقل جبل من الجبال ما كان أثقل علىَّ مما أمرني به من جمع القرآن .
     قلت : كيف تفعلان شيئاً لم يفعله رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ؟
     قال : هو والله خير .
     فلم يزل أبو بكر يراجعني حتى شرح الله صدري للذي شرح الله له صدر أبي بكر وعمر رضي الله عنهما ، فتتبعت القرآن أجمعه من العسب ، واللخاف(2)، وصدور الرجال.. ، حتى وجدت آخر سورة التوبة مع أبي خزيمة الانصاري لم أجدها مع أحد غيره ! لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم ، حتى خاتمة براءة.. فكانت الصحف عند أبي بكر ، حتّى توفاه الله ، ثم عند عمر حياته ، ثم عند حفصة بنت عمر(رضي الله عنه) »(3) .
     إنّ المتأمل في قول أبي بكر لعمر : « كيف نفعل شيئاً لم يفعله رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) » ، وقول زيد لهما : « كيف تفعلان شيئاً لم يفعله رسول الله » يتبين له بوضوح أنّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يجمع القرآن وإنما جمعه زيد بن ثابت بأمر أبي بكر الذي أقنعه عمر بذلك ، وقد جمعه زيد من الصدور والسطور .
     قال ابن جزي : « وكان القرآن على عهد رسول الله متفرقاً في الصحف
____________
     1) أي : بعد مقتلهم .
     2) العسب : جمع عسيب وهو جريدة من النخل مستقيمة .
     واللخاف : حجارة بيض عريضة رقاق ، واحدتها لخفة ، راجع « لسان العرب » 9/197 و12/261 .
     3) « صحيح البخاري » كتاب فضائل القرآن ، باب جمع القرآن 6 / 314 .
     إنّ هذه الرواية وروايات أُخرى تدّعي أنّ القرآن قد كتب بشهادة شاهدين ، وهذه والله أكبر ضربة للقرآن ، ومعنى ذلك أنّ القرآن أخبار آحاد .