رسول الأنسانية والسلام
  • عنوان المقال: رسول الأنسانية والسلام
  • الکاتب:
  • مصدر:
  • تاريخ النشر: 19:49:56 1-9-1403

   بسم الله الرحمن الرحيم

( ياأيُـــها النــبيُّ إنا أَرســـلناكَ  شــاهِداً ومُبشِــراً ونذيــرا وداعياً الى الله بأذنه وسراجاً مُنيـرا )
                                                                                                                     صدق الله العليُ العظيم
 
      إهتمَ بتدوينِ السيرة النبوية وبخلفيتها التأريخية أشخاصٌ عديدونَ في القرنين الأول والثاني الهجريينِ منهُم ( وهَب بنُ مُنبِّه وأَبان بن عثمان وعروةُ بنُ الزبير وشرحبيلُ بن سعدٍ وعبدُ الله بنُ بكرٍ بنُ حَزم ومحمد بنُ إسحاقَ وآخرون) .
  إن حياةَ نبينا واضحةٌ بالأسناد حتى في دقائِقها وجُزئياتها فهيَّ ليسَت خافيةً علينا ولا يعتري الشكُ أحداً في صحتها وهذا ما لا ينطبقُ على أيِّ نبيٍ آخر .. حيثُ أننا نعرفُ سنةَ ولادتهِ ، وفترةَ رِضاعتهِ والزمنَ الذي أمضاهُ في الصحراء ، وفترةَ ماقبلَ بلوغهِ وكذلكَ الأسفارَ التي قامَ بها الى خارج الجزيرةِ والأعمالَ التي قامَ بها قبلَ أن يُبعَثَ لانبياً .. وفي أيِّ سنةٍ تزوّجَ وما رُزقَ بهِ من الأولادِ وأمثالُ ذلكَ حتى مرحلة البعثةِ النبويةِ والنبوةِ وهيَّ أجلى وأوضحُ لأنها كانت حَدَثاً عظيماً سُجِلت بكُلِ وقائعِها ...
     مَنْ أولُ مَنْ آمَنَ بهِ ..
     مَنْ كانَ مَعَـهُ ..
   ماهيَّ الأحاديثُ التي جرَتْ بينهُ وبينَ الآخرين.   كلُ ذلكَ واضحٌ مُدونٌ بالأسنادِ وفي أَدقِ التفاصيلِ عن حياةِ الرسولِ صلواتِ الله عليهِ وعلى آلهِ، بينما نرى أن الأختلافَ قائمٌ حولَ الأنبياء الآخرينَ فلولا تأييد وتأكيد القرآنِ لَما كانَ بالأمكانِ مَعرفةُ وإثباتُ وجود الكثيرِ منهُم .. ومثالٌ قريبٌ على مانقول .. مَنْ هُمْ حَواريو عيسى ..؟ ومتى ظهر الأنجيلُ بصورةِ كتابٍ ؟ وكم إنجيلاً هُناك .. تلكَ مسائل تعتبر غامضة عند المسحيينَ أما نحنُ المسلمينَ فأن مصادر أقوال نبينا ومصادرَ سيرته بَينةٌ لا غُبارَ عليها ولا يعتريها أيُّ غموضٍ أو إيهام .. ويمكنُ الأعتمادُ عليها قطعياً لا ظنياً .. فإنَ وجودَ الرسولِ كُلَهُ مصدرُ إشعاعٍ ينبغي أن نستضيءَ بهِ ونستفيدَ منهُ إذ لا يَصحُ الأكتفاءُ بجمعِ أقوالهِ (ص) وأحاديثهِ فتكونُ حالُنا حالَ رواةٍ لا يُدركونَ شيئاً .
  تتفقُ جميعُ المذاهبِ الأسلاميةِ الى أَنَ ولادةَ نبي الأسلامِ محمدٍ المصطفى (ص) كانت في شهرِ ربيعِ الأول .. في الثاني عَشرَ منهُ حَسبَ الرأي السائد وفي السابعَ عشرَ منهُ حَسْبَ رأي الآخرينَ بأستثناء الشيخ (الكُلَيني) صاحبِ كتابِ (الكافي) الذي يرى إن اليومَ الثاني عَشرَ من شهرِ ربيعِ الأولِ هوَ يومُ ميلادِ النبيِّ محمد(ص).
      وِلِــدَ صلواتِ اللهِ عليهِ بعدَ طلوعِ الفجرِ وقد ذكرتْ كتب السِــيَّرْ بأن الســيدة  ( آمنةُ بنتُ وهَب ) أُمَّ رسولِ الله (ص) ذَكرت إنها رات حُلُماً حينَ حَمَلَت محمدأً حيثُ قيلَ لها : إنكِ قد حَمَلتِ بسيدِ هذهِ الأمةِ فإذا وقَعَ إلى الأرض فقولي ؛   
     أُعيـــــذُهُ بالــــواحِـــدِ     من شَـــرِ كُلِ حاسِــــدِ
      وكُــلِ عَبـــــدٍ رائــــــدِ    في كُـــلِ بِـرٍ عــابـــــدِ     
     فإنَ آيةَ ذلكَ أن يَخرجَ معهُ نورٌ يَمــلُ قصورَ بُصرى من أرضِ الشامِ فأذا وقعَ فَسَميهِ مُحَمداً .. فأن أسمهُ في التوراة أحمدُ يَحمدُهُ أهلُ السماءِ وأهلُ الأرضِ وإسمُهُ في الفرقانِ محمدٌ فَسميهِ بذلكَ .. وحينما وضعتهُ عندَ طلوعِ الفجرِ بعَثت الى عبدالمطلب جاريتها لأنَ أبوهُ عبدالله قد ماتَ وهيَّ حُبلى بالرسول (ص) .. ويُقال في موضعٍ آخر إن عبَ اللهِ ماتَ والنبيُ (ص) إبنُ ثمانيةٍ وعشرينَ شـهراً.. واللهُ أعلم . فقالت لجاريتها ( أُم أيمـن) قولي لجدهِ عبدالمطلب لَقد وُلِدَ لكَ غلامٌ فأنظُر إليــهِ وأَخبرتهُ بتسميتهِ .. فأتى إليهِ وأخذهُ الى جوفِ الكعبةِ وقامَ يدعو اللهَ ويشكرهُ على أعطائهِ إياهُ وهوَّ يُرددُ ..
          السَّــــعـدُ للهِ الذي أعطــانــــــي     
                       هذا الغـــــلامَ الطيــــبَ الأردانِ
           قـد سادَ في المهدِ على الغُلمانِ
                       أُعيــــــذهُ باللهِ ذي الأركـــــــانِ
        ثمَ عادَ بهِ وأسترضعَ لهُ ( حليمةَ إبنةَ أبي ذؤيبِ السعدية ) وأُخوةُ رسول الله من الرضاعةِ هُم ( عبدُ اللهِ بنُ الحارثِ وأنيسةُ إبنةُ الحارثِ وحُذافةُ إبنةُ الحارثِ وهيَّ الملقبةُ بـ الشيماء ) .. وذكروا بأن الشيماءَ كانت تحتضنُ رسول الله (ص) معَ أُمها حينَ كانَ عندهم ، وقد كَبِرَ صلوات اللهِ عليهِ وعلى آلهِ في تلكَ المرابعِ ونشأَ فيها ..
   النبيُّ المصطفى أَبوهُ عبدالله بنُ عبدالمطلبِ بنُ هاشمٍ بنُ عَبدِ مُناف .. فهوَّ إذن من أرقى بطونِ قريش ، وِلِدَ على أغلبِ الرواياتِ يتيماً ليسَ لهُ من حَنان الأبِ نصيبٌ فتكفلهُ جَدُهُ عبُدالمطلبِ وذاتَ يومٍ طلبت السيدةُ آمنةُ الأذنَ من عبدالمطلب لتزورَ أقاربها في المدينةِ معَ وِلدها محمد 0ً9 وكانت هذهِ السفرةُ الأولى وهوَّ صلوات اللهِ عليعِ في الخامسةِ من عُمُره وعندَ العودةِ من المدينةِ الى مكةَ مَرِضَتْ آمنـةُ فيمَنزلٍ يُقالُ لهُ (الأبواء) .. وشَهدَ وفاةَ أُمهِ وكذلكَ دفنها في تلكَ المنطقةِ وعادَ الى جَـدهِ بمعيةِ أُم أَيمَنَ وصيفةِ السيدةِ آمنةَ عليها السلام ...
   لم تعرف العربُ أَميناً صادِقاً مثيلاً لهُ .. إتسَمَت صفاتهُ بالشجاعة والثباتِ والمرؤةِ والكرمِ والسَماحةِ ، حَكيماً رؤوفاً مُهاباً .. لذلكَ وصفهُ الله تعالى بقولهِ ( إنكَ لعلى خُلقٍ عظيم ) وكانَ أُميـاً لايقرأُ ولا يكتبُ فأصبحَ أَفصحُ الناسِ لســاناً وأَقومهم إيماناً وبياناً بعدَ أن إصطفاهُ الله بقولهِ لهُ (إقـرأ) كانت العرب تدعوهُ بالصادقِ والأمينِ لذلكَ إختارتهُ ليحكمَ بينَ قبائلها التي كادَ التنازع فيما بينها أن يلوذَ بالسيفِ حَكماً في أيهُمُ أحقُ في رفع الحجر الأسود ( الكعبة) ووضعهِ في مكانهِ حينما جُددَ بناءُ الكعبةِ فوضعَ رداءَهُ (ص) ووضعَ الحجر عليه وقالَ لهم إحملوهُ كلٌ يأخذُ طرفاً من الرداءِ وبذلكَ التحكيم حقنَ الدماء التي كادت أن تُراق وحفظ العِقدَ من الأنفراط .. وبناءً على الصفات التي أَوردناها إختارتهُ السيدةُ خديجة الكبرى (ع) لتجارتها من بينِ مئآتِ الرجالِ الذينَ كانوا ينتظرونَ إشارةً منها لجـلالِ قَدرها وشَرفِ سيرتِها فمضى بتجارتها الى الشـام ومعَهُ (ميسرةَ) غلامُ السيدة خديجة فرأىهــذا عَجباً من أمرِ رَفيقهِ فسلوكهُ مختلفٌ عماكانَ يألفُهُ ممَنْ تولى أَمرَ تجارةِ سيدتهِ ..
   كانَ (ص) قليلُ الكلامِ مستغرقاً في صلاتهِ منقطعاً الى الله موحداً فكانت ملائكةُ الله ترعاهُ وتحرسُ تجارتَهُ وهوَّ مطمئنٌ عليها لا يخشى قٌطاعَ الطُرُقِ أو الوحوشَ المفترسةَ .. (ميسرةٌ) يرتجفُ خوفاً وصاحبهُ لا يرفُ لهُ جَفنٌ أو يضعفَ قلبُهُ رُعبـاً من أصواتِ حيوانات الصحراء المفترسة وهيَّ تقتربُ من القافلةِ .
  رافقَ (ص) حينما كان يافعاً عمهُ أبو طالب فرآهُ (بُحيرى الراهب) فقالَ لأبي طالب ماهذا الغلامُ منكَ : فقالَ إبني .. فردَ عليهِ بحيرى الراهب قائلاً : ماهو بأبنكَ وما ينبغي لهذا الغلامِ أن يكونَ أبوهُ حَياً .. فقالَ إنهُ إبنُ أخي الذي توفاهُ الله .. قالَ: صَدقتَ إرجع بأبنِ أَخيكَ هذا الى بلدهِ وأحذر عليهِ اليهودَ فواللهِ لئنْ رأوهُ وعَرفوا عَنهُ ماعَرفْتُ لـَيَضمُرونَ لهُ شَــراً وكَيـداً فأنهُ كائنٌ لأبنِ أخيكَ هذا شأنٌ فأسرعْ بهِ الى بلادهِ فأنهُ النبيُّ الذي بَشَرَ بهِ عيسى ..
   دَخَلَتْ السيدة خديجة (ع) بيتُ محمد (ص) فبسطت ثروتها بينَ يديهِ وكانت تُعينَهُ على أمرهِ لمعرفتها بأنهُ يَحملُ في ذاتهِ يقينَ التوحيدِ ومن إنقطاعهِ عنها وخروجهِ الى غارِ (حراء) ، عَرِفَتْ إن لخلوتهِ معَ ربهِ سلطانُ نبوةٍ فَرعتهُ وعانتهُ على طاعةِ رَبهِ بيدٍ حانيةٍ وقلبٍ يخفقُ حُباً وتكللَ حُبها لهُ بولادةِ فاطمةَ الزهراءِ (ع) وذاتَ يوم عادَ من (غار حراء) يرتجفُ فدثرتهُ ولم تفزع وأدركت بحكمتها إن نورَ اللهِ قد حَلَ بذاتهِ وبعــدَ أن أفــاقَ ذهـبت بهِ الى ابن عَمـــها  ( ورقةَ بن نوفل) ورَوَتْ لهُ حالتَهُ فقال : إخبرني مارأيتْ .. فقالَ رسولُ الله (ص) : وانا في الغار أعبدُ الله أتاني مَلكٌ فقال ( يامُحمد أنتَ رسولُ هذهِ الأمةِ وأنا جبريلٌ مُرسَلٌ إليكَ ) فأصابتني الرِعدَةُ وخرجتُ فَزِعاً مذعوراً ... فقالَ لأبنةِ عَمهِ : ( إبشري ياخديجة إنهُ الناموسُ الذي نزَلَ على موسى ) فأطمئنَ قلبها عليهِ وكانت أولَ من صَدَقَ رسالتهُ وهيَّ أولُ المسلمينَ تحملَت معَهُ معاناتهِ في نشرِ رسالةِ السماءِ بينَ البشرِ بصَبرٍ وَثبات .. فطوبى لمَنْ إتبعَ خُطاهُ وآمَنَ برسالتهِ ومضى على منهجهِ وأستنارَ بسيرتهِ الوضاءَةِ في الحياة ليكونَ في الآخرةِ من السُعَداء مع الأنبياءِ والصِديقينَ والأولياء الصالحينَ في دار الخلودِ والبقاء تحفُ بهِ الملائكةُ في حَضرةِ رب العالمينْ .