الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) ما قيل فيه
  • عنوان المقال: الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) ما قيل فيه
  • الکاتب:
  • مصدر:
  • تاريخ النشر: 19:55:26 1-9-1403

الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) ما قيل فيه

اعتراف الأجانب المنصفين برسول الإسلام (عليه أفضل الصلاة والسلام)


جرجس
سال قال جرجس سال في كتابه (مقالة في الإسلام) صفحة 75:
(إن محمداً رسول الإسلام (عليه الصلاة والسلام) كان صالح الاخلاق ولم يكن على الشر والخبث كما يصفه به خصومه). ثم مضى يقول:
(قال جيبون: عقيدة محمد خالصة ليس فيها لبس ولا إبهام، والقرآن شاهد عدل وبرهان قاطع على وحدانية الله سبحانه.
لقد هجر نبي الإسلام (عليه أفضل الصلاة والسلام) عبادة الأصنام والبشر، سواء أكانوا من النجوم أم من الكواكب السيادة، أم من غير ذلك، بناء على القاعدة العلمية الصحيحة وهي: إن كل قابل للتلاشي لا بد أن يبيد ويفنى، وكل مولود لا بد أن يموت، وكل بازغ لا بد له من أفول.
كانت لمحمد (صلى الله عليه وآله وسلم) حماسة حكيمة، اعترف بمبدع هذا الكون، وعبده على عقيدة أنه أبدي غير محدود، بلا صورة، ولا مكان ولا ولد، ولا شبيه، يعلم خطايا الأفكار وأسرار القلوب، وجوده من نفسه، وصفاته وعلمه وكماله من نفسه). وفي الختام قال:
(وهذه الحقائق السامية مبنية على وجه معقول بغاية الإحكام في تراجم القرآن، فكل من يؤمن بالله إيمانا علميا فلسفيا، قادر على أن يشارك المحمديين في اعتقادهم المقبول).
نقول: إن ما رواه جرجس عن جيبون يدل على إيمان جيبون بالله وحده وبرسوله محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، وأنه في ختام قوله يدعو من حوله إلى هذا الإيمان، دعوة خالصة لمصلحة الإنسان لا غير.
أميل دير مانجم
وقال (أميل دير مانجم) في كتابه (حياة محمد):
(إن محمدا لم يكن شخصيا إلا رجلا أميا خلوا من الثقافة تقريباً كجميع بني بلدته في عصره، ولكنه كان يعلم أن الإله رحيم رحمة لا حدّ لها، فاجهد نفسه في أن يعلو على الطبيعة البشرية، وأن يقهر في نفسه الميول الانتقامية)
ثم قال: (إن إخلاص محمد لا يمكن أن يكون في العصر الحاضر موضع شك، فإن حياته كلها تشهد أنه كان يؤمن برسالته إيمانا عميقا، وأنه تقبلها -لا بغير بطولة- كعبء يجب عليه أن يتحمل ثقل أوزاره).
وقال: (إن قوة عبقرية محمد الإنشائية واتساعها، وذكاءه العظيم ونظره الصائب إلى الحقائق، وسيادته لنفسه، وقوة إرادته، وحكمته واستعداده للعمل، وحياته الواقعية، كل ذلك يجعل الزيف في مبدأ رسالته يستحيل القبول. فكيف يتصور أن ينقلب كاذبا فجأة، ذلك الذي كان نجاحه يظهر له كبرهان ساطع على تأييد الإله لدعواه، وكيف يمكن أن يجرأ على تشويه رسالته في الوقت الذي كان يرى فيه أنها مقدسة مؤيدة من الإله).
وقال: (وهكذا نهض محمد رسول الإسلام) ليدعو بني جنسه إلى دين واحد هو دين الإله الواحد، وليوقظ جزءا من آسيا وأفريقيا، وليحرر من عبودية الجامدين كل الذين يفهمون رسالته الحقيقية، ولكي يحرر فارس التي كان النعاس يشملها، ولينعش المسيحية الشرقية التي شوهتها المجادلات البيزنطية الخالية من الحماسة، ومن الاعتقاد المجرد من الوحدة).
وقال: (إن محمدا كان يجهل كل ما ليس علما مطلقا، وكان أمياً بالمعنى الكامل لهذه الكلمة، وليس معناها، فيما أرى، العامية أو الخلو عن التأدب، وإنما الأمي هو بالأحرى الرجل النقي الذي جمع بين الطبيعة وما فوق الطبيعة، والبرئ من الأحكام المتسرعة، ومع ذلك فقد نهض لكي يدعو العلماء إلى أن يفهموا ما يقولون، وليقوّم الطرق الملتوية التي يضل فيها من يزعمون أنهم حكماء).
ثم قال: (إن الناس حالة سماعهم خطب محمد المهمة، وكتاباته الملتئمة مع عصره، قد أحسوا بجاذبية تصلهم بالسر الخفي الذي يقودهم إليه، فخضعوا للإله، فرأوا كيف يستطيعون أن يهذبوا وجودهم المؤقت، وهكذا وجدوا فيه مثالا حياً لا يستطيع الفلاسفة ولا رجال الحكومة أن يقدموه).
(إن محمداً رسول الإسلام (عليه الصلاة والسلام) قد أوجدت دعوته في جزيرة العرب تقدماً غير قابل للاعتراض، سواء أكان ذلك في دائرة الأسرة أم في دائرة المجتمع أم الناحية الصحية، وإن حظ المرأة قد تحسن، وإن الفحش والزواج المؤقت، والمعاشرة الحرة (الزنا) قد حظرت وقد حرم ايضاً إكراه الإماء على أتخاذ الفحش وسيلة لثراء مواليهن، كما كان متبعاً في ذلك العهد (ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء إن أردن تحصناً) القرآن.
ثم قال دير مانجم:
(إن محمداً قد أباح الرق، ولكنه نظمه، وضيق حدوده، وجعل العتق عملاً خيراً، بل كفارة عن بعض المعاصي).
نقول: إن اعتراق أميل دير مانجم ناشئ عن دراسته الصحيحة لحياة محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، ولكتابه القرآن المجيد.
هذا ونضيف على قوله (قد أباح الرق.. الخ قائلا: لأن الاسترقاق كان منتشراً كنظام حيوي في جميع الملل قبل البعثة، فلم يكن من الحكمة الاستعجال في القضاء عليه، ولهذا اتخذ وسائل لإلغائه بالتدريج، طبق تعاليم القرآن الكريم.
(إن محمداً رسول الإسلام (عليه الصلاة والسلام) قد أبدى في أغلب حياته، (بل في طول حياته) اعتدالا لافتاً للنظر فقد برهن في انتصاره النهائي على عظمة نفسية قل أن يوجد لها مثيل في التاريخ، إذ أمر جنوده أن يعفو عن الضعفاء والمسنين والأطفال والنساء وحذرهم أن يهدموا البيوت أو أن يسلبوا التجار، أو أن يقطعوا الاشجار المثمرة، وأمرهم أن لا يجردوا السيوف إلا في حالة الضرورة القاهرة، بل قد سمعناه يؤنب بعض قواده ويصلح أخطاءهم إصلاحاً مادياً).
ثم قال دير مانجم: (إن الغنائم الحربية كانت في ذلك العهد، النتيجة العادية لكل جهاد، بل يمكن أن يقال: إنها كانت مع التجارة وتربية الحيوان هي الصناعة الوطنية العربية، فأعلن محمد رسول الإسلام إباحتها لأتباعه استجابة لضعفهم، ولكنه حددها بقواعد دقيقة، فخصص الجزء الاكبر منها للصدقات ولحاجات الجيشن كما أنه قد حظر في قسم الأسرى إبعاد الأطفال عن أمهاتهم). وفي الختام قال:
(إنه لم يكن ليستطيع أن يغير أخلاق شعبه تغييراً تاماً، ولكنه نجح في أن يقومها في نقط كثيرة).
الأستاذ دينيس سورا
وقال الأستاذ (دينيس سورا) الأستاذ في جامعة لندن في أول كتابه (تاريخ الأديان) الذي نشره 1933م:
(إن محمداً رسول الإسلام (عليه الصلاة والسلام) يكاد يكون هو الوحيد الذي نعرفه عن طريق التاريخ من بين عظماء مؤسسي الأديان، إذ أن الخرافات لم تستطع أن تخفيه، وأن دين مواطنيه إبان ظهوره، كان قد هوى إلى أدنى الدركات، أو قل إنه (دين مواطنيه) كان لميماً من بقايا عقائد بدائية)
الفيلسوف توماس كارليل
وقال (توماس كارليل) في كتابه (الأبطال):
(الرجل العظيم في نظري مخلوق من فؤاد الدنيا وأحشاء الكون فهو جزء من الحقائق الجوهرية للأشياء).
فمحمد رسول الإسلام (عليه الصلاة والسلام) كان كذلك، وكان فوق ذلك، الرجل العظيم الذي علّمه الله العلم والحكمة، وما كلمته إلا صوت صادق صادر من السماوات العلى).
نقول: إن اعتراف كارليل هنا أيضاً منبعث عن دراسته العميقة لشخصية محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، كسائر اعترافاته القيمة التي عرفناه بها، إنه يريد بقوله (الرجل العظيم الذي علمه الله العلم والحكمة) معنى قوله (صلى الله عليه وآله وسلم) في وصف حقيقة معارفه وعلومه: (أدبني ربي فأحسن تأديبي) لا غير، لأن كارليل يعترف بان رسول الإسلام، (عليه الصلاة والسلام) كان أمياً لا يقرأ ولا يكتب، حكمة الله العليم الحكيم، التي تتعلق بصدق نبوته ورسالته.
ثانياً: يشير بقوله وما كلمته إلا صوت صادق صادر من السموات العلى) إلى قول الله سبحانه في وصف كلمات رسوله (وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى).
وقال الفيلسوف الإنجليزي توماس كارليل(1) في كتابه (الأبطال، وديانة الأبطال):
(أي شئ أكبر دلالة على صدق من يدّعي لك أنه بنّاء ماهر من أن يبني بيديه داراً تقاوم العوادي أكثر من ألف ومائتي سنة، وهي تسع نحو مائتي مليون من الناس؟.
كذلك لا شئ أكبر دلالة على صدق نبوة محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) من أن يؤسس ديانة تجد فيها نحو مائتي مليون من الأنفس غذائها الروحاني، وتقاوم عوامل التحليل أكثر من اثني عشر قرناً).
نقول: إن اعتراف كارليل اعتراف يستحق التقدي، ولكنه قليل في حق نبي الإسلام (عليه الصلاة والسلام)، فإنه ليس بمؤسس دين يقوم على اساس من الوحي السماوي فحسب، ولكنه صاحب الدعوة العالمية الكبرى،
التي دوت في أرجاء العالم، وقلبته من حال إلى حال، وأتت بأعظم إصلاح عرفه التاريخ البشري وقاومت عوامل التحليل والانحراف والتبديل أكثر من اثني عشر قرناً (إلى عهد كارليل) وجاوزته إلى أربعة عشر قرناً، وستقاوم كذلك وتقاوم الإلحاد واللادينية لتبقى كما هي، وتجد فيها الأمة المحمدية غذاءها الروحاني، (لا أكثر من اثني عشر قرنا فحسب) بل أربعة عشر قرناً كاملا، ثم أكثر فأكثر، ذلك لتعيش حياة شريفة، رافعة الرأس في ظلالها المباركة، إلى أن تقوم القيامة، فتجزي كل نفس بما عملت وهم لا يظلمون.
وقال كارليل في كتابه المذكور أيضاً:
( فمحمد هو الذي قال إنه رسول من عند الله، وبرهن على صدق قوله بدين نشره في الناس، أخذه مئات من الملايين ومضى عليهم في ذلك قروناً طويلة، وهم يحبون دينهم هذا، ويتحمسون له أكبر تحمس.
فماذا يراد من الأدلة على نبوته بعد ذلك؟).
وقال الفيلسوف كارليل في كتاب (الرسالة المحمدية):
(لقد أصبح من أكبر العار على كل فرد متمدن من أبناء هذا العصر أن يصغي إلى ما يدعيه المدعون من أن دين الإسلام كذب وأن محمداً خداع مزور، وآن لنا أن نحارب ما يشاع من مثل هذه الأقوال السخيفة المخجلة، فإن الرسالة التي أداها ذلك الرسول ما زالت السراج المنير مدة اثنا عشر قرناً لنحو مائتي مليون من الناس أمثالنا، خلقهم الله الذي خلقنا، أفكان أحدكم يظن أن هذه الرسالة التي عاش بها ومات عليها هذه الملايين الفائتة الحصر والإحصاء، أكذوبة وخدعة؟
أما أنا فلا أستطيع أن أرى هذا الراي أبداً، ولو أن الكذب والغش يروجان عند خلق الله هذا ا لرواج ويصادفان منهم (أي الملايين) هذا التصديق والقبول، فما الناس إلا حمق مجانين، وما الحياة إلا سخف، وعبث وضلال، كان الأولى بها ألا تخلق!
هل رأيتم قط معشر الناس، أن رجلاً كاذباً يستطيع أن يوجد ديناً وينشره؟ عجب والله. إن الرجل الكاذب لا يقدر أن يبني بيتاً من الطوب..
وعلى ذلك فلسنا نعد محمداً قط رجلاً كاذباً متصنعاً يتذرع بالحيل والوسائل إلى بغيته أو يطمح إلى درجة ملك أو غير ذلك من الحقائر والصغائر، وما الرسالة التي أداها إلا كانت حقاً صريحاً، وما كانت كلمته إلا صوتاً صادقاً صادراً من العالم المجهول (يعني الغيب) كلا! ما محمد بالكاذب ولا بالملفق، وإنما هو قطعة من الحياة قد تفطر عنها قلب الطبيعة، فذا هو شهاب قد أضاء العالم أجمع، ذلك أمر الله.
ومضى كارليل يقول: (ثم علينا أن لا ننسى شيئاً آخر، وهو أن محمدا (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يتلق دروساً عن أستاذ أبداً، وكانت صناعة الخط حديثة العهد، إذ ذلك، في بلاد العرب، ويظهر لي أن الحقيقة هي أن محمداً لم يكن يعرف الخط والقراءة، وكل ما تعلمه هو عيشة الصحراء وأحوالها، وكل ما وفق إلى معرفته هو ما أمكنه أن يشاهد بعينيه، ويتلقى بفؤاده من هذا الكون عديم النهاية، وعجيب والله أميةمحمد! نعم إنه لم يعرف من العالم ولا من علومه إلا ما تيسر له أن يبصره بنفسه أو يصل إلى سمعه في ظلمات صحراء العرب، وإني لأعرف عنه أنه كان كثير الصمت، يسكت حيث لا موجب للكلام، فإذا نطق فماشئت من لب وفضل وإخلاص وحكمة، لا يتناول عرضاً فيتركه إلا وقد أنار شبهته وكشف ظلمته، وأبان حجته واستنار دفينته، هكذا يكون الكلام وإلا فلا!
وقد رأينا محمداً (صلى الله عليه وآله وسلم) قد طوى حياته رجلاً راسخ المبدأ صارم العزم بعيد الهمة كريماً براً رؤفاً تقياً فاضلاً حراً أبياً).
ثم قال كارليل
(أيزعم الكاذبون أن الطمع وحب الدنيا هو الذي أقام محمداً وآثاره؟ وهذا الزعم حماقة، وأيم الله وسخافة وهوس! أي فائدة لمثل هذا الرجل في جميع بلاد العرب، وفي تاج قيصر وصولجان كسرى، وجميع ما في الأرض من تيجان وصوالج؟
واين تعبير الممالك والتيجان والدول جميعها بعد حين من الدهر؟ أفي مشيخة مكة وقضيب مفضفض الطرف أو في ملك كسرى؟
كلا! إذن فلنضرب صحفاً عن مذهب الجائرين القائل:
(إن محمداً كاذب) ونعد موافقتهم عاراً وسبة وسخافة وحمقا، فلنربأ بنفوسنا عنه ولنترفع!
ولقد قيل كثيراً في شأن نشر محمد دينه بالسيف، فإذا جعل الناس ذلك دليلا على كذبه، فشد ما أخطأوا وجاروا!
إنهم يقولون: ما كان الدين ينتشر لولا السيف، ولكن ما هو الذي أوجد السيف؟ هو قوة هذا الدين وأنه حق).
ثم قال: (أولم يروا أن النصرانية كانت لا تأنف أن تستخدم السيف أحياناً؟ وحسبكم ما فعل (شارلمان) بقبائل السكسون: )
وفي الختام قال كارليل:
(لقد كان محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) زاهداً متقشفاً في مسكنه ومأكله ومشربه وملبسه وسائر أمور حياته وأحواله، وكان طعامه عادة الخبز والماء وربما كان يصلح ويرفو ثوبه بيده، فهل بعد ذلك مكرمة ومفخرة؟
فحبذا محمد من نبي خشن اللباس، خشن الطعام، مجتهد في الليل، قائم النهار، ساهر الليل، دائب في نشر دين الله، غير طامح إلى ما يطمح إليه أصاغر الرجال من رتبة أو دولة أو سلطان، وهو بحق النبي ذو الخلق العظيم).
نقول: انتهى هنا ما رويناه من اعتراف الفيلسوف الإنجليزي الكبير (كارليل). ولا شك في أنه اعتراف عن دراسة وإنصاف لخدمة الحقيقة والتاريخ، كما أنه جرأة ملموسة على وجه الناس من أبناء بلاده ورجال دينه المسيحي، الذين حادوا عن طريق الإنصاف، واجترءوا على نبي الإسلام، محمد (عليه الصلاة والسلام)، واتهموه بالكذب، وهم كاذبون (كبرت كلمة تخرج من أفواههم، إن يقولون إلا كذباً) كما كذبهم كارليل بقوله: (أيزعم الكاذبون.. إلخ. وقد حكم عليهم بأنهم أخطأوا وجاروا من قبيل (وشهد شاهد من أهلها).
إن اتهام نبي الإسلام، محمد (عليه الصلاة والسلام) بالكذب، ليس بأمر جديد، فقد اتهمه بهذا وأمثاله (كالسحر والجنون) خصومه من بني قومه، وذلك عندما أعلن عليهم أن رسول الله ونبيه بعث إلى الناس كافة، ولكن هناك فرق عظيم بين التكذيب بالمواجهة، والتكذيب عن ظهر الغيب، فإن الأول أقوى، والثاني أضعف بكل ضعف، وما أجرأ الناس بالتقوّل وراء الناس، وقد فشل الأقوى، فما بالك الأضعف؟
نعم : إن خصومه من بني قومه واجهوه بالتكذيب في بادي الرأي، ولكنهم آمنوا به وصدقوه بعد ما تبين لهم أنه الحق، ولم يبق منهم على تكذيبه وكفره إلا من سبق عليه القول من الأشقياء، وكان لهم أن يكذبوه في بادئ الأمر والرأي، لأن رسالة محمد يتيم عبد المطلب، وهو أمي عاش بينهم منذ طفولته عيشة الرعاة، قد فاجأتهم وأدهشتهم في بادي نظرهم، كان لهم ذلك.ولا سيما بعد تسفيه عقولهم وعقول آبائهم، وقال عندما قالوا(2): (أولو كان آبائهم لا يعقلون شيئاً ولا يهتدون)؟
وقد سب أصنامهم بما سب به ومن جهة أخرى كان محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) أتى إليهم بدين جديد، ومن طباع الناس الوقوف أمام كل أمر جديد إما بالإنكار أو الشك، أو التأمل على الأقل فكان لهم حق التفكر والتريث على الأقل، إلى أن يزول استغرابهم للدين الجديد، ويظهر لهم أنه الحق الذي لا بد من قبوله، ولكن موقف رجال من أوروبا المسيحية بتكذيب نبي الإسلام محمد (عليه السلاة والسلام)، بعد انتشار دينه في ربوع العالم، وبين الشعوب المختلفة في مشارق الأرض ومغاربها، وبعد دوام دينه مدة اثني عشر قرنا ديناً متبعا لنحو مائتي مليون من الناس (على حد تعبير كارليل في حين تاريخه) وبعد قيام المحققين (من أصدقاء أو خصوم أو محايدين) بالتحقيق عن حقيقة هذا الدين طوال هذه المدة المديدة، مع التأليفات والرسائل والمحاضرات، وبعد ما دب دبيب النهضة في عروق الغرب والشرق وانتشر العلم في أنحاءه بفضل العرب المسلمين، أريد أن أقول: ولكن موقف رجال من أوروبا المسيحية بالتكذيب بعد هذا كله، شئ غريب جداً، إن لم أحكم عليه بما حكم به كارليل، أحكام مضت نصوصها، والتي اعتقد أنه حكم عادل يقوم على الإنصاف وكشف الحقيقة أمام العالم كله.
وفي الختام نقول:
هذا ما كان من مواقف اولئك الرجال من أبناء الغرب المسيحي، في ذلك التاريخ، أي قبل قرنين.
أما في القرن العشرين فقد ازدادت الحقيقة وضوحاً، وزاد الحق ظهوراً، وذلك بفضل تقدم العلم والنهضة الثقافية ومزيد الحرية في الأفكار ولا سيما في العقيدة بشأن دين من الأديان، أو مبدأ من المبادئ، ذلك لأن محمدا (صلى الله عليه وآله وسلم) صادق في دعوته، أمين في تبليغ رسالته، وأن دينه دين حق، كلما بحث الباحثون، وناقشوا حوله، وحققوا في تعاليمه يزداد ظهوراً، فيزيد أتباعه، أو المؤيدون له، المنصفون بحقه.
فمنهم الكاتب الإنجليزي المعروف برنارد شو الذي قد حقق رسالة محمد (عليه الصلاة والسلام)، وحقق دينه الإسلام ودرس مبادئه دراسة محايدة حرة، لا ينزع إلا نحو الحق وعاش في ذلك القرن، وتوفي سنة 1950، إنه يقول:
(إن أوروبا الآن ابتدأت تحس بحكمة محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وبدأت تعشق دينه، كما أنها ستبرئ العقيدة الإسلامية مما اتهمت به من أراجيف رجال أوروبا في العصور الوسطى، وسيكون دين محمد هو النظام الذي يؤسس عليه دعائم السلام والسعادة،ويستند على فلسفته في حل المعضلات وفك المشكلات والعقد).
ثم قال: (وإن كثيرين من مواطني ومن الأوربيين الآخرين يقدسون تعاليم الإسلام وكذلك يمكنني أن أؤكد نبوءتي فأقول إن بوادر العصر الإسلامي الأوروبي قريبة لا محالة!).
ويقول برنارد شو أيضاً:
(وأعتقد أن رجلاً كمحمد لو تسلم زمام الحكم في العالم بأجمعه اليوم لتم النجاح في حكمه، ولقاد العالم إلى الخير، وحل مشاكله على وجه يحقق للعالم كله السلام والسعادة المنشودة).
كما قال برنارد شو في أواخر حياته:
(لا يمضي مائة عام حتى تكون أوروبا ولا سيما إنجلترا، قد أيقنت بملاءمة الإسلام للحضارة الصحيحة!).
هذا. وقد اكتفينا هنا بنقل تصريحاته عن غيرها من تصريحات المنصفين مثاله في ذاك العصر.
السير وليام ميوبر
وقال السير وليام ميوبر في كتابه (حياة محمد):
(ومن صفات محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) الجديرة بالتنويه والإجلال، الرقة والاحترام اللتين كان يعامل بهما أتباعه حتى أقلهم شأناً، فالتواضع والرأفة والإنسانية وإنكار الذات والسماحة والإخاء تغلغلت في نفسه فوثقت به محبة كل من حوله).
نقول: ولهذا فإن الله عز وجل قال بعد القسم بـ (ن) والقلم وما يسطرون، وبالتأكيد بعد التأكيد (وإنك لعلى خلق عظيم) الآية.
نعم: هذا هو شأن رسول أرسله الله إلى الكون ليتمم مكارم الأخلاق في الحياة الإنسانية.
فقد قال (صلى الله عليه وآله وسلم): (بعثت لأتمم مكارم الأخلاق).
البروفيسور كارادي فو
وقال بروفسور (كارادي فو) في كتابه (المحمدية):
(إن محمداً أتم طفولته في الهدوء، ولما بلغ سن الشباب اشتهر باسم الشاب الذكي الوديع المحمود، وقد عاش هادئاً في سلام حتى بلغ الأربعين من عمره، وكان بشوشا نقياً لطيف المعاشرة،). ثم قال:
(إن محمداً كان هو النبي والملهم والمؤسس، ولم يستطع أحد أن ينازعه المكانة العليا التي كان عليها، ومع ذلك فإنه لم ينظر إلى نفسه كرجل من عنصر آخر، أو طبقة أخرى غير طبقات بقية المسلمين. إن شعور المساواة والإخاء الذي أسسه (محمد) بين أعضاء الجمعية الإسلامية، كان يطبق تطبيقاً عملياً، حتى على النبي نفسه).
البروفيسور جارسان دي تاسي
وقال بروفيسور (جارسان دي تاسي) في كتابه (الإسلام):
(إن محمداً رسول الإسلام (عليه الصلاة والسلام) ولد في حضن الوثنية، ولكنه منذ نعومة أظفاره أظهر بعبقرية فذة انزعاجاً عظيماً من الرذيلة وحباً حاداً للفضيلة، وإخلاصاً ونية حسنة غير عاديين، إلى درجة أن أطلق عليه مواطنوه في ذلك العهد اسم (الأمين).
البروفيسور ليك
وقال بروفيسور (ليك) في كلام مفصل عن الإسلام ورسوله:
(إن حياة محمد التاريخية لا يمكن أن توصف بأحسن ما وصفه الله نفسه بألفاظ قليلة بين فيها صفة النبي حيث قال (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين).
إن يتيم آمنة ا لعظيم قد برهن بنفسه على أنه أعظم الرحمات لكل ضعيف ولكل محتاج إلى المساعدة).
ثم قال:
كان محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) رحمة حقيقية لليتامى وأبناء السبيل، والمنكوبين، والمدينين، وجميع الفقراء والعمال ذوي الكد والعناء، ولقد كان محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) رحمة لجنس النساء الذي كان يعامل كالأمتعة والأثاث لا غير! وذلك في جميع الدنيا من قبل كل دين من الأديان، وكل نظام اجتماعي وكل أمة، فهلموا الآن نقول بأعظم الإخلاص والتلهف والابتهال: اللهم صل على محمد وعلى أتباعه ومحبيه).
(وأخيراً أذكر في هذا البيان الخير العالمي، الذي أسداه النبي العظيم بتحريمه الخمر، وبواسطته وبه فقط حفظ ملايين من الناس جيلاً بعد جيل، في أثناء الأربعة عشر قرناً الأخيرة من الخزي المهين.
اعتبر، ما يجري في أمريكا في خصوص إجبار الناس على الإذعان لقانون تحريم الخمر، أليس من المعجزات الباهرات أن محمدا (صلى الله عليه وآله وسلم) جعل الصادقين من أتباعه في حرز حريز من شر المشكلات (التي يجلبها شرب الخمر إلى المجتمع) جيلاً بعد جيل، وإنما ذلك بالقوة الأدبية وبقول واحد).
(إنها لحقيقة مجردة أنه بينما كان غير أهل الإسلام راسبين في العبودية كان المسلمون يتمتعون بالحرية والمساواة، وما أجمل ما قاله المعلم العظيم محمد (صلى الله عليه وآله وسلم): (الخلق كلهم عيال الله وأحب الناس إلى الله أنفعهم لعياله).
الفيلسوف تولستوي
وقال تولستوي الفيلسوف الروسي(3) تحت عنوان (من هو محمد؟):
(إن محمدا (صلى الله عليه وآله وسلم) هو مؤسس ورسول الديانة الإسلامية التي يدين بها في جميع جهات الكرة الأرضية مائتا مليون نفس).
يعني نظراً لحساب أو ظن زمان تولستوي، ثم قال:(ولد النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) في بلاد العرب سنة 571 بعد ميلاد المسيح (عليه السلام) من ابوين فقيرين، وكان في حداثة سنه راعياً -يرعى الغنم- وقد مال منذ صباه إلى الانفراد في البراري والأمكنة الخالية، حيث كان يتأمل في الله وخدمته (أي طاعة الله وعبادته على دين إبراهيم عليه الصلاة والسلام). إن العرب المعاصرين له عبدوا أربابا كثيرة، وبالغوا في التقرب إليها واسترضائها، فأقاموا لها أنواع التعبد، وقدموا لها الضحايا المختلفة، ومنها الضحايا البشرية، مع تقدم سن محمد كان اعتقاده يزداد بفساد تلك الأرباب، وأن ديانة قومه ديانة كاذبة، وأن هناك إلهاً واحداً حقيقياً لجميع الشعوب. وقد ازداد هذا الاعتقاد في نفس محمد حتى اعتزم في نفسه أن يدعو مواطنيه إلى الاعتقاد باعتقاده الصحيح الراسخ في فؤاده.
ثم قد دفعه إلى ذلك عامل داخلي هو: إن الله اصطفاه لإرشاد أمته، وعهد إليه هدم ديانتهم الكاذبة، وإنارة أبصارهم بنور الحق، فأخذ من ذلك العهد ينادي باسم الواحد الأحد وذلك بحسب ما أوحى الله إليه، وبمقتضى اعتقاده الراسخ).
وبعد ما بين تولستوي خلاصة الديانة الإسلامية قال: (وفي سني دعوة محمد الأولى، تحمل كثيراً من اضطهاد أصحاب الديانة القديمة، شأن كل نبي قبله نادى أمته إلى الحق، ولكن هذه الاضطهادات لم تثن عزمه، بل ثابر على دعوة أمته، مع أن محمداً (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يقل أنه نبي الله الوحيد بل اعتقد أيضاً بنبوة موسى والمسيح (عليهما السلام) ودعا قومه إلى هذا الاعتقاد أيضاً، وقال إن اليهود والنصارى لا يكرهون على ترك دينهم، بل يجب عليهم أن يتبعوا وصايا أنبياءهم)..
(ومما لا ريب فيه أن النبي محمداً (صلى الله عليه وآله وسلم) كان من عظماء الرجال المصلحين، الذين خدموا المجتمع الإنساني خدمة جليلة، ويكفيه فخراً أنه هدى أمة برمتها إلى نور الحق وجعلها تجنح للسكينة والسلام وتؤثر عيشة الزهد، ومنعها من سفك الدماء، وتقديم الضحايا البشرية، وفتح لها طريق الرقي والمدنية.
وهذا عمل عظيم لا يقوم به إلا شخص أوتي قوة، ورجل مثل هذا لجدير بالاحترام والإجلال).
نقول: إن اعتراف تولستوي بفضل محمد رسول الإسلام (عليه الصلاة والسلام)، تعبير عن الواقع والحقيقة، وإنصاف بشأنه، ونحن نعلّق عليه قائلين:
إن قوة محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) لم تكن قوة عادية مثل ما يكون عند الرجال المصلحين، بل كانت قوة فوق العادة موهوبة من عند الله الذي أرسله للعالم كافة (مثل ما يكون عند الأنبياء والمرسلين من القوة، بل أقوى وأعظم منها):
لين بول
وقال (لين بول):
(إن محمدا رسول الإسلام (عليه الصلاة والسلام) كان يتصف بكثير من الصفات الحميدة كاللطف والشجاعة ومكارم الأخلاق، حتى أن الإنسان لا يستطيع أن يخمن له دون أن يتأثر بما تتركه هذه الصفات من أثر في نفسه، ودون أن يكون هذا الحكم صادرا عن ميل وعلى هدى، وكيف لا؟ وقد احتمل محمد عداء أهله وعشيرته أعواما، فلم يهن له عزم، ولا ضعفت له قوة). ثم قال (وقد بلغ من نبله أنه لم يكن في حياته البادي بسحب يده من يد مصافحه، حتى ولو كان المصافح طفلا، وأنه لم يمر بجماعة يوماً رجالا كانوا أو أطفالا دون أن يقرأ (عليهم السلام)، وفي شفتيه ابتسامة حلوة، وفي فمه نغمة جميلة كانت تكفي وحدها لسحر سامعها فتجذب القلوب إليه جذباً).
نقول: إن قوله (لسحر سامعها) تعبير أدبي لا غير كما لا يخفى.
المستشرق (جولد تسيهر)
وجه المستشرق (جولد تسيهر) سؤالا يقول
هل كان محمد نبياً وطنياً، أم عالمياً أرسل للناس كافة؟ ثم أجاب قائلاً: (أعتقد أننا لا نستطيع إلا أن نأخذ بوجهة النظر الثانية، ولا يمكن أن يكون الأمر على خلاف ذلك).
نقول: إن اعتراف جولد ناشئ عن الإنصاف والتصريح بالحقيقة، فقد قال الله عز وجل الذي أرسل محمداً (وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيراً ونذيراً، ولكن أكثر الناس لا يعلمون) (الآية 28 من سورة سبأ).
وقد ثبت هذا بمرور الزمن، وعلم أكثر الناس في عالم البشرية (بعد أن كانوا لا يعلمون) أن رسالة محمد كانت رسالة عالمية، إذ أن الإيمان برسالته لم يختص بمواطنيه العرب حتى يقال أنه نبي وطني، فقد آمن بها كل قوم من أجناس البشر، وعاشوا بهذا الإيمان منذ عصور (ويعيشون به) أما في عصرنا هذا فلا يمر يوم إلا ويؤمن (أو يعترف) بهذه الرسالة قوم أو نفر في انحاء العالم، وإنما ذلك في ظل التقدم العلمي والنضوج العقلي ولا سيما في نتيجة الحرية في دراسة الاديان. كما سيأتي اعتراف الأجانب المنصفين في هذا الشأن أيضاً.
وقال (جولد تسيهر) في كتابه (العقيدة والشريعة في الإسلام):
(كانت الهجرة إلى المدينة تحولا كبيرا في سياسة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) فقد أصبح محمد (بعد الهجرة) مجاهداً وغازياً، ورجل دولة، ومنظم جماعة جديدة أصبحت تتسع وتنمو شيئاً فشيئاً، وعندئذ اتخذ الإسلام شكله النهائي، وعندئذ ظهرت البذور الأولى لنظامه الاجتماعي والفقهي والسياسي).
ثم قال جولد تسيهر: (في مكة كان الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) يدعو إلى تعاليم دينية في جماعة صغيرة، أما في المدينة فقد ظهر الإسلام نظاماً له طابع خاص، وله في الوقت نفسه صورة الهيئة المكافحة. وفي المدينة قامت طبول الحرب التي تردد صداها في جميع أزمنة التاريخ، وصار محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) ينظم أعمالاً حديثة، فأصبح ينظم طرق توزيع الغنائم، وينظم المواريث، ويشرع القوانين، ويضع أسس أمور الدين العملية وأهم احتياجات الحياة الأجتماعية،. وفي المدينة رسمت الخطوط الرئيسية لحياة الإسلام التاريخية، وبدأ محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) مع الصحابة (رضي الله عنهم) تحقيق حياة مطابقة لما جاء به من دين ومذهب).
________________________________________
1 - 1795-1881، ويقال في وصفه أنه يعتبر أكبر عقل ولدته الأمة الإنجليزية بعد شكسبير.
2 - إننا نتبع ما وجدنا عليه آباءنا.
3 - من أكبر كتاب العالم، لقد سجل الخطوات التي مر بها في شؤون الديانة حتى بلغ الإيمان في كتابه (اعترافات). ولد في عام 1828 وتوفي عام 1910م.

الرسول الأعظم (ص)
وصاياه
ما روي عن النبي (ص) في طوال هذه المعاني
وصيته لأمير المؤمنين (ع)
يا علي: إن من اليقين أن لا تُرضي أحداً بسخط الله ولا تحمد أحداً بما آتاك الله ولا تذمّ أحداً على ما لم يؤتك الله، فإن الرزق لا يجره حرص حريص ولا تصرفه كراهة كاره، إن الله بحكمه وفضله جعل الرَّوح والفرح في اليقين والرّضا، وجعل الهم والحزن في الشك والسخط.
يا علي: إنه لا فقر أشد من الجهل ولا مال أعود من العقل (1) ولا وحدة أوحش من العجب ولا مظاهرة أحسن من المشاورة، ولا عقل كالتدبير، ولا حسب كحسن الخلق، ولا عبادة كالتفكّر.
يا علي: آفة الحديث الكذب وآفة العلم النسيان وآفة العبادة الفترة (2) وآفة السماحة المن وآفة الشجاعة البغي وآفة الجمال الخيلاء وآفة الحسب الفخر.
يا علي: عليك بالصدق ولا تُخرج من فيك كذبة أبداً ولا تجترئن على خيانة أبداً، والخوف من الله كأنك تراه، وابذل مالك ونفسك دون دينك وعليك بمحاسن الأخلاق فاركبها وعليك بمساوئ الأخلاق فاجتنبها.
يا علي: أحب العمل إلى الله ثلاث خصال: من أتى الله بما افترض عليه فهو من أعبد الناس، ومن ورع من محارم الله فهو من أورع الناس، ومن قنع بما رزقه الله فهو من أغنى الناس.
يا علي: ثلاث من مكارم الأخلاق: تَصل من قطعك. وتعطي من حرمك. وتعفو عمن ظلمك.
يا علي: ثلاث منجيات: تكُفّ لسانك. وتبكي على خطيئتك. ويسعك بيتك.
يا علي: سيد الأعمال ثلاث خصال: إنصافك الناس من نفسك. ومساواة الأخ في الله وذكر الله على كل حال.
يا علي: ثلاثة من حُلل الله (3) : رجل زار أخاه المؤمن في الله فهو زور الله وحقٌّ على الله أن يكرم زوره ويعطيه ما سأل، ورجل صلى ثم عقَّب إلى الصلاة الأخرى فهو ضيف الله وحق على الله أن يكرم ضيفه، والحاج والمعتمر فهما وفدا الله وحق على الله أن يكرم وفده.
يا علي: ثلاث ثوابهن في الدنيا والآخرة: الحج ينفي الفقر. والصدقة تدفع البلية. وصلة الرحم تزيد في العمر.
يا علي: ثلاث من لم يكن فيه لم يقم له عمل: ورع يحجزه عن معاصي الله عز وجل, وعلم يرد به جهل السفيه. وعقل يداري به الناس.
يا علي: ثلاثة تحت ظل العرش يوم القيامة: رجل أحبّ لأخيه ما أحب لنفسه. ورجل بلغه أمر فلم يقدم فيه ولم يتأخر حتى يعلم أن ذلك الأمر لله رضى أو سخط. ورجل لم يعِبْ أخاه بعيب حتى يصلح ذلك العيب من نفسه، فإنه كلما أصلح من نفسه عيباً بدا له منها آخر، وكفى بالمرء في نفسه شغلاً.
يا علي: ثلاث من أبواب البر: سخاء النفس. وطيب الكلام. والصبر على الأذى.
يا علي: في التوراة أربع إلى جنبهن أربع: من أصبح على الدنيا حريصاً أصبح وهو على الله ساخط, ومن أصبح يشكو مصيبة نزلت فيه فإنما يشكو ربه. ومن أتى غنياً فتضعضع له ذهب ثلثا دينه. ومن دخل النار من هذه الأمة فهو من اتخذ آيات الله هزواً ولعباً.
يا علي: أربع إلى جنبهن أربع: من ملك استأثر (4) . ومن لم يستشر يندم. كما تدين تدان. والفقر الموت الأكبر، فقيل له: الفقر من الدينار والدرهم؟ فقال: الفقر من الدين.
يا علي: كل عين باكية يوم القيامة إلا ثلاثة أعين: عين سهرت في سبيل الله، وعين غضت عن محارم الله. وعين فاضت من خشية الله.
يا علي: طوبى لصورة نظر الله إليها تبكي على ذنب لم يطلع على ذلك الذنب أحد غير الله.
يا علي: ثلاث موبقات، وثلاث منجيات، فأما الموبقات: فهوىً متّبع. وشح مطاع. وإعجاب المرء بنفسه. وأما المنجيات فالعدل والرضا والغضب. والقصد في الغنى والفقر. وخوف الله في السر والعلانية كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك.
يا علي: ثلاث يحسن فيهن الكذب: المكيدة في الحرب. وعِدتك زوجتك. والإصلاح بين الناس.
يا علي: ثلاث يقبح فيهن الصدق: النميمة. وإخبارك الرجل عن أهله بما يكره. وتكذيبك الرجل عن الخير.
يا علي: أربع يذهبن ضلالاً: الأكل بعد الشبع. والسراج في القمر. والزرع في الأرض السبخة. والصنيعة عند غير أهلها.
يا علي: أربع أسرع شيء عقوبة: رجل أحسنت إليه فكافأك بالإحسان إساءة. ورجل لا تبغي عليه وهو يبغي عليك. ورجل عاقدته على أمر فمن أمرك الوفاء له ومن أمره الغدر بك. ورجل تصل رحمه ويقطعها.
يا علي: أربع من يكنّ فيه كمل إسلامه: الصدق. والشكر. والحياء. وحسن الخلق.
يا علي: قلة طلب الحوائج من الناس هو الغنى الحاضر وكثرة الحوائج إلى الناس مذلة وهو الفقر الحاضر.
وصية أُخرى إلى أمير المؤمنين (عليهِ السَّلام) مختصرة
يا علي: إن للمؤمن ثلاث علامات: الصيام. والصلاة. والزكاة. وإن للمتكلف (5) من الرجال ثلاث علامات: يتملق إذا شهد. ويغتاب إذا غاب. ويشمت بالمصيبة. وللظالم ثلاث علامات: يقهر من دونه بالغلبة. ومن فوقه بالمعصية. ويظاهر الظلمة. وللمرائي ثلاث علامات: ينشط إذا كان عند الناس. ويكسل إذا كان وحده. ويحب أن يحمد في جميع الأمور. وللمنافق ثلاث علامات: إذا حدث كذب. وإن ائتمن خان. وإن وعد أخلف. وللكسلان ثلاث علامات: يتوانى حتى يفرّط. ويفرط حتى يضيع. ويضيع حتى يأثم. وليس ينبغي للعاقل أن يكون شاخصاً (6) إلا في ثلاث: مرمة لمعاش. أو خطوة لمعاد. أو لذة في غير محرّم.
يا علي: إنه لا فقر أشد من الجهل. ولا مال أعود من العقل. ولا وحدة أوحش من العُجب. ولا عمل كالتدبير. ولا ورع كالكف. ولا حسب كحُسن الخلق، إن الكذب آفة الحديث وآفة العلم النسيان. وآفة السماحة المن.
يا علي: إذا رأيت الهلال فكبّر ثلاثاً وقل: الحمد لله الذي خلقني وخلقك وقدَّرك منازل وجعلك آية للعالمين.
يا علي: إذا نظرت في مرآة فكبّر ثلاثاً وقل: اللهم كما حسَّنت خَلْقي فحسِّن خُلُقي.
يا علي: إذا هالك أمر فقل: اللهم بحق محمد وآل محمد إلا فرجت عني.
قال علي (عليهِ السَّلام): قلت: يا رسول الله (فتلقى آدم من ربه كلمات) ما هذه الكلمات؟ قال: يا علي إن الله أهبط حواء بجدة والحية بإصبهان وإبليس بميسان (7) ولم يكن في الجنة شيء أحسن من الحية والطاووس وكان للحية قوائم كقوائم البعير، فدخل إبليس جوفها فغرَّ آدم وخدعه فغضب الله على الحية وألقى عنا قوائمها، وقال: جعلت رزقك التراب وجعلتك تمشين على بطنك لا رحم الله من رحمك، وغضب على الطاووس، لأنه كان دل إبليس على الشجرة، فمسخ منه صوته ورجليه، فمكث آدم بالهند مائة سنة، لا يرفع رأسه إلى السماء واضعاً يده على رأسه يبكي على خطيئته فبعث الله إليه جبرائيل فقال: يا آدم الرب عز وجل يقرئك السلام ويقول: يا آدم ألم أخلقك بيدي؟ ألم أنفخ فيك من روحي؟ ألم أُسجد لك ملائكتي؟ ألم أُزوجك حواء أمتي؟ ألم أُسكنك جنتي؟ فما هذا البكاء يا آدم؟ تكلم بهذه الكلمات، فإن الله قابل توبتك، قل: سبحانك لا إله إلا أنت عملت سوءاً وظلمت نفسي، فتب علي إنك أنت التواب الرحيم.
يا علي: إذا رأيت حية في رحلك فلا تقتلها حتى تخرج عليك ثلاثاً، فإن رأيتها الرابعة فاقتلها فإنها كافرة.
يا علي: إذا رأيت حية في طريق فاقتلها، فإني قد اشترطت على الجن أن لا يظهروا في صورة الحياة.
يا علي: أربع خصال من الشقاء: جمود العين،. وقساوة القلب. وبعد الأمل. وحب الدنيا من الشقاء.
يا علي: إذا أُثني عليك في وجهك فقل: اللهم اجعلني خيراً مما يظنون واغفر لي ما لا يعلمون ولا تؤاخذني بما يقولون.
يا علي: إذا جامعت فقل: بسم الله اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتني فإن قضى أن يكون بينكما ولد لم يضره الشيطان أبداً.
يا علي: ابدأ بالملح واختم، فإن الملح شفاء من سبعين داء، أذلها الجنون والجذام والبرص.
يا علي: أدهن بالزيت، فإن من أدهن بالزيت لم يقربه الشيطان أربعين ليلة.
يا علي: لا تجامع أهلك ليلة النصف ولا ليلة الهلال، أما رأيت المجنون يصرع في ليلة الهلال وليلة النصف كثيراً!
يا علي: إذا ولد لك غلام أو جارية فأذن في أُذنه اليمنى، وأقم في اليسرى فإنه لا يضره الشيطان أبداً.
يا علي: ألا أُنبئك بشر الناس؟ قلت: بلى يا رسول الله، قال: من لا يغفر الذنب ولا يقيل العثرة، ألا أُنبئك بشر من ذلك؟ قلت: بلى يا رسول الله، قال: من لا يؤمن شره، ولا يرجى خيره.
وصية له أُخرى إلى أمير المؤمنين (عليهِ السَّلام)
يا علي: إياك ودخول الحمام بغير مئزر فإنّ من دخل الحمام بغير مئزر ملعون الناظر والمنظور إليه.
يا علي: لا تتختم بالسبابة والوسطى، فإنه كان يتختم قوم لوط فيهما ولا تعر الخنصر.
يا علي: إن الله يعجب من عبده إذا قال: رب اغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت يقول: يا ملائكتي عبدي هذا قد علم أنه لا يغفر الذنوب غيري، اشهدوا أني قد غفرت له.
يا علي: إياك والكذب فإن الكذب يسود الوجه، ثم يُكتب عند الله كذاباً وإن الصدق يبيّض الوجه ويكتب عند الله صادقاً. واعلم أن الصدق مبارك والكذب مشؤوم.
يا علي: احذر الغيبة والنميمة، فإن الغيبة والنميمة توجب عذاب القبر.
يا علي: لا تحلف بالله كاذباً ولا صادقاً من غير ضرورة ولا تجعل الله عرضة ليمينك، فإن الله لا يرحم ولا يرعى من حلف باسمه كاذباً.
يا علي: لا تهتم لرزق غد، فإن كل غد يأتي برزقه.
يا علي: إياك واللجاجة، فإن أولها جهل وآخرها ندامة.
يا علي: عليك بالسواك، فإن السواك مطهرة للفم ومرضاة للرب ومجلاة للعين، والخلال يحببك إلى الملائكة، فإن الملائكة تتأذى بريح فم من لا يتخلل بعد الطعام.
يا علي: لا تغضب، فإذا غضبت فاقعد وتفكر في قدرة الرب على العباد وحمله عنهم وإذا قيل لك: اتق الله فانبذ غضبك وراجع حلمك.
يا علي: احتسب بما تنفق على نفسك تجده عند الله مذخوراً.
يا علي: أحسن خلقك مع أهلك وجيرانك ومن تعاشر وتصاحب من الناس تكتب عند الله في الدرجات العلى.
يا علي: ما كرهته لنفسك فاكرهه لغيرك وما أحببته لنفسك فأحببه لأخيك، تكن عادلاً في حكمك، مقسطاً في عدلك محبباً في أهل السماء، مودوداً في صدور أهل الأرض احفظ وصيتي إن شاء الله تعالى.
________________________________________
1 - الأعواد: الأنفع، والمظاهرة: المعاونة.
2 - الفترة: الانكسار والضعف وأيضاً الهدنة. وزاد في المحاسن: وآفة الحسب الفخر.
3 - الحلل جمع الحلة-بالضم،5 - كقلل وقلّة- وهي الثوب الساتر لجميع البدن.
4 - الاستئثار: الاستبداد،- يقال استأثر بالشيء: استبدّ به وخص به نفسه.
5 - المتكلف: المتصنع والمتدلس والذي هو غير متصف بما يتراءى به في نفس الأمر.
6 - (شاخصاً) أي ذاهباً. والمرمة مصدر من رم الشيء يرمه أي أصلحه.
7 - ميسان: كورة معروفة بين البصرة وواسط والنسبة ميساني،11 - كما في القاموس.