محاولة اغتيال النبي (صلى الله عليه وآله) في العقبة
  • عنوان المقال: محاولة اغتيال النبي (صلى الله عليه وآله) في العقبة
  • الکاتب: الشيخ نجاح الطائي
  • مصدر:
  • تاريخ النشر: 18:47:39 1-9-1403


روايات في محاولة اغتيال النبي (صلى الله عليه وآله) في العقبة

لقد حدثت غزوة تبوك في السنة التاسعة للهجرة. وقد ذكرها الواقدي في مغازيه (1) قائلا: إنما كانت أخبار الشام عند المسلمين كل يوم لكثرة من يقدم عليهم من الأنباط، فقدمت قادمة فذكروا أن الروم قد جمعت جموعا كثيرة بالشام، وأن هرقل قد رزق أصحابه لسنة، وأجلبت معه لخم وجذام وغسان وعاملة. وزحفوا وقدموا مقدماتهم إلى البلقاء وعسكروا بها، وتخلف هرقل بحمص.
ولم يكن ذلك، إنما ذلك شيء قيل لهم فقالوه. ولم يكن عدو أخوف عند المسلمين منهم، وذلك لما عاينوا منهم (إذ كانوا يقدمون عليهم تجارا) من العدد والعدة والكراع. وكان رسول الله لا يغزو غزوة إلا ورى بغيرها، لئلا تذهب الأخبار بأنه يريد كذا وكذا، حتى كانت غزوة تبوك فغزاها رسول الله (صلى الله عليه وآله) في حر شديد. وقال الجلاس بن سويد: والله لئن كان محمد صادقا لنحن شر من الحمير! والله لوددت أني أقاضي على أن يضرب كل رجل منا مائة جلدة وأنا ننفلت من أن ينزل فيها القرآن بمقالتكم. فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لعمار بن ياسر: أدرك القوم فإنهم قد احترقوا، فسلهم عما قالوا، فإن أنكروا فقل: بلى قلتم كذا وكذا. فذهب إليهم عمار فقال لهم. فأتوا رسول الله (صلى الله عليه وآله) يعتذرون إليه..

فأنزل الله { ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب } إلى قوله { بأنهم كانوا مجرمين } (2). ولما أحتاج المسلمون إلى الماء في تلك الصحراء بصيفها الحار، دعا رسول الله (صلى الله عليه وآله) فسقط المطر. فقال أوس بن قيظي المنافق: سحابة مارة (3). وكانت غزوة تبوك بعد انتصار المسلمين على المشركين، وسيطرتهم على جزيرة العرب، فوجد المنافقون أن ملك المسلمين أصبح عظيما، وبلادهم واسعة، فسعوا لقتل النبي (صلى الله عليه وآله) للسيطرة على خلافته.

وقد نزلت آيات كثيرة في تبوك في المنافقين وأفعالهم منها: {وقالوا لا تنفروا في الحر قل نار جهنم أشد حرا لو كانوا يفقهون فليضحكوا قليلا وليبكوا كثيرا جزاء بما كانوا يكسبون} (4). و{والذين اتخذوا مسجدا ضرارا وكفرا وتفريقا بين المؤمنين} (5). وذكر البيهقي عن عروة، قال: ورجع رسول الله (صلى الله عليه وآله) قافلا من تبوك إلى المدينة، حتى إذا كان ببعض الطريق مكر برسول الله (صلى الله عليه وآله) ناس من أصحابه فتآمروا [عليه] (6) أن يطرحوه في عقبة في الطريق، فلما بلغوا العقبة أرادوا أن يسلكوها معه، فلما غشيهم رسول الله (صلى الله عليه وآله) أخبر خبرهم (7)، فقال: من شاء منكم أن يأخذ بطن الوادي فإنه أوسع لكم، وأخذ النبي (صلى الله عليه وآله) العقبة، وأخذ الناس بطن الوادي إلا النفر الذين مكروا برسول الله (صلى الله عليه وآله) لما سمعوا بذلك استعدوا وتلثموا، وقد هموا بأمر عظيم، وأمر رسول الله (صلى الله عليه وآله) حذيفة بن اليمان، وعمار بن ياسر، فمشيا معه مشيا، وأمر عمارا أن يأخذ بزمام الناقة، وأمر حذيفة أن يسوقها فبينا هم يسيرون إذ سمعوا بالقوم من ورائهم قد غشوهم فغضب رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وأمر حذيفة أن يردهم، وأبصر حذيفة غضب رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فرجع ومعه محجن، فاستقبل وجوه رواحلهم، فضربها ضربا بالمحجن، وأبصر القوم وهم متلثمون، لا يشعر إنما ذلك فعل المسافر، فرعبهم الله عز وجل حين أبصروا حذيفة، وظنوا أن مكرهم قد ظهر عليه، فأسرعوا حتى خالطوا الناس، وأقبل حذيفة حتى أدرك رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فلما أدركه، قال: اضرب الراحلة يا حذيفة، وامش أنت يا عمار، فأسرعوا حتى استوى بأعلاها فخرجوا من العقبة ينتظرون الناس، فقال النبي (صلى الله عليه وآله) لحذيفة: هل عرفت من هؤلاء الرهط أو الركب، أو أحدا منهم؟ قال حذيفة: عرفت راحلة فلان وفلان، وقال: كانت ظلمة الليل، وغشيتهم وهم متلثمون، فقال (صلى الله عليه وآله): هل علمتم ما كان شأن الركب وما أرادوا؟ قالوا: لا والله يا رسول الله، قال: فإنهم مكروا ليسيروا معي حتى إذا أظلمت في العقبة طرحوني منها، قالوا: أفلا تأمر بهم يا رسول الله إذا جاءك الناس فتضرب أعناقهم؟ قال: أكره أن يتحدث الناس ويقولوا إن محمدا قد وضع يده في أصحابه، فسماهم لهما، وقال: اكتماهم (8).

إذن كان حذيفة وعمار يعرفان أسماء المنافقين. وقد عودنا الناشرون وبعض الرواة على وضع كلمتي فلان بدل أبي بكر وعمر. وقد ذكر ابن أبي الحديد المعتزلي عمر وعثمان بدل فلان عند ذكر المنهزمين من معركة أحد (9). وأخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ، قال: حدثنا أبو العباس: محمد بن يعقوب، قال: حدثنا أحمد بن عبد الجبار، حدثنا يونس، عن ابن إسحاق، قال: فلما بلغ رسول الله (صلى الله عليه وآله) الثنية نادى منادي رسول الله (صلى الله عليه وآله): أن خذوا بطن الوادي فهو أوسع عليكم، فإن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قد أخذ الثنية، فذكر الحديث في مكر المنافقين بنحو مما ذكرنا في رواية عروة إلى قوله لحذيفة: هل عرفت من القوم أحدا؟ فقال: لا ولكني أعرف رواحلهم، فقال له رسول الله (صلى الله عليه وآله): إن الله قد أخبرني بأسمائهم وأسماء آبائهم، وسأخبرك بهم إن شاء الله عند وجه الصبح، فانطلق إذا أصبحت فأجمعهم، فلما أصبح، قال: ادع عبد الله أظنه ابن سعد بن أبي سرح (10)، وفي الأصل عبد الله بن أبي، وسعد بن أبي سرح إلا أن ابن إسحاق ذكر قبل هذا أن ابن أبي تخلف في غزوة تبوك ولا أدري كيف هذا (11).

وأخبرنا أبو علي: الحسين بن محمد الروذباري، أخبرنا أبو العباس: عبد الله بن عبد الرحمن بن حماد العسكري [ببغداد]، قالا: حدثنا أحمد بن الوليد الفحام، أخبرنا شاذان، حدثنا شعبة، عن قتادة، عن أبي نضرة، عن قيس بن عباد، قال: قلت لعمار: أرأيتم صنيعكم هذا فيما كان من أمر علي، أرأيا رأيتموه أو شيئا عهده إليكم رسول الله (صلى الله عليه وآله)؟ فقال: ما عهد إلينا رسول الله (صلى الله عليه وآله) شيئا لم يعهده إلى الناس كافة، ولكن حذيفة أخبرني عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه قال: في أصحابي اثنا عشر منافقا، منهم ثمانية لا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط (12).
رواه مسلم في الصحيح عن أبي بكر بن أبي شيبة، عن الأسود بن عامر شاذان (13). أخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ [قال]: حدثنا أبو الفضل بن إبراهيم، قال: حدثنا أحمد بن سلمة، [قال]: حدثنا محمد بن بشار، حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا شعبة، قال: سمعت قتادة يحدث عن أبي نضرة عن قيس بن عباد، قال: قلنا لعمار بن ياسر أرأيت قتالكم هذا أرأيا رأيتموه، فإن الرأي يخطئ ويصيب، أم عهدا عهده إليكم رسول الله (صلى الله عليه وآله) - شيئا لم يعهده في الناس كافة - وقد قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): إن في أمتي ، قال شعبة: وأحسبه قال حدثني حذيفة أنه قال إن في أمتي اثني عشر منافقا لا يدخلون الجنة ولا يجدون ريحها حتى يلج الجمل في سم الخياط، ثمانية منهم تكفيهم الدبيلة شراج من النار تظهر بين أكتافهم حتى تنجم من صدورهم.
رواه مسلم في الصحيح عن محمد بن بشار (14). وروينا عن حذيفة أنهم كانوا أربعة عشر، أو خمسة عشر، وأشهد بالله أن اثني عشر منهم حرب لله ورسوله في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد، وعذر ثلاثة، قالوا: ما سمعنا المنادي، ولا علمنا ما أراد القوم (15). رواية حذيفة في كتاب المحلى ذكر حذيفة بن اليمان العبسي (صاحب سر النبي (صلى الله عليه وآله) كما وصفه الخليفة عمر) (16) محاولة بعض الصحابة قتل النبي (صلى الله عليه وآله) في غزوة تبوك، وذلك بإلقائه من العقبة (17) في الوادي. وقد ذكر ابن حزم الأندلسي المتوفى سنة 456 ه‍ هذه الحادثة في كتابه المحلى قائلا: وأما حديث حذيفة فساقط، لأنه من طريق الوليد بن جميع، وهو هالك، ولا نراه يعلم من وضع الحديث، فإنه قد روى أخبارا فيها أن أبا بكر وعمر وعثمان وطلحة وسعد بن أبي وقاص (رضي الله عنه) أرادوا قتل النبي (صلى الله عليه وآله)، وإلقائه من العقبة في تبوك، ولو صحت لكانت بلا شك على ما بينا من أنهم صح نفاقهم، وعاذوا بالتوبة، ولم يقطع حذيفة ولا غيره على باطن أمرهم، فتورع عن الصلاة عليهم (18). والوليد بن جميع هو الوليد بن عبد الله بن جميع. جاء في كتاب ميزان الاعتدال للذهبي (19): الوليد بن جميع وثقه ابن معين، والعجلي، وقال أحمد، وأبو زرعة ليس به بأس، وقال أبو حاتم: صالح الحديث. وجاء في كتاب الجرح والتعديل للرازي (20): عن إسحاق بن منصور، عن يحيى بن معين، أنه قال: الوليد بن جميع ثقة.

وذكره ابن حجر العسقلاني في الإصابة في جملة رواته (21). وذكره ابن كثير في جملة رواته الثقات (22). وذكره مسلم في صحيحه في جملة رواته (23). ولما كان الحاكم قد اطلع على حديث حذيفة المذكور بواسطة الوليد بن عبد الله بن جميع، فقد قال: لو لم يذكره مسلم في صحيحه لكان أولى (24). وهذا يعني أن الوليد بن جميع ثقة في نظر الحاكم ولكنه منزعج منه لذكره الحديث المذكور. فالحاكم يريد منه أن يذكر بعض الأحاديث ويكتم البعض الآخر! إذن وفق رأي مسلم، والذهبي، وابن معين، والعجلي، وأبي زرعة، وأبي حاتم، والرازي وابن حجر يكون سند الحديث صحيحا، فهؤلاء يوثقون حذيفة بن اليمان، والوليد بن جميع. وقطع ابن حزم الأندلسي بعدم صلاة حذيفة على أبي بكر وعمر وعثمان إذ قال: ولم يقطع حذيفة ولا غيره على باطن أمرهم فتورع عن الصلاة عليهم (25).
وكما ذكرنا أن حذيفة صاحب سر النبي (صلى الله عليه وآله)، وكان عمر يسأل عن حذيفة إذا مات ميت، فإن حضر الصلاة عليه صلى عليه عمر، وإن لم يحضر حذيفة الصلاة عليه لم يحضر عمر (26). لتحريم الصلاة على المنافقين { ولا تصل على أحد منهم مات أبدا ولا تقم على قبره } (27). ويذكر أن الذي مات في زمن عمر وحذيفة هو أبو بكر. وقطع ابن حزم الأندلسي بعدم صلاة حذيفة عليه. ثم ذكر ابن عساكر صاحب تاريخ دمشق أيضا، أن حذيفة لم يصل على فلان (28) أي أبي بكر. وهذه عادة معروفة مع الشيخين أبي بكر وعمر.
فقد تقدم عمر نفسه إلى حذيفة بطلب الصلاة عليه، فلما رأى عدم صلاة حذيفة عليه اندهش وتقدمت عيناه، ثم سأل حذيفة: أمن القوم أنا؟ يعني المنافقين؟ (29) وقد صرح النبي (صلى الله عليه وآله) (30) وعلي (عليه السلام) وعمر (31) بمعرفة حذيفة بن اليمان بأسماء المنافقين، فقد قال علي (عليه السلام): ذاك امرؤ علم المعضلات والمفصلات، وعلم أسماء المنافقين، إن تسألوه عنها تجدوه بها عالما (32). وحذيفة لم يخبر أحدا بأسماء المنافقين، لكنه لم يصل عليهم! والمقصود بهم هنا مجموعة المهاجمين له (صلى الله عليه وآله) في العقبة. قال حذيفة: مر بي عمر بن الخطاب وأنا جالس في المسجد فقال لي: يا حذيفة إن فلانا (33) قد مات فاشهده. قال: ثم مضى، إذ كاد أن يخرج من المسجد، التفت إلي فرآني وأنا جالس فعرف، فرجع إلي فقال: يا حذيفة أنشدك الله أمن القوم أنا؟ قال: قلت: اللهم لا ولن أبرئ أحدا بعدك. قال: فرأيت عيني عمر جاءتا (34). أي عرف عمر عدم رغبة حذيفة بالصلاة على جثمان أبي بكر. وروى ابن عساكر: دخل عبد الرحمن على أم سلمة رضي الله عنها، فقالت: سمعت النبي (صلى الله عليه وآله) يقول: إن من أصحابي لمن لا يراني بعد أن أموت أبدا، فخرج عبد الرحمن من عندها مذعورا، حتى دخل على عمر، فقال له: اسمع ما تقول أمك. فقام عمر حتى دخل عليها، فسألها، ثم قال أنشدك الله أمنهم أنا؟ قالت: لا ولن أبرئ بعدك أحدا (35).
وكان ابن عوف وعمر من رجال العقبة (36). والظاهر أن عمر كان خائفا جدا من هذا الموضوع بحيث سأل عنه حذيفة وأم سلمة! ولقد وقع حذيفة وأم سلمة في حرج شديد من سؤال عمر الخطير لهما وبان هذا الحرج من قولهما: لن أبرئ بعدك أحدا. وقال نافع بن جبير بن مطعم: لم يخبر رسول الله (صلى الله عليه وآله) بأسماء المنافقين، الذين بخسوا به ليلة العقبة بتبوك غير حذيفة، وهم اثنا عشر رجلا (37). ولقد أضافوا إلى حديث ابن عساكر شيئا لم يكن موجودا في أصله، وهو: ليس فيهم قرشي، وكلهم من الأنصار أو من حلفائهم؟! ليبعدوا الشبهة عن قريش، ويضعوها على عاتق الأنصار، كما فعلوا ذلك في حوادث عديدة! ومنها السقيفة! إذ اتهموا زورا سعد بن عبادة بمحاولة اغتصاب السلطة، وادعوا قيام العباس بن أبي طالب بسقي النبي (صلى الله عليه وآله) شرابا، في حين قاموا هم باغتصاب السلطة وسقي النبي (صلى الله عليه وآله) الشراب القاتل (38).

وقال حذيفة: لو كنت على شاطئ نهر، وقد مددت يدي لأغرف، فحدثتكم بكل ما أعلم، ما وصلت يدي إلى فمي، حتى أقتل (39). أي لو أخبر حذيفة بأسماء المنافقين الأحياء منهم والأموات، لقتلوه بسرعة، لذلك لم يخبر بأسمائهم في زمن حكم أبي بكر وعمر ولكنه كان لا يصلي عليهم وهذه إشارة ذلك، وفي زمن حكم عثمان وعلي (عليه السلام) صرح بأسمائهم فقتلوه، كما توقع هو! وعن حذيفة أنه قال: خذوا عنا فإنا لكم ثقة، ثم خذوا عن الذين يأخذون عنا، فأنهم لكم ثقة، ولا تأخذوا عن الذين يلونهم. قالوا: لم؟ قال: لأنهم يأخذون حلو الحديث ويدعون مره، ولا يصلح حلوه إلا بمره (40). وقال حذيفة: لقد حدثني رسول الله (صلى الله عليه وآله) بما يكون حتى تقوم الساعة، غير أني لم أسأله ما يخرج أهل المدينة منها (41).
هل كان أبو موسى الأشعري من المنافقين؟ كانت سيرة أبي موسى الأشعري غير مرضية بالعمل والقول وقد اتهمه أعاظم الصحابة بالنفاق. فقد ذكره حذيفة في جملة منافقي ليلة العقبة: إذ جاء في الرواية: أن عمارا سئل عن أبي موسى فقال: سمعت فيه من حذيفة قولا عظيما، سمعته يقول: صاحب البرنس (42) الأسود، ثم كلح كلوحا علمت منه أنه كان ليلة العقبة بين ذلك الرهط. جاء في مسند حذيفة بن اليمان عن أبي الطفيل قال: كان بين حذيفة، وبين رجل من أهل العقبة بعض ما يكون بين الناس فقال (حذيفة): أنشدك الله كم كان أصحاب العقبة؟ فقال أبو موسى الأشعري: قد كنا نخبر أنهم أربعة عشر. فقال حذيفة: فإن كنت فيهم فقد كانوا خمسة عشر، أشهد بالله أن اثني عشر منهم حرب لله ورسوله في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد (43).
وفي كل كتب السيرة ذكروا بأن المنافقين المذكورين كانوا حربا لله ورسوله (44). ولكن أحد الناشرين امتعض من ذلك وذكر بأنهم حزب الله ورسوله!! وأخرج ابن عدي في الكامل وابن عساكر في التاريخ على ما في منتخب كنز العمال بالإسناد عن أبي نجاء حكيم قال: كنت جالسا مع عمار فجاء أبو موسى فقال: ما لي ولك؟ ألست أخاك؟ قال (عمار): فما أدري ولكن سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يلعنك ليلة الجبل (العقبة). قال: إنه استغفر لي. قال عمار: قد شهدت اللعن ولم أشهد الاستغفار (45). وذكر حذيفة بن اليمان أبا موسى الأشعري في جملة المنافقين في رواية أخرى، إذ كتب العالم الأندلسي ابن عبد البر في الاستيعاب قائلا: فقد روي فيه لحذيفة كلام، كرهت ذكره، والله يغفر له (46). وفي رواية أخرى: روى جرير بن عبد الحميد الضبي عن الأعمش عن شقيق أبي وائل قال: قال حذيفة بن اليمان: والله ما في أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) أحد أعرف بالمنافقين مني، وأنا أشهد أن أبا موسى الأشعري منافق (47). وقد سمع عبد الله بن عمر ذلك لكنه قال لأبي بردة بن أبي موسى الأشعري: إن أباك كان خيرا من أبي (48). وقال حذيفة والأشتر عن أبي موسى الأشعري: إنه من المنافقين (49).
أي من المهاجمين للنبي (صلى الله عليه وآله) ليلة العقبة! وعن شقيق كنا مع حذيفة جلوسا فدخل عبد الله (بن عباس) وأبو موسى المسجد فقال: أحدهما منافق ثم قال: إن أشبه الناس هديا وذلا وسمتا برسول الله (صلى الله عليه وآله) عبد الله (بن عباس) (50). وقال عقيل بن أبي طالب عالم الأنساب عنه: ابن المراقة (أي ابن زنا) (51). وقد مات الأشعري في سنة اثنتين وأربعين (52). فيكون من جملة المهاجمين للرسول (صلى الله عليه وآله) في العقبة أبو بكر وعمر وعثمان وطلحة وسعد بن أبي وقاص وأبو سفيان وأبو موسى الأشعري.
وأضاف إليهم صاحب كتاب منتخب التواريخ ابن عوف وابن الجراح ومعاوية وابن العاص والمغيرة وأوس بن حدثان وأبا هريرة وأبا طلحة الأنصاري (53). وكان أبو موسى الأشعري من جناح عمر في الحزب القرشي لذلك أوصى به عمر كثيرا إذ جاء عن مجاهد عن الشعبي: كتب عمر في وصيته: لا يقر لي عامل أكثر من سنة، وأقر الأشعري على البصرة أربع سنين (54). ومقابل ذلك استمر أبو موسى الأشعري في دعم عمر وأولاده، ومعاديا لأهل البيت (عليهم السلام) ففي معركة الجمل ثبط الناس عن الحرب مع علي بن أبي طالب (عليه السلام)، وفي قضية التحكيم في معركة صفين خلع علي بن أبي طالب (عليه السلام) من الخلافة ودعا لخلافة عبد الله بن عمر! وقد جاء في الحديث الصحيح: يا علي لا يحبك إلا مؤمن، ولا يبغضك إلا منافق (55). ولأنه من جناح عمر بن الخطاب لم يوله أبو بكر منصبا من المناصب، ولأجل ذلك عزلة عثمان بن عفان من ولاية البصرة وولاها عبد الله بن عامر بن كريز الأموي (56).
--------------------------------------------------------
(1) المغازي 2 / 989.
(2) سورة التوبة 65، 66.
(3) المغازي للواقدي 2 / 1009.
(4) التوبة 81، 82.
(5) التوبة 107.
(6) الزيادة من (أ) فقط.
(7) في (ح): أخبرهم خبره .
(8) نقله الحافظ ابن كثير في البداية والنهاية (5: 19)، عن المصنف، وقد روى الخبر الإمام أحمد عن أبي الطفيل، وابن سعد عن جبير بن مطعم. دلائل النبوة، البيهقي 5 / 256، 257 طبعة دار الكتب العلمية - بيروت.
(9) نظريات الخليفتين، المؤلف 2 / 266، شرح النهج، المعتزلي 3 / 390 طبع دار الكتب العلمية - مصر.
(10) وقال ابن قيم الجوزية في زاد المعاد: عبد الله بن أبي سعد بن أبي سرح، ولم يعرف له إسلام .
(11) دلائل النبوة، البيهقي 5 / 257، 258، طبعة دار الكتب العلمية - بيروت.
(12) المصدر السابق.
(13) أخرجه مسلم في: 50 - كتاب صفات المنافقين وأحكامهم، الحديث (9)، ص (4: 2143) عن أبي بكر بن أبي شيبة.
(14) أخرجه مسلم في الموضع السابق، الحديث (10) عن محمد بن بشار، ومحمد بن المثنى. (15) دلائل النبوة، البيهقي 5 / 257، 258 طبعة دار الكتب العلمية - بيروت.
(16) أسد الغابة، ابن الأثير، ترجمة حذيفة 1 / 468، طبعة دار إحياء التراث العربي - بيروت.
(17) العقبة: الجبل الطويل يعرض للطريق فيأخذ فيه وهو طويل صعب شديد، لسان العرب لابن منظور 1 / 621.
(18) المحلى، ابن حزم الأندلسي 11 / 225.
(19) ميزان الاعتدال 4 / 337 رقم 9362 طبع دار المعرفة - بيروت.
(20) الجرح والتعديل ج 9 / 8 طبع دار الكتب العلمية - بيروت.
(21) الإصابة ج 1 / 454.
(22) البداية والنهاية 4 / 362، 5 / 310، 6 / 225.
(23) صحيح مسلم 3 / 1414 حديث 98 - 1787 طبعة دار إحياء التراث العربي - بيروت. (24) المحلى لابن حزم 11 / 225.
(25) المحلى، ابن حزم الأندلسي 11 / 255.
(26) الاستيعاب، ابن عبد البر 1 / 278 بهامش الإصابة وأسد الغابة، ابن الأثير 1 / 468، السيرة الحلبية 3 / 143، 144.
(27) التوبة: 84.
(28) مختصر تاريخ دمشق، ابن عساكر 6 / 253، طبعة دار الفكر الأولى - دمشق.
(29) مختصر تاريخ دمشق 6 / 253، فلم يخبره حذيفة خوفا من القتل، ولقد أراد عمر أن يفهم هل عرفه حذيفة في ليلة العقبة أم لا؟
(30) مختصر تاريخ دمشق 6 / 253، المستدرك، الحاكم 3 / 381.
(31) المصدر السابق.
(32) مختصر تاريخ دمشق لابن عساكر، ابن منظور 6 / 252، أسد الغابة، ابن الأثير ترجمة حذيفة 1 / 468 طبعة دار إحياء التراث العربي - بيروت، تاريخ دول الإسلام، شمس الدين الذهبي ص 22.
(33) أي أبا بكر.
(34) مختصر تاريخ ابن عساكر 6 / 253، طبعة دار الفكر الأولى 1404 ه‍ - 1984 م، وكان عمر إذا مات ميت سأل عن حذيفة، فإن حضر الصلاة عليه صلى عليه عمر، وإن لم يحضر حذيفة الصلاة عليه لم يحضر عمر، الاستيعاب، ابن عبد البر الأندلسي 1 / 278 بهامش الإصابة، أسد الغابة، ابن الأثير 1 / 468، السيرة الحلبية 3 / 143.
(35) مختصر تاريخ دمشق 19 / 334.
(36) منتخب التواريخ ص 63.
(37) مختصر تاريخ ابن عساكر 6 / 253، المستدرك الحاكم 3 / 381.
(38) صحيح البخاري 7 / 17، صحيح مسلم 7 / 24، 198، معجم ما استعجم، عبد الله الأندلسي ص 142.
(39) مختصر تاريخ ابن عساكر 6 / 259.
(40) مختصر تاريخ ابن عساكر 6 / 259.
(41) مختصر تاريخ ابن عساكر 6 / 249.
(42) البرنس: قلنسوة طويلة وكان النساك يلبسونها في صدر الإسلام قال الجوهري: هو كل ثوب رأسه منه ملتزق به من دراعة أو جبة * المختار 37 ب.
(43) كنز العمال، المتقي الهندي المتوفى سنة 975 هجرية 14 / 86 طبع مؤسسة الرسالة - بيروت.
(44) تفسير ابن كثير 2 / 605 طبعة دار إحياء التراث العربي - بيروت.
(45) منتخب كنز العمال 5 / 234.
(46) الاستيعاب بهامش الإصابة، ابن عبد البر الأندلسي ص 372 طبعة دار إحياء التراث العربي - بيروت.
(47) الإيضاح، الفضل بن شاذان ص 30 مؤسسة الأعلمي - بيروت.
(48) رواه في المشكاة ص 458، وقال: رواه البخاري وأخرجه ابن الأثير في الجامع 9 / 363 عن البخاري، صحيح البخاري باب مناقب الأنصار ص 45.
(49) الاستيعاب بهامش الإصابة، ابن عبد البر ص 372، تاريخ الطبري 3 / 501، العقد الفريد، ابن عبد ربة الأندلسي 4 / 325.
(50) أعلام النبلاء، الذهبي 2 / 394، تاريخ الفسوي 2 / 771 واقتبسه ابن عساكر ص 538.
(51) شرح نهج البلاغة، المعتزلي 2 / 125.
(52) الطبقات 6 / 16، أعلام النبلاء 2 / 38.
(53) منتخب التواريخ، محمد هاشم خراساني ص 63.
(54) الإصابة، ابن حجر 2 / 360 طبعة دار إحياء التراث - بيروت، الطبقات، ابن سعد 5 / 45.
(55) صحيح مسلم، كتاب الإيمان 1 / 120.
(56) الاستيعاب بهامش الإصابة، ابن عبد البر 1 / 278 طبعة دار إحياء التراث العربي - بيروت.