دلائل حول المعاد
  • عنوان المقال: دلائل حول المعاد
  • الکاتب:
  • مصدر:
  • تاريخ النشر: 17:28:8 1-9-1403

• من بين الكتب السماويّة، يتميّز القرآن الكريم بالتحدّث حول المعاد على نحوٍ من التفصيل، فيذكره ويُذكّر به في مئات الموارد والآيات، وبأسماءٍ كثيرة، ويشرح خاتمة العالم والبشريّة في هذه الحياة الدنيا، تارةً بالإشارة العابرة، وأخرى بإسهابٍ وبسطٍ وبيان. ويؤكّد القرآن الكريم أنّ الاعتقاد بيوم الجزاء ( يوم القيامة ) مقرون بالاعتقاد بالله تبارك وتعالى، فالإيمان بالحشر والمعاد هو أحد أصول الدين، ومنكرها هو خارجٌ عن ربقة الإسلام، وما عاقبته إلاّ الخسران المبين.

وحقيقة الأمر هكذا: إذا لم تكن هنالك محاسبة وجزاء، لم يكن أيّ معنىً أو فائدة من الدعوة الدينية بما تحتوي من الأوامر والنواهي الإلهية، فالاعتقاد بيوم الجزاء يكون من العوامل المهمّة التي تدعو المرء إلى التقوى، وتجنّبِ الموبقات والأخلاق الرذيلة والمحرّمات والمعاصي والذنوب، كما أن نسيان يوم القيامة، أو عدم الاعتقاد به، سوف يكون سبباً للضلال والانحراف والفساد، قال تبارك وتعالى: « إنّ الذين يَضِلُّون عن سبيلِ اللهِ لهم عذابٌ شديدٌ بِما نَسُوا يومَ الحساب » [ سورة ص:26 ].

إنّ التدبّر في خَلق الإنسان وهذه العوالم المحيطة بنا، وكذا في الهدف من الشرائع الإلهيّة، يُوضح الغرض من اليوم الذي سيُلاقيه الإنسان، فنحن نرى أنّ للحياة غاياتٍ وأهدافاً، وكلُّ عملٍ هو مقدّمة لغايةٍ وهدف، وبما أنّ الله جلّ وعلا مُنزَّهٌ عن العبث، فلا يُتصَوَّر أن يكون خَلْقُه للإنسان قد حصل دون غاية معيّنة وغرضٍ مُحكَمٍ يتابعها.

إذن لابدّ للخَلق من هَدفٍ عظيم لا يخلو من فائدة، وهي إنّما تعود إلى الإنسان، ولا تعود إلى الله الغنيّ المُتعال، لذا نعتقد بأنّ الكون ـ بما فيه ـ متّجهٌ نحو خلقةٍ معيّنةٍ خاصّةٍ أخرى، ونحو وجودٍ أكمل ليس فيه فَناءٌ ولا زوال. كما نعتقد أنّ العدالة الإلهيّة الحاكمة على الوجود تقتضي أن تكون لهذه النشأة الحاليّة نشأةٌ أخرى، يُجرى فيها جزاء الأعمال التي صدرت من الناس، فاللهُ تبارك شأنه حكيم، ورحيم، وعادلٌ وعليم، وهو القائل عزّ من قائل في كتابه العزيز:

ـ وما خَلقْنا السَّماواتِ والأرض وما بينَهما لاعِبِين * ما خَلَقْناهما إلاّ بالحقِّ ولكنَّ أكثرَهم لا يعلمون [ الدخان:38 ـ 39 ].

ـ وما خَلَقْنا السماءَ والأرضَ وما بينَهما باطلاً، ذلك ظَنُّ الذين كفروا، فَوَيلٌ للذين كفروا مِن النار * أَم نجعلُ الذين آمنوا وعَمِلوا الصالحاتِ كالمُفسدينَ في الأرضِ أَم نجعلُ المتّقين كالفُجّار [ سورة ص:27 ـ 28 ].

ـ أَم حَسِبَ الذينَ اجتَرَحُوا السَّيّئاتِ أن نجعَلَهم كالذين آمنوا وعَمِلوا الصالحاتِ سَواءً مَحْياهُم ومَماتُهم، ساءَ ما يَحَكُمون * وخَلَقَ اللهُ السَّماواتِ والأرضَ بالحقِّ ولِتُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَت وهُم لا يُظلَمون [ الجاثية:21 ـ 22 ].

فالوجود الذي نعيشه، كلُّه قائمٌ على الحكمة والعلم والإرادة والقدرة والتدبير والعدالة والنظام، وهو يشير إلى أنّ بارئه حكيمٌ عليم، قادرٌ مدبّرٌ عظيم، لا يرضى بالظلم ولا بالباطل ولا الفساد والإفساد، فلابدّ من محكمةٍ إلهيّة كبرى في يومٍ رهيبٍ غريبٍ عجيب، تُقام فيه العدالة بعد أن تُوضَع الموازينُ القسط للحساب، فتُوفّى كلُّ نفسٍ ما عَمِلَت، ويُساق الذين كفروا إلى جهنّمَ زُمَراً، والذين اتّقَوا ربَّهم إلى الجنّة زُمَراً، ولا يَظلم ربُّنا أحداً.