أدب الدعاء في شهر رمضان
  • عنوان المقال: أدب الدعاء في شهر رمضان
  • الکاتب: الدكتور حسن عباس نصر الله
  • مصدر:
  • تاريخ النشر: 17:30:35 6-10-1403

أدب الدعاء في شهر رمضان (*)

الدكتور حسن عباس نصر الله

ألِفتِ الأدعية الرمضانية لوناً خاصاً غنياً بالابتهال مشرقاً بالإخلاص عبقاً بروحانيَّة إلهاميَّة ، ملوَّناً بصوفيَّة مؤمنة . وللدعاء حضوره الزمني فتوزَّع على أجزاء اليوم : دعاء الليل ، دعاء السَّحر، دعاء النهار. ولكل ليلة ابتهال مخصوص يختلف عن ابتهال أختها مثلما تختلف الليالي.

هذه الأدعية المتوحّدة رمضانياً، متنوعة مضموناً وثواباً طولاً وقصراً، يدخل الإنسان إلى أجوائها فيجد نفسه في روضةٍ غنّاء أزهارها ألف لون. بل يجد نفسه في بستان أشجاره مثمرة، كلّما جنى ثمرة شاقته أختها.

لقد توزّع الدعاء الرمضاني على الحقول المؤلفة لقضايا الحياة السياسيّة والاجتماعية والتعبديّة.

 

الإصلاح السياسي أو ثورة اللاعنف السياسية:

بدأها الإمام زين العابدين (عليه السلام) عندما اتخذ الدعاء منهجاً يُحارب سياسة الأمويين الجائرة، تلك السياسة التي اضطهدت الإسلام والمسلمين بديكتاتوريّة مستوردة من اليهودية ، للحفاظ على ملك غير شرعي.

 لم يتمكن الإمام زينُ العابدين (عليه السلام) من المواجهة بثورة السيف ، والدعوة إلى مجاهدة المنافقين , ومُنعَ أيضاً من الوعظ والإرشاد بطريقة مباشرة.

 لأن الأمويين كانوا يرصدون حركاته، ويحصون أقواله، وأفعاله.

ولما كان الإمامُ المعصوم (عليه السلام) مُلزماً بمناصرة الحق، ومقاومة الباطل، سلك طريق الدعاء وسيلةً لمحاربة الانحراف في الحكم وكشف مفاسدِه وردعِهِ ، مذكِّراً بقدرة الخالق على الاقتصاص من الظالمين، منبّهاً المؤمنين إلى الخلل السياسي ، محرّكاً القوى الفاعلة على التصدّي.

لقد اتخذ الإمامُ (عليه السلام) الدعاء غايةً لنشر آرائه ، وإتمام مسيرة الرسالة السماوية.

وهو أسلوب ذكيٌّ يعرِّض بالظالمين ومفاسدهم ، دون أن ينالوا منه ؛ إذ لا يقدر الجلاّدون على إخفات صوت التعبد بالدعاء.

 

المسالمة والمعاداة في الدعاء الرمضاني:

حدّد الدعاء مفهوم السلام والمسالمة، والأعداء والمعاداة : وردَ في دعاء الإمام زين العابدين (عليه السلام) ، في استقبال شهر رمضان:

 (( وأنْ نسالم مَن عادانا حاشا من عودي فيكَ ولك ، فإنّه العدو الذي لا نُواليه ، والحزبُ الذي لا نصافيه ))(1) ميّز نوعين من التعادي :

موقف التخاصم الشخصي؛ والتخاصم العقيدي.

علَّمنا الإمام أن نستقبل شهر رمضان المبارك بقلبٍ سليم محضر للتوبة ، وقبولٍ الغفران بالمحافظة عليه .

 فالمسلم يُبادر إلى الإكثار من الحسنات ، مقابل وأد السيئات ، بالتّواصل والتراحم، والعفو عن المسيء ما دامت الإساءة ترتبط بالذات الإنسانية، والأمور الماديّة.

علمنا أن نبادرَ: ـ رحماً وجيراناً ومواطنين ـ إلى التّصافي والمسالمة نزولاً عند رغبة الله ورسوله والأئمة ، وتبرُّكاً بكرامات هذا الشهر الشريف.

أما التَّخاصم العقيدي فلا يتحوَّل إلى مسالمة ما دام الأعداء يريدون تشويه عقيدتنا ، أو إزالتها من الوجود.

 فالإنسان الذي يبادرُنا العداوة لأننا نحب الله ، ونتطهر من الارجاس ، لا نركن إليه، ولا نواليه، والأحزاب التي تواجهنا بالحرب مستهدفةً إسلامنا لا نصافيها ولا نُهادنها.

رسم الإمام زين العابدين (عليه السلام) علاقاته مع الأفراد والأحزاب من خلال الدعاء جاعلاً محورها الأساسي العلاقة الإلهية.

 وربطها بالعفو والتسامح إلا عندما يصرُّ العدوّ على محاربة عقيدتنا، ويسعى للقضاء عليها.

 

التنديد بالظلم:

حذَّر الإمام المهدي (عجّل الله فَرَجه) في دعاء الافتتاح  الظالمين وكشف ضعفهم أمام قوّة الخالق، وقوة الحق، ورسم بوضوح تتابع دول الملوك، وتهاويها سريعاً (( الحمد لله الذي يؤمن الخائفين ، وينجِّي الصالحين ويرفع المستضعفين ، ويضَع المستكبرين ، ويهلك ملوكاً ويستخلف آخرين، والّحمد لله قاصم الجبَّارين ، مبير الظالمين ، مدرك الهاربين ، نكال الظالمين ))(2) .

عرض الإمام المهدي (عجّل الله فَرَجه) في هذه العبارات، لوحات تحكي تاريخ الأمم والشعوب :

فريقٌ مستضعفٌ خائفٌ ، مؤمن يقابله فريقُ الحكّام والجبابرة.

وقف الإمام (عجّل الله فَرَجه) منذ غيبته الأولى يتأمل الظلم ، ويراقبُ الملوك ، تتعالى أصواتهم في عنفوان سلطانهم ، ويظنون أن لن يقدر عليهم أحد , وفجأة يأتيهم أمرُ الله، فيدمرهم، ويتلاشى حكمهم، وتقوم دولة عتاة جدد.

هكذا تتوالى الحقب والدهور والإمام يراقبُ منتظراً، لقد علّمنا بدعائه أمرين:

 إن الله ينصر المؤمنين ويرفع المستضعفين ويهلك المستكبرين راسماً نهايتهم السيئة.

 وهل نجد ألفاظاً أقوى من الألفاظ التي استخدمها الإمام: (( قاصم، مبير ، نكال ، مدرك )) ، لتهديد الظالمين وإنكار الظلم، والبراءة منه، ومحاربته، وكشف نهاياته، حين لا يجدُ المستضعفُ معيناً.

 وكلٌ من هذه المفردات اسم فاعل يدلُّ على الفعل بصفةٍ استمراريَّة غير مقترن بزمن محدود.

 

الاستنصار والتوجيه في الدعاء:

الدعاء في مضمونه اللغوي طلب المؤازرة في أمرٍ يصعب تحقيقه، لذلك عالج الدعاء طلب الانتصارعلى الحاكم الجائر.

لنقرأ هذه العبارات : وردت في دعاء الافتتاح: (( وانصرنا على عدوّك وعدوّنا إله الحق آمين )).

 الطلبُّ هو للاستعانة والتوجيه , يستعين بالخالق على الأعداء ، ويوجّه المؤمن إلى تحقيق النصر بالسعي والإعداد.

 وجاء في الدعاء نفسه: (( اللهم إنّا نرغب إليك في دولةٍ كريمة تعزُّ بها الإسلام وأهله ، وتذلُّ بها النفاق وأهله ، وتجعلنا فيها من الدعاة إلى طاعتك والقادة إلى سبيلك )).

إن الدولة المطلوبة في الدعاء هي دولة الإسلام التي تعزُّ المسلمين ، وتذلُّ المنافقين ، إنها ثمرة العمل، وليس المقصودُ التقيَد بلفظ العبادة، بل التأمل في معانيها، والسعي لتحقيق مضمونها. وإلاَّ كيف تتشكل دولةُ الإسلام في مجتمع منافق يتآمر أفراده ، ملوكاً وأتباعاً ضد الدين ؟ يحتاجُ بناؤها إلى تخطيط وتنظيم وتضحيات.

هذا مفهوم الدعاء: (( اللهم إنّا نرغبُ إليك في دولةٍ كريمة...)) .

 وإلاَّ ما معنى أن نردد العبارة كلَّ ليلة من شهر رمضان ، والنعاسُ يغلب علينا، نرددها كالببغاء دون أن نستلهم معطياتها العمليّة.

أمَّا عبارة: (( القادةِ إلى سبيلك )) مقرونة إلى طاعةٍ الله ، فدعوة للإسهام في قيادة الأمَّة ، بنيَّة تطويرها ، وترقيتها على الصُّعد السياسية والاقتصاديَّة والاجتماعية والثقافيّة.

هذه الأعمال قرنها الدعاء بطاعة الله ، ليُخرج منها القيادة التسلطية حُبّا بالزعامة ، وطمعاً في المنصب، وإن تردَّت ثوباً دينياً.

إن أدعية شهر رمضان المبارك غنيَّةٌ بالمضامين السياسيّة، والمقاصد التوجيهيَّة، والمناحي السلوك