نفحات قدسيّة.. للإمام المهديّ عليه السّلام
  • عنوان المقال: نفحات قدسيّة.. للإمام المهديّ عليه السّلام
  • الکاتب:
  • مصدر:
  • تاريخ النشر: 3:22:33 23-8-1403

نفحات قدسيّة.. للإمام المهديّ عليه السّلام

أدعية أهل البيت عليهم السّلام أنفاس شائقة إلى الله جلّ جلاله، ونفحات مقدّسة تفوح من عطرهم الزكي، وانحناءات قلبيّة أمام عظمة الله تعالى ورحمته وجلاله القدسيّ المَهيب.
وإلى ذلك ـ أيّها الأصدقاء ـ لا تخلو أدعيتهم سلام الله عليهم أبداً من المعارف الإلهيّة، والقيم الأخلاقيّة الرفيعة، والنفثات الصاعدة ترجو المغفرة واللطف والوصال.
والإمام المهديّ المنتظر صلوات الله عليه وعلى آبائه الغُرر.. كانت له مناجاة وأدعية كثيرة، نُقل بعضها فألّف كتاباً، ودِدْنا أن نشير إلى شيءٍ ممّا فاه به فمُه العاطر.
من دعائه في زمن الغَيبة، وقد أُكِّد على قراءته لِما فيه من التعريف والتعرّف.. قال عليه السّلام يعلّمنا كيف نخاطب الله تعالى ونطلب من جوده وكرمه:
اللهمّ عَرِّفْني نفسَك؛ فإنّك إن لم تُعرِّفْني نفسَك لم أعرِفْ نبيَّك. اللهمّ عرِّفْني نبيَّك؛ فإنّك إن لم تُعرِّفْني نبيَّك لم أعرِفْ حُجّتَك. اللهمّ عرِّفْني حُجّتَك؛ فإنّك إن لم تُعرِّفْني حُجّتَك ضَلَلْتُ عن دِيني. اللهمّ لا تُمِتْني مِيتةً جاهليّة، ولا تُزِغْ قلبي بعد إذ هديتَني.
اللهمّ فكما هديتَني لولايةِ مَن فَرَضتَ علَيّ طاعتَه مِن ولايةِ وُلاةِ أمرِك بعدَ رسولِك صلواتُك عليه وآله.. حتّى والَيتُ وُلاة أمرِك: أميرَ المؤمنين، والحسنَ والحسين، وعليّاً ومحمّداً، وجعفراً وموسى وعليّاً ومحمّداً، وعليّاً والحسن، والحجّةَ القائمَ المهديّ صلواتُك عليهم أجمعين.
اللهمّ فثبِّتْني على دِينك، واستَعملْني بطاعتِك، ولَيِّنْ قلبي لوليِّ أمرِك، وعافِني ممّا امتَحنتَ به خَلْقَك، وثَبّتْني على طاعةِ وليِّ أمرِك.. الذي سَتَرتَه عن خَلْقِك...
حتّى يختمه عليه السّلام بهذه الفقرة الشريفة:
اللهم لا تَجعلْني مِن خُصَماءِ آلِ محمّدٍ عليهم السّلام، ولا تَجعلْني مِن أعداءِ آل محمّدٍ عليهم السّلام، ولا تَجعلني من أهلِ الحَنَقِ والغَيظِ على آل محمّدٍ عليهم السّلام؛ فإنّي أعوذُ بكَ مِن ذلك فأعِذْني، وأستَجيرُ بك فأَجِرْني.
اللهمّ صلِّ على محمّدٍ وآل محمّد، واجعلْني بهم فائزاً عندك في الدنيا والآخرة ومن المقرَّبين، آمينَ ربَّ العالمين(1).
ومن دعاءٍ له عليه السّلام يحمل أمانيَّ إشراقيّةً عالية، أوّله:
اللهمّ إنّي أسألك أن تُصلّيَ على محمّدٍ نبيِّ رحمتِك، وكلمةِ نورِك، وأن تملأَ قلبي نورَ اليقين، وصدري نورَ الإيمان، وفكري نورَ الثَّبات، وعزمي نورَ العلم، وقوّتي نورَ العمل، ولساني نورَ الصِّدق، ودِيني نورَ البصائرِ مِن عندك، وبصري نورَ الضياء، وسمعي نورَ وعي الحكمة، ومودّتي نورَ المُوالاةِ لمحمّدٍ وآلهِ عليهم السّلام.. حتِّى ألقاكَ وقد وَفَيتُ بعهدِك ومِيثاقِك، فلْتَسَعني رحمتُكَ يا وليُّ يا حميد.. ( إلى آخر الدعادء الشريف )(2).
ولقضاء الحوائج صدَرَ منه عليه السّلام هذا الدعاء:
اللهمّ إن أطعْتُكَ فالمَحمدةُ لك، وإن عَصَيتُك فالحُجّةُ لك، منك الرَّوحُ ومنك الفَرَج.. سبحانَ مَن أنعَمَ وشكَر، سبحانَ مَن قَدَر وغَفَر.
اللهمّ إن كنتُ قد عَصَيتُك فإنّي قد أطَعتُك في أحبِّ الأشياءِ إليك.. وهو الإيمانُ بك، لم أتّخذْ لكَ وَلَداً، ولم أَدْعُ لكَ شريكاً، مَنّاً منكَ بهِ علَيّ لا مَنّاً به عليك.. ( إلى آخره الدعاء )(3)
ومن دعاءٍ له عليه السّلام في الاهتمامات:
ـ اللهمّ ارزُقْنا توفيقَ الطاعةِ وبُعدَ المعصية، وصِدقَ النيّة وعِرفانَ الحُرمة، وأكرِمْنا بالهدى والاستقامة، وسَدِّدْ ألسنتَنا بالصَّوابِ والحكمة، واملأْ قلوبَنا بالعلمِ والمعرفة، وطهِّرْ بُطونَنا من الحرامِ والشُّبْهة، واكفُفْ أيديَنا عن الظلمِ والسرقة، واغضُضْ أبصارَنا عن الفُجور والخيانة، واسدُد أسماعَنا عن اللَّغوِ والغِيبة، وتَفضّلْ على علمائنا بالزهدِ والنصيحة، وعلى المتعلّمينَ بالجُهدِ والرغبة، وعلى المستمعين بالاتّباعِ والموعظة، وعلى مرضى المسلمينَ بالشفاءِ والراحة، وعلى مَوتاهُم بالرأفةِ والرحمة، وعلى مشايخِنا بالوَقارِ والسَّكِينة، وعلى الشبابِ بالإنابةِ والتوبة، وعلى النساءِ بالحياء والعِفّة، وعلى الأغنياء بالتواضعِ والسَّعة، وعلى الفقراءِ بالصبرِ والقناعة، وعلى الغُراةِ بالنصرِ والغَلَبة، وعلى الأُسَراءِ بالخلاصِ والراحة، وعلى الأُمراءِ بالعدلِ والشفقة، وعلى الرعيّةِ بالإنصافِ وحُسنِ السيرة. وبارِكْ للحُجّاجِ والزُّوّارِ في الزادِ والنفقة، واقضِ ما أوجَبتَ عليهم من الحجِّ والعُمرة، بفضِلكَ ورحمتِكَ يا أرحمَ الراحمين(4).
ودعاء الندبة الشريف من أشهر أدعية الإمام المهديّ عجلّ الله تعالى فرَجَه، وقد تضمّن معاني الوصاية والإمامة كسُنّةٍ إلهيّة سنّها الله تعالى بعد الأنبياء عليهم السّلام، كما تضمّن هذا الدعاء الجليل واقعة الغدير الكبرى وتنصيب عليٍّ عليه السّلام أميراً للمؤمنين وخليفةً لرسول ربّ العالمين، ومِن بعدِه الأئمّة الهداة من أبنائه الميامين صلوات الله عليهم أجمعين.. حقائقَ مُبرهَنةً بنصوصِ الوحي والسنّة، أوّله:
الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، وصلّى الله على سيّدنا محمّدٍ نبيِّه وآله وسلّمَ تسليما. اللهمّ لك الحمدُ على ما جرى به قضاؤك في أوليائك، الذين استَخلصْتهم لنفسِك ودِينك... إلى أن انتهيتَ بالأمرِ إلى حبيبِك ونجيبك: محمّدٍ صلّى الله عليه وآله، فكان كما انتَجبْتَه، سيّدَ مَن خَلَقْته، وصفوةَ مَنِ اصطَفيتَه، وأفضلَ مَن اجتَبيتَه، وأكرمَ منَ اعتَمدتَه...
فلمّا انقضَت أيّامُه أقامَ وليَّهُ عليَّ بن أبي طالب صلواتك عليهما وآلهما هادياً، إذ كانَ هو المنذِرَ ولكلِّ قومٍ هادٍ، فقالَ والملأُ أمامَه: مَن كنتُ مَولاه، فعليٌّ مولاه، اللهمَّ والِ مَن والاه، وعادِ مَن عاداه، وانصُرْ مَن نَصَره، واخذُلْ مَن خَذَله. وقال: مَن كنتُ أنا نبيَّه فعليٌّ أميرُه، وقال: أنا وعليٌّ من شجرةٍ واحدةٍ وسائرُ الناسِ من شجرٍ شتّى. وأحَلَّه مَحلَّ هارونَ من موسى فقال له: أنتَ منّي بمنزلة هارونَ من موسى إلاّ أنّه لا نبيَّ بعدي. وزوّجَه ابنتَهُ سيّدةَ نساءِ العالمين، وأحلَّ له من مسجدهِ ما حَلّ له، وسَدَّ الأبواب إلاّ بابَه، ثمّ أودَعَه عِلمَه وحكمتَه، فقال: أنا مدينةُ العلمِ وعليٌّ بابها، فمَن أرادَ المدينةَ فلْيأتِها مِن بابِها.
ثمّ قال: أنت أخي ووصيّي ووارثي، لحمُك من لحمي، ودمُك من دمي، وسِلْمُك سِلمي، وحَربُك حربي، والإيمان مُخالطٌ لحمَك ودمَك كما خالَطَ لحمي ودمي، وأنت غداً على الحوضِ خليفتي، وأنت تَقضي دَيني وتُنجِزُ عِداتي...
ولمّا قضى نَحْبَه، وقتَلَهُ أشقى الأشقياءِ من الأوّلينَ والآخِرين، لم يُمتَثلْ أمرُ رسولِ الله صلّى الله عليه وآله في الهادينَ بعدَ الهادين... فقُتل مَن قُتل، وسُبيَ مَن سُبي، وأُقصيَ مَن أُقصي، وجرى القضاءُ لهم بما يُرجى له حُسْنُ المَثوبة... أين الحسنُ أين الحسين ؟! أين أبناءُ الحسين ؟! صالحٌ بعدَ صالح، وصادقٌ بعد صادق، أين السبيلُ بعد السبيل ؟! أين الخِيَرة بعد الخيرة ؟! أين الشموسُ الطالعة ؟! أين الأقمارُ المنيرة ؟! أين الأنجمُ الزاهرة ؟! أين أعلامُ الدِّين وقواعدُ العلم ؟! أين بَقيّةُ الله التي لا تخلو من العِترةِ الهادية ؟! أين المُعَدُّ لِقَطعِ دابرِ الظَّلَمة ؟! أين المنتظَرُ لإقامةِ الأمتِ والعِوَج ؟! أين المُرتجى لإزالةِ الجَور والعُدوان ؟! أين المدَّخَرُ لتجديد الفرائض والسُّنن ؟! أين المتُخَيَّر لإعادةِ المِلّةِ والشريعة ؟! أين المؤمَّلُ لإحياء الكتابِ وحدوده ؟!...
وتستمر ندبتُه سلام الله عليه حتّى تنتهي بهذه الفقرة من الدعاء:
وهَبْ لنا رأفتَهُ ورحمتَه ودعاءه وخيرَه ما ننالُ به سَعةً من رحمتك، وفوزاً عندك، واجعَلْ صلاتَنا به مقبولة، وذُنوبَنا به مغفورة، ودعاءنا به مُستجاباً، واجعَلْ ارزاقَنا به مبسوطة، وهُمومَنا به مَكْفيّة، وحوائجنا به مَقْضيّة، وأقْبِلْ إلينا بوجهِك الكريم، وأقْبَلْ تقرُّبَنا إليك، وانظُرْ إلينا نظرةً رحيمةً نَستكملُ بها الكرامةَ عندك، ثمّ لا تَصرِفْها عنا بِجُودِك، واسقِنا من حوضِ جدِّه صلّى الله عليه وآله بكأسهِ وبيدهِ، رَيّاً رَوِيّاً هنيئاً سائغاً لا ظمأَ بعده يا أرحم الراحمين(5).
ومن أدعية الإمام المهديّ المشهورة دعاؤه عليه السّلام المعروف بـ (دعاء الافتتاح) ويُقرأ في ليالي شهر رمضان المبارك، حيث يبدأ بـ:
اللهمّ إنّي أفتتحُ الثناءَ بحمدك، وأنت مُسَدِّدٌ للصوابِ بمَنِّك، وأيقَنتُ أنّك أنت أرحمُ الراحمين في موضعِ العفوِ والرحمة، وأشدُّ المُعاقبين في موضعِ النَّكالِ والنَّقِمة، وأعظَمُ المتُجبرّين في موضعِ الكبرياء والعَظَمة.
اللهمّ أذِنْتَ لي في دعائكَ ومسألتك، فاسمَعْ يا سميعُ مِدْحتي، وأجِبْ يا رحيمُ دَعوتي، وأقِلْ يا غفورُ عَثرتي... إلى آخر الدعاء الشريف(6).
 


1 ـ كمال الدين وتمام النعمة، للصدوق 512. وجمال الأُسبوع، للسيّد ابن طاووس 52. ومصباح المتهجّد، للشيخ الطوسيّ 269.
2 ـ الاحتجاج، لأبي منصور أحمد بن عليّ الطبرسيّ 317:2.
3 ـ مهج الدعوات، للسيّد ابن طاووس 351.
4 ـ المصابح، للكفعميّ 280. والبلد الأمين، للكفعميّ 349.
5 ـ مصباح الزائر، لابن طاووس 230. تحفة الزائر، للشيخ الملجسيّ 342.
6 ـ إقبال الأعمال، لابن طاووس 58. مصباح المتهجّد، للشيخ الطوسيّ 520.