مخاض الأرض .. في انفتاحة السماء
ليست كغربته غربة.
هو ذا العالَم الأرضي عاكف على آلهته الطينية السوداء.. ووليّ الله الأعظم
في غربة غريبة عن هذا العالم المنكود.
أمعنَ إنسانُ الأرض في المتاهة، واستمرأ الظلمَ والجِحود، وبات على فراش
الغفلة والشهوة الحمراء.
لقد نسيَ الأنسانُ أنّه كائن ثمين شريف.
نسيَ أنّه مخلوق مكرَّم.. لا غاية له غير السعادة العظمى بالله.
نسيَ أنّ ربّه الرؤوف الرحيم قد جعله خليفة له في هذه الأرض: يعمرها، وينشر
فيها السلام.
انتشر في الأرض ـ بغفلة الإنسان ـ سلطانُ الظلام، ووقع ابن آدم في حبائل
الشيطان، وأطبق الهواء على تجبّر الحاكم وهوان المحكوم.
.. فأيّ غربة لوليّ الله الأعظم وبقيّته في أرضه.. أعظم من هذه الغربة ؟!
ليست كغربته غربة، وليس كقلبه قلب.
* * *
إنّ حجّة الله على الناس.. هو الواقع عليه
ظلمُ الناس؛ لأنّ أبناء الظلام لا يلتقون ونورَ الله على صراط. إنّهم
يطعنون في القلب والخاصرة مَن يحمل لهم مشاعلَ الخير، وقواريرَ العطر.
إنّ وليّ الله الأعظم سلام الله عليه.. هو في دنيا الناس: المظلوم، وهو على
ظلم الناس: الصابر المحتسب الحليم.
يقول أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السّلام: «صاحبُ هذا الأمر:
الشَّريد، الطَّريد، الفريد، الوحيد».
* * *
إنّه صلوات الله عليه.. الشاهد على الخلق.
شاهدٌ لله على خلق الله، في تجربة الحياة الدنيا التي يخوضها بنو آدم على
هذا الكوكب.
والشاهد: حاضر، مطّلع، بصير.
والشاهد: حيّ، راءٍ، خبير.
إنّه الذي يمشي على صراط الله كما يريد الله، فهو لذلك الشاهد على الناس
حين تستخفّهم رياحُ الشرق، أو تغويهم أهواء الغرب.
إنّه القادر على التشخيص، والفصل، والتمييز.
«لتكونوا شُهَداءَ على الناس».
.. فهل يعود إنسان الأرض إلى الوعي المُبصر ؟!
وهل يحتضن رسالةَ الشاهد الإلهيّ الخبير ؟!
* * *
لن ينقذ الأرضَ غير الثورة في الأرض.
وإنّها لَثورة موعودٌ بها الناس على هذا الكوكب، مِن لَدُن رسول الله صلّى
الله عليه وآله.
وإنّها لَلثورةُ العظمى في الزمان الأخير.
سوف تتلاحق حوادثها الصاعقة، كبراكين لا تعرف التوقّف.
وسوف تتبدّل خرائط القدرة السياسية، وخرائط الموازنات العسكرية على سطح
الأرض.
وسوف تُشرق الأرض المنكودة بثورة النور من آل محمّد عليهم السّلام.
* * *
«ألاَ إنّ خير الجهاد: في آخِر الزمان».
هكذا قال آل رسول الله صلوات الله عليه وعليهم، وهم يبشّرون ـ من خلال ذلك
ـ إلى جهاد مهديّهم المنتظر عليه السّلام.
إنّه جهاد الحسم، وجهاد الفصل.
ولَسوف تتمايز الخطوط، وتتكتّل المعسكرات «لِيَميزَ اللهُ الخبيثَ من
الطيّب».
ومِن ثَمّ: يَقذِفُ الله بالحقّ على الباطل، فيَدمَغُه.. فإذا هو زاهق.
وعندئذٍ: تشهد الأرضُ ما لم تشهده طيلةَ تاريخها الطويل، ويشهد إنسانُ
الأرض زلزالاً صاعقاً، هو بداية لزمانٍ من الخصوبة الفائقة والنور.
* * *
إنّ الأرض ـ وقد غصّت بظلامها ـ سوف تتقشّع
عنها سحائب الظلام.
ولَسوف ينفرج ضِيقُ المحبس الطويل.
وأزمنة القهر والإذلال.. لن تعود ثانيةً إلى هذه الأرض، التي بدأت ـ من
العُمق ـ تُشرق بنور الله القاهر الغامر الجميل.
* * *
هُوَ الذي أرسَلَ رسولَهُ بالهُدى ودِينِ الحقِّ،
لِيُظهِرَهُ علَى الدِّينِ كُلِّهِ
.
إنّ تأويل هذه الآية الشريفة: سوف يأتي مع مهديّ آل محمّد عليهم السّلام.
إنّ الدين لَيغلِب ويسود، كما لم يَغلب ولم يَسُد في أيّ زمن من الأزمان.
إنّ الأرض ـ كلّ الأرض ـ لَتتطهَّر، وتغتسل.
إنّ الأرض ـ كلّ الأرض ـ لَتتوضّأ، وتصلّي.
إنّ السلام لَيفرِشُ الأرض على يد الفاتح من آل محمّد صلوات الله عليهم
أجمعين.
و:
قاتِلوا المُشركينَ كافّةً، كما يُقاتلونكم
كافّةً
.
تأويلها أيضاً سوف يأتي.. حتّى لا يبقى على سطح هذا الكوكب لغير العدل
والقِسط مِن موضعِ قَدَم.
* * *
هو ذا حاملُ راية رسول الله صلّى الله عليه
وآله..
إنّ الراية التي نشرها رسول الله صلّى الله عليه وآله يوم بدر.. تُرفرف ـ
في معارك ثورة المهدي سلام الله عليه ـ على كلّ الأرض.
إنّها: راية النصر والظّفر المحتوم.
وهي: الخط، والطريق، والغاية.
يقول جدّه أمير المؤمنين عليّ عليه السّلام: «إنّ لنا ـ أهل البيت ـ راية:
مَن تَقَدّمها مَرَق، ومَن تأخّر عنها زَهق، ومَن تَبِعها لَحق».
إنّه.. طُوبى لمن اتّخذ الرايةَ العظمى مناراً، وشعاراً.. إلى الطريق الاحب
الوضيء، في أيّام الله الآتية المذخورة.
* * *
عذاب الأرض ـ كان وما يزال ـ ينبعث من أيّام
طواغيت الأرض. ولكنّ البركان المحمديّ المحتدم المذخور، سوف يقتل الدجّال،
وسوف يحرّر الأرض والإنسان.
وإنّ للدجّال لَفتنة في قلوب المغرورين الغافلين. بَيْد أن أصحاب البصائر
هم الذين لا يستخفّهم دَجَلُ الدجّالين الطغاة، وهم الذين يعرفون كيف
يمشون.. وإلى أين يمشون.
* * *
إنّها أيّام السلام على الأرض، وأيّام
العدل.
ولسوف يبلغ العدلُ المنتظَر في سلطانه المشرقَ والمغرب.
ولقد قال جدّه الأعظم رسول الله صلّى الله عليه وآله، واصفاً أيّام عدله في
الزمن الأخير: «أما والله، لَيدخُلَنَّ عليهم عدلُه جوفَ بيوتهم، كما يَدخل
الحَرّ والقَرّ».
* * *
وأشرَقَتِ الأرضُ بنورِ ربِّها
.
لك ـ يا أخي ـ أن تُطلق خيالك.. للتحليق في آفاق هذا النور الربّاني الذي
سوف تشرق به الأرض.
لك أن تحكي ما يبلغه إدراكك الحاضر، ممّا يخبّؤه الغدُ المنتظر السعيد.
ولكنّك لن تحلّق عندئذٍ.. إلاّ في أفق ضيّق، ولا تدرك إلاّ القليلَ
المحدود.
لأننا ألِفْنا التفكير في ضمن الأطار الفكري والسياسيّ الذي نعيش ـ كما
الفُقاعة الصغيرة ـ في داخله.
ولكنّ الذي يُحدثه الله عزّوجلّ في الزمن الأخير.. هو انطلاقة كبرى، وتحرّر
أعظَم، وإشراقة لا يقوى على إدراكها الفكر.
إنّها حركة جبّارة مباغتة تُقبِل قادمةً مُخِفّة.. كالشهاب الثاقب.
ولسوف تتصاغر عندها كلّ معادلات السياسة، وكلّ الموازنات.
ولسوف تندحر كلّ نظريات دهاقين الاستراتيجيّات، وتنهزم خرائط كلّ صانعي
القرارات.
إنّ الأرض.. لَتشرق إشراقاً ذاتياً من أعماقها العميقة، وتتغيّر على الأرض
معالم الحياة.
* * *
إنّ نور التوحيد.. في كلّ مكان.
وإنّ دين الله.. ظاهر على الدين كلّه.
وإنّ جمال العدل وجلال القسط.. لَعلى هذه الأرض بَيْد أنّ الطريق صعب شديد.
إنّه: طريق الجهاد الشاقّ، والتضحية النفيسة، والزهد الصُّلب، والاندفاع
بعشقٍ ما بعده عشق.. نحو الله.
و:
إنّ اللهَ مَعَ الذينَ اتَّقَوا، والذينَ هُم
مُحسِنون