معالم دولة الإمام المهدي عليه السلام
  • عنوان المقال: معالم دولة الإمام المهدي عليه السلام
  • الکاتب: السيد صدر الدين القبانجي
  • مصدر:
  • تاريخ النشر: 3:27:31 23-8-1403

معالم دولة الإمام المهدي عليه السلام

السيد صدر الدين القبانجي

هل هو من الفضول العلمي أن نتحدث عن معالم دولة لا أحد يدري متى تأتي، ربما قريباً، وربما بعيداً، وربما في غاية البُعد؟

ولماذا يرغب كثير من الناس وربما كل الناس أن يتعرفوا على معالم تلك الدولة؟ هل هو مجرد نزوع لاكتشاف المجهول حتى وإن لم يكن يؤثر شيئاً ما على مسارات حياتهم؟

لكن علم الاجتماع، وعلم التاريخ الانساني هو الآخر ومن منطلقات علمية يحاول أن يكتشف معالم ذلك المستقبل لماذا؟

مدلول البحث عن المستقبل التاريخي:

ليست المسألة اذن مجرد فضول علمي، ولا نزعة فطرية لاكتشاف المجهول، وإنما هي ذات مداليل ترتبط بحركتنا المعاصرة والمسارات العقائدية والسياسية التي اخترناها، إلى أين تنتهي؟ ومن هو المنتصر؟ ومن هو صاحب الرؤية الصحيحة؟ ومتى ستنتهي هذه المعاناة البشرية؟ وكيف ستنتهي؟ وما هي الوسائل؟ كل هذه الأسئلة تلقي بظلالها على طبيعة العقيدة وطبيعة المسارات والمناهج التي نختارها لحياتنا، ومن أجل ذلك فإن كل ايديولوجية تحاول أن ترسم صورة ذلك المستقبل، ومعالم تلك الدولة العالمية بما يتناسب مع تلك الايديولوجية.

الماركسيون يرون أنها مجتمع العمال العالمية، الذي تنتهي فيها مؤسسات الدولة، ويدار إدارة ذاتية.

النصارى يعتقدون أن السيد المسيح هو الذي سيقود عملية الإصلاح الكبرى.

وبطبيعة الحال ستكون الديانة النصرانية كما ستكون الكنيسة هي صاحبة النفوذ في تلك الدولة.

فيما يتحدث المسلمون: أن الإسلام هو الذي سيؤسس تلك الدولة، وسيقودها واحدٌ من ذرية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

اما الغرب العلماني فهو يعتقد ـ ومن منطلقات علمية أيضاً ـ أن العالم الحر الذي تسوده الديمقراطية وترعاه التكنلوجيا المتطورة وتنتهي عنده كل أنواع النظم الديكتاتورية، والايديولوجيات الأحادية، كما تنتهي عنده الاختناقات الاقتصادية؛ هو الصورة التي سيشهدها المستقبل البشري بدون شك.

 

أدوات المعرفة بالمستقبل:

وهناك سؤال آخر ليس أقل أهمية من السؤال الأول.

ما هي أدواتنا لمعرفة ذلك المستقبل ربما الغارق في البعد؟

هل تستطيع القوانين التي اكتشفها الإنسان للمجتمع، والتاريخ، والاقتصاد والطبيعة أن ترسم لنا صورة ذلك المستقبل بشكل دقيق؟

ما تزال معلوماتنا غير دقيقة بتلك القوانين، فهي في أحسن حالاتها قد ترسم لنا صورة خيالية لا أكثر دون أن تتمتع بقيمة علمية.

إذن ما هي الأدوات التي يعتمدها الفكر الديني في هذا الموضوع بالذات؟

الإسلام لا ينفي وجود قوانين تحكم البشر كما تحكم الطبيعة.

والإسلام لا ينفي خضوع المسيرة البشرية لقوانين تحكم المجتمعات في الماضي والحاضر والمستقبل.

لكن السؤال عمّا إذا كان الإنسان قادراً على المعرفة الدقيقة بتلك القوانين، وهو لم يزل رغم كل الدراسات والبحوث إلاّ على حافة الطريق.

أمّا الإسلام فهو حين يتحدث عن المستقبل البعيد للبشرية فإنه يعتمد على أدوات الوحي، ومن هنا فإن المعلومات التي يقدمها هي معلومات يقينية لا تقبل الخطأ أو الجدل.

فحينما تحدث القرآن عن الروم قائلاً: ((غُلِبَتِ الرُّومُ * فِي أَدْنَى الأَْرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ)) أو حينما يتحدث عن بني إسرائيل قائلاً: ((لَتُفْسِدُنَّ فِي الأَْرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيراً * فَإِذا جاءَ وَعْدُ أُولاهُما بَعَثْنا عَلَيْكُمْ عِباداً لَنا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ)).

فإنه لا يتحدث اعتماداً على قوانين علم المجتمعات البشرية، وسنن التاريخ، وإنما يتحدث اعتماداً على مصدر الوحي المحيط إحاطة كاملة بكل تحولات المجتمع البشري.

والآن ماذا يتحدث العلم الديني عن معالم دولة المهدي عليه السلام؟

لا شك أنها مسألة لا يمكن اكتشافها بأدواتنا المعرفية التحليلية أو العقلية، ولذا فإن مصدرنا الوحيد هو اعتماد التراث الديني الصادر عن أهل بيت الوحي والنبوة، وبمقدار ما يكون هذا التراث الديني دقيقاً فإن معلوماتنا ستكون دقيقة، لكننا يجب أن نؤكد أنه ليس كل ما ورد في هذا الشأن هو دقيق وصحيح من الناحية العلمية، ولذا فإن علينا أن لا نقبل إلا بما هو ثابت وصحيح من حيث السند أو من حيث المضمون، من خلال عرضه على النص القرآني أو من خلال ثبوته بشكل تواتر لا يقبل الشك.

في هذا الضوء نستطيع أن نسجّل عدة معالم لدولة الإمام المهدي عليه السلام.

 

المعلم الأول: العالمية

إن دولة الإمام المهدي عليه السلام في ضوء ما هو الثابت من النص الديني هي دولة عالمية، تسقط فيها الحواجز القومية، وتتوحد فيها الملل البشرية. متجاوزة حدود اللغات، والأعراق، والتضاريس.

هي دولة الأرض كلها كما يشير إلى ذلك القرآن الكريم بالقول: ((وَلَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَْرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصَّالِحُونَ)).

يمكن أن نقرأ بهذا الصدد النصوص الشرعية الثابتة مثل: ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قوله: (لو لم يبق من الدنيا إلا يوم لطوّل الله ذلك اليوم حتى يخرج رجل من ولدي يواطئ اسمه اسمي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعدما ملئت ظلماً وجوراً).

وكذلك ما روي عن الإمام علي عليه السلام، قوله: (يبعث الله رجلاً في آخر الزمان.. يملأ الأرض عدلاً وقسطاً ونوراً وبرهاناً، يدين له عرض البلاد وطولها لا يبقى كافر إلا آمن ولا طالح إلا صلح...)(1)

وتوجد في هذا السياق عشرات الروايات في مصادر الحديث لدى الشيعة والسنة بما يجعلها في موضع اليقين.

 

المعلم الثاني: الإسلامية

كما تؤكد النصوص اليقينية الصحيحة أن دولة الإمام المهدي عليه السلام هي دولة تقوم على أساس الإسلام، الإسلام الذي جاء به محمد بن عبد الله صلى الله عليه وآله وسلم، وليس ديناً جديداً، ولا هو الإسلام في معناه العام الذي يستوعب كل الديانات التوحيدية والذي يعني التسليم إلى الله تعالى، بل هو إسلام القرآن وحده، وفي هذا الإسلام سوف تدخل جميع البشرية، ويعم نوره كل الأرض.

ورغم أن بعض النصوص تؤكد أنه يأتي (بدين جديد) إلاّ أن مراجعة دقيقة لكل تلك النصوص توضح أن المقصود هو الإسلام نفسه، لكنه حيث كان غريباً على الناس يومئذ فأضحى كأنه دين جديد.

لنقرأ في هذا الصدد بعض الروايات وهي كثيرة بمستوى اليقين بصحتها وصدورها من الإمام المعصوم عليه السلام.

1 ـ عن محمد قال: سألت أبا جعفر والباقر عليهما السلام عن القائم إذا قام بأي سيرة يسير في الناس؟

قال: بسيرة ما سار به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى يظهر الإسلام.

قال: وما كانت سيرة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟

قال: أبطل ما كان في الجاهلية، واستقبل الناس بالعدل، وكذلك القائم عليه السلام إذا قام يبطل ما كان في من كان في أيدي الناس ويستقبل بهم العدل).(2)

2 ـ عن عبد الله بن عطا قال: سألت أبا جعفر الباقر عليه السلام:

فقلت: إذا قام القائم عليه السلام بأي سيرة يسير في الناس؟

فقال: يهدم ما قبله كما صنع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ويستأنف الإسلام جديداً).(3)

 

المعلم الثالث: الإزدهار الاقتصادي

ومن أبرز معالم دولة الإمام المهدي عليه السلام هو الازدهار الاقتصادي، حيث يزول التفاوت الطبقي الفاحش، كما يزول الفقر والحرمان، وتعمّ ظاهرة الثراء والغنى لمختلف شرائح الناس.

وربما يمكن تفسير هذه الظاهرة على أساس التقدم التقني، والاستثمار الواسع لثروات الطبيعة، لكن ما يظهر من الروايات الشريفة أن المسألة ترتبط بصلاح الناس وإيمانهم الذي يستنزل رحمة الله وعطفه على العباد كما في قوله تعالى ((وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ وَالأَْرْضِ)).(4)

لم تكن ظاهرة الازدهار الاقتصادي والرفاه العيشي في دولة الإمام المهدي عليه السلام قائمة على أساس زوال الطبقية، ومصادرة الملكية، وحكومة الطبقة العالمية كما تبشر به الماركسية.

ولم يكن قائماً على أساس الاستثمار اللامحدود لرؤوس الأموال، وفتح أبواب التنافس الاقتصادي والجشع اللا متناهي لدى الطبقة الثرية كما تبشر به الرأسمالية.

وإنما هو تنامي البُعد المعنوي لدى البشرية إلى جانب التقدم العلمي، والاستثمار الواسع للطبيعة.

لنقرأ في هذا السياق بعض النصوص كمؤشرات على الفكرة...

1 ـ عن أبي سعيد الخدري عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:(5)

(يخرج رجل من أهل بيتي ويعمل بسنتي وينزل الله له البركة من السماء وتخرج الأرض بركتها وتملأ الأرض عدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً).

وقال صلى الله عليه وآله وسلم: (يتنعّم أمتي في زمن المهدي عليه السلام نعمة لم يتنعموا قبلها قط: يرسل السماء عليهم مدراراً، ولا تدع الأرض شيئاً من نباتها إلاّ أخرجته).

2 ـ وعن الإمام علي عليه السلام: (ولو قد قام قائمنا لأنزلت السماء قطرها، ولأخرجت الأرض نباتها، ولذهبت الشحناء من قلوب العباد، واصطلحت السباع والبهائم، حتى تمشي المرأة بين العراق إلى الشام لا تضع قدميها إلا على نبات..).(6)

وعن الإمام علي عليه السلام أيضاً: (يبعث الله رجلاً في آخر الزمان.. يدين له عرض البلاد وطولها... وتخرج الأرض نبتها، وتنزل السماء بركتها، وتظهر له الكنوز...).(7)

 

المعلم الرابع: الإزدهار الثقافي

قد يبدو الحديث عن الإزدهار الثقافي في مستقبل التاريخ البشري حديثاً عن أمر واضح وحقيقة لا تحتاج إلى بيان، لكن النصوص الدينية التي بين أيدينا والتي تعود إلى أكثر من اثني عشر قرناً ماضياً حين تؤكد ذلك فإنها تتحدث عن نهوض علمي، وقفزة ثقافية هائلة لم تكن بالحسبان يومئذ.

وربما تكون تلك النصوص إشارة إلى التقدم العلمي الذي نشهده اليوم، لكنها في الحقيقة أقرب إلى مدلول آخر، هو انتشار الوعي والثقافية ليس على مستوى النُخَب الفكرية وإنما على مستوى أبناء المجتمع كلهم، فهي تشير إلى نقلة نوعية حضارية أوسع وأعمق مما نشهده الآن.

 

بهذا الصدد لنقرأ النصّين الآتيين:

1 ـ عن أبان عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام قال: (العلم سبعة وعشرون حرفاً، فجميع ما جاءت به الرسل حرفان فلم يعرف الناس حتى اليوم غير الحرفين، فإذا قام قائمنا أخرج الخمسة والعشرين حرفاً فبثها في الناس، وضمّ إليها الحرفين حتى يبثها سبعة وعشرين حرفاً).(8)

وربما تكون هذه النصوص إشارة إلى الوعي الديني أكثر ما هي إشارة إلى الإزدهار الثقافي عموماً، وهذا ما نلاحظه في النص التالي:

عن الإمام الباقر عليه السلام: (كأني بدينكم هذا لا يزال مولياً يفحص بدمه ـ بقدميه ـ ثم لا يردّه عليكم إلا رجل منّا أهل البيت ـ وتؤتون الحكمة في زمانه حتى أن المرأة لتقضي في بيتها بكتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم).(9)

 

المعلم الخامس: التقدم العلمي الهائل.

وفي أكثر من نصٍ ربما نقرأ الإشارة إلى التقدم العلمي الهائل، والتقنية المتطوّرة التي نشهد في عصرنا الحاضر بعض أشكالها.

عن الإمام الصادق عليه السلام: (إن المؤمن في زمان القائم وهو بالمشرق ليرى أخاه الذي في المغرب، وكذا الذي في المغرب يرى أخاه الذي في المشرق).(10)

وعن الإمام الباقر عليه السلام: (إذا قائم القائم بعث في أقاليم الأرض في كل اقليم رجلاً يقول: عهدك في كفك، فإذا ورد عليك ما لاتفهمه ولا تعرف القضاء فيه، فانظر إلى كفك واعمل بما فيها).(11)

وعن الإمام الباقر عليه السلام قال: (إذا قام قائمنا وضع يده على رؤوس العباد فجمع بها عقولهم، وكملت بها أحلامهم).(12)

إن هذه النصوص قد تطبّق اليوم وبشكل طبيعي على التقنية العالمية في وسائل الإتصال والمعلوماتية، فالقراءة في الكف ربما تكون قراءة في جهاز محمول بالكف يستبطن جميع الأحكام الشرعية، وكذلك رؤية المؤمن في المشرق لأخيه وهو في المغرب فهذا ما نشهده اليوم عبر أجهزة الإتصال المرئي.

لكن من الممكن أن تكون هذه الروايات ذات إشارة أخرى، فالملاحظ فيها أنها تتحدث عن المؤمنين ولا تتحدث عن عموم الناس، وهي تتحدث عن المبعوثين المعتمدين الذين يرسلهم الإمام في أطراف الأرض...

وحينئذ فربما تكون إشارة إلى قدرات متفوقة في المعرفة، والمشاهدة، والاتصال، إلاّ أنها قدرات لا يعرفها ولا ينالها إلا المؤمنون وربما تخضع لنمط من التأثيرات المعنوية الروحية التي لاتتوفر إلاّ لدى المؤمنين. والله العالم.

 

المعلم السادس: الديمومة

(الديمومة) هي صفة أخرى من صفات دولة الإمام المهدي عليه السلام.

فهناك سؤال لدى عموم الناس كما هو سؤال لدى الباحثين في قوانين علم الإجتماع وتاريخ الأمم، إن دولة الإمام المهدي عليه السلام وهي دولة العدالة المطلقة التي ستحكم البشرية في نهاية التاريخ كم هو عمرها؟ هل تحتل مقطعاً زمنياً قصيراً أم طويلاً ثم تنتهي؟

وإذا كان ستنتهي بعد عمرٍ قصير أو طويل فماذا سيكون بعدها؟ وهل ستعود دولة الظلم والاستبداد مرةً أخرى؟ وحينئذ فما قيمة هذا التحوّل البسيط قياساً إلى عمر التاريخ الإنساني المليء بالمرارة؟

ومن ناحية سنن الطبيعة، وقوانين علم الاجتماع، هل يمكن لأية حضارة من الحضارات، أو دولة من الدول أن تدوم؟

إن سنن الطبيعة ـ كما يقول ابن خلدون ـ لا تقبل ذلك، فكل دولة من الدول وكل حضارة من الحضارات تبدأ من مرحلة الطفولة ثم مرحلة المراهقة ثم مرحلة الشيخوخة ثم تنتهي وهو ما لا يستغرق أكثر من عمر جيلين لا أكثر، فهل هكذا ستكون دولة العدالة العالمية!؟

ماذا يقول الدين في هذه المسألة؟ وبالأحرى ماذا تقول النصوص الدينية في هذه المسألة؟

النصوص الدينية في هذا الموضوع جاءت متعددة ومختلفة، فبينما يؤكد بعضها أن حكم الإمام المهدي عليه السلام سوف لا يستغرق أكثر من سبع سنين، تقول روايات أخرى انه سيستمر أربعين سنة، فيما تقول روايات ثالثة انه سيستمر سبعين سنة، فيما تقول طائفة رابعة من الروايات انه سيدوم تسع عشرة سنة لا أكثر.

فيما يقول قسم خامس من الروايات أنه سيدوم ثلاثمائة وتسع سنة، إذن ما هو الموقف تجاه هذا الاختلاف في نصوص الروايات؟

إن الموقف الذي يمكن اختياره واعتماده في الجمع بين هذه النصوص هو أن تلك الطوائف من الروايات تتحدث عن عمر حكومة الإمام المهدي عليه السلام والتي هي بالتأكيد فترة محدودة سبع، أو تسع عشرة، أو أربعين، أو ثلاثمائة وتسع، وهذه الأرقام جميعاً قد تذكر في الاستعمال العربي ليس على أساس التحديد وإنما على أساس الإشارة إلى امتداد الفترة الزمنية.

لكن المؤكد من روايات أخرى هو أن عمر دولة الإمام المهدي عليه السلام هو عمر أطول من عمر الإمام نفسه، وهو عمر يمتد إلى نهاية عمر البشرية ومن خلال أئمة هدى صالحين فهو يبين واحداً بعد واحد.

تعالوا بهذا السياق نقرأ النصوص التالية:

1 ـ عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام حين يسأله الراوي عن مدة مكث الإمام المهدي عليه السلام في مسجد السهلة (قلت: جعلت فداك لا يزال القائم فيه أبداً؟ قال: نعم. قلت: فمن بعده؟ قال: من بعده مهدي بعد مهدي إلى انقضاء الخلق).(13)

2 ـ وعن الإمام الجواد عليه السلام عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في حديثه عن المهدي عليه السلام ان الله تعالى قال: (ولأنصرنه بجندي، ولأمدنه بملائكتي، حتى يعلن دعوتي، ويجمع الخلق على توحيدي، ثم لأديمنّ ملكه ولأداولن الأيام بين أوليائي إلى يوم القيامة).(14)

 

3 ـ عن أبي بصير يقول قلت للصادق عليه السلام:

(يابن رسول الله سمعت من أبيك انه قال: يكون بعد القائم اثنا عشر مهدياً. قال: إنما قال اثنا عشر مهدياً ولم يقل اثنا عشر إماماً ولكنهم قوم من شيعتنا يدعون الناس إلى موالاتنا).(15)

 

السابع: حكومة العدالة

العدالة هي عنوان الدولة التي يؤسسها الإمام المهدي عليه السلام وهذا العنوان لا يعني مجرد شعار ترفعه هذه الدولة بمقدار ما يعني مدلولاً سياسياً وايديولوجياً يرتبط بهدف النظام الحاكم ومناهجه وأولوياته.

لقد كانت الماركسية ترفع شعار المساواة، بينما يرفع الغرب اليوم شعار الحرية في إشارة إلى طبيعة النظام وأهدافه وأولوياتها في التحرك.

ما هي الأولويات في طبيعة نظام الحكم في دولة الإمام المهدي عليه السلام؟

الإسلام هو الدين والمعتقد والنظام.

لكن مجالاً آخر يبقى للسؤال عما هي أولويات هذا النظام الذي سيطبقه الإمام المهدي عليه السلام في دولته؟

لم يكن هذا السؤال غائباً عن ذاكرة النص الديني الذي تحدث عن سمات دولة الإمام المهدي عليه السلام ومعالمها.

لقد جاء التأكيد المكرّر، والمقصود، والهادف على أن العدالة هي عنوان تلك الدولة وهدفها وأولى أولوياتها.

وإذا كانت الحرية قيمة إنسانية مهمة كما هي المساواة أيضاً، فإن دولة الإمام المهدي عليه السلام حريصة على أن تكون العدالة هي التي تتحرّك من خلالها الحرية والمساواة.

المساواة وحدها ليست ذات قيمة بعيداً عن العدالة في التوزيع والاستخدام.

والحرية وحدها ليست ذات قيمة بعيداً عن العدالة في التحرك والاختيار، العدالة هي المنار الذي تتحرك بإتجاهه المساواة والحرية.

ومن هنا جاءت التأكيدات القطعية في العشرات بل المئات من النصوص على عنوان العدالة في دولة الإمام المهدي عليه السلام.

اسمحوا لنا أن نذكر نموذجاً منها وهو ما جاء مكرراً في أسانيد متعددة ومصادر موثوقة.

1 ـ عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: لو لم يبق من الدنيا إلا يوم لطوّل الله ذلك اليوم حتى يبعث رجلاً مني يواطئ اسمه اسمي يملأ الأرض عدلاً كما ملئت ظلماً).(16)

2 ـ عن أبي هريرة قال: قال رسول الله  صلى الله عليه وآله وسلم: لو لم يبق من الدنيا إلاّ يوم واحد لطوّل الله ذلك اليوم حتى يخرج رجل من أهل بيتي يملأ الأرض عدلاً وقسطاً كما ملئت ظلماً وجوراً).(17)

وربما يشير إلى هذه الظاهرة ما جاء من الروايات العديدة التي تقول: (لن تذهب الدنيا حتى يخرج رجل منا أهل البيت يحكم بحكم داود وآل داود لا يسأل الناس البيّنة) حيث كانت حكومة داود تعمل على أساس المعرفة الكاملة بالحقيقة بدلاً عن اعتماد وسائل الاثبات الظنية.(18)

 

المعلم الثامن: دولة الأمان

هذه ظاهرة أخرى يرد التركيز عليها في الروايات عن دولة الإمام المهدي عليه السلام حيث لا تكفي العدالة وحدها لتحقيق الصورة المثالية لمجتمع صاحب العصر والزمان عليه السلام.

فربما تكون عدالة لكنها مشحونة بالاضطرابات والاعتداءات، فما هو واقع الحياة في دولة الإمام المهدي عليه السلام؟

يبدو أن دولة الإمام المهدي عليه السلام لا تخلو من مشاكل، ونزاعات في داخل المجتمع، ومن هناكان هناك ـ كما جاء في الثابت من الروايات ـ موقع كبير للقضاء والمحاكم، إلاّ أن (الأمان) هو الظاهرة البارزة في تلك الدولة.

يمكن أن نقرأ لذلك نموذجاً من الروايات فيما جاء عن الإمام علي عليه السلام قوله: (ولو قد قام قائمنا لأنزلت السماء قطرها، ولأخرجت الأرض نباتها، ولذهبت الشحناء من قلوب العباد، واصطلحت السباع والبهائم، حتى تمشي المرأة بين العراق إلى الشام، لا تضع قدميها إلا على النبات، وعلى رأسها زنبيلها لا يهيجها سبع ولا تخافه)(19) حيث تعطي هذه العبارة الأخيرة دلالة واضحة على استتباب الأمن أو انقطاع مصادر الرعب والقلق، وهو ما تؤكده نصوص أخرى كثيرة يمكن الاطمئنان بصدورها وصحتها.

لعل هذه المعالم الثمانية هي أبرز سمات دولة الإمام المهدي عليه السلام التي ننتظر أيامها، ونرجو قيامها.

جعلنا الله تعالى من أنصاره والمستشهدين بين يديه.

 

الهوامش:

(1) بحار الأنوار ج52 ص 280 وغيرها.

(2) البحار ج52 ص 381 عن التهذيب للشيخ الطوسي ج2 ص51.

(3) البحار ج52 ص 352 عن كتاب (الغيبة) للشيخ النعماني.

(4)  الاعراف 96

(5) الرواية وما بعدها رواها <كشف الغمة> عن الحافظ أبو نعيم/ كما نقلها العلامة المجلسي في البحار ج51/ ص 78 و83.

(6) البحار ج52/ 316 عن كتاب الخصال للشيخ الصدوق.

(7) البحار/ ج52/ ص 280.

(8) البحار/ ج52/ ص336/ عن كتاب <الخرائج>.

(9) البحار/ ج52/ 352 عن كتاب الغيبة للنعماني.

(10) البحار/ ج52/ 391 عن كتاب <العُدد>.

(11) البحار/ ج52/ 365 عن كتاب الغيبة للنعماني.

(12) البحار/ ج52/ 328 عن كتاب إكمال الدين للصدوق.

(13) بحار الأنوار/ ج52/ ص381 ج191.

(14) البحار ج52 ص312 عن كتاب عيون أخبار الرضا عليه السلام.

(15) البحار/ ج53/ ص115/ ج21.

(16) البحار/ ج51/ ص74 عن كتاب الغيبة للشيخ الطوسي.

(17) المصدر السابق.

(18) البحار/ ج52/ 319 وغيرها.

(19) البحار/ ج52/ ص316 عن الخصال للشيخ الصدوق.