الإمام الحسن العسكري في ظلّ أبيه (عليهما السلام)
  • عنوان المقال: الإمام الحسن العسكري في ظلّ أبيه (عليهما السلام)
  • الکاتب:
  • مصدر:
  • تاريخ النشر: 18:2:18 6-10-1403

كان شخوص الإمام الهادي مع ابنه الحسن العسكري (عليه السلام) من المدينة سنة (234هـ)[1] ، ورافقه خلال مدة تواجده في سامرّاء البالغة عشرين سنة فيكون قد عاش الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) في ظل أبيه اثنين وعشرين سنة حيث استشهد أبوه الإمام الهادي (عليه السلام) سنة (254هـ) .
وقد عاش الظروف المأساوية القاسية التي كان يعيشها الإمام الهادي (عليه السلام) وشيعته والتي كانت تفرضها السلطة الغاشمة على الإمام (عليه السلام) وأتباعه من أجل إيقاف نشاط الإمام ونشاط أتباعه أو تحديده وتطويقه لئلاّ يتسع نشاط مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) وتنتشر آثارهم بين جميع أبناء الاُمة الاسلامية ذلك النشاط الذي قد يؤدي إلى المواجهة معها ; لذا فهي كانت تعمد الى الاضطهاد والسجن والنفي والمتابعة وهي وسائل السلطات الجائرة على امتداد تاريخ الانسان .

1 ـ طفولة متميّزة
روي أن شخصاً مرّ بالحسن بن علي العسكري (عليهما السلام) وهو واقف مع أترابه من الصبيان ، يبكي ، فظنّ ذلك الشخص أن هذا الصبيّ يبكي متحسّراً على ما في أيدي أترابه ، ولذا فهو لا يشاركهم في لعبهم ، فقال له : أشتري لك ما تلعب به ؟ ، فردّ عليه الحسن (عليه السلام) : «لا . ما للّعب خُلِقنا» .
وبهر الرجل فقال له : لماذا خلقنا ؟ فأجابه (عليه السلام) : «للعلم والعبادة» .
فسأله الرجل : من اين لك هذا ؟ ، فأجابه (عليه السلام) : من قوله تعالى ( أفحسبتم أنّما خلقناكم عبثاً ) .
وبهت الرجل ووقف حائراً ، وانطلق يقول له : ما نزل بك ، وأنت صغير لا ذنب لك ؟!!
فأجابه (عليه السلام) : «إليك عنّي ، إني رأيت والدتي توقد النار بالحطب الكبار ، فلا تتقد إلاّ بالصغار ، وإني أخشى أن أكون من صغار حطب جهنّم»[2] .
وروي عن محمّد بن عبد الله انه قال : وقع أبو محمد (عليه السلام) وهو صغير في بئر الماء وأبو الحسن (عليه السلام) في الصلاة ، والنسوان يصرخن ، فلمّا سلّم قال: لا بأس . فرأوه وقد ارتفع الماء الى رأس البئر وأبو محمد على رأس الماء يلعب بالماء[3].

2 ـ عصر الإمام الهادي (عليه السلام)
عاصر الإمام الهادي (عليه السلام) مدة إمامته ستّة من خلفاء بني العباس، المعتصم منذ سنة (220 ـ 232 هـ ) والمتوكل (232 ـ 247 هـ) حيث قتل على يد الأتراك ، ثم جاءت أيام المنتصر ـ وكانت مدّة خلافته ستة أشهر ويومين، ثم المستعين (248 ـ 252هـ) كما عاصر الشطر الأكبر من خلافة المعتز (252 ـ 255هـ) حيث كان استشهاد الإمام الهادي (عليه السلام) سنة (254هـ)[4] ، وفي هذا العام تولى مهام الامامة ابنه الحسن بن علي العسكري (عليهما السلام) .
وكانت الظروف التي تمر بها الدولة العباسية بعد تولي المتوكل ظروفاً صعبة جداً ، إذ إنها كانت تعد مؤشراً على ضعفها ، وتشكل بدايةً لانحلالها ، فالحروب الداخلية والخارجية من جهة ، والقتال بين أبناء الخلفاء على كرسي الحكم من جهة اُخرى كالذي حصل بين المستعين والمعتز والذي أدّى الى تولي المعتز وخلع الاول عام (252هـ)[5] . كل واحد من هذه الصراعات كان له تأثيره المباشر في ايجاد الضعف والانحلال .
وتمثّلت الأحداث الداخلية أيضاً بنشاط الخوارج والذي كان نشاطاً قوياً فعالاً مدعماً بالمال والسلاح بقيادة مادر الشاري ، وهناك أيضاً الثورات والانتفاضات العلوية الى جانب نزاعات الطامعين في السلطة .
كما ان الدولة كانت تعاني من سوء الحالة الاقتصادية نتيجة للبذخ والاسراف الذي كانت تعيشه رجالات البلاط والوزراء وحاشيتهم ، وفي أيام المتوكل قام المتوكّل بهدم قبر الإمام الحسين (عليه السلام)[6] ، ومَنَعَ القاصدين لزيارته عن زيارته; لأن المتوكل كان يتجاهر بعدائه لآل أبي طالب ومطاردتهم ، ولم يرد تجاه تلك الاحداث أي تعليق من قبل الإمام الهادي(عليه السلام)، ويمكن أن يقال: «انه لم يرد إلينا عن موقف الإمام (عليه السلام) مع الخلفاء شيء سوى ما جاء عن موقفه من المتوكل وهو أقل القليل» . [7]
وكانت للإمام الهادي (عليه السلام) منزلة سامية ومكانة رفيعة القدر لدى أهل المدينة لإحسانه إليهم وعلاقته القوية معهم ، فلمّا أشخصه المتوكل وأرسل يحيى ابن هرثمة لجلب الإمام من المدينة إلى سامراء عام (234هـ) اضطرب الناس وضجّوا كما يروي يحيى بن هرثمة نفسه حيث قال : «فذهبت الى المدينة فلمّا دخلتها ضجَّ أهلها ضجيجاً عظيماً ، ما سمع الناس بمثله خوفاً على علي ـ أي الإمام الهادي (عليه السلام) ـ وقامت الدنيا على ساق ، لأنه كان محسناً إليهم ملازماً للمسجد ، لم يكن عنده ميل الى الدنيا ، فجعلت أسكّنهم ، وأحلف لهم أني لم أؤمر فيه بمكروه ، وأنه لا بأس عليه ، ثم فتّشتُ منزله فلم أجد إلاّ مصاحف وأدعية ، وكتب علم ، فعظم في عيني»[8].
وتعكس هذه الرواية لنا حجم ما كان يؤديه الإمام الهادي (عليه السلام) من دور في المدينة والذي نتج عنه حصول روابط ووشائج قوية تصل الاُمة به كما كانت توصله بالأمة ، وربما كان المتوكل قد وقف على هذا التأثير البالغ للإمام(عليه السلام) فكان سبباً لإبعاده عن المدينة المنوّرة الى سامراء التي أسسها العباسيون أنفسهم والتي عُرفت بميول أهلها والذين كان أغلبهم من الأتراك إلى العباسيين أوّلاً ، بالاضافة الى ما عرفوا به من تطرّف في التوجه الى السيطرة والسلطة ثانياً .

3 ـ مواقف الإمام الهادي (عليه السلام) تجاه الأحداث
يتضح لنا من خلال الاجراءات التي قام بها المتوكل العباسي تجاه الإمام الهادي (عليه السلام) أنّ حركة الإمام وقيامه بمهامّه إزاء الاُمة وخاصّته ـ وهي القواعد المؤمنة بمرجعيته الفكرية والروحيّة ـ كانت حركة محدودة تخضع لمدى الرقابة والضغط الموجه إليه والى خاصته . فكان الإمام (عليه السلام) منتهجاً نفس السبيل الذي انتهجه آباؤه (عليهم السلام) ، وعلى وفق المصلحة العليا للرسالة الاسلامية وبمقدار ما تسمح به الظروف العامة والخاصة التي تحيط بالامام (عليه السلام) في عصره وهي ضرورة الحفاظ على مفاهيم الرسالة الاسلامية أوّلاً ومنع خاصّته من الوقوع في الانحراف أو ما كان يكيده لهم السلطان العباسي من منزلقات ثانياً .

ويمكن أن نصور مواقف الإمام الهادي (عليه السلام) على منحيين :
المنحى الأول : هو إثبات الحق ونقد الباطل ، على صعيد الاُمة الاسلامية ، سواء كان ذلك على مستوى جهاز الحكم أو على مستوى القواعد الشعبية العامة .
حتّى انّ يحيى بن أكثم قال للمتوكل : «ما نحبّ أن تسأل هذا الرجل ـ أي الإمام (عليه السلام) ـ شيئاً بعد مسائلي هذه وإنه لا يرد عليه شيء بعدها إلاّ دونها ، وفي ظهور علمه تقوية للرافضة»[9].
المنحى الثاني : هو المحافظة التامة على أصحابه ورعاية مصالحهم وتحذيرهم من الوقوع في أحابيل السلطة العباسيّة ومساعدتهم في إخفاء نشاطهم والحذر في التحرك بحسب الامكان . [10]
وتتضح لنا مواقف الإمام الهادي (عليه السلام) من خلال استعراض بعض الحوادث التي واجهها وما اتّخذ من اجراءات إزاءها لِنحصل على صورة واضحة المعالم حينما نأخذ كل ظروفه بنظر الاعتبار فتتضح من خلالها الحركة العامة للأئمة الأطهار والمواقف الخاصّة بكل امام .

الإمام الهادي (عليه السلام) والمتوكل العباسي
لقد سعى جماعة بالامام (عليه السلام) إلى المتوكل ، وأخبروه بأن في منزله سلاحاً وكتباً وغيرها وأنه يطلب الأمر لنفسه ، فارسل المتوكل مجموعة من الأتراك ليلاً ليهجموا على منزله على حين غفلة ، فلمّا باغتوا الإمام (عليه السلام) وجدوه وحده ، مستقبل القبلة وهو يقرأ القرآن ، وليس بينه وبين الأرض بساط فأخذ على الصورة التي وجد عليها ، وحمل إلى المتوكل في جوف الليل، فمثُل بين يدي المتوكل وهو في مجلس شرابه وفي يده كأس ، فلمّا رآه أعظمه وأكبره وأجلسه إلى جانبه ولم يكن في منزله شيء ممّا قيل عنه ولم تكن للمتوكّل حجة يتعلّل بها على الإمام (عليه السلام) . فناول المتوكل الإمام (عليه السلام) الكأس الذي في يده .
فقال الإمام (عليه السلام) : ياأمير المؤمنين ما خامر لحمي ودمي قط ، فأعفني، فأعفاه ، فقال المتوكل : أنشدني شعراً أستحسنه .
قال الإمام (عليه السلام) : إنّي لقليل الرواية للشعر .
قال المتوكل : لا بدّ أن تنشدني شيئاً . فأنشده الإمام (عليه السلام) :
باتواعلى قلل الأجبال تحرسهم واستنزلوامن بعد عز من معاقلهم ناداهمصارخ من بعد ما قبروا أينالوجوه التي كانت منعمة فأفصحالقبر عنهم حين ساءلهم قدطالما أكلوا يوماً وما شربوا وطالماعمّروا دوراً لتحصنهم وطالماكنزوا الأموال وادّخروا أضحتمنازلهم قفراً معطَّلَةً وساكِنوهاالى الأجداث قد رحلوا غلب الرجالفما أغنتهم القلل فاُودعوا حفراًيابئس ما نزلوا أين الأسرةوالتيجان والحلل من دونها تضربالأستار والكلل تلك الوجوهعليها الدود يقتتل فأصبحوابعد طول الأكل قد اُكلوا ففارقوا الدوروالأهلين وانتقلوا فخلّفوها علىالأعداء وارتحلوا وساكِنوهاالى الأجداث قد رحلوا وساكِنوهاالى الأجداث قد رحلوا فبكى المتوكل بكاء كثيراً حتى بلّت دموعه لحيته ، وبكى من حضر ثم أمر برفع الشراب ، ثم قال ياأبا الحسن ، أعليك دين ؟ قال الإمام (عليه السلام): نعم ، أربعة آلاف دينار ، فأمر بدفعها إليه ، وردّه إلى منزله مكرّماً . [11]
فمواقف الإمام (عليه السلام) كانت تنسجم مع موقع الإمامة أوّلاً وتنسجم مع الظروف السياسية والاجتماعية التي تحيط بالإمام(عليه السلام) وشيعته ثانياً .
وكان الإمام (عليه السلام) يحاول إتمام الحجة وإقامة الحق كلما سمحت الفرصة بذلك ، فقد روي أن نصرانيّاً جاء الى دار الإمام (عليه السلام) حاملاً إليه بعض الأموال ، فخرج إليه خادمه وقال له : أنت يوسف بن يعقوب ؟ فقال : نعم ، قال : فانزل واقعد في الدهليز ، فتعجّب النصراني من معرفته لاسمه واسم أبيه ، وليس في البلد من يعرفه ، ولا دخله قط . ثم خرج الخادم وقال : المئة دينار التي في كمك في الكاغد هاتها ، فناولها إيّاه ثم دخل على الإمام (عليه السلام) وطلب منه أن يرجع الى الحق وأن يدخل في الإسلام فلما قال له الإمام : يايوسف أما آن لك؟ فقال يوسف يامولاي قد بان لي من البرهان ما فيه الكفاية لمن اكتفى ، فقال له الإمام (عليه السلام) : هيهات انك لا تسلم ولكنه سيسلم ولدك فلان وهو من شيعتنا[12].
_________________________________________________________
[1] تاريخ الطبري : 7 / 519 .
[2] حياة الإمام الحسن العسكري : 22 ـ 23 عن جوهرة الكلام في مدح السادة الأعلام : 155 .
[3] الخرائج والجرائح: 1/451 ح 36 وعنه في بحار الأنوار : 50 / 274 .
[4] تاريخ الطبري : 7 أحداث سنة 234 وسنة 254 هـ .
[5] تاريخ اليعقوبي : 2 / 476 .
[6] تاريخ ابن الوردي : 1 / 216 .
[7] تاريخ الغيبة الصغرى : 117 .
[8] تذكرة الخواص : 360 عن علماء السير .
[9] المناقب : 4 / 437 .
[10] الغيبة الصغرى : 118 .
[11] مروج الذهب : 4 / 11 عن المبرّد، ولعلّ عنه ابن خلكان في وفيات الأعيان: 2/434 وعن المسعودي السبط في تذكرة الخواص: 323 .
[12] الخرائج والجرائح: 1/396 ح 3 ب 11 وعنه في كشف الغمة : 3 / 182