إليك.. يا من تجهل المناسبة
  • عنوان المقال: إليك.. يا من تجهل المناسبة
  • الکاتب: د. سامي ناصر خليفة
  • مصدر:
  • تاريخ النشر: 16:42:58 6-10-1403

مشهد مهيب لا يمكن وصفه.. يتجلى يوميا عبر مسير الملايين من البشر.. شبابا وشيبة.. نساء وأطفالا.. من شتى بقاع العالم.. باتجاه كعبة الأحرار ومرقد إمام الثوار في مناسبة يوم الأربعين من استشهاده سلام الله عليه.
مشهد يعجز الإنسان عن وصفه حين تتجلى قيمة الحب في أسمى معانيها.. وتنصهر كل المصالح المادية التي يسعى لها الإنسان لصالح إحياء المشاعر الوجدانية في ذاته لتطغى وحدها على تلك المناسبة ولترسم صورة الدولة العادلة والمدينة الفاضلة التي ننشدها جميها في أمانينا ونراها في أحلامنا تتجسد اليوم واقعا بين هؤلاء الملايين من البشر.
مشهد يرتقي إلى قمة السمو الإنساني حين يتكافل الناس في خدمة بعضهم البعض.. فيتسابقون مئات الآلاف في فتح بيوتهم.. ويتدافعون باتجاه تشييد محطات الراحة ومواكب الخدمة ليقدموا كل ما تجود به أيديهم كرما وجودا لمن لا يعرفون.. سوى أنهم من زوار الحسين عليه السلام.. ليعجز المرء حينها عن تصنيف هذا العطاء، بل ينبهر الإنسان بهذا الكم من مشاعر الحب والود والروحية العبقة التي لا يمكن أن نراها إلا في كربلاء الحسين.
مشهد يعزز مقولة العقيلة زينب عليها السلام حين وقفت قبل مئات السنين في محضر طاغية عصرها يزيد وجلاوزته القتلة، شامخة لتواجهه بمقولتها المشهورة: ((..... فكد كيدك، واسع سعيك، وناصب جهدك، فوالله لا تمحو ذكرنا، ولا تميت وحينا، ولا يرحض عنك عارها، وهل رأيك إلا فند، وأيامك إلا عدد، وجمعك إلا بدد، يوم ينادي المنادي ألا لعنة الله على الظالمين....)). فها هي مسيرة الأربعين تجسد مقولة زينب حين يخلد الطاغية يزيد في مزبلة التاريخ، بينما يعيش الحسين عليه السلام خالدا في ضمائر وقلوب وأفئدة المؤمنين.
مشهد تتجسد فيه عناوين العطاء ودروس التضحية وحِكَم المواجهة وحُسن التدبر واستلهام العبر.. بصورة لا يمكن أن يحصي قِيمها المعنوية بشر، أو يعد أرباحها الوجدانية مخلوق.. فمن أي زاوية تنظر إلى المشهد سترى مكاسبا جلية، وبأي ذوق تساهم في تلك المناسبة ستحصد أرباحا دنيوية وأخروية كبيرة.
إنها رسالة الحسين ابن علي الخالدة التي أنارت درب كل مظلوم يبحث عن رفع المظلمة.. وروت كل ضمآن محروم من قيم العدل والمساواة.. وأشبعت كل جائع يبحث عن طعام المعرفة.. فهاهي اليوم تقدم للبشرية ثوبا وجدانيا زاهيا.. ولونا رساليا راقيا عنوانه "لبيك يا حسين"..
فجاحد في حق نفسه من يتجاهل المناسبة.. وظالم لذاته من لا يسعى لاستلهام دروسها ومعانيها.. بل وخاسر خسارة كبيرة من يتعاطى معها على أنها حدث تقليدي عابر.
لبيك يا حسين.. لبيك يا حسين.. لبيك يا حسين