يتميّز الأئمّة ( عليهم السلام ) بارتباطٍ
خاصٍّ بالله تعالى وعالَم الغيب ، بسبَبِ مقامِ العصمة والإمامة ، ولَهُم -
مثل الأنبياء - معاجزٌ وكرامَاتٌ تؤيِّد ارتباطهم بالله تعالى ، وكونَهم
أئمّة .
وللإمام الباقر ( عليه السلام ) معاجزٌ وكراماتٌ كثيرةٌ ، سجَّلَتْها كتبُ
التاريخ ، ونذكر هنا بعضاً منها :
الكرامة الأولى :
عن عباد بن كثير البصري قال : قلت للباقر ( عليه السلام ) : ما حق المؤمن
على الله ؟ فصرف وجهه ، فسألته عنه ثلاثاً ، فقال : ( من حق المؤمن على
الله أن لو قال لتلك النخلة أقبلي لأقبلت ) .
قال عباد : فنظرت والله إلى النخلة التي كانت هناك قد تحرّكت مقبلة ، فأشار
إليها : ( قري فلم أعنك ) .
الكرامة الثانية :
عن أبي الصباح الكناني قال : صرت يوماً إلى باب أبي جعفر الباقر ( عليه
السلام ) ، فقرعت الباب ، فخرجت إليّ وصيفة ناهد ، فضربت بيدي إلى رأس
ثديها ، وقلت لها : قولي لمولاك إنّي بالباب ، فصاح من آخر الدار : ( أدخل
لا أم لك ) ، فدخلت وقلت : والله ما قصدت ريبة ولا أردت إلاّ زيادة في
يقيني ، فقال : ( صدقت لئن ظننتم أنّ هذه الجدران تحجب أبصارنا كما تحجب
أبصاركم ، إذن لا فرق بيننا وبينكم ، فإيّاك أن تعاود لمثلها ) .
الكرامة الثالثة :
أنّ حبابة الوالبية دخلت على الإمام الباقر ( عليه السلام ) ،
فقال لها : ( ما الذي أبطأ بك عنّي ) ، قالت بياض عرض في مفرق رأسي شغل
قلبي ، قال : ( أرينيه ) ، فوضع ( عليه السلام ) يده عليه ، ثمّ رفع يده
فإذا هو أسود ، ثمّ قال : ( هاتوا لها المرآة ) ، فنظرت وقد أسودّ ذلك
الشعر .
الكرامة الرابعة :
عن أبي بصير قال : كنت مع الإمام الباقر ( عليه السلام ) في مسجد رسول الله
( صلى الله عليه وآله ) قاعداً ، حدّثنا ما مات علي بن الحسين ( عليهما
السلام ) إذ دخل الدوانيقي ، وداود بن سليمان قبل أن أفضي الملك إلى ولد
العباس ، وما قعد إلى الباقر ( عليه السلام ) إلاّ داود ، فقال ( عليه
السلام ) : ( ما منع الدوانيقي أن يأتي ؟ ) قال : فيه جفاء .
قال الإمام الباقر ( عليه السلام ) : ( لا تذهب الأيام حتّى يلي أمر هذا
الخلق ، فيطأ أعناق الرجال ، ويملك شرقها وغربها ، ويطول عمره فيها ، حتّى
يجمع من كنوز الأموال ما لم يجمع لأحد قبله ) ، فقام داود وأخبر الدوانيقي
بذلك ، فأقبل إليه الدوانيقي وقال : ما منعني من الجلوس إليك إلاّ إجلالاً
لك ، فما الذي أخبرني به داود ؟ فقال : ( هو كائن ) .
فقال : وملكنا قبل ملككم ؟ قال : ( نعم ) ، قال : ويملك بعدي أحد من ولدي ،
قال : ( نعم ) ، قال : فمدّة بني أميّة أكثر أم مدّتنا ؟ قال : ( مدّتكم
أطول ، وليتلقفن هذا الملك صبيانكم ، ويلعبون به كما يلعبون بالكرة ، هذا
ما عهده إليّ أبي ) ، فلمّا ملك الدوانيقي تعجّب من قول الباقر ( عليه
السلام ) .
الكرامة الخامسة :
عن أبي بصير قال : قلت يوماً للباقر ( عليه السلام ) : أنتم ذرّية رسول
الله ؟ قال : ( نعم ) ، قلت : ورسول الله وارث الأنبياء كلّهم ؟ قال : (
نعم ، ورث جميع علومهم ) ، قلت : وأنتم ورثتم جميع علم رسول الله ؟ قال : (
نعم ) ، قلت : وأنتم تقدرون أن تحيوا الموتى ، وتبرءوا الأكمة والأبرص ،
وتخبروا الناس بما يأكلون وما يدّخرون في بيوتهم ؟ قال : ( نعم ، بإذن الله
) .
ثمّ قال : ( أدن منّي يا أبا بصير ) ، فدنوت منه ، فمسح يده على وجهي ،
فأبصرت السهل والجبل والسماء والأرض ، ثمّ مسح يده على وجهي ، فعدت كما كنت
لا أبصر شيئاً ، قال : ثمّ قال لي الباقر ( عليه السلام ) : ( إن أحببت أن
تكون هكذا كما أبصرت ، وحسابك على الله ، وإن أحببت أن تكون كما كنت وثوابك
الجنّة ) ، فقلت : أكون كما كنت والجنّة أحب إليّ .
الكرامة السادسة :
عن جابر الجعفي قال : كنا عند الإمام الباقر ( عليه السلام ) نحواً من
خمسين رجلاً ، إذ دخل عليه كثير النواء ، وكان من المغيرية فسلّم وجلس ،
ثمّ قال : إنّ المغيرة بن عمران عندنا بالكوفة ، يزعم أنّ معك ملكاً يعرّفك
الكافر من المؤمن ، وشيعتك من أعدائك ، قال : ( ما حرفتك ؟ ) قال : أبيع
الحنطة ، قال : ( كذبت ) .
قال : وربما أبيع الشعير ، قال : ( ليس كما قلت ، بل تبيع النوى ) ، قال :
من أخبرك بهذا ؟ قال : ( الملك الذي يعرّفني شيعتي من عدوّي ، لست تموت
إلاّ تائها ) .
قال جابر الجعفي : فلمّا انصرفنا إلى الكوفة ، ذهبت في جماعة نسأل عن كثير
، فدللنا على عجوز ، فقالت : مات تائها منذ ثلاثة أيّام .
الكرامة السابعة :
عن أبي بصير قال : كنت مع الإمام الباقر ( عليه السلام ) في المسجد ، إذ
دخل عليه عمر بن عبد العزيز ، عليه ثوبان ممصران متكئاً على مولى له ، فقال
( عليه السلام ) : ( ليلين هذا الغلام ، فيظهر العدل ، ويعيش أربع سنين ،
ثمّ يموت ، فيبكي عليه أهل الأرض ، ويلعنه أهل السماء ) ، فقلنا : يا ابن
رسول الله ، أليس ذكرت عدله وإنصافه ؟ قال : ( يجلس في مجلسنا ، ولا حق له
فيه ) ، ثمّ ملك وأظهر العدل جهده .
الكرامة الثامنة :
عن عاصم بن أبي حمزة قال : ركب الإمام الباقر ( عليه السلام ) يوماً إلى
حائط له ، وكنت أنا وسليمان بن خالد معه ، فما سرنا إلاّ قليلاً ،
فاستقبلنا رجلان ، فقال ( عليه السلام ) : ( هما سارقان خذوهما ) ،
فأخذناهما ، وقال لغلمانه : ( استوثقوا منهما ) ، وقال لسليمان : ( انطلق
إلى ذلك الجبل مع هذا الغلام إلى رأسه ، فإنّك تجد في أعلاه كهفاً فادخله ،
وصر إلى وسطه فاستخرج ما فيه ، وادفعه إلى هذا الغلام يحمله بين يديك ،
فإنّ فيه لرجل سرقة ، ولآخر سرقة ) .
فخرج واستخرج عيبتين ، وحملهما على ظهر الغلام ، فأتى بهما الباقر ( عليه
السلام ) ، فقال : ( هما لرجل حاضر ، وهناك عيبة أخرى لرجل غائب سيحضر بعد
) ، فذهب واستخرج العيبة الأخرى من موضع آخر من الكهف ، فلمّا دخل الباقر (
عليه السلام ) المدينة ، فإذا صاحب العيبتين ادعى على قوم ، وأراد الوالي
أن يعاقبهم ، فقال الباقر ( عليه السلام ) : ( لا تعاقبهم ، ورد العيبتين
إلى الرجل ) .
ثمّ قطع السارقين ، فقال أحدهما : لقد قطعتنا بحق ، والحمد لله الذي أجرى
قطعي وتوبتي على يدي ابن رسول الله ، فقال الباقر ( عليه السلام ) : ( لقد
سبقتك يدك التي قطعت إلى الجنّة بعشرين سنة ) ، فعاش الرجل عشرين سنة ، ثمّ
مات .
قال : فما لبثنا إلاّ ثلاثة أيّام حتّى حضر صاحب العيبة الأخرى ، فجاء إلى
الباقر ( عليه السلام ) ، فقال له : ( أخبرك بما في عيبتك وهي بختمك ؟ فيها
ألف دينار لك ، وألف أخرى لغيرك ، وفيها من الثياب كذا وكذا ) .
قال : فإن أخبرتني بصاحب الألف دينار من هو ؟ وما اسمه ؟ وأين هو ؟ علمت
أنّك الإمام المنصوص عليه المفترض الطاعة ، قال : ( هو محمّد بن عبد الرحمن
، وهو صالح كثير الصدقة ، كثير الصلاة ، وهو الآن على الباب ينتظرك ) ،
فقال الرجل ـ وهو بربري نصراني ـ : آمنت بالله الذي لا إله إلاّ هو ، وأنّ
محمّداً عبده ورسوله ، وأنّك الإمام المفترض الطاعة ، وأسلم .
الكرامة التاسعة :
عن محمّد بن أبي حازم قال : كنت عند أبي جعفر ( عليه السلام ) ، فمر بنا
زيد بن علي ، فقال أبو جعفر : ( أمّا والله ليخرجن بالكوفة ، وليقتلن
وليطافن برأسه ، ثمّ يؤتى به ، فينصب على قصبة في هذا الموضع ) ، وأشار إلى
الموضع الذي قتل فيه ، قال : سمع أذناي منه ، ثمّ رأت عيني بعد ذلك ،
فبلغنا خروجه وقتله ، ثمّ مكثنا ما شاء الله ، فرأينا يطاف برأسه ، فنصب في
ذلك الموضع على قصبة فتعجّبنا .
الكرامة العاشرة :
إنّ الإمام الباقر ( عليه السلام ) جعل يحدّث أصحابه بأحاديث شداد ، وقد
دخل عليه رجل يقال له النضر بن قرواش ، فاغتم أصحابه لمكان الرجل ممّا
يستمع حتّى نهض ، فقالوا : قد سمع ما سمع وهو خبيث ، قال : ( لو سألتموه
عمّا تكلّمت به اليوم ما حفظ منه شيئاً ) .
قال بعضهم : فلقيته بعد ذلك ، فقلت : الأحاديث التي سمعتها من أبي جعفر أحب
أن أعرفها ، فقال : والله ما فهمت منها قليلاً ولا كثيراً .