العلم القرآني للإمام الباقر
  • عنوان المقال: العلم القرآني للإمام الباقر
  • الکاتب:
  • مصدر:
  • تاريخ النشر: 11:24:40 2-10-1403

العلم القرآني للإمام الباقر

 قبل الخوض في تفسير الإمام (عليه السلام) للقرآن واهتمامه بهذا العلم، نحب أن نذكر عدة نقاط منها:
 

فضل قراءة القرآن
حث الإمام الباقر (عليه السلام) المؤمنين على تلاوة كتاب الله العزيز. لأنه المنبع الأصيل والدستور الدائم لهداية الناس واستقامتهم في حياتهم الفردية والاجتماعية. فالقرآن يحيي القلوب بنوره، ويمد قارئه بطاقات من الوعي ونشاط البصيرة إلى حد بعيد. وقد وردت أحاديث كثيرة في فضل قراءة القرآن. كتاب الله الذي وصفه رسول الله (صلّى الله عليه وآله) فقال: (فإن هذا القرآن حبل الله المتين فيه إقامة العدل، وينابيع العلم، وربيع القلوب)
(1).
وحبل الله المتين طرف منه بيد الله عز وجل والطرف الآخر بيد العترة الطاهرة أهل بيت الرسول (صلّى الله عليه وآله)
(2). وبذلك يصبح القرآن عصمة للمعتصمين، ونوراً للمستضيئين.
والقرآن ينابيع العلم: لأنه يبين للناس أبواب العلم وطرقه، ويفتقه من أكمته
(3) وقد شبهه بينابيع الماء المتفجرة، وعيونه المستنبطة ولأن العلم يحي الغليل بعد الشك المحير، كما يبرد الماء الغلة بعد العطش المبرِّح.
والقرآن ربيع القلوب: فالقلوب الواعية هي بمنزلة الربيع للإبل الراعية لأن القلوب تنتفع بتدبر القرآن وتأمله، كما تنتفع الإبل بتحمض الربيع وتنقله
(4). فهذا غذاء للأرواح وذلك غذاء للأجسام. لذلك كله دعا الإمام (عليه السلام) إلى تلاوة القرآن فروى (عليه السلام) ما قاله جده رسول الله (صلّى الله عليه وآله) في فضل تلاوته.
(قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): من قرأ عشر آيات في ليلة لم يكتب من الغافلين، ومن قرأ خمسين آية كتب من الذاكرين، ومن قرأ مائة آية كتب من القانتين، ومن قرأ مائتي آية، كتب من الخاشعين، ومن قرأ ثلاثماية آية كتب من الفائزين ومن قرأ خمسماية آية كتب من المجتهدين، ومن قرأ ألف آية كتب له قنطار من تبر)
(5).
كما وردت أحاديث مماثلة لهذا الحديث عن أئمة أهل البيت (عليهم السلام) وكلها تحث المسلمين على تلاوة كتاب الله وتحفزهم على الإمعان في آياته والتأمل في أسراره، ولا ريب أنها كلها تصب في تنمية العقول وتهذيب النفوس وإبعادها عن الانحراف عن الخط الإسلامي، وهدايتها إلى سواء السبيل.
 

ترتيل القرآن الكريم
إن تلاوة القرآن وترتيله بصوت حسن يتفاعل مع عواطف الإنسان وينفذ إلى أعماق القلوب، وذلك لما اشتمل عليه من الحكم الخالدة والمعارف العامة التي يحتاجها كل إنسان في حياته الفردية والاجتماعية على حد سواء.
وقد اعتنى أهل البيت بتلاوة القرآن الكريم وشجعوا على ذلك فكان الإمام الباقر من أحسن الناس صوتاً بقراءته للقرآن. روى أبو بصير قال: قلت لأبي جعفر إذا قرأت القرآن فرفعت صوتي جاءني الشيطان فقال: إنما ترائي بهذا أهلك والناس، فقال (عليه السلام): يا أبا محمد اقرأ قراءة ما بين القراءتين تسمع أهلك، ورجع بالقرآن صوتك فإن الله يحب الصوت الحسن يرجع فيه ترجيعاً)
(6).
 

المحرفون للقرآن الكريم
لقد ذم الإمام الباقر المحرفين لكتاب الله، وهم الذين يؤولون آياته حسب أهوائهم. فقد كتب (عليه السلام) في رسالته إلى سعد الخير: (وكان من نبذهم الكتاب أن أقاموا حروفه، وحرفوا حدوده، فهم يرونه ولا يرعونه والجهال يعجبهم حفظهم للرواية، والعلماء يحزنهم تركهم للرعاية)
(7).
ومن ذلك التحريف استعمالهم المجاز في غير ما هو له:
شاع المجاز في لغة العرب كالاستعارات والكنايات والمجازات وكلها تعتبر من لطائف هذه اللغة ومحاسنها. وفي القرآن الكريم طائفة كبيرة من الآيات الكريمة كان الاستعمال فيها مجازياً. منها قوله تعالى: (قال يا إبليس ما منعك أن تسجد لما خلقت بيديَّ أستكبرت أم كنت من العالين)
(8).
فالمنصرف من اليد هو العضو المخصوص ويستحيل ذلك عليه سبحانه وتعالى. فسأل محمد بن مسلم الإمام الباقر (عليه السلام) عن ذلك فأجابه: (اليد في كلام العرب تعني القوة والنعمة من ذلك قوله عز وجل: (واذكر عبادنا إبراهيم وإسحاق ويعقوب أولي الأيدي والأبصار)
(9) (والسماء بنيناها بأيد)(10) أي بقوة. وقال: (وأيدهم بروح منه) ويقال لفلان عنيد أياد كثيرة أي فواضل وإحسان وله عندي يد بيضاء أي نعمة). (واليد العليا خير من اليد السفلى) أي النعمة من العاطي إلى المعطى.
فاليد هنا كما نرى استعملت في غير معناها المنصرف فجاء مجازاً وقد تأتي حقيقة على أنها مشتركة اشتراكاً لفظياً في هذه المعاني الذي ذكرها الإمام
(11).
 

البسملة هي جزء من سور القرآن الكريم
ذهب أهل البيت ومعهم الإمام الباقر (عليه السلام) إلى أن البسملة جزء من سور القرآن الكريم، وتبعهم جمهور غفير من علماء المسلمين وقراؤهم
(12). كتب يحيى بن أبي عمران رسالة إلى الإمام الباقر (عليه السلام) يقول فيها: (جعلت فداك ما تقول في رجل ابتدأ بسم الله الرحمن الرحيم في صلاته وحده في أم الكتاب، فلما صار إلى غير أم الكتاب من السورة تركها؟ فأجابه (عليه السلام) برسالة جاء فيها: (يعيدها مرتين) (13) ثم عمت الأخبار عند الجميع بجزئيتها ومن أنكر ذلك فقد شذ وأخطأ.
 

تفسير القرآن الكريم
سلك المفسرون للقرآن الكريم عدة اتجاهات وطرقاً مختلفة منها: التفسير بالمأثور، والتفسير بالرأي.
أ ـ التفسير بالمأثور:
وعني هذه الطريقة بما أثر عن النبي (صلّى الله عليه وآله) وأئمة الهدى، وهذا ما سلكه أغلب مفسري الشيعة كتفسير: القمي والعسكري، والبرهان وغيرها. وحجتهم في ذلك أن أهل البيت (عليهم السلام) هم المختصون بعلم القرآن على حقيقته وواقعه، وليس لغيرهم في ذلك نصيب كبير أو صغير.
فالأوصياء بلا شك هم الذين عندهم علم الكتاب، ظاهره وباطنه. وقد تضافرت الأدلة بوجوب الرجوع إليهم في تفسير القرآن. يقول الشيخ الطوسي: إن تفسير القرآن لا يجوز إلا بأثر الصحيح عن النبي (صلّى الله عليه وآله) وعن الأئمة الذين قولهم حجة كقول النبي (صلّى الله عليه وآله)
(14).
ب ـ التفسير بالرأي:
وتعنى هذه الطريقة بالاعتبارات العقلية الظنية الراجعة إلى الاستحسان
(15).
وقد ذهب إلى ذلك المفسرون من المعتزلة والباطنية، فلم يعنوا بما أثر عن النبي (صلّى الله عليه وآله) ولا عن أوصياء رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وإنما استندوا إلى ما رأوه من الاستحسانات العقلية. وقد نهى عن ذلك الإمام الباقر (عليه السلام). وقد دخل عليه الفقيه المعروف قتادة فقال له الإمام (عليه السلام):
أنت فقيه أهل البصرة؟ (نعم هكذا يزعمون).
بلغني أنك تفسر القرآن. (نعم).
فأنكر الإمام عليه ذلك وقال له:
(يا قتادة إن كنت قد فسرت القرآن من تلقاء نفسك فقد هلكت وأهلكت، وإن كنت قد فسرته من الرجال فقد هلكت وأهلكت، يا قتادة: ويحك إنما يعرف القرآن من خوطب به)
(16).
فالإمام الباقر قصر معرفة الكتاب العزيز على أهل البيت (عليهم السلام) فهم المؤهلون لمعرفة المحكم من المتشابه، والناسخ من المنسوخ وليس عند غيرهم هذا العلم. وقد أثر عن الأئمة (عليهم السلام) القول: (إنه ليس شيء أبعد من عقول الرجال من تفسير القرآن الآية يكون أولها في شيء وآخرها في شيء، وهو كلام متصل ينصرف إلى وجوه)
(17).
أما الأخذ بظواهر القرآن فلا يعد من التفسير بالرأي المنهى عنه، وقد خالف في حجيتها بعض المحدثين، وتمسكوا بأدلة قد وضحت من قبل الأصوليين
(18).
ج ـ تفسير الإمام الباقر (عليه السلام):
والآن ما يهمنا هو تفسير الإمام الباقر. هذا التفسير نص عليه ابن النديم في (الفهرست) عند عرضه للكتب المؤلفة في تفسير القرآن الكريم. فقال: (كتاب الباقر محمد بن علي بن الحسين رواه عنه أبو الجارود زياد بن المنذر رئيس الجارودية) وقال السيد حسن الصدر: رواه عنه جماعة من ثقات الشيعة منهم أبو بصير يحيى بن القاسم الأسدي، وأخرجه علي بن إبراهيم القمي في تفسيره
(19).
نماذج من تفسير الإمام (عليه السلام)
روى المفسرون الكثير من تفسير آيات القرآن الكريم عن الإمام (عليه السلام) وسوف نورد بعضاً منها على سبيل الذكر:
1 ـ قال تعالى: (أولئك يجزون الغرفة بما صبروا ويلقون فيها تحية وسَلاماً)
(20). قال (عليه السلام): (الغرفة: هي الجنة وهي جزاء لهم بما صبروا على الفقر في الدنيا)(21).
2 ـ وقال تعالى: (ومن يحلل عليه غضبي فقد هوى)
(22).
سئل الإمام (عليه السلام) عن غضب الله؟ فقال (عليه السلام) (طرده وعقابه)
(23).
3ـ وقال تعالى: (وإني لغافر لمن تاب وآمن وعمل صالحاً ثم اهتدى)
(24). فسر (عليه السلام) الهداية بالولاية لأئمة أهل البيت وقال: فوالله لو أن رجلاً عبد الله عمره ما بين الركن والمقام، ولم يجيء بولايتنـــا إلا أكبه الله في الـــــنار على وجهه)(25).
4 ـ وقال تعالى: (يا أيها الرسول بلِّغ ما أنزل إليك من ربك)
(26). قال: يعني بذلك تبليغ ما أنزل إلى الرسول (صلّى الله عليه وآله) في فضل علي. وقد روى (عليه السلام) أن الله عز وجل أوحى إلى نبيه أن يستخلف علياً فكان يخاف أن يشق على جماعة من أصحابه فأنزل الله تعالى هذه الآية تشجيعاً له على القيام بما أمره الله بأدائه (27).
5 ـ وقال تعالى: (بل هو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم)
(28). سئل الإمام (عليه السلام) عن (الذين أوتوا العلم) فقال: هم أئمة أهل البيت (عليهم السلام)(29) وروى أبو بــــصير أن الإمــــام (عليه السلام) قرأ هــــذه الآية وأومأ إلى صدره (30).
6 ـ وقال تعالى: (ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله ذلك هو الفضل الكبير)
(31) سأل سالم الإمام (عليه السلام) عن هذه الآية فقال (عليه السلام):
الظالم لنفسه: الذي لا يعرف الإمام. والمقتصد العارف للإمام. والسابق بالخيرات: الإمام
(32).
وروى زياد بن المنذر عنه (عليه السلام) أنه قال: أما الظالم لنفسه فمن عمل صالحاً وآخر سيئاً، وأما المقتصد فهو المتعبد المجتهد، وأما السابق بالخيرات فعلي والحسن والحسين ومن قتل من آل محمد (صلّى الله عليه وآله) شهيداً
(33).
7ـ وقال تعالى: (فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكاً عظيماً)
(34).
سأل بريد العجلي الإمام (عليه السلام) عن هذه الآية؟ فقال (عليه السلام): جعل في آل إبراهيم الرسل والأنبياء والأئمة فكيف يقرونه في آل إبراهيم وينكرونه في آل محمد (صلّى الله عليه وآله)؟ قال بريد: وما المراد (وآتيناهم ملكاً عظيماً) قال (عليه السلام): (الملك العظيم أن جعل فيهم أئمة من أطاعهم أطاع الله ومن عصاهم عصى الله فهو الملك العظيم)
(35).
وقال تعالى: (ونفخت فيه من روحي)
(36).
سئل (عليه السلام) عن الروح فقال: هي القدرة
(37).
8 ـ وقال تعالى: (لولا أن رأى برهان ربه)
(38).
قال (عليه السلام): لجابر الجعفي ما يقول فقهاء العراق في هذه الآية؟ قال الإمام (عليه السلام): حدثني أبي عن جدي علي بن أبي طالب أن البرهان الذي رآه أنها حين همت به هم بها أي طمع فيها، فقامت إلى صنم مكلل بالدر والياقوت في ناحية البيت فسترته بثوب أبيض خشية أن يراها أو استحياءً منه، فقال لها يوسف: ما هذا؟ فقالت: إلهي أستحي منه أن يراني على هذه الصورة، فقال يوسف: تستحي من صنم لا ينفع ولا يضر، ولا يبصر، أفلا أستحي أنا من إلهي الذي هو قائم على كل نفس بما كسبت. ثم قال: والله لا تنالي مني أبداً، فهو البرهان
(39).
9 ـ وقال تعالى: (وأن لو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماءً غدقاً)
(40).
قال (عليه السلام): يعني لو استقاموا على ولاية علي بن أبي طالب أمير المؤمنين والأوصياء من ولده، وقبلوا طاعتهم في أمرهم ونهيهم لأسقيناهم ماءً غدقاً يعني أشربنا قلوبهم الإيمان. والطريقة: هي الإيمان بولاية علي والأوصياء
(41).
10 ـ وقال تعالى: (هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون إنما يتذكر أولوا الألباب)
(42).
قال (عليه السلام): (نحن الذين يعلمون وعدونا الذين لا يعلمون وشيعتنا أولوا الألباب)
(43). وقال تعالى: (فكبكبوا فيها هم والغاوون)(44). والمراد من الآية أن الغاوين والقوى الكافرة يجمعون ويطرحون في النار. قال الإمام (عليه السلام): إنها نزلت في قوم وصفوا عدلاً بألسنتهم ثم خالفوه إلى غيره (45).
____________________________
1- المجازات النبوية للشريف الرضي ص222.
2- راجع خطبة الرسول (صلّى الله عليه وآله) يوم الغدير (إني تارك فيكم الثقلين القرآن وعترتي).
3- الأكمة غطاء النور الذي يخرجه النبات.
4- الحمض: ما ملح ومر من النبات وهو كفاكهة للإبل.
5- البيان في تفسير القرآن ص25.
6- نفسه ص210 وراجع أصول الكافي للكليني.
7- الوافي ص274 آخر كتاب الصلاة.
8- سورة ص، الآية 75.
9- سورة ص، الآية 45.
10- سورة الذاريات، الآية 77.
11- سورة المجادلة، الآية 22.
12- تفسير الألوسي ج1 ص39 وكذلك الشوكاني ج1 ص7.
13- فروع الكافي ج3 ص312 ومعنى قوله (عليه السلام) مرتين: يعني أنه كرر لفظ الإعادة من باب التوكيد.
14- التبيان ج1 ص4.
15- فرائد الأصول للأنصاري.
16- البيان في تفسير القرآن ص267.
17- فرائد الأصول ص28.
18- يراجع في ذلك فرائد الأصول للشيخ الأنصاري والبيان في تفسير القرآن.
19- راجع تأسيس الشيعة لعلوم الإسلام ص327 الفهرس للشيخ الطوسي ص98.
20- سورة الفرقان، الآية 75.
21- البداية والنهاية ج9 ص301.
22- سورة طه، الآية 81.
23- الفصول المهمة ص227.
24- سورة طه، الآية 82.
25- مجمع البيان ج4 ص223.
26- مجمع البيان ج4 ص223 وقد روى المفسرون أن هذه الآية نزلت على النبي في غدير خم عندما أعلن أن الولاية لعلي بعده.
27- سورة المائدة، الآية 67.
28- سورة العنكبوت، الآية 49.
29- مجمع البيان ج7 ص288.
30- أصول الكافي ج1 ص212.
31- سورة فاطر، الآية 32.
32- أصول الكافي ج1 ص214.
33- مجمع البيان ج7 ص309.
34- سورة النساء، الآية 54.
35- أصول الكافي ج1 ص206.
36- سورة الحجر، الآية 29.
37- تفسير البرهان ص558.
38- سورة يوسف، الآية 24.
39- البداية والنهاية ج9 ص310.
40- سورة الجن، الآية 16.
41- أصول الكافي ج1 ص220.
42- سورة الزمر، الآية 9.
43- أصول الكافي ج1 ص212.
44- سورة الشعراء، الآية 94، وكبكبوا: ألقوا على وجوههم مراراً.
45- أصول الكافي ج1 ص47.