من غرر حكم الإمام زين العابدين(عليه السلام) ومواعظه
  • عنوان المقال: من غرر حكم الإمام زين العابدين(عليه السلام) ومواعظه
  • الکاتب:
  • مصدر: اعلام الهداية
  • تاريخ النشر: 1:50:8 7-10-1403

قد عرفت أنّ الإمام زين العابدين(عليه السلام) لم يترك مدينة جدّه الرسول(صلى الله عليه وآله) بل بقي مرابطاً فيها مشغولاً بتربية الاُمّة تربية فكرية وأخلاقية، وكان كلّ جمعة يعظهم ويحذّرهم من الدنيا وحبائلها ومكائدها التي جعلت كثيراً من أهل عصره في أسرها، وممّا قاله في التحذير من الدنيا والتزهيد فيها[1]:
1 ـ « كفانا الله وإيّاكم كيد الظالمين وبغي الحاسدين وبطش الجبّارين، أيّها المؤمنون لا يفتننّكم الطواغيت وأتباعهم من أهل الرغبة في الدنيا المائلون إليها، المفتونون بها، المقبلون عليها وعلى حطامها[2] الهامد[3] وهشيمها البائد غداً، واحذروا ما حذّركم الله منها، وازهدوا فيما زهّدكم الله فيه منها، ولا تركنوا إلى ما في هذه الدنيا ركون من أعدّها داراً وقراراً[4]، وبالله إنّ لكم ممّا فيها عليها دليلاً من زينتها وتصريف أيامها[5] وتغيير انقلابها ومثلاتها وتلاعبها بأهلها، إنّها لترفع الخميل وتضع الشريف، وتورد النار أقواماً غداً، ففي هذا معتبر ومختبر وزاجر لمنتبه».
2 ـ الوصيّة بالتقوى والإنابة الى الله تعالى والتحذير من معونة الظلمة :
«فاتقوا الله واستقبلوا من إصلاح أنفسكم وطاعة الله وطاعة من تولّونه فيها، لعلّ نادماً قد ندم على ما قد فرّط بالأمس في جنب الله، وضيّع من حقّ الله، واستغفروا الله وتوبوا إليه، فإنّه يقبل التوبة، ويعفو عن السيئات، ويعلم ما تفعلون، وإيّاكم وصحبة العاصين ومعونة الظالمين ومجاورة الفاسقين، احذروا فتنتهم، وتباعدوا من ساحتهم».
3 ـ موالاة أولياء الله عزّوجلّ :
«وأعلموا أنـّه من خالف أولياء الله ودان بغير دين الله واستبدّ بأمره دون أمر وليّ الله في نار تلتهب، تأكل أبداناً قد غابت عنها أرواحها، وغلبت عليها شقوتها، فهم موتى لا يجدون حرّ النار، فاعتبروا يا اُولي الأبصار، واحمدوا الله على ما هداكم، واعلموا أنـّكم لا تخرجون من قدرة الله إلى غير قدرته، وسيرى الله عملكم ثم تحشرون، فانتفعوا بالعظة، وتأدّبوا بآداب الصالحين».
4 ـ «إنّ علامة الزاهدين في الدنيا الراغبين في الآخرة تركهم كلّ خليط[6] وخليل، ورفضهم كلّ صاحب لا يريد ما يريدون. ألا وإنّ العامل لثواب الآخرة هو الزاهد في عاجل زهرة الدنيا، الآخذ للموت اُهبته، الحاثّ على العمل قبل فناء الأجل ونزول ما لا بدّ من لقائه، وتقديم الحذر قبل الحين، فإنّ الله عزّوجلّ يقول:( حتى إذا جاء أحدهم الموت قال ربّ ارجعونِ لعلّي أعمل صالحاً فيما تركت )[7]، فلينزل أحدكم اليوم نفسه في هذه الدنيا كمنزلة المكرور إلى الدنيا، النادم على ما فرّط فيها من العمل الصالح ليوم فاقته».
5 ـ «واعلموا عباد الله أنّه من خاف البيات تجافى عن الوساد، وامتنع من الرقاد، وأمسك عن بعض الطعام والشراب من خوف سلطان أهل الدنيا، فكيف؟ ويحك يابن آدم من خوف بيات سلطان ربّ العزّة، وأخذه الأليم، وبياته لأهل المعاصي والذنوب مع طوارق المنايا بالليل والنهار، فذلك البيات الذي ليس منه مَنجى، ولا دونه ملتجأ ولا منه مهرب، فخافوا الله أيّها المؤمنون من البيات خوف أهل التقوى، فإنّ الله يقول:(ذلك لمن خاف مقامي وخاف وعيدِ )[8]، فاحذروا زهرة الحياة الدنيا وغرورها وشرورها، وتذكّروا ضرر عاقبة الميل إليها، فإنّ زينتها فتنة وحبّها خطيئة.
6 ـ «فاتّقوا الله عباد الله وتفكّروا، واعملوا لما خلقتم له فإنّ الله لم يخلقكم عبثاً ولم يترككم سدىً، قد عرّفكم نفسه، وبعث إليكم رسوله، وأنزل عليكم كتابه، فيه حلاله وحرامه وحججه وأمثاله، فاتّقوا الله فقد احتجّ عليكم ربّكم فقال:(أَلَمْ نجعل له عينين ولساناً وشفتين وهديناه النجدين )[9]، فهذه حجّة عليكم، فاتّقوا الله ما استطعتم، فإنّه لا قوة إلاّ بالله ولا تكلان إلاّ عليه، وصلّى الله على محمد نبيّه وآله».
7 ـ «إنّ الدنيا قد ارتحلت مدبرة، وإنّ الآخرة قد ترحّلت مقبلة، ولكلّ واحد منهما بنون، فكونوا من أبناء الآخرة ولا تكونوا من أبناء الدنيا، فكونوا من الزاهدين في الدنيا الراغبين في الآخرة، لأنّ الزاهدين في الدنيا اتّخذوا الأرض بساطاً، والتراب فراشاً، والمدر وِساداً، والماء طيباً، وقرضوا المعاشَ من الدنيا تقريضاً، اعلموا أنّه من اشتاق إلى الجنّة سارع الى الحسنات وسلا عن الشهوات، ومن أشفق من النار; رجع عن المحرمات، ومن زهد في الدنيا هانت عليه مصائبها ولم يكرهها، وإنّ لله عزّوجلّ لعباداً قلوبهم معلّقة بالآخرة وثوابها وهم كمن رأى أهل الجنّة في الجنّة مخلّدين منعّمين، وكمن رأى أهل النار في النار معذّبين، شرورهم مأمونة، وقلوبهم محزونة، أنفسهم عفيفة، وحوائجهم خفيفة، صبروا أيّاماً قليلة فصاروا بعقبى راحة طويلة، أمّا الليل فصافّون أقدامهم، تجري دموعهم على خدودهم، وهم يجأرون إلى ربّهم[10]، يسعون في فكاك رقابهم، وأمّا النهار فحلماء علماء بررة أتقياء، كأنهم القِداح[11] قد براهم الخوف من العبادة، ينظر إليهم الناظر فيقول: مرضى، وما بالقوم من مرض أم خولطوا فقد خالط القوم أمر عظيم مِن ذِكر النارِ وما فيها».
ومن غـرر كلماتـه (عليه السلام)[12]: «الخير كلّه صيانة الإنسان نفسه».
«الرضى بمكروه القضاء أرفع درجات اليقين».
«من كرمت عليه نفسه هانت عليه الدنيا».
«من قنع بما قسم الله له فهو من أغنى الناس».
«لا يقلّ عمل مع تقوىً، وكيف يقلّ ما يتقبّل»؟
«قيل له: من أعظم الناس خطراً[13]؟ فقال(عليه السلام): «من لم يرَ الدنيا خطراً لنفسه».
وقال بحضرته رجل: اللّهمّ أغنني عن خلقك، فقال(عليه السلام): «ليس هكذا، إنّما الناس بالناس، ولكن قل: اللّهمّ أغنني عن شرار خلقك».
«اتّقوا الكذب، الصغير منه، والكبير، في كلّ جدّ وهزل، فإنّ الرجل إذا كذب في الصغير اجترأ على الكبير».
«كفى بنصر الله لك أن ترى عدوّك يعمل بمعاصي الله فيك».
وقال له رجل: ما الزهد ؟ فقال(عليه السلام): «الزهد عشرة أجزاء، فأعلى درجات الزهد أدنى درجات الورع، وأعلى درجات الورع أدنى درجات اليقين، وأعلى درجات اليقين أدنى درجات الرضا، وإنّ الزهد في آية من كتاب الله: (لكي لا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم )»[14].
«طلب الحوائج إلى الناس مذلّة للحياة ومذهبة للحياء واستخفاف بالوقار وهو الفقر الحاضر، وقلّة طلب الحوائج من الناس هو الغنى الحاضر».
«إنّ أحبّكم إلى الله أحسنكم عملاً، وإنّ أعظمكم عند الله عملاً أعظمكم فيما عند الله رغبة، وإنّ أنجاكم من عذاب الله أشدّكم خشية لله، وإنّ أقربكم من الله أوسعكم خلقاً، وإنّ أرضاكم عند الله أسْبَغكم[15] على عياله، وإنّ أكرمكم على الله أتقاكم».
«يابني، اُنظر خمسة فلا تصاحبهم ولا تحادثهم ولا ترافقهم في طريق، إيّاك ومصاحبة الكذّاب، فإنّه بمنزلة السراب يقرّب لك البعيد ويبعّد لك القريب، وإيّاك ومصاحبة الفاسق، فإنّه بايعك بأكلة أو أقلّ من ذلك، وإيّاك ومصاحبة البخيل، فإنّه يخذلك في ماله أحوج ما تكون إليه، وإيّاك ومصاحبة الأحمق، فإنّه يريد أن ينفعك فيضرّك، وإيّاك ومصاحبة القاطع لرحمه، فإنّي وجدته ملعوناً في كتاب الله».
«إنّ المعرفة وكمال دين المسلم تركه الكلام فيما لا يعنيه، وقلة مرائه، وحلمه، وصبره، وحسن خلقه».
«ابن آدم ، إنّك لا تزال بخير ما كان لك واعظ من نفسك، وما كانت المحاسبة من همّك، وما كان الخوف لك شعاراً، والحذر لك دثاراً[16]، ابن آدم إنّك ميّت ومبعوث وموقوف بين يدي الله جلّ وعزّ، فأعدّ له جواباً».
«لا حسب لقرشيّ ولا لعربيّ إلاّ بتواضع، ولا كرم إلاّ بتقوىً، ولا عمل إلاّ بنيّة، ولا عبادة إلاّ بالتفقه، ألا وإنّ أبغض الناس إلى الله من يقتدي بسنّة إمام ولا يقتدي بأعماله».
«المؤمن من دعائه على ثلاث: إمّا أن يدّخر له، وإمّا أن يعجّل له، وإمّا أن يدفع عنه بلاء يريد أن يصيبه».
«إنّ المنافق ينهى ولا ينتهي، ويأمر ولا يأتي، إذا قام إلى الصلاة اعترض، وإذا ركع ربض، وإذا سجد نقر، يمسي وهمّه العشاء ولم يصم، ويصبح وهمّه النوم ولم يسهر، والمؤمن خلط عمله بحلمه، يجلس ليعلم، وينصت ليسلم، لا يحدّث بالأمانة للأصدقاء، ولا يكتم الشهادة للبعداء، ولا يعمل شيئاً من الحقّ رياءاً ولا يتركه حياءاً، إن زُكّي خاف ممّا يقولون، ويستغفر الله لما لا يعلمون، ولا يضرّه جهل من جهله».
«كم من مفتون بحسن القول فيه، وكم من مغرور بحسن الستر عليه»؟
«ربّ مغرور مفتون يصبح لاهياً ضاحكاً، يأكل ويشرب وهو لا يدري لعلّه قد سبقت له من الله سخطة يصلى بها نار جهنم».
«إنّ من أخلاق المؤمن الإنفاق على قدر الإقتار، والتوسّع على قدر التوسّع، وإنصاف الناس من نفسه، وابتداؤه إيّاهم بالسلام».
«ثلاث منجيات للمؤمن: كفّ لسانه عن الناس واغتيابهم، وإشغاله نفسه بما ينفعه لآخرته ودنياه، وطول بكائه على خطيئته».
«نظر المؤمن في وجه أخيه المؤمن للمودّة والمحبة له عبادة».
«ثلاث من كنّ فيه من المؤمنين كان في كنف الله[17]، وأظلّه الله يوم القيامة في ظلّ عرشه، وآمنه من فزع اليوم الأكبر: من أعطى الناس من نفسه ما هو سائلهم لنفسه، ورجل لم يُقَدِّم يداً ولا رجلاً حتى يعلم أنّه في طاعة الله قدّمها أو في معصيته، ورجل لم يعب أخاه بعيب حتى يترك ذلك العيب من نفسه، وكفى بالمرء شغلاً بعيبه لنفسه عن عيوب الناس».
«ما من شيء أحبّ إلى الله بعد معرفته من عفّة بطن وفرج، وما ]من[ شيء أحبّ الى الله من أن يسأل».
«افعل الخير إلى كلّ من طلبه منك، فإن كان أهله فقد أصبت موضعه، وإن لم يكن بأهل كنت أنت أهله، وإن شتمك رجل عن يمينك ثم تحوّل إلى يسارك واعتذر إليك فاقبل عذره».
«مجالس الصالحين داعية إلى الصلاح، وآداب العلماء زيادة في العقل، وطاعة ولاة الأمر تمام العزّ، واستنماء المال تمام المروّة، وإرشاد المستشير قضاء لحقّ النعمة، وكفّ الأذى من كمال العقل وفيه راحة للبدن عاجلاً أو آجلاً».
وكان عليّ بن الحسين(عليهما السلام) إذا قرأ الآية:(وإن تعدّوا نعمت الله لا تحصوها)[18] يقول: «سبحان مَن لم يجعل في أحد من معرفة نعمه إلاّ المعرفة بالتقصير عن معرفتها، كما لم يجعل في أحد من معرفة إدراكه أكثر من العلم بأنّه لا يدركه، فشكر عزّوجلّ معرفة العارفين بالتقصير عن معرفته، وجعل معرفتهم بالتقصير شكراً، كما جعل علم العالمين أنّهم لا يدركونه إيماناً، علماً منه أنّه قدّر وسع العباد فلا يجاوزون ذلك».
«سبحان من جعل الاعتراف بالنعمة له حمداً، سبحان من جعل الاعتراف بالعجز عن الشكر شكراً».
__________________________________
[1] تحف العقول لابن شعبة الحرّاني : 182 ـ 184 / ط . مؤسسة الأعلمي ـ بيروت.
[2] الحُطام: القشر، والمعنى: أنّ ما فيها من مال كثير أو قليل يغنى ولا يبقى.
[3] الهامد: اليابس .
[4] القرار: ما قُرّ فيه أي فعل فيه السكن أو السكون.
[5] تصريف أيامها: تحوّلها من وجه إلى وجه .
[6] خليط : مُخالط، مُجالس .
[7] المؤمنون (23) : 99 و 100 .
[8] ابراهيم (14) : 14 .
[9] البلد (90) : 8 ـ 10 .
[10] يجأرون إلى ربّهم: يتضرّعون اليه تعالى .
[11] القِداح: مفردها قِدْح وهو السهم قبل أن يُنصل ويُراش .
[12] كل ما جاء تحت هذا العنوان نقلناه عن تحف العقول 200 ـ 205 .
[13] خطراً: قدراً وشرفاً .
[14] الحديد (57): 23 .
[15] أسبغكم: أوسعكم .
[16] الدثار : ما يتغطّى به النائم .
[17] في كنف الله: في حرزه ورحمته.
[18] ابراهيم (14) : 34 .