العلوم الفقهية
إن روايات الأئمة الطاهرين (عليهم السلام) التي أثرت عنهم في عالم التشريع والأحكام الفقهية لا تتناول آراءهم الخاصة وإنما هي امتداد لأقوال الرسول (صلّى الله عليه وآله) ولذلك ألحقت بالسنة الشريفة. قال الإمام الباقر (عليه السلام) في ذلك في حديث مع جابر بن يزيد الجعفي. قال (عليه السلام): (والله يا جابر لو كنا نحدث الناس برأينا لكنا من الهالكين، ولكنا نحدثهم بآثار عندنا من رسول الله (صلّى الله عليه وآله) يتوارثها كابر عن كابر نكنزها كما يكنز هؤلاء ذهبهم وفضتهم…)(1).الحديث الشريف
اهتم الإمام (عليه السلام) اهتماماً بالغاً في الأحاديث الواردة عن جده رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وعن آبائه الأئمة الطيبين (عليهم السلام) وهي تعد المصدر الثاني للتشريع الإسلامي بعد القرآن الكريم. فالكتاب تولى العناوين والعموميات والحديث اختص بشرح العموميات وتقييد المطلقات، وبيان ناسخه من منسوخه، ومجمله من مبنيه، كما يعرض لأحكام الفقه من العبادات والمعاملات، وإعطاء القواعد الكلية التي يتمسك بها الفقهاء في استنباطهم الحكم الشرعي.إلى جانب هذا كله فإن فيه فصولاً مشرقة لآداب السلوك، وقواعد الاجتماع، وتنظيم الأسرة وصيانتها من التلوث بالآثام، إلى غير ذلك مما يحتاج إليه الناس في حياتهم الفردية والاجتماعية. ولذلك وجدنا الإمام (عليه السلام) يهتم بالحديث ويتبناه، ويؤكد على فهمه والوقوف على معطياته. وقد جعل المقياس في فضل الراوي فهمه للحديث ومعرفة مضامينه. روي عن الإمام الصادق عن أبيه قال:
(أعرف منازل الشيعة على قدر رواياتهم ومعرفتهم، فإن المعرفة هي الدراية للرواية، وبالدراية للرواية يعلو المؤمن إلى أقصى درجات الإيمان.. إني نظرت في كتاب لعلي فوجدت في الكتاب أن قيمة كل امرئ وقدره، معرفته الله تعالى يحاسب الناس على قدر ما أتاهم من العقول في دار الدنيا..)(2).
فوعي الراوي للحديث ووقوفه على معناه مما يستدل به على سمو منزلته العلمية. وأحاديث الإمام الباقر عن جديه رسول الله (صلّى الله عليه وآله) والإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) على قسمين: الأولى مرسلة، والثانية مسندة.
فالمرسلة: ينسب فيها الإمام الحديث رأساً إلى النبي (صلّى الله عليه وآله) أو الإمام (عليه السلام) دون أن يذكر رجال السند. قال (عليه السلام):
(إذا حرفت بالحديث فلم أسنده فسندي فيه أبي زين العابدين عن أبيه الحسين الشهيد، عن أبيه علي بن أبي طالب عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) عن جبرائيل عن الله عز وجل..)(3).
والمسندة: هي التي يذكر فيها سنده عن آبائه الطاهرين عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله). وسواء أكانت روايته مرسلة أم مسندة فهي حجة بلا خلاف.
أ ـ أحاديث الفقه:
1 ـ روى الإمام الباقر (عليه السلام) عن آبائه عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) أنه قال: (فضل العلم أحب إلى الله من فضل العبادة، وأفضل دينكم الورع) (4) لقد فضل العلم على العبادة لأن العبادة لا ينتفع بها إلا صاحبها بينما العلم ينتفع به صاحبه والناس. كما حث على الورع عن محارم الله، فالورع يكون في أعلى مراتب التقى لأنه يكون قد تجنب السقوط في المآثم التي تؤدي إلى الانحراف عن الطريق القويم، ويصبح في وقاية تامة.
2 ـ روى (عليه السلام) عن آبائه عن رسول الله أنه قال (صلّى الله عليه وآله):
(ما جمع شيء إلى شيء أفضل من حلم إلى علم)(5).
إن الاتصاف بالعلم أمر مهم لكن أقرانه بالحلم أمر أهم. لأن الحلم صفة حضارية عظيمة تفيد عن نضوج الإنسان الفكري وارتقائه في فهم الحياة الإنسانية الراقية. وسعادة الإنسان تكتمل في هذه الدنيا إذا أحسن استعمال علمه فسخره لسعادته وسعادة الآخرين. أما إذا اكتفى بالعلم دون الحلم فيصبح كالجاهل أو كالغني البخيل الذي يكنز المال فلا يستفيد هو ولا يفيد غيره. أما جمع العلم إلى الحلم فإنهما يرفعنا من مستوى الإنسان ويميزانه عن غيره من الناس.
3 ـ وقال (عليه السلام): قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله):
(الإيمان معرفة بالقلب، وإقرار باللسان، وعمل بالأركان)(6).
القلب هو مستودع الأسرار ولب الإنسان إن صلح صلح المرء وإن فسد فسد المرء والإيمان ليس لفظة يتفوه بها اللسان وإنما هو أمر مستقر في أعماق القلب، ودخائل النفس، يدفع بالإنسان إلى العمل عن يقين وإخلاص. وما اللسان إلا ترجمان عن القلب يتكلم بوحيه ويعمل بأمره. والترجمة الحقيقية عن القلب المؤمن واللسان النظيف، العمل بالأركان، فالعمل الصالح إفراز عن القلب الصالح.
ب ـ الأحاديث الاجتماعية:
1ـ قال (عليه السلام) قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): (رأس العقل بعد الإيمان بالله عز وجل التحبب إلى الناس)(7).
حديث حكيم ورائع وجليل يجمع صفات عدة تصب كلها في نتيجة واحدة هي التحبب إلى الناس. ولا يحصل هذا إلا عن طريق السلوك الحسن والأخلاق الرفيعة والذوق الجليل في التعاطي مع الآخرين. فالتحبب إلى الناس يتم بقضاء حوائجهم أو جلب الخير لهم، ودفع الظلم عنهم ومعاملتهم باللطف والإحسان. كل ذلك يوجب شيوع المحبة بين الناس ويربط الهيئة الاجتماعية بروابط الوئام والسلام.
2 ـ وقال (عليه السلام) قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): (ألا إن شرار أمتي الذين يكرمون مخافة شرهم، ألا وإن من أكرمه الناس اتقاء شره فليس مني) (8) ما رأوه بالأمس وما نراه اليوم إن شرار هذه الأمة هم الوجهاء والزعماء الذين يكرمون ويعظمون لا لفضيلة فيهم أو إحسان أسدوه إلى غيرهم، وإنما كان التكريم لاتقاء شرورهم ومخافة ظلمهم.
إن مثل هؤلاء الإسلام منهم براء وهم ليسوا منه في شيء لأن الإسلام جاء بالرحمة فالله عز وجل رحمان رحيم وأمرنا أن نرحم بعضنا والإسلام جاء بالعمل الصالح والإحسان إلى الناس جميعاً من كل عرق ولون. والإسلام أمر بالصدق في المعاملة الحسنة لا خوفاً من عقاب ولا طمعاً بمكافأة بل اندفاعاً من الذات لمن يستحقون.
3 ـ وقال (عليه السلام) قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله):
(صنفان من أمتي إذا صلــحا صلحت أمتـــي، وإذا فسدا فـــسدت أمتي، قيل يا رسول الله ومن هما؟ قال: الفقهاء والأمراء..)(9).
إن صلاح أي مجتمع وفي أي عصر يتوقف على صلاح هذين العنصرين فإذا صلحا فقد سعدت الأمة وازدهرت مرافقها وحققت كل ما تصبوا إليه من أهداف إنسانية سامية، أما إذا فسدا أو شذا عن سنن الحق وانحرفا عن طريق العدل والصواب أصيبت الأمة بتدهور سريع في جميع مجالاتها الاقتصادية والاجتماعية والأدبية والحضارية.
سئل أحد الفقهاء: كيف تقوم صلاح أمة من الأمم فقال:
تكون الأمة في أشقى حالاتها وأسوأ أحوالها عندما تجد فقهاءها على أبواب أمرائها وعلماءها على أبواب ملوكها.
فالعلماء الله عز وجل كرمهم وفضلهم ومنحهم منزلة اجتماعية عالية لا يضاهيها منزلة أخرى فقد وضعهم سبحانه بعد الأنبياء مباشرة وجعلهم ورثة لهم.
4 ـ وقال (عليه السلام) قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): (من واسى الفقير، وأنصف الناس من نفسه فذلك المؤمن حقاً)(10).
إن مؤاساة الفقراء واجب شرعي وعامل اجتماعي من خلاله تولد المحبة بين أفراد المجتمع وتتوثق الروابط الاجتماعية فيما بينهم. ومساعدة الفقراء قد تكون مادية وقد تكون معنوية وهي دليل واضح على قوة الإيمان وتكامله وحسن الأخلاق ونبلها. فالمؤمن هو أخ المؤمن يشاركه في السراء والضراء وقد أوصى الله عز وجل المؤمنين بمناصرة بعضهم (إنما المؤمنون أخوة فأصلحوا بين أخويكم)(11).
ومن جانب آخر فإن إنصاف الناس آية على سمو الإنسان وتجرده من الأنانية وسائر الأمراض النفسية، وهو بلا ريب واقع الإيمان وجوهر الإسلام.
5 ـ قال (عليه السلام) قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): (إنكم لن تسعوا الناس بأموالكم فسعوهم بأخلاقكم)(12).
حكمة رائعة يرشح منها نور المحبة وصفاء الألفة، فتوحد بين مشاعر أفراد المجتمع الواحد وتزكي عواطفهم. وسلطان المال لا يمكنه وحده من تحقيق ذلك، لكن الأخلاق الحسنة هي أقوى مؤثر في بناء المجتمع الراقي وإقامته على أسس إنسانية سليمة.
6 ـ قال (عليه السلام): قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): (مجالسة أهل الدين شرف الدنيا والآخرة)(13).
يقول علماء الاجتماع أن الحياة الاجتماعية تأثر وتأثير فكل إنسان يتأثر بمن يعاشر ويؤثر فيمن حوله من رفاق وأصحاب وأهل. ومن الطبيعي أن مزاملة الأخبار من رجال الدين تؤثر فيمن يتصل بهم تأثيراً مباشراً فتصونهم من الرذائل والخبائث من الصفات وتحبب لهم الخير، وبذلك ينالون شرف الدين والآخرة.
الأحاديث التي رواها (عليه السلام) عن جده أميرالمؤمنين (عليه السلام)
روى الإمام الباقر (عليه السلام) طائفة من الحديث تعد حكماً خالدة عن جده أمير المؤمنين (عليه السلام) صاحب النهج وإمام البلاغة ومنهل الأدب، وعميد الفقه في التشريع الإسلامي. وهذه بعضها:
أ ـ الأحاديث الفقهية:
1 ـ قال (عليه السلام): قال أمير المؤمنين (عليه السلام): (قوام الدين بأربعة: بعالم ناطق مستعمل له، وبغني لا يبخل بفضله على أهل دين الله، وبفقير لا يبيع آخرته بدنياه، وبجاهل لا يتكبر عن طلب العلم، فإذا كتم العالم علمه وبخل الغني بماله، وباع الفقير آخرته بدنياه، واستكبر الجاهل عن طلب العلم، رجعت الدنيا إلى ورائها القهقرى. فلا تغرنكم كثرة المساجد وأجساد قوم مختلفة،
قيل:يا أمير المؤمنين كيف العيش في ذلك الزمان!
قال (عليه السلام): (خالطوهم بالظاهر وخالفوهم في الباطن، للمرء ما اكتسب، وهو مع من أحب وانتظروا مع ذلك الفرج من الله عز وجل)(14).
هؤلاء الأصناف هم أركان الحياة فإذا قاموا بمسؤولياتهم وأدوا ما عليهم من واجب شرعي صلحت الدنيا وازدهرت الحياة وأخصبت ثمارها، وأما إذا انحرفوا عن ذلك فإن الحياة العامة يخبو بريقها وتضيق طرق العيش فيها ويصعب معاشرة أفرادها وتصاب بتدهور وانحطاط في جميع مرافقها المثلى وقيمها العليا.
2 ـ قال (عليه السلام): قال أمير المؤمنين (عليه السلام) يقول: (إن لأهل التقوى علامات يعرفون بها، صدق الحديث، وأداء الأمانة، والوفاء بالعهد، وقلة الفخر والبخل، وصلة الأرحام، ورحمة الضعفاء، وقلة المؤاتاة للنساء، وبذل المعروف، وحسن الخلق، وسعة الحلم، واتباع العلم، فيما يقرب إلى الله عز وجل، طوبى لهم وحسن مآب)(15).
قال علماء اللغة إن التقوى هي الوقاية من الانزلاق في المآثم والتحصن من الوقوع في الأخطاء التي نهى عنها الدين القويم. وأهل التقوى قد وصفهم أمير المؤمنين بكلمة جامعة مانعة، موجزة شاملة كاملة. وكلها صفات إنسانية لا غنى لأي مسلم مؤمن عنها.
فالصدق صفة واجبة على كل إنسان وقد أمرنا الله بها في كتابه المبين. قال تعالى: (وقل رب أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق)(16) وقال تعالى أيضاً: (فمن أظلم ممن كذب على الله وكذب بالصدق إذ جاءه، والذي جاء بالصدق وصدق به أولئك هم المتقون)(17).
وأداء الأمانة ألزم بها الله عز وجل المؤمنين وقد وصف ذاته القدسية بالوفاء فقال تعالى: (إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة، يقاتلون في سبيل الله فيَقتُلون ويُقتَلون، وعداً عليه حقاً في التوراة والإنجيل والقرآن ومن أوفى بعهده من الله، فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم)(18).
فلا أحد أوفى بعهده ولا أصدق في إنجاز وعده، من الله جل جلاله.
وقلة الفخر ويعني التواضع:
والتواضع من الأخلاق الإسلامية النبيلة والفاضلة، وهو نعمة سماوية وهالة قدسية تحصن صاحبها بالجلالة والوقار ولذلك دعا الله عز وجل رسوله الكريم ليتواضع ويلين جانبه مع الناس. قال تعالى: (فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين)(19).
والبخل:
لقد حذر الله من البخل وأنّب البخلاء وشجع على الكرم وأحب الكرماء، والفضل كله من عنده سبحانه وتعالى. قال عز وجل: (لا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله، هو خيراً لهم بل هو شر لهم سيطوَّقون ما بخلوا به يوم القيامة ولله ميراث السماوات والأرض والله بما تعملون خبير)(20).وصلة الأرحام:
صلة الرحم شجرة طيبة جذعها الإيمان، وفروعها صفاء القلب، وثمارها المحبة وجمع الشمل وهي صفة إنسانية دعا إليها الإسلام لأنها ركن متين لتثبيت التآلف بين أفراد العائلة والأقارب، وقد دعا إليها الله عز وجل في كتابه العزيز وجعلها بمرتبة التقوى لأهميتها وسمو مكانتها. قال تعالى: (يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيباً)(21).
ورحمة الضعفاء:
فإذا كان الله تبارك وتعالى قد وصف نفسه بالرحمة الواسعة أفلا يطلب إلينا أن يترحم بعضنا بعضاً؟ لا ريب أن رحمة الضعفاء تعني مساعدتهم وإيمانيتهم والإحسان إليهم.
والإحسان صفة إنسانية تشمل كل أعمال الخير التي تهذب نفسية المرء وتقربه من خالقه. قال تعالى: (وأحسن كما أحسن الله إليك)(22).
وبذل المعروف:
ولا ريب أن بذل المعروف صفة من صفات الإحسان إلى الناس فالمؤمنون أخوة وعلى الأخ أن يعمل المعروف بقدر طاقته من أجل غيره قربة إلى الله تعالى. ولا يخفى أن اليد العليا خير من اليد السفلى على حد قول الرسول الأعظم والذي يعمل المعروف فكأنه يعمله لنفسه ليكسب الأجر والثواب. وقد رغب الله في الإتيان بالحسنات بقوله: (من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها)(23).
وحسن الخلق:
من آداب الإسلام الأخلاق النبيلة والسلوك الحسن مع الناس جميعاً. والله عز وجل أحب للإنسان المؤمن التخلق بالأخلاق الحسنة وقد وصف بها الرسول الأعظم. قال تعالى: (وإنك لعلى خلق عظيم)(24).
وسعة الحلم واتباع العلم:
ما أفضل العلم إذا اقترن بالحلم فإنه غاية الرجاء في تحقيق المثل العليا في الحياة السعيدة الراقية. وقد وصف الله تعالى نفسه بالحليم. قال تعالى: (واعلموا أن الله غفور حليم)(25).
كما وصف نبي الله إبراهيم الخليل بالحليم لسمو أخلاقه ونبل سلوكه وحسن معاملته وشدة صبره. قال تعالى: (إن إبراهيم لحليم أواه منيب)(26).
والإنسان الحليم محبوب في مجتمعه سموح كريم لا يعرف الحقد لقلبه مكاناً ولا يحسد أحداً كبيراً كان أم صغيراً، ولا يضمر الشر لأحد قريباً كان أم بعيداً. يبادل الإساءة بالإحسان ويصبر على أذى الأصحاب والخلان لأن الناس في نظره كلهم عباد الله وأقربهم إليه أنفعهم لعباده.
إلى جانب حلمه هذا يسعى في اكتساب العلم لينفقه إلى المحتاجين ويهديهم إلى سواء السبيل قربه إلى الله تعالى.
فتأمل معي أيها الأخ المؤمن كيف يبدو لنا أمير المؤمنين من خلال هذا الحديث الكامل الشامل والجامع المانع الذي حوى كل الفضائل والمثل التي تقرب الإنسان من ربه وتعرفه على نعم خالقه، فأي كلام بعد هذا يمكن أن نقول عن سيد الكلام الذي وصف الأدباء كلامه فقالوا: هو تحت كلام الخالق وفوق كلام المخلوق.
هذه الصفات التي عددها أمير المؤمنين هي صفات أهل التقوى من المسلمين المؤمنين: فطوبى لهم وحسن مآب!.
أما صفات العارفين فقد حددها أمير المؤمنين (عليه السلام) فقال:
(جمع الخير كله في ثلاث خصال: النظر، والسكون، والكلام، فكل نظر ليس فيه اعتبار فهو سهو، وكل سكون ليس فيه فكرة فهو غفلة، وكل كلام ليس فيه ذكر فهو لغو، فطوبى لمن كان نظره عبرة، وسكوته فكراً، وكلامه ذكراً، وبكى على خطيئته وأمن الناس شره)(27).
هذه الصفات لا يتصف بها إلا العارفين بربهم والمنيبين إلى خالقهم وهي لا تنطبق إلا على أهل البيت (عليهم السلام) وعلى المهتدين بهديهم.
فهم كما قال عنهم أمير المؤمنين (عليه السلام): (إنا أهل البيت شجرة النبوة وموضع الرسالة، ومختلف الملائكة، وبيت الرحمة، ومعدن العلم)(28).
ب ـ الأحاديث الاجتماعية:
1ـ قال الإمام الباقر (عليه السلام): قال أمير المؤمنين (عليه السلام): (الفتن ثلاث: حب النساء، وهو سيف الشيطان، وشرب الخمر، وهو مخ الشيطان، حب الدينار والدرهم وهو سهم الشيطان، فمن أحب النساء لم ينتفع بعيشه، ومن أحب الأشربة حرمت عليه الجنة، ومن أحب الدينار والدرهم فهو عبد الدنيا.
وأضاف (عليه السلام): يقول: قال عيسى بن مريم بالدينار رداء الدين، والعالم طبيب الدين فإذا رأيتم الطبيب يجر الداء على نفسه فاتهموه، واعلموا أنه غير ناصح لغيره)(29).
ولا ريب أن الوقاية من هذه الآفات الثلاث: سيف الشيطان، ومخ الشيطان وسهم الشيطان أفضل بكثير من الوقوع في أحوالها والتلوث بآثامها، وبذلك يكون الإنسان في وقاية من الشيطان، لأن هذا الخبيث يفتش عن أي فراغ ليدخل فيه ويفعل فعلته الشيطانية. أما المؤمن المتحصن بالإسلام فهو في وقاية من الشيطان، فلا يستطيع غوايته أو إبعاده عن الطريق السليم. لكن طبيب الدين الذي يجر الداء على نفسه يكون الشيطان قد لعب لعبته الخبيثة معه وعلق في حباله، ولا فائدة عندها من علمه.
2 ـ وقال (عليه السلام):
سئل أمير المؤمنين (عليه السلام) كم بين الحق والباطل؟ فقال (عليه السلام): أربع أصابع ووضع يده على أذنه وعينه وقال: ما رأته عيناك فهو حق، وما سمعته أذناك فأكثره باطل.
فتأمل هذا المثل الواقعي الحسي، فعلى الإنسان المدرك العاقل أن لا يتكلم إلا بما يرى وليس بما يسمع وذلك للتأكد من صحة الكلام.
الهوامش:
1- ناسخ التواريخ ج2 ص217.
2- ناسخ التواريخ ج2 219.
3- أعلام الورى ص270.
4- الخصال ص4.
5- الخصال ص5.
6- نفسه ص164.
7- نفسه ص17.
8- الخصال ص 15.
9- نفسه ص36.
10- نفسه ص47.
11- سورة الحجرات، الآية 10.
12- أمالي الصدوق ص11.
13- نفسه ص54.
14- الخصال ص180.
15- نفسه ص454.
16- سورة الإسراء، الآية 80، ص50.
17- سورة الزمر، الآية 32و33.
18- سورة التوبة، الآية 111.
19- سورة آل عمران، الآية 159.
20- سورة آل عمران، الآية 180.
21- سورة النساء، الآية 1.
22- سورة القصص، الآية 77.
23- سورة الأنعام، الآية 160.
24- سورة القلم، الآية4.
25- سورة البقرة، الآية 235.
26- سورة هود، الآية 75.
27- الخصال ص95.
28- أصول الكافي ج1 ص220.
29- الخصال ص109.