الإمام علي (عليه السلام) خصائصه وموقفه من الخلافة
  • عنوان المقال: الإمام علي (عليه السلام) خصائصه وموقفه من الخلافة
  • الکاتب: محمد باقر الصدر
  • مصدر:
  • تاريخ النشر: 18:25:24 24-7-1403

لعلّ أعظم رقم قياسي ضربه أمير المؤمنين ( عليه الصلاة والسلام ) للتضحية في سبيل الإسلام ، والإخلاص للمبدأ إخلاصاً جرّده عن جميع الاعتبارات الشخصية ، وأقام منه حقيقة سامية سموّ المبدأ ما بقي للمبدأ حياة ، هو الرقم الذي سجّله بموقفه (1) من خلافة الشورى ، وقدّم بذلك في نفسه مثلاً أعلى للتفاني في المبدأ الذي صار شيئاً من طبيعته .

إنْ كان رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) قد تمكّن من مَحْو ضلال الوثنية ، فقد استطاع أنْ يجعل من عليٍّ ـ بما أفاض عليه من حقائق نفسِهِ ـ عيناً ساهرة على القضية الإلهية ، فنامت فيه الحياة الإنسانية بأهوائها ومشاعرها ، وصار يحيا بحياة المبدأ والعقيدة (2) .

وإنْ كان للتضحية الإنسانية الفاضلة كتاب ، فأعمال عليٍّ عنوان ذلك الكتاب المشعّ بأضواء الخلود (3) .

وإنْ كان لمبادئ السماء التي جاء بها محمّد ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) تعبير عملي على وجه الأرض ، فعليٌّ هو تعبيرها الحيّ على مدى الدهور والأجيال .

وإنْ كان النبي ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) قد خلّف في أُمّته عليّاً والقرآن (4) ؛ فإنّما جمع بينهما ليكون القرآن تفسيراً لمعاني عليٍّ العظيم ، ولتكون معاني عليٍّ أُنموذجاً لمثل القرآن الكريم .

وإنْ كان الله تعالى قد جعل عليّاً نفسَ رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) في آية المباهلة (5) فلأجل أنْ يفهم المسلمون أنّه امتداد طبيعي لمحمّد ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) ، وشعاع متألّق من روحه العظيمة .

وإنْ كان النبي ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) قد خرج من مكّة مهاجراً خائفاً على نفسه ، وخلّف عليّاً على فراشه (6) ليموت بدلاً عنه ، فمعنى ذلك أنّ المبدأ المقدّس هو الذي كان يرسم للعظيمَين خطوط حياتهما ، وإذا كان لا بدّ للقضية الإلهية من شخص تظهر به وآخر يموت في سبيلها ، فيلزم أنْ يبقى رَجُلُهَا الأوّل لتحيا به ، ويُقدّم رَجُلُها الثاني نفسَه قرباناً لتحيا به أيضاً .

وإنْ كان عليٌّ هو الذي أباحتْ له السماء ـ خاصّة ـ النوم في المسجد والدخول فيه جنباً (7) ، فمفهوم هذا الاختصاص أنّ في معانيه معنى المسجد ؛ لأنّ المسجد رمز السماء الصامتْ في دنيا المادّة ، وعليٌّ هو الرمز الإلهي الحيّ في دنيا الروح والعقيدة .

وإنْ كانت السماء قد امتدحتْ فتوّة عليٍّ ، وأعلنتْ عن رضاها عليه ، إذ قال المنادي : ( لاَ سَيْفَ إِلاّ ذُو الفِقَارِ ، وَلاَ فَتَى إِلاَّ عَلِيٌّ ) (8) ، فإنّها عنتْ بذلك أنّ فتوّة عليّ وحدها هي الرجولة الكاملة التي لا يرتفع إلى مداها إنسان ، ولا ترقى إلى أُفقها بطولة الأبطال وإخلاص المخلصين .

ومِن مهزلة الأقدار أنّ هذه الفتوّة التي قدّسها الهاتف الإلهي كانت عيباً في رَأْي مشايخ السقيفة (9) ، ونقصاً في عليٍّ يُؤَاخَذُ عليه وينزل به عن الصدّيق الذي لم يكن يمتاز عليه إلاّ بسنين قضاها كافراً مشرِكاً . وأنا لا أدري كيف صار الازدواج بين الجاهلية والإسلام في حياة شخص واحد مجداً يمتاز به عمّن خلصتْ حياته كلّها لله (10) .

ولئنْ ظهرت للناس في البحوث الجديدة القوّة الطبيعية التي تجعل الأجسام الدائرة حول المحور تسير على خطّ معيّن ، فلقد ظهرتْ في علي قبل مئات السنين قوّة مثلها ولكنّها ليست من حقائق الفيزياء ، بل من قوى السماء ، وهي التي جعلتْ من عليٍّ مناعة طبيعية للإسلام ، حفظتْ له مقامه الأعلى ما دام الإمام حيّاً ، ومحوراً تدور عليه الحياة الإسلامية لتستمدّ منه روحانيّتها وثقافتها وروحها وجوهرها ، سواء أكان على رأس الحكم أو لا .

وقد عملتْ هذه القوّة عملَها السحري في عُمَرِ نَفْسِهِ ، فجذبتْه إلى خطوطها المستقيمة مراراً حتى قال : ( لَوْلا عَلِي لَهَلَكَ عُمَرُ ) (11) ، وظهر تأثيرها الجبّار في التفاف المسلمين حوله في اليوم الذي أُسندتْ فيه مقدّرات الخلافة إلى عامّة المسلمين ، ذلك الالتفاف الفذ (12) الذي يقلّ مثيله في تاريخ الشعوب .

ونعرف من هذا أنّ عليّاً بما جهّزتْه السماءُ به من تلك القوّة ، كان ضرورة من ضرورات الإسلام (13) التي لا بدّ منها ، وشمساً يدور عليها الفلك الإسلامي بعد النبي ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) بحسب طبيعته التي لا يمكن أنْ تقاوَم ، حتى التجأ الفاروق إلى مسيرتها .

ويتجلّي لدينا أيضاً أنّ الانقلاب الفجائي في السياسة الحاكمة لم يكن ممكناً يومئذٍ ؛ لأنّه ـ مع كونه طفرة ـ يناقض تلك القوّة الطبيعية المركّزة في شخصية الإمام ، فكان من الطبيعي أنْ تسير السياسة الحاكمة في خطّ مَنْحَنٍ حتى تبلغ النقطة التي وصل إليها الحكم الأُموي ؛ تفادياً من تأثير تلك القوّة الساهرة على الاعتدال والانتظام ، كما ينحني السائقُ بسيّارته عندما ينحرف بها إلى نقطة معاكسة ؛ تحذّراً من القوّة الطبيعية التي تفرض الاعتدال في السير .

وهذا الفصل الرائع من عظمة الإمام يستحقّ دراسة وافية مستقلّة ، قد نقوم بها في بعض الفرص ؛ لنكشف بها عن شخصيّة علي المعارض للحكم ، والساهر على قضيّة الإسلام ، والموفَّق بين حماية القوّة الحاكمة من الانحراف وبين معارضتها في نفس الوقت .

وإنْ كانت مواقف الإمام كلّها رائعة ، فموقفه من الخلافة بعد رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) من أكثرها روعة (14) .

وإن كانت العقيدة الإلهية تريد في كلّ زمان بطلاً يفتديها بنفسه ، فهي تريد أيضاً بطلاً يتقبّل القربان ويعزّز به المبدأ ، وهذا هو الذي بَعث بعلي إلى فراش الموت (15) ، وبالنبي ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) إلى مدينة النجاة يوم الهجرة الأغر كما أشرنا إليه قريباً ، ولم يكن ليتهيّأ للإمام في محنته بعد وفاة أخيه أنْ يقدّم لها كِلا البَطَلَيْن ؛ لأنّه لو ضحّى بنفسه في سبيل توجيه الخلافة إلى مجراها الشرعي في رأيه لَمَا بقي بعده مَنْ يمسك الخيط من طرفيه ، وولَدا رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) طفلان لا يتهيّأ لهما من الأمر ما يريد .

وقفَ عليٌّ عند مفترق طريقين ، كلٌّ منهما حَرِج ، وكلٌّ منهما شديد على نفسه :

( أحدهما ) : أنْ يعلن الثورة المسلّحة على خلافة أبي بكر .

( والآخر ) : أنْ يسكت وفي العَيْنِ قَذَى ، وَفِي الحَلْقِ شَجَا ، ولكن ماذا كان يترقّب للثورة من نتائج ؟ هذا ما نريد أنْ نتبيّنه على ضوء الظروف التاريخية لتلك الساعة العصيبة .

إنّ الحاكمين لم يكونوا ينزلون عن مراكزهم بأدنى معارضة ، وهم مَن عرفناهم حماسةً وشدّةً في أمر الخلافة . ومعنى هذا أنّهم سيقابلون ويدافعون عن سلطانهم الجديد ، ومن المعقول جدّاً حينئذ أنْ يغتنم سعد بن عبادة الفرصة ليعلنها حرباً أُخرى في سبيل أهوائه السياسية ، لأنّنا نعلم أنّه هدّد الحزب المنتصِر بالثورة عندما طلب منه البيعة وقال :

( لا والله حتّى أرميكم بما في كنانتي ، وأُخضّب سنان رُمْحي ، وأضربُ بسيفي ، وأُقاتلكم بأَهْلِ بيتي ومَن أطاعني ، ولو اجتمع معكم الإنسُ والجنّ ما بايعتُكم ) (16) .

وأكبر الظنّ أنّه تهيّب الإقدام على الثورة ، ولم يجرأ على أنْ يكون أوّل شاهر للسيف ضدّ الخلافة القائمة ، وإنّما اكتفى بالتهديد الشديد الذي كان بمثابة إعلان الحرب ، وأخذ يترقّب تضعضع الأوضاع ليشهر سيفَه بين السيوف ، فكان حريّاً به أنْ تثور حماسته ويزول تهيّبه ، ويضعف الحزب القائم في نظره إذا رأى صوتاً قويّاً يجهر بالثورة فيعيدها جَذَعَة ، ويحاول إجلاء المهاجرين من المدينة بالسيف (17) كما أعلن ذلك المتكلّم عن لسانه في مجلس السقيفة .

ولا ننسى بعد ذلك الأُمويين وتكتّلهم السياسي في سبيل الجاه والسلطان ، وما كان لهم من نفوذ في مكّة في سنواتها الجاهلية الأخيرة ، فقد كان أبو سفيان زعيمها في مقاومة الإسلام والحكومة النبوية ، وكان عتاب بن أُسيد بن أبي العاص بن أُميّة أميرها المطاع في تلك الساعة .

وإذا تأمّلنا ما جاء في تاريخ تلك الأيّام (18) من أنّ رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) لمّا تُوفّي ، ووصَلَ خبره إلى مكّة وعامله عليها عتاب بن أُسيد بن أبي العاص بن أُميّة ، استخفى عتاب وارتجّتْ المدينة ، وكاد أهلها يرتدّون ، فقد لا نقتنع بما يعلّل به رجوعهم عن الارتداد من العقيدة والإيمان ، كما أنّي لا أُؤمن بأنّ مردّ ذلك التراجع إلى أنّهم رأوا في فوز أبي بكر فوزهم وانتصارهم على أهل المدينة كما ذهب إليه بعض الباحثين ؛ لأنّ خلافة أبي بكر كانت في اليوم الذي توفّي فيه رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) ، وأكبر الظنّ أنّ خبر الخلافة جاءهم مع خبر الوفاة ، بل تعليل القضية في رأيي أنّ الأمير الأُموي عتاب بن أُسيد شاء أنْ يعرف اللون السياسي الذي اتّخذتْه أُسرته في تلك الساعة ، فاستخفى وأشاع بذلك الاضطراب ، حتى إذا عرف أنّ أبا سفيان قد رضي بعد سخط وانتهى مع الحاكمين إلى نتائج في صالح البيت الأُموي (19) ، ظهر مرّة أُخرى للناس وأعاد الأُمور إلى مجاريها ، وعليه فالصلة السياسية بين رجالات الأُمويّين كانت قائمة في ذلك الحين .

وهذا التقدير يفسّر لنا القوّة التي تكمن وراء أقوال أبي سفيان حينما كان ساخطاً على أبي بكر وأصحابه ، إذ قال : إنّي لأرى عجاجة لا يُطفيها إلاّ الدم .

وقال عن علي والعبّاس : أمَا والذي نفسي بيده ، لأرفعنّ لهما من أعضادهما (20) .

فالأُمويّون قد كانوا متأهّبين للثورة والانقلاب ، وقد عرف عليٌّ منهم ذلك بوضوح حينما عرضوا عليه أنْ يتزعّم المعارضة ، ولكنّه عرف أنّهم ليسوا من الناس الذين يُعتمد على تأييدهم ، وإنّما يريدون الوصول إلى أغراضهم عن طريقه ، فرفض طلبهم ، وكان من المنتظر حينئذٍ أنْ يشقّوا عصا الطاعة إذا رأوا الأحزاب المسلّحة تتناحر ، ولم يطمئنّوا إلى قدرة الحاكمين على ضمان مصالحهم ، ومعنى انشقاقهم حينئذ إظهارهم للخروج عن الدين وفصل مكّة عن المدينة .

وإذن ، فقد كانت الثورة العَلوية في تلك الظروف إعلاناً لمعارضة دموية تتبعها معارضات دموية ذات أهواء شتّى ، وكان فيها تهيئة لظرف قد يغتنمه المشاغبون ثمّ المنافقون .

ولم تكن ظروف المحنة تسمح لعلي بأنْ يرفع صوته وحده في وجه الحكم القائم ، بل لَتناحرتْ ثورات شتّى ، وتقاتلتْ مذاهب متعدّدة الأهداف والأغراض ، ويضيع بذلك الكيان الإسلامي في اللحظة الحرجة التي يجب أنْ يلتفّ فيها المسلمون حول قيادة موحّدة ، ويركّزوا قِواهم لصدّ ما كان يترقّب أنْ تتمخّض عنه الظروف الدقيقة من فتنٍ وثورات .

إنّ عليّاً الذي كان على أتمّ استعداد لتقديم نفسه قرباناً للمبدأ في جميع أدوار حياته (21) ، منذ أنْ وُلِدَ في البيت الإلهي وإلى أنْ قُتِل فيه ، قد ضحّى بمقامه الطبيعي ومنصبه الإلهي ؛ في سبيل المصالح العليا التي جعله رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) وصيّاً عليها وحارساً لها .

وَلَفَقَدَتْ بذلك الرسالة المحمّدية الكبرى بعضَ معناها ، فإنّ رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) لمّا أمره ربُّه بتبليغ دعوته والإنذار برسالته ، جمع بني عبد المطّلب وأعلن عن نبوّته بقوله : ( إنّي واللهِ مَا أَعْلَمُ شَابَّاً فِي العَرَبِ جَاءَ قَوْمَهُ بِأَفْضَلَ مِمَّا قَدْ جِئْتُكُمْ بِهِ ) .

وعن إمامة أخيه بقوله : ( إِنّ هَذَا أَخِي وَوَصِيِّي وَخَلِيْفَتِي فِيْكُمْ ، فَاسْمَعُوْا لَهُ وَأَطِيْعُوْا ) (22) . ومعنى ذلك أنّ إمامة عليٍّ تكملةٌ طبيعيةُ لنبوّة محمّد ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) ، وأنّ الرسالة السماوية قد أعلنتْ عن نبوّة محمّد الكبير ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) وإمامة محمّد الصغير في وقت واحد .

إنّ عليّاً الذي ربّاه رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) وربّى الإسلام معه ـ فكانا ولديه العزيزَين ـ كان يشعر بإخوّته لهذا الإسلام ، وقد دفعه هذا الشعور إلى افتداء أخيه بكلّ شيء ، حتّى أنّه اشترك في حروب الرِدَّة التي أعلنها المسلمون يومذاك (23) ، ولم يمنعه تزعّم غيره لها عن القيام بالواجب المقدّس ؛ لأنّ أبا بكر إنْ كان قد ابتزّه حقّه ونهب تراثه ، فالإسلام قد رفعه إلى القمّة ، وعرّف له أخوّتَه الصادقة وسجّلها بأحرف من نور على صفحات الكتاب الكريم .

وصمد الإمام على ترْك الثورة ، ولكن ماذا يفعل ؟ وأيّ أُسلوب يتّخذه لموقفه ؟ هل يحتجّ على الفئة الحاكمة بنصوص النبي ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) وكلماته التي أعلنتْ أنّ عليّاً هو القطب المعدّ لأنْ يدور عليه الفلك الإسلامي ، والزعيم الذي قدّمته السماء إلى أهل الأرض (24) ؟

تردّد هذا السؤال في نفسه كثيراً ، ثمّ وضع له الجواب الذي تُعيّنه ظروف مِحْنته وتُلْزِمُه به طبيعةُ الأوضاع القائمة ، فسكتَ عن النصّ إلى حين .

 

[ مسألة عدم الاحتجاج بالنصّ ] :

ونحن نتبيّن من الصورة المشوّشة التي عرفناها عن تلك الظروف والأوضاع أنّ الاعتراض بتلك النصوص المقدّسة ، والاحتجاج بها في ساعة ارتفع فيها المقياس الزئبقي للأفكار المحمومة والأهواء الملتهبة التي سيطرتْ على الحزب الحاكم إلى الدرجة العالية ، كان من التقدير المعقول افتراض النتائج السيئة له ؛ لأنّ أكثر النصوص (25) التي صدرتْ من رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) في شأن الخلافة لم يكن قد سمعها إلاّ مواطنوه في المدينة من مهاجرين وأنصار ، فكانت تلك النصوص ـ إذن ـ الأمانة الغالية عند هذه الطائفة التي لا بدّ أنْ تصل عن طريقهم إلى سائر الناس في دنيا الإسلام يومئذٍ ، وإلى الأجيال المتعاقبة والعصور المتتالية .

ولو احتجّ الإمامُ على جماعةِ أهلِ المدينة بالكلمات التي سمعوها من رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) في شأنه ، وأقام منها دليلاً على إمامته وخلافته ، كان الصدى الطبيعي لذلك أنْ يُكذّبَ الحزبُ الحاكم صدّيق الأُمّة (26) في دعواه ، وينكِر تلك النصوص التي تمحو من خلافة الشورى لونها الشرعي ، وتعطّل منها معنى الدين .

وقد لا يجد الحقُّ صوتاً قويّاً يرتفع به في قِبال ذلك الإنكار ؛ لأنّ كثيراً من قريش ـ وفي مقدّمتهم الأُمويون ـ كانوا طامحين إلى مَجْد السلطان ونعيم المُلك ، وهم يَرَوْنَ في تقديم الخليفة على أساس من النص النبوي تسجيلاً لمذهب الإمامة الإلهيّة . ومتى تقرّرتْ هذه النظرية في عُرف الحكم الإسلامي كان معناها حصر الخلافة في بني هاشم آل محمّد الأكرمين ، وخروج غيرهم من المعركة خاسراً .

وقد نلمح هذا اللون من التفكير في قول عمر لابن عبّاس ، معلّلاً إقصاء عليّ عن الأمر : ( إنّ قومكم كرهوا أنْ يجمعوا لكم الخلافة والنبوّة ) (27) . فقد يدلّنا هذا على أنّ إسناد الأمر إلى عليّ في بداية الأمر كان معناه في الذهنية العامّة حصر الخلافة في الهاشميّين ، وليس لذلك تفسير أوّلي مِن أنّ المفهوم لجمهرة من الناس يومئذٍ من الخلافة العَلوية تقرير شكل ثابت للخلافة يستمدّ شرعيّته من نصوص السماء لا من انتخاب المنتخبين . فعليٌّ إنْ وجَدَ نصيراً من عَلِيَّةِ قريش يشجّعه على مقاومة الحاكمين ، فإنّه لا يجد منهم عَضُداً في مسألة النص إذا تقدّم إلى الناس يحدّثهم أنّ رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) قد سجّل الخلافة لأهل بيته حين قال : ( إِنِّي مُخَلِّفٌ فِيْكُم الثَقَلَيْنِ : كِتَابَ اللهِ ، وَعِتْرَتِي أَهْلَ بَيْتِي ... ) الخ (28) .

وأمّا الأنصار فقد سبقوا جميع المسلمين إلى الاستخفاف بتلك النصوص ، والاستهانة بها ، إذ حَدَتْ بهم الشراهة إلى الحكم إلى عقد مؤتمر في سقيفة بني ساعدة ليصفّقوا على يَدِ واحدٍ (29) منهم . فلن يجد عليٌّ فيهم إذا استدلّ بالنصوص النبوية جنوداً للقضية العادلة وشهوداً عليها ؛ لأنّهم إذا شهدوا على ذلك يسجّلون على أنفسهم تناقضاً فاضحاً في يوم واحد ، وهذا ما يأبونه على أنفسهم بطبيعة الحال .

وليس في مبايعة الأوس لأبي بكر أو قول مَن قال : لا نبايع إلاّ عليّاً (30) مناقضة كتلك المناقضة ؛ لأنّ المفهوم البديهي من تشكيل مؤتمر السقيفة أنّ مسألة الخلافة مسألة انتخاب لا نص ، فليس إلى التراجع عن هذا الرأي في يوم إعلانه من سبيل .

وأمّا اعتراف المهاجرين بالأمر فلا حَرَجَ فيه ؛ لأنّ الأنصار لم يجتمعوا على رأي واحد في السقيفة ، وإنّما كانوا يتذاكرون ويتشاورون ؛ ولذا نرى الحُباب بن المنذر (31) يحاول بثّ الحماسة في نفوسهم ، والاستمالة بهم إلى رأيه بما جلجل به في ذلك الاجتماع من كلام ، وهو يوضّح أنّهم جمعوا لتأييد فكرة لم يكن يؤمِن بها إلاّ بعضُهم .

وإذن ، فقد كان الإمام يقدّر أنّه سوف يدفع الحزب الحاكم إلى إنكار النصوص والاستبسال في هذا الإنكار إذا جاهر بها ، ولا يقف إلى جانبه حينئذ صفّ ينتصر له في دعواه ؛ لأنّ الناس بين مَن قادهم الهوى السياسي إلى إنكار عملي للنص يسدّ عليهم مجال التراجع بعد ساعات ، وبين مَن يرى أنّ فكرة النص تجعل من الخلافة وقفاً على بني هاشم لا ينازعهم فيها منازع .

وإذا سجّلتْ الجماعة الحاكمة وأنصارها إنكاراً للنص ، واكتفى الباقون بالسكوت في الأقل ، فمعنى هذا أنّ النص يفقد قيمته الواقعيّة ، وتَضيعُ بذلك مستمسكات الإمامة العَلوية كلّها ، ويومّن العالم الإسلامي الذي كان بعيداً عن مدينة النبي ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) على إنكار المنكرين ؛ لأنّه منطق القوّة الغالب في ذلك الزمان .

 

ولنلاحظ ناحية أُخرى :

فإنّ عليّاً لو ظفر بجماعة توافقه على دعواه ، وتَشهد له بالنصوص النبوية المقدّسة ، وتُعارِض إنكار الفئة الحاكمة ، كان معنى ذلك أنْ ترفض هذه الجماعة خلافةَ أبي بكر وتتعرّض لهجوم شديد من الحاكمين ، ينتهي بها إلى الاشتراك في حرب مع الحزب الحاكم المتحمّس لكيانه السياسي إلى حَدٍّ بعيد ، فإنّه لا يسكت عن هذا اللون من المعارضة الخطرة . فمجاهرة علي بالنص كانت تجرّه إلى المقابلة العمليّة ، وقد عرفنا سابقاً أنّه لم يكن مستعدّاً لإعلان الثورة على الوضع القائم ، والاشتراك مع السلطات المهيمنة في قتال .

ولم يكن للاحتجاج بالنص أثر واضح من أنْ تَتّخِذ السياسةُ الحاكمة احتياطاتها وأساليبها الدقيقة لمحو تلك الأحاديث النبوية من الذهنية الإسلامية ؛ لأنّها تعرف حينئذٍ أنّ فيها قوّة خطر على الخلافة القائمة ، ومادّة خصبة لثورة المعارضين في كلّ حين .

وإنّي أعتقد أنّ عمر لو التفتَ إلى ما تنبّه إليه الأُمويّون بعد أنْ احتجّ الإمام بالنصوص في أيّام خلافته (32) ، واشتهرتْ بين شيعته من خطرها ، لاستطاع أنْ يقطعها من أُصولها ، ويقوم بما لم يقدر الأُمويّون عليه من إطفاء نورها .

وكان اعتراض الإمام بالنص في تلك الساعة ينبّهه إلى ما يجب أنْ ينتهجه من أُسلوب ، فأشفق على النصوص المقدّسة أنْ تَلعب بها السياسةُ ، وسكت عنها على مَضَضٍ ، واستغفل بذلك خصومَه ، حتّى أنّ عمر ( رضي الله تعالى عنه ) نفسَه صرّح بأنّ عليّاً هو وليّ كل مؤمنٍ ومؤمنة بنصّ النبي ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) (33) .

ثمّ أَلَمْ يكن من المعقول أنْ يخشى الإمامُ على كرامة حبيبه وأخيه رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) أنْ تُنْتَقَضَ ـ وهي أغلى عنده من كلّ نفيس ـ إذا جاهر بنصوص النبي ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) ، وهو لم ينسَ موقف الفاروق من رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) حين طلب دواة ليكتب كتاباً لا يضلّ الناس بعده أبداً ، فقال عمر : ( إنّ النبيَّ لَيَهْجُر أَوْ قَدْ غَلَبَ عَلَيْهِ الوَجَعُ ) (34) ؟!

وقد اعترف فيما بعد لابن عبّاس أنّ رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) كان يريد أنْ يعيّن عليّاً للخلافة ، وقد صدّه عن ذلك خوفاً من الفتنة (35) .

وسواء أكان رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) يريد أنْ يحرّر حَقّ عليٍّ في الخلافة أو لا ، فإنّ المهم أنْ نتأمّل موقف عمر من طلبه ، فهو إذا كان مستعدّاً لاتّهام النبي ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) وجهاً لوجه ـ بما ينزّهه عنه نصّ القرآن (36) وضرورة الإسلام ـ خوفاً من الفتنة ، فما الذي يمنعه عن اتّهام آخر له بعد وفاته ، مهما تلطّفنا في تقديره فلا يقلّ عن دعوى أنّ رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) لم يصدر عن أمر الله في موضوع الخلافة ، وإنّما استخلف عليّاً بِوَحْي من عاطفته ، بل كان هذا أولى من تلك المعارضة ؛ لأنّ الفتنة التي تقوم بدعوى على النص أشدّ ممّا كان يترقّبه عمر من اضطراب فيما إذا كان النبي ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) قد خلّف نصّاً تحريرياً بإمامة عليٍّ يَعْلَمه الجميع .

وإذا كان رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) قد ترك التصريح بخلافة عليٍّ في ساعته الأخيرة لقولٍ قاله عمر ، فإنّ المفهوم أنْ يترك الوصي الاحتجاج بالنصوص خوفاً من قول قد يقوله .

ونتيجة هذا البحث أنّ سكوت أمير المؤمنين عن النصّ إلى حين ، كان يفرضه عليه :

1 ـ إنّه لم يكن يجد في رجالات تلك الساعة مَن يطمئن إلى شهادته بذلك .

2 ـ إنّ الاعتراض بالنصوص كان من الحَرِيّ به أنْ يُلفِتْ أنظار الحاكمين إلى قيمتها المادِّيّة ، فيستعملون شتّى الأساليب لِخَنْقِهَا .

3 ـ إنّ معنى الاعتراض بها التهيؤ للثورة بأوسع معانيها ، وهذا ما لم يكن يريده الإمام .

4 ـ إنّ اتّهام عمر للنبي ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) في آخر ساعاته عرّف عليّاً بمقدار تفاني الحاكمين في سبيل مراكزهم ، ومدى استعدادهم لتأييدها والمدافعة عنها ، وجعَلَه يخاف مِن تكرّر شيء من ذلك فيما إذا أعلن عن نصوص إمامته .

 

[ المواجهة السِلْمِيّة ] :

انتهى الإمام إلى قرار حاسم ، وهو ترك الثورة وعدم التسلّح بالنصوص في وجه الحاكمين جِهَارَاً وعلانيةً ، إلاّ إذا اطمأنّ إلى قدرته على تجنيد الرأي العام ضدّ أبي بكر وصاحبَيْهِ ، وهذا ما أخذ يحاوله عليٌّ في مِحنَته آنذاك .

فبدأ يطوف (37) سِرّاً على زعماء المسلمين ورجالات المدينة ، يَعِظُهُم ويذكِّرهم ببراهين الحَقّ وآياته ، وإلى جانبه قرينته تعزّز موقفه وتشاركه في جهاده السِرِّي ، ولم يكن يقصد بذلك التِطْوَاف إنشاء حزب يتهيّأ له القتال به ؛ لأنّنا نعرف أنّ عليّاً كان له حزب من الأنصار هتف باسمه وحاول الالتفاف حوله ، وإنّما أراد أنْ يمهّد بتلك المقابلات لإجماع الناس عليه .

وهنا تجيء مسألة فدك لتحتلّ الصدارة في السياسة العَلوية الجديدة ، فإنّ الدور الفاطمي الذي رسم هارونُ النبوّة خطوطه بإتقان ، كان متّفقاً مع ذلك التطواف الليلي في فلسفته ، وجديراً بأنْ يقلب الموقف على الخليفة ويُنْهِي خلافة الصِدِّيق كما تنتهي القصّة التمثيلية ، لا كما يقوّض حكم مركّز على القوّة والعدّة .

وكان الدور الفاطمي يتلخّص في أنْ تطالب الصدّيقة الصِدِّيق بما انتزعه منها من أموال ، وتجعل هذه المطالبة وسيلة للمناقشة في المسألة الأساسية ـ وأعني بها مسألة الخلافة ـ وإفهام الناس بأنّ اللحظة التي عدَلُوا فيها عن عليٍّ ( عليه السلام ) إلى أبي بكر كانت لحظة هَوَس وشذوذ (38) ، وأنّهم بذلك أخطؤوا وخالفوا كتاب ربّهم ووردوا غير شِرْبِهِم (39) .

ولمّا اختمرتْ الفكرة في ذهن فاطمة ، اندفعتْ لِتُصَحِّح أوضاع الساعة ، وتمسح عن الحكم الإسلامي ـ الذي وُضعتْ قاعدته الأُولى في السقيفة ـ الوَحْلَ الذي تلطّخ به ، عن طريق اتّهام الخليفة الحاكم بالخيانة السافرة ، والعبث بكرامة القانون ، واتّهام نتائج المعركة الانتخابية التي خرج منها أبو بكر خليفة بمخالفة الكتاب والصواب (40) .

وقد توفّرت في المقابلة الفاطميّة ناحيتان لا تتهيئان للإمام فيما لو وقف موقف قرينته :

 

( إحداهما ) :

إنّ الزهراء أقدر منه بظروف فجيعتها الخاصّة ومكانتها من أبيها ، على استثارة العواطف ، وإيصال المسلمين بسلك من كهرباء الروح بأبيها العظيم ( صلوات الله عليه ) وأيّامه الغرّاء ، وتجنيد مشاعرهم لقضايا أهل البيت .

 

( والأُخرى ) :

إنّها مهما تَتَّخذ لمنازعتها من أشكال فلنْ تكتسب لون الحرب المسلّحة التي تتطلّب زعيماً يُهَيْمِن عليها مادامتْ امرأة ، ومادام هارون النبوّة في بيته محتفظاً بالهدنة التي أعلنها حتى تجتمع الناس عليه ، ومراقباً للموقف ليتدخّل فيه متى شاء ، متزعّماً للثورة إذا بلغت حدّها الأعلى ، أو مهدّئاً للفتنة إذا لم يتهيّأ له الظرف الذي يريده .

فالحوراء بمقاومتها إمّا أنْ تُحقّق انتقاضاً إجماعيّاً على الخليفة ، وإمّا أنْ لا تخرج عن دائرة الجِدَال والنزاع ، ولا تجرّ إلى فتنة وانشقاق .

وإذن ، فقد أراد الإمام ( صلوات الله عليه ) أنْ يَسمع الناسُ يومئذٍ صوتَه مِن فَمِ الزهراء ، ويبقى هو بعيداً عن ميدان المعركة ينتظر اللحظة المناسبة للاستفادة منها ، والفرصة التي تجعل منه رجل الموقف . وأراد أيضاً أنْ يقدّم لأُمّة القرآن كلّها في المقابلة الفاطميّة برهاناً على بطلان الخلافة القائمة . وقد تمّ للإمام ما أراد ، حيث عبّرتْ الزهراء ( صلوات الله عليها ) عن الحقّ العَلوي تعبيراً واضحاً فيه ألوان من الجمال والنضال .

وتتلخّص المعارضة الفاطمية في عِدّة مظاهر :

 

( الأوّل ) :

إرسالها لرسول (41) ينازع أبا بكر في مسائل الميراث ويطالب بحقوقها ، وهذه هي الخطوة الأُولى التي انْتَهَجَتْهَا الزهراءُ ( صلوات الله عليها ) تمهيداً لمباشرتها للعمل بنفسها .

 

( الثاني ) :

مواجهتها بنفسها له في اجتماع خاص (42) ، وقد أرادتْ بتلك المقابلة أنْ تشتدّ في طلب حقوقها من الخُمس وفدك وغيرهما ؛ لتعرف مدى استعداد الخليفة للمقاومة .

ولا ضرورة في ترتيب خطوات المطالبة على أُسلوب تتقدّم فيه دعوى النِحلة على دعوى الميراث كما ذهب إلى ذلك أصحابنا ، بل قد يغلب على ظنّي تقدّم المطالبة بالإرث ؛ لأنّ الرواية تصرّح بأنّ رسول الزهراء إنّما كان يطالب بالميراث ، والأقرب في شأن هذه الرسالة أنْ تكون أُولى الخطوات كما يقضي به التدرّج الطبيعي للمنازعة .

وأيضاً فإنّ دعوى الإرث أقرب الطريقين إلى استخلاص الحقّ لثبوت التوارث (43) في التشريع الإسلامي بالضرورة ، فلا جُناح على الزهراء في أنْ تطلب ابتداءً ميراثها من أبيها الذي يشمل فدك في معتقد الخليفة لعدم اطّلاعه على النِحلة (44) ، وليس في هذه المطالبة مناقضة لدعوى نِحلة فدك إطلاقاً ؛ لأنّ المطالبة بالميراث لم تَتَّجِه إلى فدك خاصّة وإنّما تعلّقت بِتَرِكَةِ النبي ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) عامّة .

 

( الثالث ) :

خطبتها في المسجد بعد عشرة أيّام من وفاة النبي ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) ، كما في شرح النهج (45) لابن أبي الحديد .

 

( الرابع ) :

حديثها مع أبي بكر وعمر حينما زاراها بقصد الاعتذار منها ، وإعلانها غضبها عليهما ، وأنّهما أغضبا الله ورسوله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) بذلك (46) .

 

( الخامس ) :

خطابها الذي أَلْقَتْهُ على نساء المهاجرين والأنصار حين اجتماعهنّ عندها (47) .

 

( السادس ) :

وصيّتها بأنْ لا يحضر تجهيزها ودفنها (48) أحدٌ من خصومها ، وكانت هذه الوصية الإعلان الأخير من الزهراء عن نقمتها على الخلافة القائمة .

وقد فشلتْ الحركة الفاطمية بمعنى ونجحتْ بمعنى آخر :

فشلت ؛ لأنّها لم تطوّح بحكومة الخليفة ( رضي الله عنه ) في زحفها الأخير الخطير الذي قامتْ به في اليوم العاشر من وفاة النبي ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) .

ولا نستطيع أنْ نتبيّن الأُمور التي جعلتْ الزهراء تخسر المعركة ، غير أنّ الأمر الذي لا ريب فيه أنّ شخصيّة الخليفة ( رضي الله عنه ) من أهمّ الأسباب التي أَدّتْ إلى فشلها ؛ لأنّه من أصحاب المواهب السياسية ، وقد عالج الموقف بلباقة ملحوظة ، نجد لها مثالاً فيما أجاب به الزهراء من كلام وجّهه إلى الأنصار من خطاب بعد انتهائها من خطبتها في المسجد . فبينما هو يذوب رقّة في جوابه للزهراء وإذا به يطوي نفسه على نارٍ متأجّجة تندلِع بعد خروج فاطمة من المسجد ، في أكبر الظنّ ، فيقول : ما هذه الرِّعة إلى كُلّ قَالَةٍ ، إنّما هو ثعالة شَهِيْدُهُ ذَنَبُهُ ... (49) . فإنّ هذا الانقلاب من اللين والهدوء إلى الغضب الفائر يدلّنا على مقدار ما أُوتي من سيطرة على مشاعره وقدرته على مسايرة الظرف ، وتمثيل الدور المناسب في كل حين .

ونجحتْ معارضة الزهراء ؛ لأنّها جهّزتْ الحقّ بقوّة قاهرة ، وأضافتْ إلى طاقته على الخلود في ميدان النضال المذهبي طاقة جديدة . وقد سجّلتْ هذا النجاح في حركتها كلّها وفي محاورتها مع الصدِّيق والفاروق عند زيارتهما لها بصورة خاصّة ، إذ قالتْ لهما :

( أرأيتكما إنْ حدّثتُكما حديثاً عن رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ تَعْرِفَانِهِ وَتَفْعَلانِ بِهِ ؟ ) .

فقالا : نعم . فقالتْ :

( نَشَدتُكُمَا الله ، أَلَمْ تَسْمَعَا مِنْ رَسُوْلِ اللهِ ـ صلّى اللهُ عليهِ وآلهِ وسلّم ـ يقول : ( رِضَا فَاطِمَة مِنْ رِضَاي ، وَسَخَطُ فَاطِمَة مِنْ سَخَطِي ، فَمَنْ أَحَبَّ فَاطِمَةَ فَقَدْ أَحَبَّنِي ، وَمَنْ أَرْضَى فَاطِمَةَ فَقَدْ أَرْضَانِي ، وَمَنْ أَسْخَطَ فَاطِمَةَ فَقَدْ أَسْخَطَنِي ؟ ) (50) .

قالا : نعم ، سمعناه من رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) . قالت :

( فإنّي أُشْهِدُ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ أَنَّكُمَا أَسْخَطْتُمَانِي ، وَمَا أَرْضَيْتُمَانِي ، وَلَئِنْ لَقِيْتُ النَبِيَّ ـ صلّى اللهُ عليهِ وآلهِ وسلّم ـ لأَشْكُوَنَّكُمَا عِنْدَهُ ) (51) .

ويصوّر لنا هذا الحديث مدى اهتمامها بتركيز الاعتراض على خصمَيها ومجاهرتهما بِغَضَبِها ونِقْمَتِها ، لتخرج من المنازعة بنتيجة لا نريد درسها والانتهاء فيها إلى رأي معيّن ؛ لأنّ ذلك خارج عن دائرة عنوان هذا البحث ؛ ولأنّنا نجلّ الخليفة عن أنْ ندخل معه في مثل هذه المناقشات ، وإنّما نسجّلها لتوضيح أفكار الزهراء ( صلوات الله عليها ) ووجهة نظرها فقط ، فإنّها كانت تعتقد أنّ النتيجة التي حصلتْ عليها هي الفوز المؤكّد في حساب العقيدة والدين ، وأعني بها أنّ الصدِّيق قد استحقّ غضب الله ورسوله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) بإغضابها ، وآذاهما بأذاها ؛ لأنّهما يغضبان لغضبها ويَسخطان لسخطها بنصّ الحديث النبوي الصحيح ، فلا يجوز أنْ يكون خليفة لله ورسوله . وقد قال الله تبارك وتعالى :

( وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلاَ أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيماً ) ( الأحزاب : 53 ) .

( إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمْ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً مُهِيناً ) ( الأحزاب : 57 ) .

( وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) ( التوبة : 61 ) .

( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَوَلَّوْا قَوْماً غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ) ( الممتحنة : 13 ) .

( وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَى ) ( طه : 81 ) .

ــــــــــــــــ

* اقتباس وتنسيق قسم المقالات في شبكة الإمامين الحسنَين (عليهما السلام ) للتراث والفكر الإسلامي ، من كتاب : فدك في التأريخ ، تأليف : محمّد باقر الصدر ، تحقيق : الدكتور عبد الجبار شرارة ، نشر : مركز الغدير للدراسات الإسلامية ، ص97 ـ 119 .

(1) لاحِظ موقفه من محاولة أبي سفيان ، ودعوته إلى مجابهة مسلّحة تسيل فيها الدماء مع الخلافة ، التي انبثقت عن الشورى ، فقد ذكر الطبري في تاريخه 2 : 237 : حُدّثتُ عن هشام ، قال : حدّثني عوانه ، قال : لمّا اجتمع الناس على بيعة أبي بكر ، أقبل أبو سفيان ، وهو يقول : والله إنّي لأرى عجاجة لا يطفئها إلاّ دَم ، يا آل عبد مناف ، فيمَ أبو بكر من أُموركم ! ... وقال : أبا حسن أبسط يديك أُبايعك ، فأبى عليٌّ ، فجعل يتمثّل بأبيات ... قال الراوي : فزجره عليٌّ ، وقال :

( إنّك والله ، ما أردتَ بهذا إلاّ الفتنةَ ، وإنّك والله طالما بغيتَ الإسلامَ شرّاً ) !

(2) قال رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) : ( عليّ مع الحقِّ ، والحقُّ مع عليِّ ، ولَنْ يفترقا حتّى يَرِدَا عَلَيَّ الحَوْضَ يَوْمَ القِيَامَةِ ) . راجع في إخراج هذا الحديث : تاريخ بغداد : الخطيب البغدادي 14 : 321 . تفسير الفخر الرازي 1 : 111 . المناقب : الخوارزمي : 77 . المعجم الصغير : الطبراني 1 : 255 . [ الشهيد ]

وفي حديث آخر : ( رَحِمَ اللهُ عَلِيّاً ، اللّهمَّ أَدِرْ الحَقَّ مَعَهُ حَيْثمَا دَارَ ) . راجع : التاج الجامع للأُصول : الشيخ منصور علي ناصف 3 : 337 قال : أخرجه الترمذي . مستدرك الحاكم 3 : 125 . كنز العمّال 6 : 175 . جامع الترمذي 2 : 213 . [ الشهيد ]

(3) قال رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) : ( لَضَرْبَةُ عَلِيٍّ يَوْمَ الخَنْدَقِ خَيْرٌ مِنْ عِبَادَةِ الثَقَلَيْنِ ) . أو قال : ( لَمُبَارَزَةُ عَلِيٍّ لِعَمْرو أَفْضَلُ مِنْ أَعْمَالِ أُمَّتِي إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ ) . راجع : المستدرك : الحاكم 3 : 32 ، نشر دار المعرفة ـ بيروت . [ الشهيد ]

(4) قال رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) : ( إنّي تَارِكٌ فِيْكُم الثَقَلَيْنِ ـ أو الخليفَتَين ـ مَا إِنْ تَمَسَّكْتُمْ بِهِمَا لَنْ تَضُلُّوْا بَعْدِي : كِتَاب اللهِ وَعِتْرَتِي ، وَإِنَّهُمَا لَنْ يَفْتَرِقَا حَتّى يَرِدَا عَلَيَّ الحَوْضَ ) . راجع صحيح مسلم 4 : 1874 . صحيح الترمذي 1 : 130 . سنن الدارمي 2 : 432 . مسند الإمام أحمد 4 : 217 . المستدرك 3 : 119 .

(5) آية المباهلة ، راجع : تفسير الفخر الرازي : سورة آل عمران : 261 . الصواعق المحرقة : 143 . أسباب النزول : الواحدي : 67 ، دار الكتب العلمية ـ بيروت .

(6) راجع : تفسير الرازي 5 : 204 . نشر دار الكتب العلمية ـ طهران . سيرة ابن هشام 2 : 95 ، مطبعة الحجازي : ط 10 . تذكرة سبط ابن الجوزي : 34 .

(7) راجع : مسند الإمام أحمد بن حنبل 4 : 369 . وشرح نهج البلاغة : ابن أبي الحديد 2 : 451 . وتذكرة الخواص : سبط ابن الجوزي : 41 . والصواعق المحرقة : ابن حجر : 123 . تاريخ الخلفاء : السيوطي : 172 ، قال : أخرجه البزّار عن سعد . [ الشهيد ]

(8) راجع : تاريخ الطبري 2 : 65 ، دار الكتب العلمية ـ بيروت . وابن هشام في سيرته ، وابن أبي الحديد في شرح النهج . [ الشهيد ]

(9) راجع : شرح نهج البلاغة : ابن أبي الحديد 6 : 45 ، وفيها محاورة بين الخليفة الثاني عمر وابن عبّاس : ( قال الخليفة عمر : يا بن عبّاس ، ما أظنّ القوم منعهم من صاحبك إلاّ أنّهم استصغروه... . قال ابن عبّاس : فقلتُ : والله ما استصغره الله حين أمره أنْ يأخذ سورة براءة من أبي بكر ... ) . وفي ص 12 من شرح النهج : قول أبي عبيدة : ( يا أبا الحسن ، إنّك حديث السنّ وهؤلاء مشيخة قريش قومك ) .

(10) راجع : الصواعق المحرقة : 120 .

(11) راجع : الطبقات الكبرى : ابن سعد 2 : 339 . الصواعق المحرقة : 127 .

(12) تاريخ الطبري 2 : 696 وما بعدها .

(13) وعلى ضوء ما بيّناه نفهم قول رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) لعليّ : ( لاَ يَنْبَغِي أَنْ أَذْهَبَ إِلاَّ وَأَنْتَ خَلِيْفَتِي ) . وقوله له عندما تهيّأ للخروج إلى غزوة تبوك : ( لاَ بُدَّ أَنْ أُقِيْمَ أَو تُقِيْمَ ) . راجع : مسند الإمام أحمد 1 : 331 . ذخائر العقبى : 46 87 . الخصائص : النسائي : 80 ـ 81 . [ الشهيد ] . صحيح الترمذي 5 : 596 مطبعة دار الفكر .

(14) راجع : كتاب فدك في التأريخ ، الفصل الأخير .

(15) راجع : الرازي في التفسير الكبير : 5 : 204 ، في افتداء الإمام علي ( عليه السلام ) النبي الأعظم ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) في يوم هجرته المباركة ، وإنجاء الرسول من الموت ، وفيه نزلت الآية المباركة : ( وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ ) البقرة : 207 .

(16) راجع : تاريخ الطبري 2 : 244 .

(17) تاريخ الطبري 2 : 243 ، قصّة السقيفة ، قول الحباب بن المنذر : ( أمَا والله ، لئنْ شِئْتُم لَنُعِيْدنَّهَا جَذَعَة ... ) .

(18) الكامل في التاريخ : ابن الأثير 3 : 123 ، وصلَ خبر وفاة الرسول ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) ، وكان عتاب بن أُسيد بن أبي العاص بن أُميّة أميراً على مكّة .

(19) راجع : تاريخ الطبري : 2 : 237 ، هدأتْ ثائرة أبي سفيان بعد أنْ ولّى الخليفة الأوّل ابنَه معاوية ... فقال : وصلته رحم .

(20) تاريخ الطبري 2 : 237 .

(21) راجع : مختصر تاريخ ابن عساكر : ابن منظور 17 : 356 وما بعدها . الخصائص : النسائي . تذكرة الخواص : سبط ابن الجوزي وغيرهم كثير ، ينقلون لك مواقف ابن أبي طالب منذ الأيّام الأُولى للرسالة إلى أنْ توفّاه الله تعالى شهيداً في المحراب .

(22) تاريخ الطبري 3 : 218 ـ 219 ، المطبعة الحسينية بمصر ـ الطبعة الأُولى : 1903 . تفسير الخازن 3 : 371 . وشرح نهج البلاغة : ابن أبي الحديد ـ الطبعة القديمة . [ الشهيد ]

(23) شرح نهج البلاغة : ابن أبي الحديد 4 : 165 . [ الشهيد ]

(24) كما هو نصّ حديث الغدير المتواتر ونصوص أُخرى تؤكّد أنّ عليّاً هو وليّ المؤمنين بعد النبيّ . راجع : التاج الجامع للأُصول 3 : 335 . وأخرجه ابن ماجة في سننه : المقدّمة 1 : 11 . مسند الإمام أحمد 4 : 281 . الصواعق المحرقة : 122 ، مكتبة القاهرة ، ط 2 : 1965 .

(25) النصوص التي صدرت عن الرسول الأعظم ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) بحقّ الإمام علي ( عليه السلام ) في الخلافة والإمامة والولاية لا تُحصى كثرةً ، راجع على سبيل المثال : كتاب الغدير : العلاّمة الأميني . مختصر تاريخ ابن عساكر 17 : 356 وما بعدها . التاج الجامع للأُصول في أحاديث الرسول ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) 3 : 333 وما بعدها . الصواعق المحرقة : 122 ، قال : روى حديث الغدير ثلاثون صحابيّاً .

(26) راجع : الصواعق المحرقة : قال أمير المؤمنين : ( أنَا الصِدِّيْقُ الأَكْبَر ، لاَ يَقُوْلُهَا غَيْرِي إِلاّ كَذَّابٌ ) .

(27) راجع : تاريخ ابن الأثير 3 : 24 . [ الشهيد ] ، تاريخ الطبري 2 : 577 ، محاورة الخليفة عمر مع ابن عبّاس .

(28) راجع الرواية في : صحيح مسلم 4 : 1874 . مسند الإمام أحمد 4 : 281 طبعة دار صادر .

(29) راجع : تاريخ الطبري 2 : 242 في اتّفاقهم على سعد بن عبادة .

(30) تاريخ الطبري 2 : 233 .

(31) المصدر نفسه 2 : 243 .

(32) أشهدَ الإمامُ عليٌّ ( عليه السلام ) جماعةَ المسلمين على نصّ حديث الغدير في زمن خلافته ، راجع : البداية والنهاية : ابن كثير 7 : 360 ، وقد أشهد عليٌّ جمعاً من الناس ، فشهد له ثلاثون أنّهم سمعوا هذا الحديث من رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) . الصواعق المحرقة : 122 ، قال : رواه عن النبي ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) ثلاثون صحابياً ، وأنّ كثيراً من طرقه صحيح أو حسن ... ) .

(33) ذخائر العقبى : 67 ، والحديث يدلّنا على أنّ الفاروق كان يميل أحياناً إلى تغيير الطريقة التي سار عليها الحزب في بداية الأمر مع الهاشميّين ، غير أنّ الطابع السياسي الأوّل غلب عليه أخيراً . [ الشهيد ] . مسند الإمام أحمد بن حنبل 4 : 281 .

(34) راجع الرواية في صحيح البخاري 1 : 37 ، باب كتابة العلم .

(35) شرح نهج البلاغة : ابن أبي الحديد 3 : 97 ، طبعة دار الكتب العربية الكبرى بمصر .

(36) القرآن يقول : ( وَمَا يَنْطِقُ عَنْ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى ) سورة النجم : 3 ـ 4 .

(37) راجع شرح نهج البلاغة : ابن أبي الحديد 6 : 13 ، الطبعة المحقّقة ، أخرج عن أبي جعفر محمّد بن علي ( عليهما السلام ) : ( إنّ عليّاً حَمَلَ فَاطِمَةَ عَلَى حِمَارٍ ، وَسَارَ بِهَا لَيْلاً إِلَى بُيُوْتِ الأَنْصَارِ ، يَسْأَلُهُمْ النُصْرَةَ ، وَتَسْأَلُهُمْ فَاطِمَةُ الانْتِصَارَ لَهُ ) .

(38) راجع : بلاغات النساء : 25 : قالتْ في هذا المعنى من خطبة لها ( عليها السلام ) : ( وَأَطْلَعَ الشَيْطَانُ رَأْسَهُ مِنْ مَغْرِزِهِ ، صَارِخَاً بِكُمْ ، فَوَجَدَكُمْ لِدُعَائِهِ مُسْتَجِيْبِيْنَ ، وَلِلْغِرّةِ فِيْهِ مُلاَحِظِيْنَ ، فَاسْتَنْهَضَكُمْ فَوَجَدَكُمْ خِفَافَاً ... فَوَسَمْتُمْ غَيْرَ إِبِلِكُمْ ) .

(39) جاء في شرح نهج البلاغة : ابن أبي الحديد 6 : 12 : قال علي ( عليه السلام ) في محاورة مع القوم : ( يَا مَعْشَرَ المُهَاجِرِيْنَ ، اللهَ اللهَ ، لاَ تُخْرِجُوا سُلْطَانَ مُحَمّد عَنْ دَارِهِ وَبَيْتِهِ إِلَى بُيُوْتِكُمْ وَدُوْرِكُمْ ، وَلاَ تَدْفَعُوْا أَهْلَهُ عَنْ مَقَامِهِ فِي النَاسِ وَحَقِّهِ ، فَوَاللهِ يَا مَعْشَرَ المُهَاجِرِيْنَ ، لَنَحْنُ أَهْلُ البَيْتِ أَحَقُّ بِهَذَا الأَمْرِ مِنْكُمْ ... ) .

(40) راجع الصواعق المحرقة : 36 ، طبعة مكتبة القاهرة ، قال الخليفة الثاني :

( كانت بيعة أبي بكر فَلْتَةً وَقَى اللهُ شرّها ، فَمَنْ عادَ لِمِثْلِهَا فَاقْتُلُوْهُ ... ) .

(41) شرح نهج البلاغة : ابن أبي الحديد 16 : 218 ـ 219 عن أبي الطفيل ، قال : ( أرسلتْ فاطمةُ إلى أبي بكر : ( أنتَ ورثتَ رَسُوْلَ اللهِ ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) أَمْ أَهْلُهُ ) ؟ قال : بل أهله ... ) .

(42) المصدر السابق 16 : 230 .

(43) ثبوت التوارث في التشريع الإسلامي من ضروريات الإسلام ؛ للنصوص الصريحة القطعيّة ، منها : ( لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ ... ) النساء : 7 . وقال تعالى : ( يُوصِيكُمْ اللَّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ ... ) النساء : 11 .

(44) ادّعى الخليفة الأوّل عدم اطّلاعه على النِحْلَة ـ شرح نهج البلاغة : ابن أبي الحديد 16 : 225 .

(45) شرح نهج البلاغة : ابن أبي الحديد 16 : 211 ، أخرج عن جماعة ، قال : ( قالوا : لمّا بلغ فاطمةَ ( عليها السلام ) إجماعُ أبي بكر على مَنْعِهَا فدك ، لاثَتْ خِمارها وأقبلتْ في لُمّةٍ من حَفَدَتِهَا ونساء قومها ... حتى دخلتْ على أبي بكر ، وقد حشد الناس من المهاجرين والأنصار ... ) .

(46) راجع : الإمامة والسياسة : ابن قتيبة : 14 . [ الشهيد ] . شرح نهج البلاغة : ابن أبي الحديد 16 : 281 ، 264 . وقد قال رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) : ( فاطمةٌ بضعةٌ منّي ، مَنْ أَغْضَبَهَا أَغْضَبَنِي ) ، صحيح البخاري 5 : 83 باب 43 ـ فضائل الصحابة . أعلام النساء 4 : 123 . [ الشهيد ]

(47) شرح نهج البلاغة : ابن أبي الحديد 16 : 233 .

(48) المصدر السابق 6 : 281 . حلية الأولياء 2 : 42 . مستدرك الحاكم 3 : 178 طبعة دار الكتب العلمية .

(49) راجع : الخطبة في شرح نهج البلاغة 16 : 214 ـ 215 .

(50) صحّت عن رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) عبائر متعدّدة بهذا المعنى ، فقد جاء عنه في الصحيح أنّه قال لفاطمة ( رضي الله عنها ) : ( إنّ اللهَ يَغْضَبُ لِغَضَبِكِ ، وَيَرْضَى لِرِضَاكِ ... ) . وقال : ( فاطمةٌ بِضْعَةٌ مِنِّي ، يُرِيْبُنِي مَا رَابَهَا ، وَيُؤْذِيْنِي مَا آذَاهَا ) . راجع : صحيح البخاري 5 : 83 ، باب 43 ، حديث رقم 232 . صحيح مسلم 4 : 1902 ، حديث رقم 93 : 2449 . مستدرك الحاكم 3 : 167 ، حديث رقم 4730 : 328 ، دار الكتب العلمية . [ الشهيد ] . ذخائر العقبى : 39 . مسند الإمام أحمد بن حنبل 4 : 328 . جامع الترمذي 5 : 699 ، دار إحياء التراث العربي ـ بيروت . الصواعق المحرقة : ابن حجر : 190 ـ طبعة القاهرة . كفاية الطالب : 365 ، دار إحياء تراث أهل البيت ـ طهران .

(51) تجد غضب فاطمة ( عليها السلام ) على أبي بكر في : صحيح البخاري 5 : 5 . وصحيح مسلم 2 : 72 . ومسند الإمام أحمد 6 : 1 . تاريخ الطبري 2 : 236 . كفاية الطالب : 266 . سنن البيهقي 6 : 300 . [ الشهيد ]