غزوة الخندق ( الأحزاب )
  • عنوان المقال: غزوة الخندق ( الأحزاب )
  • الکاتب: راشد سليم محمد
  • مصدر:
  • تاريخ النشر: 20:5:49 1-10-1403

غزوة الخندق ( الأحزاب )

راشد سليم محمد

مقدمة :

لمّا نقضت بنو قريظة صلحها مع رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، وانضمَّت إلى صفوف المشركين ، تغيَّر ميزان القوى لصالح أعداء الإسلام .

فتحزّبت قريش والقبائل الأُخرى ، ومعهم اليهود على رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وعلى المسلمين ، وكان يقود الأحزاب أبو سفيان ، فقاموا بتطويق المدينة بعشرة آلاف مقاتل ، ممَّا أدَّى إلى انتشار الرُعب بين صفوف المسلمين ، وتزَلْزَلَت نفوسهم ، وظَنّوا بالله الظنونا ، كما قال الله تعالى : ( إِذْ جَاؤُوكُم مِّن فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَإِذْ زَاغَتْ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللهِ الظُّنُونَا ) الأحزاب : 10 .

حفر الخندق :

 استشار رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أصحابه في معالجة الهجوم المتوقّع من قبل العدو على المدينة المنوّرة ، فأجمع رأيهم على البقاء في المدينة ومحاربة القوم أن جاءوا إليهم ، كما توصّلوا إلى حفر خندق يحصّن المسلمين من أعدائهم .

فبدؤوا بحفر الخندق حول المدينة بالاتجاه العدو ، وخرج النبي ( صلى الله عليه وآله ) مع المسلمين ليشاركهم في حفر هذا الخندق ، وتقسيم العمل بينهم ، وكان يحثّهم ويقول :(( لا عيش إلاّ عيش الآخرة ،اللهم اغفر للأنصار والمهاجرة )) .

ولم يدع المنافقون والمتقاعسون تثبيط العمل رغم الهمّة والحماس الذي أبداه المسلمون .

مبارزة الإمام علي ( عليه السلام ) لعمرو بن عبد ود :

لقد استطاعت مجموعة من العدو عبور الخندق ، وكان من بينهم عمرو بن عبد ودٍّ ، فراح يصول ويجول ، ويتوعَّد ويتفاخر ببطولته ، وينادي : هل من مبارز ؟ فلم يجبه أحد حتّى قال :

ولَقَدْ  بُحِحْتُ من iiالنداء      بجمعكم  هَلْ مِنْ iiمُبارزْ

وَوَقفْتُ إذ جَبنَ المُشَجَّعُ      مَـوقفَ البَطَل iiالمناجِزْ

إنّـي كـذلك لـم iiأزلْ      متسرّعاً  نحو iiالهزاهز

إنّ  السماحة iiوالشجاعة      في  الفتى خيْرُ iiالغرائز

فقام الإمام علي ( عليه السلام ) وقال : (( أنَا لَهُ يا رَسولَ الله

فقال له رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) :  اجلس ، إنّه عمرو

فقال الإمام علي ( عليه السلام ) :  وإن كان عمرواً )) .

فعند ذلك أذن ( صلى الله عليه وآله ) له ، وأعطاه سيفه ذا الفقار ، وألبسه دِرعه ، وعمَّمه بعمامَتِه .

ثمّ قال ( صلى الله عليه وآله ) : (( إلهي أخذت عبيدة منّي يوم بدر ، وحمزة يوم أُحد ، وهذا أخي ، وابن عمّي ،   فلا تَذَرني فرداً ، وأنت خير الوارثين )) .

وقال ( صلى الله عليه وآله ) أيضاً : (( برز الإيمان كلّه إلى الشرك كلّه )) .

ومضى الإمام علي ( عليه السلام ) إلى الميدان ، وكلّه ثقة بالله ونصره له ، وهو يقول :

((لا  تـعجلنَّ فـقد iiأتاك      مجيبُ صوتكَ غير عاجزْ

ذُونــيـة  وَبـصـيرة      والصدقُ  مُنجي كلّ iiفائز

إنّـي  لأرجـو أن أُقـيمَ      عـليكَ نـائحة iiالـجنائزْ

مِـنْ  ضَرْبَة نَجلاء iiيَبقى      ذكـرُها عِـندَ iiالـهَزاهِزْ

ثمّ خاطب ابن عبد ودٍّ بقوله : (( يا عمرو ، إنّك كنت تقول لا يدعوني أحد إلى واحدة من ثلاث إلاّ قبلتها

قال عمرو : أجل .

فقال الإمام علي ( عليه السلام ) :  فإنّي أدعوك أن تشهد أن لا إله إلاّ الله ، وأنّ محمّداً رسول الله ، وتسلم لربّ العالمين

فقال : يا ابن أخي أخّر عنّي هذه .

فقال له :  أما أنّها خير لك لو أخذتها

ثمّ قال ( عليه السلام ) :  وأُخرى ترجع إلى بلادك ، فإن يك محمّد صادقاً كنت أسعد الناس به ، وإن يك كاذباً كان الذي تريد

قال : هذا ما لا تتحدّث به نساء قريش أبداً .

ثمّ قال ( عليه السلام ) :  فالثالثة ، أدعوكَ إلى البراز

فقال عمرو : إنّ هذه الخصلة ما كنت أظنّ أن أحداً من العرب يرومني عليها ، ولم يا ابن أخي ؟ إنّي لأكره أن أقتل الرجل الكريم مثلك ، وقد كان أبوك لي نديماً .

فردَّ الإمام علي ( عليه السلام ) عليه قائلاً :  لكنِّي والله أحِبّ أن أقتلَكَ ،

فغضب عمرو ، فقال ( عليه السلام ) له : كيف أقاتلك وأنت فارس ، ولكن انزل معي،

فاقتحم عن فرسه فعقره ، وسلّ سيفه كأنّه شعلة نار ، وأقبل على الإمام علي ( عليه السلام ) ، فصدَّه برباطة جأش ، وأرداه قتيلاً ، فعلا التكبير والتهليل في صفوف المسلمين .

ولمّا قتل الإمام علي ( عليه السلام ) عمرواً أقبل نحو رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ووجهه يتهلل ، فقال له عمر بن الخطّاب : هلاّ سلبته يا علي درعه ، فإنّه ليس في العرب درع مثلها ؟

فقال ( عليه السلام ) :  إنّي استحييت أن أكشف سوءة ابن عمّي )) .

وقال ( عليه السلام ) أبياتاً في قتل عمرو ، منها :

((نصر الحجارة من سفاهة رأيه      ونـصرت  دين محمّد iiبضرابِ

فـصددتُ حـين تركتُه iiمتجدّلاً      كـالجذع  بـين دكادك iiوروابي

وعـففتُ عـن أثوابه وَلَو iiأنَّني      كـنتُ الـمقطَّر بَـزّني iiأثوابي

لا  تـحسبنّ الله خـاذل iiديـنه      ونـبيّه  يـا معشر الأحزابِ ))

ولمَّا عاد الإمام ( عليه السلام ) ظافراً ، استقبله رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وهو يقول : (( لَمُبَارَزَة عَلي بن أبي طالب لِعَمرو بن عبد ودٍّ أفضلُ من عَمل أُمَّتي إلى يوم القيامة )) .

وفي رواية : (( ضربة علي يوم الخندق تعدل عبادة الثقلين )) .

فلولا الموقف البطولي للإمام ( عليه السلام ) ، لاقتحم جيش المشركين المدينة على المسلمين بذلك العدد الهائل ، وهكذا كانت بطولة الإمام علي ( عليه السلام ) في غزوة الخندق ، فكانت أهمّ عناصر النصر لمعسكر الإيمان على معسكر الكفر والضلال .

وقال أبو الحسن المدائني : لمّا قتل علي بن أبي طالب عمرو بن عبد ود نعي إلى أخته ـ  واسمها عمرة وكنيتها أُمّ كلثوم ـ فقالت : من ذا الذي اجترأ عليه ؟

فقالوا : ابن أبي طالب ، فقالت : لم يعد موته إن كان على يد كفء كريم ، لا رقأت دمعتي إن هرقتها عليه ، قتل الأبطال وبارز الأقران ، وكانت منيته على يد كفء كريم من قومه ، ما سمعت بأفخر من هذا يا بني عامر ، ثمّ أنشأت تقول :

لـو كانَ قاتِلُ عمرو غير iiقاتِلِه      لـكنتُ أبـكي عليه آخرَ iiالأَبدِ

لـكنَّ  قاتلَ عمرو لا يُعابُ iiبِه      مَن كانَ يُدعى قديماً بيضة البلد

مـن هاشم ذراها وهي صاعدة      إلى السماء تميت الناس بالحسد

قـوم أبى الله إلاّ أن يكون iiلهم      كـرامة الـدين والدنيا بلا iiلدد

يـا أُمّ كـلثوم ابكيه ولا iiتدعي      بـكاء مـعولة حرى على iiولد

وقت الانتصار :

أقام المشركون بضعاً وعشرين ليلة، لم يكن بينهم وبين المسلمين حرب إلاّ الرمي بالنبل والحصى ، ولكن بعد عبور أحد أبطال الشرك والكفر ، وهو عمرو بن عبد ودٍّ العامري الخندق ، ومبارزة الإمام علي ( عليه السلام ) له وقتله ، تحقّق النصر للإسلام والمسلمين في الثالث من شوال 5 هـ .