زار الشيخ محمود الألوسي -من كبار علماء العامة وصاحب التفسير المشهور - ذات يوم المرجع الشيخ كاشف الغطاء (قدس) في مجلس درسه بالنجف الأشرف. فسأل الألوسي الشيخ كاشف الغطاء : سلمنا بوجود أمر باتباع أمير المؤمنين علي (علیه السلام), و لكن لا يوجد نهي عن ترك اتباعه إلى غيره , فما الدليل على الالتزام بالنهي عن ترك اتباعه و النهي عن تقديم أي أحد غير علي (علیه السلام) ؟. فأجاب الشيخ كاشف الغطاء فورا و بدون تريث : فهمنا ذلك من قوله تعالى : " ما كان لأهل المدينة و من حولهم من الأعراب أن يتخلفوا عن رسول الله و لا يرغبوا بأنفسهم عن نفسه " (سورة التوبة آية 120 ). و معلوم في اللغة العربية أنه إذا ذكر الاسم الظاهر للشيء , فإذا أريد بعد ذلك الرجوع إليه فيؤتى بالضمير و لا يؤتى بالاسم أو الوصف في الرجوع إليه . و في الآية ذكرٌ للرسول ص ثم أعقب ذلك بقول : " عن نفسه " . و لو أراد الله الرسول ص لقال : " عنه " , فلماذا قال : " عن نفسه " ؟. تحيَّر الألوسي و قال : إن قلت : أن القاعدة المذكورة غير صحيحة فسأبطل جزءا مهما و كبيرا من النحو و بالتبع سأبطل تفسيري لآياتٍ كثيرة جدا لاعتماده على هذه القاعدة . و إن سلمتُ بصحة القاعدة , فالمفروض أن يقال : " عنه " لا " عن نفسه " . فطلب من الشيخ كاشف الغطاء أن يتفضل بتوضيح معنى " عن نفسه " في الآية المشار إليها . أجاب الشيخ كاشف الغطاء : " عن نفسه " يعني أمير المؤمنين عليا (علیه السلام) , و في ذلك نهي عن تقديم أي مسلم نفسه على أمير المؤمنين (علیه السلام) . فقال الألوسي : من أين استفدت ذلك ؟ أجاب الشيخ كاشف الغطاء : من آية المباهلة : " و أنفسنا و أنفسكم " , حيث جاء النبي (صلی الله علیه و آله) للمباهلة بالزهراء ع ممثلة للنساء و بالحسنين ممثلين للأولاد و بعلي (علیه السلام) ممثلا نفسه (صلی الله علیه و آله) . ففي الآية الأولى نهي عن الرغبة بأنفسهم عن نفسه و آية آية المباهلة بينت أن عليا هو نفس الرسول (صلی الله علیه و آله) . فبضم الآيتين معا نستفيد النهي عن تقديم الإنسان نفسه على علي (علیه السلام) . فقال الألوسي متعجبا و مقبلا يد الشيخ كاشف الغطاء : كأني لم أقرأ هذه الآية من قبل !. فخرج الألوسي راجعا إلى بغداد مكتفيا بهذه الفائدة العظيمة . بعد أن خرج الألوسي , قال بعض تلامذة الشيخ كاشف الغطاء لأستاذهم : نحن أيضا لم نسمع منك هذا التفسير للآية رغم حضورنا بحوث تفسيرك . فأجاب أستاذهم الشيخ : و أنا مثلكم لم يحضرني هذا الاستدلال من قبل , فقد خطر على بالي للتو .