المذهب الحنبلي
  • عنوان المقال: المذهب الحنبلي
  • الکاتب: شبكـة رافـد
  • مصدر:
  • تاريخ النشر: 20:4:33 6-10-1403

التعريف :

وهو أقلّ المذاهب الإسلامية سعة وانتشاراً ، ويتبني على آراء الإمام احمد بن حنبل الفقهية والعقائدية والسياسية ، تبلور مذهباً في أواخر القرن الثالث الهجري أهمّ أفكاره إغلاق باب الاجتهاد ، وعدم تجويز الخروج على الحاكم، وإن كان ظالماً جائراً.

 

عوامل النشوء :

ـ العامل السياسي المتمثل بدعم الحاكم العباسي لهذا المذهب الجديد ، الذي يخالف جملة وتفصيلاً مواقف أئمة أهل البيت (عليهم السّلام) وشيعتهم من الحكام الجائرين ، فقد مهدوا لنشوء مثل هذه المناهج التي تعطيهم مبرراً شرعياً للحكم، كما يخالف تماماً مذهب المعتزلة.

ـ الفتاوى والآراء التي أتى بها احمد بن حنبل ، والتي تنسجم مع توجهات الحكم القائم ، كقوله بأنّ العمّ يرث دون البنت أو إبن العم ، دعماً لدعوى العباسيين في أنّ العباس بن عبد المطلب هو الذي ورث النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم).

ـ محاولة الحكم العباسي في إيجاد ثقل يقف في مواجهة الوجود الشيعي ، الأمر الذي دفع بالعباسيين إلى ترويج مصطلح أهل السنّة في مقابل الشيعة ، وجدير بالذكر إنّ هذا الاسم الجديد لم يظهر إلى حيز الوجود إلاّ في العصر العباسي الأول.

ـ طريقة الترويج الإعلامي اللامشروع التي اعتمدها العباسيون، والتي تجسدت في وضع الأحاديث الكاذبة، وتناقل المنامات المفتعلة، التي تشيد بمكانة احمد بن حنبل.

 

النشأة والتطور :

ـ أسس احمد بن حنبل مذهبه بعد خروجه من السجن في أيام المعتصم العباسي ، وذلك على إثر قضية خلق القرآن، ثُمّ تطورت معالم هذا المذهب على أيدي تلاميذه من بعده.

وجاء المتوكل للحكم فقرّب احمد بن حنبل كثيراً ، وأعطاه مطلق الحريّة في إبداء آرائه، التي يصبّ معظمها في خدمة نظام الحكم العباسي ـ فأغدق عليه العطاء، لينفق على طلابه الذين كثر عددهم بسبب ذلك.

ـ رحلات احمد بن حنبل بين عدد من المدن الإسلامية ساعد على رواج مذهبه.

ـ تولى ابنه صالح القضاء في أصبهان ، مما ساهم في نشر أفكار المذهب الجديد.

ـ حرب المتوكل العباسي للشيعة والمعتزلة ، وأمره قضاته على المدينة وغيرها بإخراج أصحاب أبي حنيفة والشافعي من المسجد ، فخلا الجوّ لأحمد بن حنبل بنشر آرائه.

ـ في عام ( 381 هـ ) تبلورت آراؤه مذهباً له أصول ومعالم واضحة ، وذلك عندما أمر القادر بالله العباسي أربعة من فقهاء المذاهب الأربعة أن يصنف كُلّ منهم مختصراً على مذهبه.

ـ في عام ( 645 هـ ) صدر أمر عن المستعصم لأساتذة المدرسة المستنصرية بأن لا يتعدّوا كلام السابقين.

ـ وفي عام ( 665 هـ) أمر الملك الظاهر أحد ملوك المماليك بمصر بغلق باب الاجتهاد ، فتوقف الاجتهاد عندهم منذ ذلك الحين.

ـ اتسعت رقعة هذا المذهب بشكل كبير على يد ابن تيمية ، الذي عمل لنشره في الشام ومصر.

ـ ولد المذهب الحنبلي من جديد على يد محمد بن عبد الوهاب في نجد والجزيرة العربية.

 

الأفكار والمعتقدات :

ـ يقولون بالتجسيم ، ويدعون أنّ لله تعالى يداً، ورجلاً، ووجها.

ـ يقولون بعدم الحاجة إلى العقل في الاعتقادات ، بل تكفي الآيات، و الروايات في ذلك.

ـ أجازوا للمكلف أن يقلد في الأصول.

ـ يعتقدون بأنّ القرآن الكريم غير مخلوق.

ـ يقسمون الإيمان إلى قول وعمل ، ومرتكب الكبيرة في نظرهم خارج من الإيمان ، وإذا تاب عاد إلى إيمانه.

ـ لا يكفرون مرتكب الكبيرة مادام موحداً.

ـ يعتقدون بأنّ قلوب العباد بين إصبعين من أصابع الرحمن ، يقلبها كيف يشاء ويودعها ما أراد.

ـ لا تجوز الإمامة في نظرهم إلاّ في القرشي وإن كان ظالماً فاسقاً.

ـ الخلفاء الراشدون مرتبون في الفضل حسب ترتيـبهم في الخلافة.

ـ من سبّ الخلفاء الراشدين فهو كافر ، وكذلك من سبّ عائشة.

ـ عدم جواز الخروج على الحاكم الجائر.

ـ يؤمنون بعدالة الصحابة حتى من اشتهر منهم بالفسق والظلم.

ـ جوّزوا المسح على العمامة، و الجورب، وقالوا بجواز الجمع بين الصلاتين، في أماكن مشهورة وقالوا إنّ مني الآدمي، ومني ما يؤكل لحمه طاهر.

ـ جوّزوا الوضوء بكلّ ما يسمى ماء ، مطلقاً كان أو مضافاً.

ـ يرجعون في استنباطهم الشرعي إلى النصّ والإجماع وفتوى الصحابة ، وإن اختلفوا اختير ما يوافق الكتاب والسنة. وهم يأخذون بالأحاديث الضعيفة و المرسلة ، ويعتمدون القياس، والاستحسان في بعض الحالات.ـ يعتقدون بأنّ الله تعالى يخرج قوماً من أهل النار بيده في يوم القيامة.

ـ يعتقدون بأنّ الموت يذبح يوم القيامة بين الجنة والنار.

ـ يعتقدون بأنّ الحوض حقّ ترده أمّة محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) و له آنية يشربون بها.

ـ حرّموا زيارة القبور، والتوسل بالأولياء.

ـ يجيزون صلاة الجمعة قبل الزوال.

ـ يجيزون قتل من ترك الصلاة تهاوناً غير جاحد لها ، و يعتقدون بأنّه مشرك، ويدفن في مقابر المشركين.

ــ طواف الحائض جائز، إذا لم يمكنها الطواف حال طهرها ، ولاشيء عليها.

يجوز جلوس المأمومين فـي الصلاة مع عدم عجزهم عن القيام ، إذا كان الإمام جالساً بسبب عدم قدرته على القيام.

 

أبرز الشخصيات :

1 ـ احمد بن حنبل الشيباني المروزي ( 164 ـ 241 هـ ).

2 ـ صالح بن احمد بن حنبل ( 203 ـ 266 ).

3 ـ عبد الله بن احمد بن حنبل.

4 ـ ابن تيمية ( 661 ـ 728 هـ ).

5 ـ ابن قيم الجوزية ( 691 ـ 751 هـ ).

6 ـ القاضي أبو يعلى بن الفراء ( 380 ـ 458 هـ ).

 

الانتشار ومواقع النفوذ :

لم ينتشر المذهب الحنبلي كغيره من المذاهب ، لأنّه ظهر بعد أن اجتاحت المذاهب الثلاثة الأخرى معظم الأمصار ، وكان ، قضاتهم دور كبير في تحجيم نشر المذهب. هذا مضافاً إلى أساليب القوّة التي اتبعها الحنابلة.

وينتشر المذهب الآن في الحجاز، بفعل الوهابيين الذين هم في الحقيقة صورة ثانية للمذهب الحنبلي ، فهم يؤلفون نصف السكان ، وفي بلاد الشام يؤلف الحنابلة ربع السكان. وللمذهب اتباع قليلون في إيران، والعراق، والخليج، ومصر.

وقد جاء في إحصائية ( 1906 م ) أنّه كان من أتباع المذهب الحنبلي في الأزهر (3) شيوخ و (28) طالباً فقط من مجموع (312 ) شيخاً و (9069 ) طالباً.

 

أحداث ووقائع :

1 ـ كان للحنابلة في بغداد في القرن الرابع الهجري نفوذ وسطوة ، فاستغلوا نفوذهم في مناصرة مذهبهم ، وأصبحوا يتعرّضون بعنف لكلّ من يخالف آراءهم فأسرفوا في طغيانهم، إلى درجة أن آذوا الناس اشدّ الإيذاء، وأحدثوا في بغداد شغباً واضحاً، مما أوغر صدور الحكام، فخرج التوقيع من جهة الخليفة العباسي الراضي بالله بالاستـنكار لأعمالهم ، وفي سنة ( 443 هـ ) وقعت الحرب بين الشيعة، والحنابلة وقتل منهما خلق كثير، وذلك على اثر نصب الشيعة أبراجاً كتبوا عليها ( محمد و علي خير البشر ) فأنكر الحنابلة ذلك، ونشبت الحرب بينهم. وفي يوم كان الحنابلة قد عادوا من تشييع رجلٍ منهم ودفنه ، فهجموا على مرقد الإمامين موسى بن جعفر ومحمد الجواد ( عليهما السلام ) فنهبوهما، وسرقوا ما فيهما من قناديل الذهب والفضة.

2 ـ كما هدم المقتدر بالله مسجد براثا بعد أن أوشى الحنابلة على الشيعة الذين فيه.

3 ـ اختلف الحنابلة مع طائفة من العامة في تفسير قوله تعالى : ( عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَّحْمُوداً) ، فقال الحنابلة : ( يجلسه معه على العرش ) وقال الآخرون : ( بل المراد من ذلك هي الشفاعة العظمى ) فاقتتلوا بسبب ذلك.

4 ـ وقعت بين الحنابلة والشافعية فتنة في بغداد ، على أثر إنكار أبي يعلى بن الفرّاء وابن التميمي للجهر بـ (بسم الله الرحمن الرحيم ) ، ومنعوا الترجيع في الأذان ، والقنوت في الفجر ، فجاء الحنابلة إلى باب الشعير ، ونهوا إمامه عن الجهر بالبسملة، فأخرج لهم مصحفاً وقال : ( أزيلوها من المصحف حتى لا أتلوها ).

5 ـ وفي القرن الثامن الهجري شجع الملك المعظم على الانتماء إلى المذهب الحنفي ، فترك قسم من الحنابلة مذهبهم ، ومنهم يوسف بن فرغلي سبط أبي الفرج بن الجوزي ، فأصبح من المقربين للملك.

 

من ذاكرة التاريخ :

تدخلت الدولة العباسية في مناصرة المعتزلة، وأخذت الناس إلى اتباع آرائهم بالقوّة، ثُمّ ازداد نشاطهم أيام المأمون، والمعتصم، والواثق، وكان المحدثون يقفون أمامهم لقولهم بخلق القرآن وقدمه ، فحصلت محنة عامة ، أجاب من أجاب لها، وامتنع من امتنع حتى جاء عهد المتوكل، فأراد أن يستقطب الرأي العام، حيث بلغت الفتنة إلى أقصى حدها من العنف والشدّة ، فأعلن إبطال ذلك في سنة 234 هـ ، وهدد من أثارها، واظهر الميل للمحدثين، ووقف بجانبهم، فكانت لأصحابهم الغلبة، وفي ذلك الوقت ظهر نجم احمد، وظهر اسمه، وعلت منزلته عند المتوكل، وقرّبه إليه وطلب منه أن يتولى تعليم ولي العهد، كما كان يتعاهده بالإكرام و يشيد بذكره، ويتشوق لرؤيته.

 

خلاصة البحث :

ـ المذهب الحنبلي : هو أحد المذاهب الإسلامية التي ظهرت في أوائل القرن الثالث الهجري، بتبني آراء احمد بن محمد بن حنبل الفقهية والعقائدية. ـ ساعدت عوامل كثيرة على إبرازه منها : دعم السلطات العباسية ، واحتضان المتوكل لزعماء ومروجي المذهب ، وكان دعمه لهم سياسياً وإعلاميا ومادياً ، وبسبب ذلك عاشت فرقة المعتزلة لحظاتها الأخيرة، بسبب الضغط والمطاردة لإتباعها ومريديها من قبل السلطة.

ـ اتسعت شعبية الحنابلة بعد تصدّي ابن تيمية الذي درس في المدارس الحنبلية، وتخرّج منها، وقد خالف المذاهب الإسلامية، جميعها في أفكاره وآرائه بسبب قوله بالتجسيم، والتشبيه والجهة.

ـ من أفكارهم ومعتقداهم وآرائهم الفقهية أنهم قالوا بالتجسيم، وادعوا أنّ لله يداً، ورجلاً، ووجهاً واعتقدوا بأنّ القرآن غير مخلوق ، وعدّوا من سبّ الصحابة كافراً لإيمانهم بعدالتهم جميعاً، حتى من اشتهر منهم بالفسق ، وجوّزوا الوضوء بكلّ ما سمى ماء مطلقاً كان أو مقيدا ، وقالوا بطهارة مني الآدمي، ومني كُلّ ما يؤكل لحمه ، وآراء أخرى.ً

ـ كان من ابرز الشخصيات التي تصدّت لزعامة ونشر المذهب : أحمد بن حنبل الشيباني، وابنه صالح بن احمد، واحمد بن تيمية، وابن قيم الجوزية وأمثالهم.

ـ انتشر المذهب في بلدان عديدة من العالم الإسلامي كالعراق، وإيران، ومصر، والشام، والحجاز.