هل أقدم الحسين على التّهلكة ؟
  • عنوان المقال: هل أقدم الحسين على التّهلكة ؟
  • الکاتب: الشيخ محمدجواد مغنية
  • مصدر:
  • تاريخ النشر: 17:49:0 6-10-1403

قد يتساءل : كيف تحدّى إبراهيم الخليل عليه‌السلام شعور قومه ، وأهانهم في آلهتهم وأعظم مقدّساتهم ، ولم يعبأ بالنّمرود صاحب الحول والطّول؟! هذا ، وهو أعزل من السّلاح ، والمال لا ناصر له ، حتّى أبويه لم يجرءا على مناصرته والذّب عنه.
حطّم الخليل آلهة قومه ، وداسها بقدميه ، وقال للألوف المؤلّفة : ﴿ أُفٍّ لَكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ ﴾ 1، ولم يخش سطوتهم ، ونارهم الّتي أو قدوها لحرقة حيّا.
وموسى الكليم عليه‌السلام الشّريد الطّريد الّذي أكل بقلة الأرض حتّى بانت خضرتها من شفيف بطنه لهزاله ، وحتّى سأل ربّه قطعة خبز ، وتضرّع إليه بقوله : ﴿ ... رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ ﴾ 2. هذا الفقر إلى لقمة الخبز يصرخ في وجه فرعون المتألّه ، صاحب النّيل ، والملك العريض الطّويل ، ويقول له : «أنت الضّال المضّل! ...
ومحمّد اليتيم صلى‌الله‌عليه‌وآله 3  الّذي لا يملك شيئا من حطام الدّنيا 4  كيف سفّه أحلام قريش سادة العرب ، وسبّ آلهتهم؟! وبأيّة قوّة هدّد كسرى ملك الشّرق ، وقيصر ملك الغرب ، وكتب إلى كل أسلم تسلم 5  ؟!.
وبكلمة واحدة ، ما هي القوّة؟ وما هو الدّافع الّذي بعث الأنبياء والرّسل على تلك المغامرات الّتي لا يقدم عليها إلّا معتوه لا يدري ما يقول ، أو رسول لا ينطق بلسانه ، بل لسان قوّة خارقة ، وفوق القوى جميعا؟!.
وليس من شك أنّ الأنبياء حين يدعون الجبابرة الطّغاة ، وأهل الجاه والسّلطان دعوة الحقّ إنّما يدعونهم مدفوعين بقوّة لا تقاوم ، ويخاطبونهم باسم الله الّذي يؤمنون به أكثر من إيمانهم بأنفسهم ، وباسم الوحي الّذي يسمعونه بعقولهم وآذانهم.
يقدم الجيش أو يحجم بأمر قائده ورئيسه ، ويبرز الفرسان إلى الميدان فيقتلون أو يقتلون ، ومن يقتل فهو شهيد تقام له حفلات التّكريم والتّعظيم ، وترفع له في السّاحات العامّة النّصب والتّماثيل ، وتوضع على قبره أكاليل الأوراد والزّهور. وهكذا الأنبياء يقدمون بدافع من الله وقيادته ، ويتّحدون أهل القوّة والسّلطان بأمر الله وإرادته ، فينتصرون أو يقتلون ، وهم في الحالين عظماء يمتثلون أمر الله ، وبه يعملون ، فإذا استشهدوا فإنّما يستشهدون ، وهم يبلغون كلمة الله إلى خلقه ، ويمثلون الإنسان في أسمى حالات الإخلاص والتّضحية.
هذا هو منطق أهل الدّين والعقل ، وهذي هي عقيدة أصحاب الإيمان والوجدان ، أمّا الملحدون الّذين لا يؤمنون بالله واليوم الآخر من شباب هذا العصر ، ومثلهم السّذّج المغفلون من قبل ومن بعد ، أمّا هؤلاء فيقولون : لقد جازف الحسين بخروجه إلى العراق ، لأنّ أهله أهل الغدر ، والنّفاق ، وأصحاب أبيه وأخيه ، وإذا خرج ، وخدعته كتبهم ورسلهم فكان عليه أن يستسلم ، بعد أن رأى ما رأى ، من عزمهم وتصميمهم على قتله ، وعجزه عن الذّب والدّفاع عن نفسه وأهله. قالوا هذا ، وهم يعتقدون أنّ الإستشهاد فضيلة ممّن استشهد مع قائد يملك العدّة والعدد. أمّا الحسين في نظرهم فقد خاطر وجازف ، لأنّه استشهد ولا قوّة تدعمه ، وسلطان يناصره 6  .
إنّ الّذين يقولون هذا القول يخطئون الفهم ، ولا ينظرون إلى أبعد من أنوفهم ، أنّ الحسين لم ينهض من تلقاء نفسه ، ولم يخرج إلى العراق رغبة في شيء من أشياء هذه الحياة ، وإنّما خرج بأمر الله ، وقاتل بإرادة الله ، واستشهد بين يدي الله ، فكما أنّ الجندي لا مناص له من البراز والنّزال حين صدرت أوامر رئيسه وقائده ، كذلك الحسين لا ندحة له إلى التّخلص ، والفرار بعد أن أمره الله ... ممّا كان وفعل ، ويؤكد هذه الحقيقة قول الحسين لمن نهاه عن الخروج ، فلقد أتاه فيمن أتاه جابر بن عبد الله الأنصاري ، وقال له : أنت ولد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأحد سبطيه لا أرى إلّا أن تصالح كما صالح أخوك ، فأنّه كان موقفا رشيدا.
فقال له الحسين ، يا جابر! قد فعل ذلك أخي بأمر الله تعالى ورسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأنا أيضا أفعل بأمر الله تعالى ورسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله 7  .
وهذا الجواب يحدّد لنا سلوك الحسين في حياته كلّها ، ولا يدع قولا لقائل ، وإنّه يسير بأمر الله ، وعلى سنّة جدّه محمّد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فلقد أوقع النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله صلح الحديبية مع مشركي مكّة بأمر الله ، ومحا كلمة بسم الله الرّحمن الرّحيم ، ومحمّد رسول الله من كتاب الصّلح بأمر الله 8  ، ورضي أبوه بالتّحكيم يوم صفّين بأمر الله 9  ، وصالح أخوه الحسن معاوية بأمر الله 10  ، ونهض هو نهضته المباركة بأمر الله ، إنّ الّذين يعترضون على نهضة الحسين لا يفسرون الأشياء تفسيرا واقعيّا ، ولا تفسيرا دينيّا ، وإنّما يفسرونها تفسيرا ذاتيّا وشخصيّا محضا لا يمت إلى العلم والدّين بسبب ، ولا ينظرون إلى حكمة الله ، وحجته البالغة : ﴿ ... لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَىٰ مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ ... ﴾ 11.
لقد بيّن سيّد الشّهداء كلمة الله ، ودعا إلى الحقّ ، وحذّر المخالفين من عاقبة الظّلم ، والطّغيان ، فمن خذطبة له يوم الطّفّ :
«فسحقا لكم يا عبيد الأمّة ، وشذاذ الأحزاب ، ونبذة الكتاب ، ونقثة الشّيطان ، وعصبة الآثام ، ومحرّفي الكتاب ، ومطفئي السّنن ، ويحكم هؤلاء ...! ، وعنّا تخاذلون ، أجل والله ، الخذل فيكم معروف ، وشجت عليه أصولكم ، وتآزرت عليه فروعكم ، وثبتت عليه قلوبكم. وغشيت صدوركم ، فكنتم أخبث ثمرة : شجي للناظر ، وأكلة للغاصب.
ألا وإنّ الدعيّ ابن الدّعيّ قد ركز بين اثنتين بين السّلّة والذّلّة ، وهيهات منّا الذّلّة ، يأبي الله لنا ذلك ورسوله والمؤمنون ، وجدود طابت ، وحجور طهرت ، وأنوف حميّة ، ونفوس أبيّة ، لا تؤثر طاعة اللّئام على مصارع الكرام .. 12 .
أما والله لا تلبثون بعدها إلّا كريثّما يركب الفرس ، حتّى تدور بكم دور الرّحي ، وتقلق قلق المحور ، عهد عهده إليّ أبي عن جدّي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : ﴿ ... فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلَا تُنْظِرُونِ ﴾ 13 ؛ ﴿ إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَىٰ صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾ 14 .

وقال الحسين ، حين بلغه مقتل ابن عمّه مسلم : «وأيم الله لتقتلني الفئة الباغية ، وليلبسنّهم الله ذلا شاملا ، وسيفا قاطعا» 15  .
ليس هذا القول تنبأ بالصّدفة ، وأخذا من مجرى الحوادث. كلّا ، وإنّما هو كما قال الإمام عهد من الله سبحانه إلى نبيّه محمّد ، ومنه إلى أمير المؤمنين ، ومنه إلى الإمام الشّهيد ، وقد صدق التّأريخ ذلك ، وما نقص منه شيء ، فلم يلبث قاتلو الحسين عليه‌السلام حتّى دار الزّمن بهم دوراته ، وضربهم بضرباته.
لقد دعا نبيّ الله يحيى إلى الواحد الأحد ، فقتله جبّار أثيم ، وأهدى رأسه بطست إلى بغي 16  ، ودعا الحسين إلى الحقّ والعدل ، فقتله الطّغاة ، وأهدوا رأسه إلى يزيد اللّعين ، وقتل زكريّا وغيره من الأنبياء ، وهم يبشرون وينذرون ، فإذا كان الحسين قد أخطأ في استشهاده من أجل الحقّ ، والعدل فقد أخطأ إذن الأنبياء ، والأولياء ، والمصلحون الّذين قتلوا ، وشردوا في سبيل الله ، وإعلاء كلمة الحقّ ، وإلقاء الحجّة على المبطلين.
قال عليّ بن الحسين : «ما نزل أبي منزلا ، أو ارتحل عنه في مسيره إلى العراق إلّا وذكر يحيى بن زكريا». وقال يوما ، «من هوان الدّنيا على الله أنّ رأس يحيى بن زكريّا أهدي إلى بغي من بغايا بني إسرائيل ... 17  .
ذكر الحسين يحيى للشّبه بين الإثنين ، فلقد أهديّ رأس الحسين إلى بغي من بغايا الأمويّين الّذين كانوا أشرّ ، وأضرّ على العرب ، والمسلمين من صهاينة هذا العصر. نكث يزيد رأس الحسين بالخيزران عنادا لله ورسوله 18  ، ولأنّ في هذا الرّأس الشّريف علوم القرآن الكريم ، والرّسول العظيم.
أيهدى إلى الشّامات رأس ابن فاطم *** ويقرعه بالخيزرانة كاشحه
وتسبى كريمات النّبيّ حواسرا *** تفادي الجوا من ثكلها وتراوحه
يلوح لها رأس الحسين على القنا *** فتبكي وينهاها عن الصّبر لائحه 19

____________

    1. القران الكريم: سورة الأنبياء (21)، الآية: 67، الصفحة: 327.
    2. القران الكريم: سورة القصص (28)، الآية: 24، الصفحة: 388.
    3. ماتت أمّه ، وله ست سنين. انظر ، الخصائص الكبرى : ١ / ٨٠. الحاوي للفتاوي : ٢ / ٢٢ ، السّيرة ـ لزيني دحلان بهامش السّيرة الحلبيّة : ١ / ٥٧. السّيرة لابن هشام : ١ / ١٦٨ ، مروج الذّهب : ٢ / ٢٧٥ ، الطّبقات الكبرى لابن سعد : ١ / ١١٦ ، البداية والنّهاية لابن كثير : ٢ / ٢٥٥ ، تأريخ الطّبريّ : ٢ / ٢٧٢ ، الرّوض الأنف للسّهيلي : ١ / ٨ ، تأريخ اليعقوبيّ : ٢ / ٦ ، حاشية البجيرميّ : ٢ / ٢٤٩ ، مسالك الحنفا : ٦٣ ، دلائل النّبوّة للبيهقي : ١ / ١٨٨.
    4. كلّ ما ورثه النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله من أبويه أمة ، وهي أمّ أيمن ، وخمسة جمال ، وقطيعة غنم ، وقد أعتق أمّ أيمن حين تزوّج بخديجة. (منه قدس‌سره). انظر ، تركة النّبي : ١ / ١٠١.
    5. انظر ، صحيح البخاري : ١ / ٩ ، صحيح مسلم : ٣ / ١٣٩٦ ، مسند أحمد : ١ / ٢٦٢ ، صحيح ابن حبّان : ١٤ / ٤٩٥ ، مسند أبي عوانه : ٤ / ٢٦٨ ، السّنن الكبرى للبيهقي : ٩ / ١٧٦ ، معتصر المختصر : ١ / ٢٠٧ ، المعجم الكبير : ٨ / ١٥ ، تفسير ابن كثير : ٣ / ٣٩٥ ، تفسير البيضاويّ : ٤ / ٩ ، أسباب النّزول : ١٦٩.
    6. انظر ، العواصم من القواصم ، تحقّيق : محبّ الدّين الخطيب ـ طبع سنة (١٣٧١ ه‍) : ٢٣٢. مثل هذه الأكاذيث والمقولات الموضوعة ، أو الّتي لا تفسّر بشكلها الصّحيح هي الّتي شلّت حركة الأمّة ، وجعلتها قابعة تحت سيطرة الحاكم المستبد ، وأطفأت الرّوح الجهاديّة في الأمّة. هذا أوّلا.

    وثانيّا : ليست هذه هي المرّة الأولى الّتي نقرأ فيها الزّور ، والبهتان على الشّيعة ، فلقد عودنا بعض الكتّاب المستأجرين من المستعمرين ، والوهابيّين على شحنائهم ، وأسوائهم الّتي استفاده منها أعداء الإسلام والمسلمين ، ولم تضر الشّيعة شيئا ، ولكن الشّيء الجديد هو هذا الكذب الصّراح على الله والرّسول ، وتحريف آي الذّكر الحكيم ، والدّس في سنّة الرّسول العظيم ...

    ووليس من شكّ أنّ السّكوت عن الجبهان ، ومحبّ الدّين الخطيب ، وغيرهما ممّن كتب ونشر ، وحمل ـ وتحامل على الشّيعة والتّشيّع لآل الرّسول قد أدّى كنتيجة طبيعيّة إلى الكذب والإفتراء على الله وآياته ، والنّبيّ وعترته ، والإسلام وحماته.

    وثالثا : وهذه «رسالة العقيدة الواسطية» لابن تيميّة الّذي يقدّسه الوهابيون «فصل في سنّة رسول الله» جاء فيه : «ينزل ربّنا إلى سماء الدّنيا كلّ ليلة حين يبقى ثلث اللّيل الآخر فيقول : من يدعوني استجب له؟ من يسألني أعطيه؟ من يستغفرني فاغفر له؟» ثمّ قال ابن تيمية : هذا متفق عليه ... وأيضا جاء فيه : «لا تزال جهنّم يلقى فيها وهي تقول : هل من مزيد؟ حتّى يضع ربّ العزّة فيها رجله فتقول : قطّ قطّ» وقال أيضا : متفق عليه. انظر ، الفصل في الأهواء والملل والنّحل : ١ / ١٦٧. ورابعا : لقد وجد معاوية أبا هريرة ، وسمرة بن جندب يضعان الأحاديث الكاذبة على لسان الرّسول في مدح معاوية ، والطّعن على عليّ ؛ كما وجد ولده يزيد شيخا يقول : أنّ الحسين قتل بسيف جدّه! ... لم توجد هذه الكلمة في تأريخ ابن خلدون الموجود الآن ، وكأنّه ذكرها في النّسخة الّتي رجع عنها كما قال بعض المؤرّخين. انظر ، الضّوء اللّامع : ٤ / ١٤٧ ، فيض القدير شرح الجامع الصّغير : ١ / ٢٦٥ ح ٢٨١ و : ٥ / ٣١٣ ح ٧١٦٣.
    7. انظر ، الثّاقب في المناقب : ٣٢٢ ح ٢٦٦ ، معالم السّبطين : ١ / ٢١٦.
    8. في سنة خمس للهجرة خرج النّبيّ من المدينة إلى مكّة في ناس من أصحابه يريد العمرة ، فمنعه المشركون من دخولها ، ثمّ وقع الصّلح بينه وبينهم على أن يترك العمرة هذه السّنة إلى السّنة القادمة فيدخل مكّة بلا سلاح ، وأمر النّبيّ عليّا أن يكتب كتاب الصّلح ، فكتب بسم الله الرّحمن الرّحيم : هذا ما قاضى عليه محمّد رسول الله ، فأبى المشركون إلّا محو البسملة والشّهادة لمحمّد بالرّسالة ، فقال النّبيّ للإمام : أمح. فقال الإمام : إنّ يدي لا تنطلق بمحو اسمك من النّبوّة ، والتفت إلى مندوب المشركين ، وقال له : أنّه رسول الله رغم أنفك ، فتولى النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله المحو بنفسه. (منه قدس‌سره).
    انظر ، سنن التّرمذي : ٥ / ٢٩٨ ح ٣٧٩٩ ، الفضائل لأحمد : ٢ / ٦٤٩ ، مسند أحمد : ١ / ١٥٥ ، المستدرك للحاكم : ٢ / ١٣٧ ، تأريخ الطّبري : ٤ / ٤٨ ، مروج الذّهب : ٢ / ٤٠٤.
    9. لقد تكلّم الشّارحون عن حرب الخوارج ، ومروقهم ، وأطال المؤرخون الحديث عن أحوالهم ، ووضع فيهم العديد من المؤلفات ، ومن أحبّ معرفة التّفاصيل فليرجع إليها ، وإلى أقوال شارحي النّهج ... وغرضنا الآن أن نشير إلى موقف أمير المؤمنين عليه‌السلام منهم ، ويتلخص بأنّه حاول جهد المستطاع أن لا يهيجهم في شيء. ومن جملة ما قال لهم : «ألم أقل عند رفع المصاحف : إنّ معاوية ورهطه ليسوا بأصحاب دين ، ولا قرآن ، وإنّما هم يكيدون ، ويخدعون ، ويتّقون حرّ السّيف؟. فأبيتم إلّا إيقاف القتال ، والكف عنه ، وإلّا التّحكيم ، وإلّا الأشعريّ .. فرضيت مكرها خوف الفتنة ، ورضوخا لأهون الشّرين .. وأيضا قلت لكم بعد التّحكيم : أخذنا عليهما ألّا يتعدّيا القرآن فتاها عنه ، وتركا الحقّ ، وهما يبصرانه ، وكان الجور هواهما فمضيا عليه»؟.
    انظر ، نهج البلاغة من كلام له عليه‌السلام رقم (١٢٧) ، البداية والنّهاية : ٩ / ٣٣٩ ، الإحتجاج : ٢ / ٥٨ ، الإرشاد : ٢ / ١٦٥ ، أنساب الأشراف : ٢ / ٣٥٧ ، الأخبار الطّوال : ٢٠٩ ، تأريخ ابن خلدون : ق ٢ / ج ٢ / ١٧٧ ، ينابيع المودّة : ٢ / ٢٠ ـ ٢١ ، وقعة صفّين : ٥١٧ ، الإمامة والسّياسة : ١ / ١٦٨ ، الكامل لابن الأثير : ٢ / ٤٠٤.
    10. اختلف المؤرّخون اختلافا كثيرا فيمن بدر لطلب الصّلح ، فابن خلدون في تأريخه : ٢ / ١٨٦ ذهب إلى أنّ المبادر لذلك هو الإمام الحسن عليه‌السلام حين دعا عمرو بن سلمة الأرحبي وأرسله إلى معاوية يشترط عليه بعد ما آل آمره إلى الإنحلال ، وقال ابن الأثير في الكامل : ٣ / ٢٠٥ مثل ذلك ؛ لأنّ الإمام الحسن عليه‌السلام رأى تفرّق الأمر عنه ، وجاء مثله في شرح النّهج لابن أبي الحديد : ٤ / ٨.

    وأمّا ابن أعثم في الفتوح : ٢ / ٢٩٢ قال : ثمّ دعا الحسن بن عليّ بعبد الله بن نوفل بن الحارث بن عبد المطّلب بن هاشم وهو ابن اخت معاوية فقال له : صرّ إلى معاوية فقل له عنّي : إنّك إن أمنت النّاس على أنفسهم ... وقريب من هذا في تأريخ الطّبري : ٦ / ٩٢ ، والبداية والنّهاية : ٨ / ١٥ ، وابن خلدون : ٢ / ١٨٦ ، وتأريخ الخلفاء : ٧٤ ، والأخبار الطّوال : ٢٠٠ ، وتأريخ اليعقوبي : ٢ / ١٩٢.

    أمّا الفريق الآخر فقد ذكر أنّ معاوية هو الّذي طلب وبادر إلى الصّلح بعد ما بعث إليه برسائل أصحابه المتضمّنة للغدر والفتك به متى شاء معاوية أو أراد ، كما ذكر الشّيخ المفيد في الإرشاد : ٢ / ١٣ و ١٤ وصاحب كشف الغمّة : ١٥٤ ، ومقاتل الطّالبيّين : ٧٤ ، وتذكرة الخواصّ لسبط ابن الجوزي : ٢٠٦ ولكننا نعتقد أنّ معاوية هو الّذي طلب الصّلح ، وممّا يدل على ذلك خطاب الإمام الحسن عليه‌السلام الّذي ألقاه في المدائن وجاء فيه : ألا وإنّ معاوية دعانا لأمر ليس فيه عزّ ولا نصفه ...

    انظر ، الكامل في التّاريخ : ٣ / ٢٠٥ ، وتأريخ الطّبري : ٦ / ٩٣.
    11. القران الكريم: سورة الأنفال (8)، الآية: 42، الصفحة: 182.
    12. انظر ، تأريخ الطّبري : ٥ / ٤٢٥ ـ ٤٢٦ طبعة سنة ١٩٦٤ م ، الكامل في التّأريخ : ٣ / ٢٨٧ ـ ٢٨٨.
    13. القران الكريم: سورة يونس (10)، الآية: 71، الصفحة: 217.
    14. القران الكريم: سورة هود (11)، الآية: 56، الصفحة: 228.
    15. انظر ، الفتوح لابن أعثم : ٥ / ٧٩ ، مقتل الحسين عليه‌السلام للخوارزمي : ١ / ٢٢٦ ، مثير الأحزان : ٤٦ ، أعيان الشّيعة : ١ / ٥٩٥ ، اللهوف في قتلى الطّفوف : ٢٩.
    16. انظر ، الفتوح لابن أعثم : ٥ / ٤٢ مقتل الإمام الحسين : ١ / ١٩٢ ، اللهوف في قتلى الطّفوف : ١٢.
    17. انظر ، مستدرك الحاكم : ٢ / ٢٩٠ و : ٣ / ١٧٨ ، كنز العمّال : ١٢ / ١٢٧ ح ٣٤٣٢٠ ، فيض القدير : ١ / ٢٦٥ ، تفسير القرطبي : ١٠ / ٢١٩ ، الدّر المنثور : ٤ / ٢٦٤ ، تأريخ ابن عساكر : ١٤ / ٢٢٥ و : ٦٤ / ٢١٦ ، بغية الطّلب في تأريخ حلب : ١ / ٩٣ ، تأريخ بغداد : ١ / ١٥٢.
    18. انظر ، سنن التّرمذي : ٥ / ٦٥٩ ، موارد الظّمآن : ١ / ٥٥٤ ، مسند أبي يعلى : ٥ / ٢٢٨ ، المعجم الكبير : ٣ / ١٢٥ و : ٥ / ٢٠٦ و ٢١٠ ، تحفة الأحوذي : ١٠ / ١٩١ و ٣٠٧ ، سير أعلام النّبلاء : ٣ / ٢٦١ و ٣١٥ و ٣٢٠ ، تهذيب الكمال : ٦ / ٤٣٤ ، تأريخ واسط : ١ / ٢٢٠ ، فضائل الصّحابة لأحمد : ٢ / ٧٨٣ ، تأريخ الطّبري : ٣ / ٣٠٠ ، الإتحاف بحبّ الأشراف الشّيخ عبد الله بن محمّد بن عامر الشّبراوي : ١٥٢ ، بتحقّيقنا.
    19. المصدر : كتاب الحسين و بطلة كربلاء : 33 ، للعلامة الفقيد الشيخ محمد جواد مغنية رحمه الله .