مشروعية البكاء من كتب العامّة
  • عنوان المقال: مشروعية البكاء من كتب العامّة
  • الکاتب: الشيخ محمد علي خاتم
  • مصدر:
  • تاريخ النشر: 22:53:24 6-10-1403

هذا البحث المتواضع معدّ لدفع بعض الشبهات حول سنّة من سنن الرسول (صلَّى الله عليه وآله) التي سنّها وأكّد عليها من خلال قوله وفعله وتقريره وهي سنّة البكاء وهذه محاولة لجمع عدد من الموطن التي بكى فيها الرسول (صلَّى الله عليه وآله) على ميّت أو على شخص يُخاف موته، والإشارة إلى ما ورد من معارضات لهذا المعنى وترجيح ما يستحق ذلك، ومن ثمّ نلحق في ختامه بعض المواطن التي بكى فيها الرسول (صلَّى الله عليه وآله) على الإمام الحسين (عليه السلام) وفي كل هذا نعتمد على ما ورد في بعض كتب العامّة.
الروايات الواردة في بكاء النبي (صلَّى الله عليه وآله) على المتوفى وحثّه على ذلك

1- بكاء الرسول (صلَّى الله عليه وآله) في مرض سعد بن عبادة (1)
في صحيح مسلم: عن عبد الله بن عمر قال: اشتكى سعد بن عبادة شكوى له، فأتى رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) يعوده مع عبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص وعبد الله بن مسعود، فلمّا دخل عليه وجده في غشية، فقال: «أقد قضى؟» قالوا: لا يا رسول الله! فبكى رسول الله (صلَّى الله عليه وآله)، فلمّا رأى القوم بكاء رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) بكوا، فقال: «ألا تسمعون؟ إنّ الله لا يعذّب بدمع العين، ولا بحزن القلب، ولكن يعذّب بهذا -وأشار إلى لسانه- أو يرحم»(2).
هنا يظهر بكاء الرسول (صلَّى الله عليه وآله) وأنه قد أطال في البكاء حتى التفت القوم إلى بكائه فبكوا ببكائه وفي محضره الشريف مع أن الرسول (صلَّى الله عليه وآله) يعلم بعدم موت سعد أي أنه بكى على من يُخاف عليه الموت.
وفي قوله (صلَّى الله عليه وآله) «ألا تسمعون» يحتمل فيها إرادته للتنبيه على ما سيقول من كلام مهم يريد شدّ انتباههم إليه. ويحتمل فيها إرادته التقرير؛ أي أنه نزّلهم منزلة المنكر.
وفي كلا الاحتمالين يوجد توكيد على أن البكاء على الميت لا يضرّه.

2- بكاء النبي (صلَّى الله عليه وآله) على ابنه إبراهيم
في صحيحي البخاري ومسلم وسنن أبي داود وابن ماجة واللفظ للأوّل: قال أنس: دخلنا مع رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) وإبراهيم يجود بنفسه، فجعلَتْ عينا رسول الله تذرفان، فقال له عبد الرحمن ابن عوف (رض): وأنت يا رسول الله؟! فقال: «يا بن عوف، إنّها رحمة»، ثمّ أتبعها بأخرى فقال (صلَّى الله عليه وآله): «إنّ العين تدمع والقلب يحزن، ولا نقول إلاّ ما يرضي ربّنا، وإنّا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون»(3).
وفي سنن ابن ماجة: عن أنس بن مالك; قال: لما قبض إبراهيم، ابن النبي (صلَّى الله عليه وآله) قال لهم النبي (صلَّى الله عليه وآله): «لا تدرجوه في أكفانه حتى أنظر إليه» فأتاه فانكب عليه، وبكى(4).
بهذه الإضافة نستفيد أن النبي (صلَّى الله عليه وآله) كثر بكاؤه على ولده حتى بلغ به الأمر إلى أنه أنكبّ عليه وبكى أمام الجميع ولم يكتف بمجرّد النظر إليه مع البكاء، ولا يخفى ما في الانكباب من معنى الإقبال على الشيء ولزومه والاشتغال به عن غيره.

3- بكاء الرسول (صلَّى الله عليه وآله) على عمّه حمزة
في طبقات ابن سعد ومغازي الواقدي ومسند أحمد وغيرها واللفظ للأوّل: قال: لمّا سمع رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) بعد غزوة أُحد البكاء من دور الأنصار على قتلاهم، ذرفت عينا رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) وبكى، وقال: «لكن، حمزة لا بواكي له»، فسمع ذلك سعد بن معاذ، فرجع الى نساء بني عبد الأشهل فساقهنّ فدعا لهنّ وردّهنّ. فلم تبك امرأة من الأنصار بعد ذلك الى اليوم على ميت، إلاّ بدأت بالبكاء على حمزة، ثمّ بكت على ميّتها(5).
وهنا أقف سريعا على نكتة مفادها أن النبي تمنّى أن يُبكى على الحمزة كما يُبكى على الأنصار، والسؤال هنا كيف كان بكاء نساء الأنصار على قتلاهن! ألم تكن أصواتهنّ قد اعتلت حتى خرجت من الدور وملئت الطرقات!.

4- بكاء الرسول على الشهداء بغزوة مُؤْتة
في صحيح البخاري: أنّ النبيّ نعى زيداً وجعفراً وابن رواحة للناس قبل أن يأتيهم خبرهم وقال: «أخذ الراية زيد، فأصيب. ثمّ أخذ جعفر، فأصيب. ثمّ أخذ ابن رواحة فأصيب»، وعيناه تذرفان(6).

5- بكاء الرسول (صلَّى الله عليه وآله) على جعفر بن أبي طالب
في الاستيعاب وأُسد الغابة والإصابة وتاريخ ابن الأثير وغيره ما موجزه: لمّا اُصيب جعفر وأصحابه دخل رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) بيته وطلب بني جعفر، فشمهم ودمعت عيناه، فقالت زوجته أسماء: بأبي وأمّي ما يبكيك؟ أبلغك عن جعفر وأصحابه شيء؟ قال: «نعم أصيبوا هذا اليوم» فقالت أسماء: فقمتُ أصيح وأجمع النساء، ودخلت فاطمة وهي تبكي وتقول: واعمّاه، فقال رسول الله (صلَّى الله عليه وآله): «على مثل جعفر فلتبك البواكي»(7).
الّطيف أن في هذا الخبر ذكرٌ لتجمّع نسَويّ غرضه البكاء على ميّت والألطف أنه كان بمرأى ومسمع من النبي (صلَّى الله عليه وآله) ومشاركة من الزهراء (عليها السلام).

6- بكاء الرسول (صلَّى الله عليه وآله) على أُمّه عند قبرها
في صحيح مسلم ومسند أحمد وسنن أبي داود والنسائي وابن ماجة واللفظ للأوّل: عن أبي هريرة قال: زار النبي (صلَّى الله عليه وآله) قبر أمّه فبكى وأبكى مَن حوله(8).
رأي علماء العامة في البكاء على الميت: وأمام هذا السيل من الروايات من الثابتة عن النبي (صلَّى الله عليه وآله) نجد علماء المسلمين يفتون بجواز البكاء على أقل تقدير على الميت منهم ابن قدامة المقدسي -حنبلي المذهب- من كتابه المغني(9)، فقد كتب: "(مسألة): قال: (والبكاء غير مكروه إذا لم يكن معه ندب ولا نياحة) أمّا البكاء بمجرّده فلا يُكره في حال. وقال الشافعي: يُباح إلى أن تخرج الروح".
ومن يدّعي أن البكاء الوارد عن الرسول (صلَّى الله عليه وآله) هو مجرّد سيلان الدمع من دون خروج الصوت، أو أن الروايات في من أوصى بالبكاء والنوح عليه فعليه أن يبرز الدليل على ذلك بدلا من بثّ مجوعة من الدعاوى الخالية من الدليل أو المؤيد حتى.
والغريب ادّعاء البعض أن هذه الأحاديث هي لمن سنّ البكاء فصار أهله يبكون عليه سائرين على طريقته في النوح والبكاء! وغيرها من الترهات التي لا تُقبل روايات نهي النبي (صلَّى الله عليه وآله) عن البكاء ومنشأه في صحيح مسلم: عن عبد الله، أنّ حفصة بكت على عمر. فقال: مهلا يا بنية! ألم تعلمي أنّ رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) قال: «إنّ الميت يعذّب ببكاء أهله عليه»(10).
وفي رواية أخرى: عن عمر، عن النبي (صلَّى الله عليه وآله) قال: «الميت يعذّب في قبره بما نيح عليه»(11).
وفي أخرى: عن ابن عمر، قال: لما طعن عمر أغمي عليه، فصيح عليه، فلمّا أفاق قال: أما علمتم أنّ رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) قال: «إنّ الميّت ليعذّب ببكاء الحيّ»(12).

 

استدراك عائشة على حديث عمر وابنه

وفي صحيح مسلم: عن ابن عباس ما موجزه: لمّا قدمنا المدينة لم يلبث أمير المؤمنين أن أصيب، فجاء صهيب يقول: واأخاه! واصاحباه! فقال عمر: ألم تعلم أو لم تسمع أنّ رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) قال: «إنّ الميت ليعذّب ببعض بكاء أهله».
فقمت فدخلت على عائشة، فحدّثتها بما قال عمر. فقالت: لا والله! ما قال رسول الله  (صلَّى الله عليه وآله) قط "إنّ الميت يعذب ببكاء أحد"، ولكنّه قال: «إنّ الكافر يزيده الله ببكاء أهله عذاباً وإنّ الله لهو أضحك وأبكى. ولا تزر وازرة وزر أخرى».
وعن القاسم بن محمد قال: لما بلغ عائشة قول عمر وابن عمر قالت: إنّكم تحدّثوني عن غير كاذبين ولا مُكذبين، ولكنّ السمع يخطئ(13).
وهنا لم تقف أم المؤمنين عائشة على رفض الحديث وحسب بل أبرزت تعارضه مع القرآن الكريم وذكرت الحديث الصحيح، فهي لم تتعامل مع الحديث كتعامل المجتهدين حتى يقال بأنها لم تكن قادرة على الجمع بين الحديث والقرآن فقالت بالتعارض فأخطأت في اجتهادها، بل تعاملت معه معاملة الراوي أولا فردّت الحديث وأكّدت على عدم صدوره من النبي (صلَّى الله عليه وآله) ثم ترقّت إلى دعوى استحالة صدور هذا المضمون من النبي (صلَّى الله عليه وآله) بمخالفته لصريح القرآن، وبعد ذلك كله انتقلت إلى الخطوة الثالثة من نقل الحديث الصحيح.
وجاء في صحيح مسلم: عن هشام بن عروة عن أبيه، قال: ذُكر عند عائشة قول ابن عمر: الميت يعذّب ببكاء أهله عليه، فقالت: رحم الله أبا عبد الرحمن، سمع شيئاً فلم يحفظه، إنّما مرّت على رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) جنازة يهوديّ وهم يبكون عليه، فقال: «أنتم تبكون وإنّه ليعذّب»(14).
قال الإمام النووي (ت/676 هـ) في شرح صحيح مسلم عن روايات النهي عن البكاء المروية عن رسول الله (صلَّى الله عليه وآله): "وهذه الروايات من رواية عمر بن الخطاب وابنه عبدالله"(15).
مقارنة الروايات ونتيجتها: ثبت من خلال الروايات أنّ من سيرة النبي (صلَّى الله عليه وآله) البكاء على من رآه مشرفاً على الموت وعلى من توفّى شهيداً أو غير شهيد وعلى قبر المتوفى.
وثبت أيضا مِن الروايات أنّ روايات نهي الرسول (صلَّى الله عليه وآله) عن البكاء على الميت انحصرت بالخليفة الثاني وابنه عبد الله، وثبت مِن خلال استدراك أمّ المؤمنين عائشة على ذلك، أنّ ما رواه الخليفة الثاني وابنه عبدالله من نهي النبي (صلَّى الله عليه وآله) عن البكاء على الميّت كان خطأ.
ولا يخفى على المتأمّل ما في تلك الروايات المدعى فيها أنّ الميّت يُعذّب ببكاء أهله عليه، فقد كفانا مؤونة ردّه ما قالته عائشة.
كما أنّ مقتضاه أن يُعذّب -والعياذ بالله- مثل الشهيد جعفر بن أبي طالب الطيّار؛ لأجل بكاء النبي (صلَّى الله عليه وآله) عليه! أو يُعذّب النبي -والعياذ بالله- وهو سيد الخلائق ببكاء الصديقة الزهراء (عليها السلام) عليه! وثبت أنّ البكاء على من يخاف موته وعلى المتوفّى وعلى قبر المتوفى من سيرة النبي (صلَّى الله عليه وآله) وسنّته، وبذلك يكون البكاء على الحسين (عليه السلام) اتباعاً لسيرة النبي (صلَّى الله عليه وآله) وسنّته.
وسنثبت أيضا من الروايات بكاء النبي (صلَّى الله عليه وآله) عدّة مرّات على سبطه الشهيد وبذلك يلحق بكاؤه على الحسين (عليه السلام) بالقسم الأوّل ويعدّ من سيرة النبي وسنّته.

 

الروايات الناهية عن النياحة

وهنا نقف لدفع شبهة مفادها أن في كتب الإمامية وردت روايات تنهى عن البكاء والنياحة وهذا هو بعينه ما يفعله الشيعة! منها عن جابر :«ومَنْ أقام النواحة فقد ترك الصبر، وأخذ في غير طريقه»(16) وفي رواية أخرى : «النياحة من عمل الجاهليّة»(17) « نهى عن النياحة والاستماع إليها»(18).
والجواب عنها: إنّ هذه ناظرة إلى النياحة الكاذبة، التي كانت على زمان الجاهليّة حيث كانوا يدّعون عددا من المناقب للميت ويصفونه بمال ليس فيه كذبا وينوحون عليه ولا بد من التفريق بين النوح الباطل وهو المستلزم للكذب والاعتراض على الله (عزَّ وجلَّ) -وهو المنهي عنه- وبين النوح بالحق وهو الذي لم يرد النهي عنه، ولو كان كل الندب والنوح على الميّت باطل لما فعل ذلك الإمام الباقر (عليه السلام) كما في الحديث: «قال أبي: يا جعفر، أوقف لي من مالي كذا وكذا النوادب تندبني عشر سنين بمنى أيام منى»(19) وهذا الفعل يفيد أن النوح والندب كان سنّة جارية.
بعد كل هذا نختم بذكر عدد من الروايات الواردة عن العامة التي تفيد بكاء الرسول (صلَّى الله عليه وآله) على ولده الحسين بن علي (عليهما السلام):

1- حديث أمّ الفضل
في مستدرك الصحيحين وغيرهما: عن أمّ الفضل بنت الحارث، أنّها دخلت على رسول الله  (صلَّى الله عليه وآله) فقالت: يا رسول الله إنّي رأيت حلماً منكراً الليلة، قال: «وما هو؟» قالت: إنّه شديد، قال: «وما هو؟» قالت: رأيت كأنّ قطعة من جسدك قطعت ووضعت في حجري، فقال رسول الله (صلَّى الله عليه وآله): «رأيت خيراً، تلد فاطمة -إن شاء الله- غلاماً  فيكون في حجرك»، فولدت فاطمة الحسين فكان في حجري -كما قال رسول الله  (صلَّى الله عليه وآله)- فدخلت يوماً الى رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) فوضعته في حجره، ثمّ حانت منّي التفاتة، فإذا عينا رسول الله  (صلَّى الله عليه وآله) تهريقان من الدموع، قالت: فقلت: يا نبيّ الله! بأبي أنت وأمّي ما لك؟ قال: «أتاني جبرئيل عليه الصلاة والسلام فأخبرني أنّ أُمّتي ستقتل ابني هذا»، فقلت: هذا؟ قال: «نعم، وأتاني بتربة من تربته حمراء».
قال الحاكم: "هذا حديث صحيح على شرط الشيخيين ولم يخرجاه"(20).

2- حديث أمير المؤمنين (عليه السلام)
«فنادا علي: اصبر أبا عبد الله اصبر أبا عبد الله بشط الفرات. قلت: وماذا؟ قال: دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم وعيناه تفيضان، قلت: يا نبي الله أغضبك أحد؟ ما شأن عينيك تفيضان؟، قال: بل قام من عندي جبريل قبل، فحدثني أن الحسين يقتل بشط الفرات. قال: فقال: هل لك إلى أن أشمك من تربته؟ قال: قلت: نعم، فمد يده فقبض قبضة من تراب فأعطانيها فلم أملك عيني أن فاضتا»(21).
"رجاله ثقاة"(22).

3- حديث معاذ بن جبل
«عن معاذ بن جبل قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم متغير اللون، فقال: أنا محمد، أوتيت فواتح الكلام وخواتمه فأطيعوني ما دمت بين أظهركم، فإذا ذهب بي فعليكم بكتاب الله أحلوا حلاله وحرموا حرامه أتتكم الموتة أتتكم بالروح والراحة كتاب من الله سبق أتتكم فتن كقطع الليل المظلم كلما ذهب رسل جاء رسل تناسخت النبوة فصارت ملكا رحم الله من أخذها بحقها وخرج منها كما دخلها، أمسك يا معاذ وأحص، قال: فلما بلغت خمسا، قال: يزيد لا بارك الله في يزيد ثم ذرفت عيناه صلى الله عليه وسلم، ثم قال: نعي إلي حسين وأتيت بتربته وأخبرت بقاتله والذي نفسي بيده لا يقتلوه بين ظهراني قوم لا يمنعونه إلا خالف الله بين صدورهم وقلوبهم وسلّط عليهم شرارهم، وألبسهم شيعا، قال: واها لفراخ آل محمد من خليفة يستخلف مترف يقتل خلفي وخلف الخلف»(23).

4- حديث أم سلمة
«عن أم سلمة، قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم جالسا ذات يوم في بيتي، قال لا يدخل علي أحد فانتظرت فدخل الحسين فسمعت نشيج(24) رسول الله صلى الله عليه وسلم يبكي فأطلت فإذا حسين في حجره والنبي صلى الله عليه وسلم يمسح جبينه، فقلت: والله ما علمت حين دخل، فقال: إن جبريل عليه السلام كان معنا في البيت، قال: أفتحبّه، قلت: أما في الدنيا فنعم، قال: إن أمتك ستقتل هذا بأرض يقال لها كربلاء، فتناول جبريل تربتها فأرها النبي صلى الله عليه وسلم...» قال صاحب مجمع الزوائد: "رواه الطبراني بأسانيد ورجال أحدها ثقاة"(25).

5- حديث ثانٍ لأم سلمة
أخبرنا رزين، قال: حدثتني سلمى قالت: دخلت على أم سلمة وهي تبكى فقلت: ما يبكيك؟ قالت: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم -تعني في المنام- وعلى رأسه ولحيته التراب فقلت: ما لك يا رسول الله قال: شهدت قتل الحسين أنفا(26).

6- حديث ثالث لأم سلمة
«قالت أم سلمة: كان النبي صلى الله عليه وسلم نائما في بيتي فجاء حسين يدرج قالت: فقعدت على الباب فسبقته مخافة أن يدخل فيوقظه قالت: ثم غفلت في شيء فدب فدخل فقعد على بطنه، قالت فسمعت نحيب رسول الله صلى الله عليه وسلم فجئت فقلت: يا رسول الله والله ما علمت به؟ فقال: إنما جاءني جبريل عليه السلام وهو على بطني قاعد فقال لي: أتحبه؟ فقلت: نعم، قال: إن أمتك ستقتله؟! ألا أريك التربة التي يقتل بها؟ قال: فقلت: بلى، قال: فضرب بجناحه فأتى بهذه التربة. قالت: فإذا في يده تربة حمراء وهو يبكي ويقول: ياليت شعري من يقتلك بعدي؟»(27).
هذه بعض الأحاديث من مصادر العامة تثبت أن الرسول (صلَّى الله عليه وآله) قد تكرر بكاؤه على الإمام الحسين (عليه السلام)، وعندئذٍ لا يوجد مجال للتشكيك في كون البكاء سنة من سنن الرسول أو لا.
ومن هنا كان أئمتنا يوصون كثيرا على البكاء على مصاب الحسين (عليه السلام)، منها ما قاله الإمام الصادق (عليه السلام) لفضيل: تجلسون وتحدثون؟ قال: نعم جعلت فداك! قال: إن تلك المجالس أحبّها فأحيوا أمرنا يا فضيل، فرحم الله من أحيى أمرنا.
يا فضيل! من ذَكَرنا أو ذُكِرنا عنده فخرج من عينه مثلُ جناح الذباب، غفر الله له ذنوبه ولو كانت أكثر من زبد البحر.
ولا يصح ان يستكثر أحد عظم الثواب على البكاء على الإمام الحسين (عليه السلام) فقد وردت أعمال كثيرة وفعلها قليل يكون ثوابها عظيم جدا منها ما روي عن النبي  (صلَّى الله عليه وآله)أنّه قال: «مَنْ قال لا إله إلاّ الله دخل الجنّة»(28).
وعنه (صلَّى الله عليه وآله) أيضاً: «مَنْ قال سبحان الله وبحمده مائة مرّة حطّت خطاياه ولو كانت أكثر من زبد البحر»(29).
حشرنا الله مع رسوله المصطفى الأمين وآله الكرام الميامين.

الهوامش:
------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
(1) سعد بن عبادة رئيس الأنصار في حينه، وهو رجل غيور شديد الغيرة، قال فيه الرسول: «أتعجبون من غيرته وأني لأغير منه» له ستة من الأولاد كلهم نصروا الرسول (صلَّى الله عليه وآله).
(2) صحيح مسلم 2: 636 كتاب الجنائز، باب6.
(3) صحيح مسلم 4: 1808 كتاب الفضائل، باب رحمته بالصبيان والعيال، ح2، وسنن أبي داود 3: 193 كتاب الجنائز، باب البكاء على الميت، وسنن ابن ماجة 1: 507 كتاب الجنائز، باب53 ح1589، والبخاري 1: 158 كتاب الجنائز، باب قول النبي  (صلَّى الله عليه وآله): "وإنّا بك لمحزونون".
(4) سنن ابن ماجة 1: 473 كتاب الجنائز، باب ما جاء في النظر الى الميت.
(5) مسند أحمد 2: 40، وتاريخ الطبري 2: 532.
(6) صحيح البخاري2: 204 كتاب فضائل الصحابة، باب مناقب خالد، والبداية والنهاية لابن كثير 4: 255، شرح ابن أبي الحديد 15: 73.
(7) مسند أحمد 2: 40، وتاريخ الطبري 2: 532.
(8) صحيح مسلم 2: 671 كتاب الجنائز، باب36 ح108، ومسند أحمد 2: 441.
(9) المغني لابن قدامة2: 410.
(10) صحيح مسلم 2: 639 كتاب الجنائز، باب الميت يعذّب ببكاء أهله عليه.
(11) صحيح مسلم 2 : 639.
(12) صحيح مسلم 2 : 639.
(13) صحيح مسلم، كتاب الجنائز، باب 9 ح22 و23.
(14) صحيح مسلم، كتاب الجنائز، باب9 ح25.
(15) صحيح مسلم بشرح النووي 6: 228.
(16) الكافي 3 باب الصبر والجوع والاسترجاع ح1: 223.
(17) من لا يحضره الفقيه 4: 376.
(18) نفس المصدر 4: باب ذكر جملة من مناهي النبي (صلَّى الله عليه وآله) ص5.
(19) الكافي 5: 117.
(20) مستدرك الصحيحين 3 : 176، كنز العمال 12: ح34300 ص123.
(21) مسند أحمد 1: 85، مسند أبي يعلى 1: ح362 ص 298.
(22) مجمع الزوائد 9: 187.
(23) مجمع الزوائد ج9 ص189- 190.
(24) النشيج: صوت معه توجع وبكاء.
(25) مجمع الزوائد ج9 ص188.
(26) سنن الترمذي ج5 ص323 ح2860 والغريب قوله: "هذا حديث غريب". المستدرك للنيسابوري ج4 ص19 في رؤية أم سلمة النبي بعد شهادة الحسين.
(27) منتخب مسند عبد بن حميد ص443 ح1533.
(28) سنن الترمذي ج4 ص133.
(29) نفس المصدر ج5 ص175.