الامام العسكري (علیه السلام)، إمامة قصيرة ومعاناة مريرة
  • عنوان المقال: الامام العسكري (علیه السلام)، إمامة قصيرة ومعاناة مريرة
  • الکاتب: جميل ظاهري
  • مصدر:
  • تاريخ النشر: 0:53:52 7-10-1403

تعتبر شؤون قيادة الأمة نحو الصلاح والفلاح بصنوفها العقائدية والسياسية والعلمية هي من أبرز مهام الامامة بعد النبوة، ومن هذا المنطلق نجد أن أئمة أهل البيت (عليهم السلام) بدءاً من الامام علي بن أبي طالب أمير المؤمنين (عليه السلام) وحتى الامام الحسن العسكري (عليه السلام)، حيث حملوا لواء المعارَضة للأنظمة الطاغية والفرعونية الحاكمة، ونادوا بالعمل في كتاب الله عزوجل وسُنَّة النبي (صلى الله عليه وآله)، ما أربك ويربك حكام الجور والتحريف فعقدوا العزم على قمعهم وأتباعهم وشيعتهم وأنصارهم خوفاً من وعي الأمة وإلتفافها حول حبل الله المتين " إني تارك فيكم الثقلين : كتاب الله ، وعترتي أهل بيتي ، ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبدا"- حديث الثقلين للرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله).
أتخذ أئمة أهل بيت النبوة والعصمة عليهم السلام أساليب مختَلفة لمواجهة الظلم والطغيان والانحرافات التي عمت الأمة الاسلامية وسعوا كثيرا لإحياء القيم الحقيقية للاسلام الحنيف الأصيل وعودة المسلمين الى طريق الصواب والنجاة، فقدموا الغالي والنفيس وتحملوا أشق المعاناة كالملاحقة، والسجون، والقتل، والتنكيل والأسر والسبي وغيرها من أبشع أنواع الظلم منذ "سقيفة بني ساعدة" وحتى عصرنا الحاضر حيث إراقة الدماء البريئة بات أمراً مألوفاً للأمة الصالحة "أقتلونا.. القتل لنا عادة وكرامتنا من الله الشهادة" - من اقوال الامام السجاد (علیه السلام) في مجلس الدعي أبن الدعي زياد أبن أبيه بالكوفة .
وقد قاسى كل أمام من أئمة الهداية الربانية جوراً وظلماً وإضطهاداً لايطيقه أحداً لإحياء السنة الالهية الخاتمية وإبقائها قائمة حتى اليوم الموعود، كلٌ حسب الظروف التي عاشها طيلة حياته الشريفة، ومنهم  الامام الحسن بن علي العسكري عليهما السلام الذي نعيش هذه الأيام  ذكرى استشهاده الاليمة والمفجعة ، والذي تحمل معاناة ربما أكثر مما عاشها آباؤه الميامين في قيادة الأمة وإرشادها ومكافحة الظلم والانحراف خلال فترة قصيرة لا تتجاوز ست سنوات الى جانب رسالته الكبيرة التي إنفرد بها وهي إعداد الأمة لعصر الغيبة وإمامة الامام المهدي الموعود عجل الله تعالى فرجه الشريف.
وأفصح الامام الحسن العسكري(عليه السلام) عن سرّ هذا الأمر ضمن حديث جاء فيه: قد وضع بنو اُمية وبنو العباس سيوفهم علينا لعلّتين: إحداهما: أنّهم كانوا يعلمون (انّ) ليس لهم في الخلافة حق فيخافون من ادّعائنا إيّاها وتستقرّ في مركزها. وثانيهما: انّهم قد وقفوا من الأخبار المتواترة على أن زوال ملك الجبابرة الظلمة على يد القائم منّا، وكانوا لا يشكّون أنهم من الجبابرة والظلمة ، فسعوا في قتل أهل بيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) وإبادة نسله طمعاً منهم في الوصول الى منع ولادة القائم(عليه السلام) أو قتله، فأبى الله أن يكشف أمره لواحد منهم إلاّ أن يتم نوره ولو كره المشركون(منتخب الأثر: 359 ط ثانية عن أربعين الخاتون آبادي- كشف الحق).فقد عاصر الامام الحسن العسكري(ع) فترة حرجة من الصراع مع السلطة العباسية، تميزت بتراخي قبضة الخلافة على السلطة، وتصعيد الضغط والتضييق على الامام المعصوم (علیه السلام) وقاعدته الشعبية، لخوفها من تعلق الناس به لهذا، حيث سعت السلطة العباسية آنذاك جاهدة الى عزله (علیه السلام) عن الناس، والحد من أي نشاط قد يقوم به في التصدي للسلطة المستبدة ولحياة البذخ واللهو في قصور الخلفاء العباسيين وانصارهم واعوانهم، يقابله في الوقت نفسه مجتمع العلويين وانصارهم حيث تسوده حالات الفقر، والجوع، والمرض، والارهاب، كما هو حال الكثير من البلاد الاسلامية اليوم منها العراق وسوريا ولبنان ومصر واليمن البحرين والسعودية .
وفي ظل تلك الظروف العصيبة كانت هناك مهام أساسية تنتظر الامام (علیه السلام) باعتباره حلقة الوصل بين عصري الحضور والغيبة بكل ما يزخران به من خصائص وسمات، الأمر الذي دفع بسلطة بني العباس الى اتخاذ اجراءات مراوغة تجاه الامام العسكري (علیه السلام) تضليلاً للامة حيث اقدموا على تقريب الامام (علیه السلام) من البلاط والتظاهر بإكرامه في العلن فيما زادوا من المراقبة الشديدة والمستمرة لكل أحوال الامام(علیه السلام)، الى جانب الإيعاز باتخاذ الصرامة في مواجهة الامام العسكري (علیه السلام) إذا تطلّب الأمر ذلك مثل سجنه أو مداهمة بيته أو إغتياله،  فحُوصِر الامام (علیه السلام) في عهد الطاغية المتوكل العباسي، واعتقل مرات عدة في عهد من جاء بعده، من المستعين الى المعتز الى المهتدي الى المعتمد العباسي الذي أجمع رأيه على الفتك بالامام (علیه السلام)، واغتياله فدس له سماً قاتلاً، لسبب الحسد الكبير الذي كان يكنه العباسيون للامام أبي محمد (علیه السلام) على ما يتمتع به من شعبية هائلة واحترام بالغ من جميع الأوساط.
وهكذا كان استشهاده عليه السلام في الثامن من ربيع الأول سنة 260 للهجرة وبعد خمس سنوات وثمانية أشهر وخمسة أيام من إمامته المباركة، وكانت أعظم خسارة مني بها المسلمون في ذلك العصر، وجيء بالجثمان الطاهر تحت هالة من التكبير والتعظيم الى مقره الأخير فدفن في داره إلى جانب أبيه الامام علي الهادي (عليه السلام) في سامراء وهو أبن ثمان وعشرين سنة وقد واروا معه صفحة مشرقة من صفحات الرسالة الاسلامية وواروا فلذة كبد رسول الله (صلى الله عليه وآله) تحقيقاً لما قاله أئمة الهدى عليهم السلام "ما منا إلا وقد مات شهيدا او مسموماً" - عيون أخبار الرضا ج2 ص203، والبحار ج49 ص285 وج27 ص213و217، وكفاية الأثر ص162، ومستدرك سفينة البحار ج1 ص164، وكشف الغمة ج2 ص430، والأنوار البهية ص322، وأعلام الورى ص367، والصراط المستقيم ج2 ص128، وبصائر الدرجات ص523، والأمالي للصدوق ص120، ومن لا يحضره الفقيه ج2 ص351 وغيره من كتب الأحاديث.
وخير ما نختتم به مقالنا هذا هو حديث الامام الحسن العسكري عليه السلام مع أبي هاشم الجعفري، حيث قال (علیه السلام) : "ياأبا هاشم : سيأتي زمان على الناس وجوههم ضاحكة ، مستبشرة ، وقلوبهم مظلمة منكدرة ، السُّنة فيهم بدعة ، والبدعة فيهم سُنّة، المؤمن بينهم محقَّر والفاسق بينهم موقَّر، اُمراؤهم جاهلون جائرون، وعلماؤهم في أبواب الظلمة سائرون، أغنياؤهم يسرقون زاد الفقراء، وأصاغرهم يتقدّمون على الكبراء، وكل جاهل عندهم خبير وكل محيل عندهم فقير.."- حديقة الشيعة: 592 عن السيد المرتضى الرازي في كتبه: بيان الأديان وتبصرة العوام والفصول التامّة في هداية العامّة عن الشيخ المفيد مسنداً، الأنوار النعمانية: 2 / 293، ذرائع البيان في عوارض اللسان: 38؛ واصفاً عليه السلام ما تعيشه الأمة في عصرنا الحاضر كما عاشته في القرون الماضية .