هجرت الإمام الهادي عليه السلام
  • عنوان المقال: هجرت الإمام الهادي عليه السلام
  • الکاتب:
  • مصدر:
  • تاريخ النشر: 22:6:34 1-10-1403

قال ابن الصباغ المالكي (( و حُكيَ أنّ سبب شخوص ابي الحسن علي بن محمد من المدينة الى سر من رأى ان عبد الله بن محمد كان ينوب عن الخليفة المتوكل الحرب و الصلاة بالمدينة الشريفة فسعى بابي الحسن الى المتوكل و كان يقصده باذى فبلغ ابا الحسن سعايته فكتب الى المتوكل يذكر تحامل عبد الله بن محمد عليه و قصده له بالذى ، فتقدم المتوكل بالكتابة اليه و اجابه عن كتابه و جعل يعتذر اليه فيه و يلين له القول و دعاه فيه اليه على جميل من القول و الفعل و كانت صورة الكتاب الذي كتبه اليه المتوكل :

بسم الله الرحمن الرحيم

اما بعد ، ان امير المؤمنين عارف بقدرك راعٍ لقرابتك ، موجب لحقك ، مؤثر من الامور فيك و في اهل بيتك لما فيه صلاح حالك و حالهم ، و يثبت عزك و عزهم و ادخال الامر عليك و عليهم يبتغي بذلك رضا الله و اداء ما افترضه عليه فيك و فيهم ، و قد رأى امير المؤمنين صرف عبدالله بن محمد عما كان يتولاه من الحرب و الصلاة اذا كان على ما ذكرت من جهالته بحقك و استخفافه ، و لِما رماك به و عزاك اليه من الامل الذي قد علم امير المؤمنين براءتك منه ، و لما تبين له من صدق نيتك و حسن طويتك ، و سلامة صدرك و انك لم تؤهل نفسك بشيء مما ذكره عنك . و قد ولى امير المؤمنين مما كان يليه عبدالله بن محمد من الحرب و الصلاة بمدينة الرسول (ص) لمحمد بن الفضل و امره باكرامك و احترامك و توقيرك و تجليلك و الانتهاء الى امرك و رايك و عدم مخالفتك و التقرب الى الله تعالى و الى امير المؤمنين بذلك ، و امير المؤمنين مشتاق اليك و يحب احداث العهد بقربك ، و التيمن بالنظر الى ميمون طلعتك المباركة ، فان نشطت لزيارته و المقام قبله و في جهته ما احببت احضرت انت و من اخترته من اهل بيتك و مواليك و حشمك و خدمك على مهلة و طمأنينة ترحل اذا شئت و تنزل اذا شئت ، و تسير كيف شئت ، و ان اجبت و حسن رايك ان يكون يحيى بن هرثمة باعين مولى امير المؤمنين في خدمتك ، و من معه من الجند يرحلون لرحيلك و ينزلون لنزولك فالامر اليك في ذلك ، و قد كتبت اليه في طاعتك و جميع ما تحب ، فاستخر الله تعالى فما احد عند امير المؤمنين من اهل بيته و ولده و خاصته الطف منزلة و لا احمد اثرة و لا هو انظر اليهم و ابّر بهم و اشفق عليهم و اسكن اليهم منك و اليه ، و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته .

و كتبه ابراهيم بن العباس في سنة ثلاث و اربعين و مائتين من الهجرة .

فلما وصل الكتاب الى ابي الحسن (ع) تجهز للرحيل و خرج معه يحيى بن هرثمة ، ولي امير المؤمنين و من معه من الجند حافين به الى ان وصل الى سر من رأى فلما وصل اليها تقدم المتوكل بان يحجب عنه فنزل في خان يعرف بخان الصعاليك و قام فيه يومه.

ثم ان المتوكل افرد له داراً حسنة و انزله اياما فاقام ابو الحسن مدة مقامه بسر من رأى مكرماً معظماً مبجلاً في ظاهر الحال ، و المتوكل يبتغي له الغوائل في باطن الامر فلم يقدره الله تعالى عليه )) . الفصول المهمة ص 279.

قال سبط بن الجوزي (( قال علماء السير : و انما اشخصه المتوكل من مدينة رسول الله الى بغداد لان المتوكل كان يبغض علياً و ذريته فبلغه مقام علي بالمدينة ، و ميل الناس اليه فخاف منه فدعا يحيى :فذهب الى المدينة فلما دخلتها ضج اهلها ضجيجاً عظيماً ما سمع الناس بمثله خوفاً على علي ، و قامت الدنيا على ساق لانه كان محسناً اليهم ملازماً للمسجد لم يكن عنده ميل الى الدنيا ، قال يحيى : فجعلت اسكنهم و احلف لهم اني لم اؤمر فيه بمكروه ، و انه لا بأس عليه ، ثم فتشت منزله فلم اجد فيه الا مصاحف و ادعية و كتب العلم ، فعظم في عيني و توليت خدمته بنفسي ، و احسنت عشرته ، فلما قدمت به بغداد بدات باسحاق بن ابراهيم الطاهري – و كان والياً على بغداد – فقال : يا يحيى ان هذا الرجل قد ولده رسول الله و المتوكل من تعلم فان حرضته عليه قتله ، و كان رسول الله خصمك يوم القيامة . فقلت له : و الله ما وقعت منه الا على كل امر جميل .

ثم صرت به الى سر من راى فبدات بوصيف فاخبرته بوصوله فقال : و الله لئن سقط منه شعرة لا يطالب بها سواك ، قال : فعجبت كيف وافق قوله قول اسحاق ، فلما دخلت على المتوكل سألني عنه فاخبرته بحسن سيرته و سلامة طريقه و ورعه و زهادته ، و اني فتشت داره فلم اجد فيها غير المصاحف و كتب العلم و ان اهل المدينة خافوا عليه فاكرمه المتوكل و احسن جائزته و اجزل برّه و انزله معه سر من راى )) تذكرة الخواص ص 359

قال "خواجة بارسا" البخاري (( و لما كثرت السعاية في حقه عند المتوكل اقدمه من المدينة الى سامراء ، و اسكنه بها و اقام بها عشرين سنة و تسعة اشهر الى ان توفى بها في ايام المعتز بالله بن المتوكل ، و سامرا بلدة بناها المعتصم بالله لعساكره و لما ضاقت بغداد على العساكر انتقل اليها بعسكره و يقال : سر من راى ، و العسكرية )) ؛ فصل الخطاب ملحق ينابيع المودة ص 386

قال ابن شهر آشوب ((و وجه المتوكل عتاب ابن ابي عتاب الى المدينة يحمل علي بن محمد (ع) الى سر من راى . وكان الشيعة يتحدثون انه يعلم الغيب فكان في نفس عتاب من هذا شيء فلما فصل من المدينة رآه و قد لبس لبادة و السماء صاحية ، فما كان اسرع من ان تغيمت و امطرت و قال عتاب : هذا واحد ، ثم لما وافى شط القاطون رآه مقلق القلب فقال له : مالك يا ابا احمد ؟ فقال : قلبي مقلق بحوايج التمستها من امير المؤمنين ، قال له : فان حوائجك قد قضيت فما كان باسرع من ان جائته البشارات بقضاء حوائجه ، قال : الناس يقولون انك تعلم الغيب و قد تبينت من ذلك خلتين )) المناقب ج 4 ص 413

قال المسعودي (( و قد كان سُعيَ بابي الحسن علي بن محمد الى المتوكل ، و قيل له : ان في منزله سلاحاً و كتباً و غيرها من شيعته ، فوجه اليه ليلاً من الاتراك و غيرهم مَن هجم عليه في منزله على غفلة ممن في داره فوجده في بيت وحده مغلق عليه و عليه مدرعة من شعر ، و لا بساط في البيت الا الرمل و الحصى ، و على راسه ملحفة من الصوف متوجهاً الى ربه بآياتٍ من القرآن في الوعد و الوعيد ، فاخذ على ما وجد عليه ، و حمل المتوكل في جوف الليل ، فمثل بين يديه ، و المتوكل يشرب و في يده كاس ، فلما رآه اعظمه و اجلسه الى جنبه و لم يكن في منزله شيء مما قيل فيه ، و لا حالة يتعلل عليه بها ، فناوله المتوكل الكاس الذي في يده فقال : يا امير المؤمنين ما خامر لحمي و دمي قط فاعفني منه ، فاعفاه و قال : انشدني شعراً استحسنه ، فقال : اني لقليل الرواية للاشعار ، فقال : لا بد ان تنشدني فانشده :

 

باتوا على قلل الاجيال تحرسهم

                                        و استنزلوا بعد عز عن معاقلهم

ناداهم صارخ من بعد ما قبروا

                                       اين الوجوه التي كانت مُنعَّمة

فافصح القبر عنهم حين سائلهم

                                       غلب الرجال فما اغنتهم القلل

فاودعوا حفراً يا بئس ما نزلوا

                                     اين الاسرّة و التيجان و الحلل ؟

من دونها تضرب الاستار و الكلل

                                       تلك الوجوه عليها الدود يقتتل

قد طالما اكلوا دهراً و ما شربوا

                                       و طالما عمروا دوراً لتحصنهم

و طالما كنزوا الاموال و ادخروا

                                         اضحت منازلهم قفراً معطلة

 فاصبحوا بعد طول الاكل قد اُكلوا

                                       ففارقوا الدور و الاهلين و انتقلوا

فخلفوها على الاعداء و ارتحلوا

                                        و ساكنوها الى الاجداث قد رحلوا

 

قال : فاشفق كل منْ حضر على علي و ظنّ ان بادرة تبدر منه اليه . قال :
و الله لقد بكى المتوكل بكاءً طويلاً حتى بلّت دموعه لحيته و بكي من حضره ، ثم امر برفع الشراب

 ثم قال له : يا ابا الحسن ، اَعليكَ دَيْن ؟ قال : نعم اربعة آلاف دينار ، فامر بدفعها اليه ، و ردّهُ الى منزله من ساعته ))مروج الذهب ج 4 ص 93