حياة الإمام محمد الجواد (عليه السلام)
  • عنوان المقال: حياة الإمام محمد الجواد (عليه السلام)
  • الکاتب: منقول من إحدى المنتديات بتصرف
  • مصدر:
  • تاريخ النشر: 9:36:31 21-9-1403

حياة الإمام محمد الجواد ( عليه السلام ) *

 اسمه: الإمام التاسع محمد.
ألقابه: الجواد، التقي، القانع، الزكي، باب المراد.
كنيته: أبو جعفر.
والده: الإمام علي الرضا (عليه السلام).
والدته: الخيزران، ويقال لها أيضا (درة) و (سبيكة) و (سكينة).
ولادته: ولد (عليه السلام) في شهر رمضان المبارك عام195هـ بالمدينة.
عمره: 25 سنة.
معاصروه: عاصر إمامنا الجواد من الملوك بقية ملك المأمون والمعتصم.
من زوجاته: أم الفضل بنت المأمون.
أولاده: الإمام علي الهادي، وموسى، وفاطمة، وأمامة، وحكيمة، وزينب.
صفته: كان (عليه السلام) أبيضا معتدل القامة عليه ملامح الأنبياء.
مع أبيه: عاش إمامنا الجواد مع أبيه7 سنين فقط، وقيل أقل من ذلك، ثم هاجر الإمام الرضا إلى خراسان بأمر المأمون.
مدة إمامته: سبعة عشر سنة.
هجرته: هاجر (عليه السلام) من المدينة إلى بغداد بأمر من المعتصم العباسي، وأقام فيها تحت الرقابة المشددة إلى أن توفي.
شهادته: استشهد إمامنا الجواد متأثرا بسم أمر به المعتصم العباسي، سقته إياه زوجته أم الفضل بنت المأمون سنة220هـ.
قبره: في بغداد (الكاظمية) إلى جنب جده الإمام الكاظم، فاطلق عليهما (الجوادين) و (الكاظمين).
نقش خاتمه: نعم القادر الله.
حرزه: يا نور يا برهان يا مبين يا منير يا رب اكفني الشرور وآفات الدهور وأسألك النجاة يوم ينفخ في الصور.

الولادة المباركة
عندما حملت السيدة (سبيكة) بالإمام الجواد، ازداد تكريم الإمام الرضا (عليه السلام) لها ،وأحاطها بعناية فائقة حتى اقترب موعد الوضع، فأرسل الإمام الرضا إلى شقيقته السيدة حكيمة ، وأمرها أن تلازم أم الإمام الجواد، وتكون بخدمتها، فقامت حكيمة بالأمر على أحسن ما يرام، إلى أن جاء الوليد العظيم، وغمرت الإمام الرضا دفعات من الأفراح والابتهاج بهذا الإمام الذي سيليه.
وضمته والدته إلى صدرها ، وهي فرحة مستبشرة به، وكانت والدته من أهل بيت مارية القبطية ، زوجة رسول الله (صلى الله عليه وآله)، كانت على درجة عالية من الكمال المعنوي، والنسب الشريف.

تقول حكيمة: فجاء الإمام الرضا (عليه السلام)، وأخذ ابنه الجواد فوضعه في المهد ، وقال لي: ( يا حكيمة الزمي مهده).
قالت:  فلما كان في اليوم الثالث ، رفع بصره إلى السماء، ثم نظر يمينه ويساره، ثم قال: ( أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله (صلى الله عليه وآله) )، فقمت فزعة وأخبرت الرضا فقال: ( ماترون من عجائبه أكثر).

شخصية الإمام (عليه السلام)
لقد أضفى الله تبارك وتعالى على الإمام الجواد هالة من الهيبة والوقار، فعلى رغم أنه كان في صباه ، إلا أن كل من يدخل عليه كان يتهيبه ويقف إليه بكل إجلال واحترام، لما يترشف من شخصيته العظيمة من البهاء والنور.
فقد كان للإمام الصادق (عليه السلام) ، ولد اسمه علي بن جعفر، وكان كبير السن، أبيض اللحية ، طاعنا في العمر، وكان عالما من علماء أهل البيت، عاصر الإمام الجواد (عليه السلام)، لقد كان علي بن جعفر على رغم كبر سنه ، ومكانته ، يقوم للإمام الجواد إذا دخل ، ويقف له، ثم يأخذ يد الإمام الجواد فيقبلها، فيقول له الجواد: ( يا عم اجلس رحمك الله )، فيقول علي: يا سيدي كيف أجلس وأنت قائم، ثم يجلس عندما يجلس الإمام، وإذا قام الإمام يقوم علي بن جعفر، فيرتب له نعليه بكل تواضع، فكان بعض الرجال يوبخون علي بن جعفر على فعله ، فيقول لهم: اسكتوا ، إن الله لم يؤهل هذه الشيبة وأهل هذا الفتى ووضعه حيث وضعه.

علم الإمام الجواد (عليه السلام)
إن الشيء الملفت للنظر، هو كثرة الأسئلة التي وجهت إلى الإمام الجواد في فترة حياته القصيرة.
وكان الإمام يجيب عن المئات من الأسئلة في اليوم الواحد، وكانت هذه الأسئلة تنطلق من حب معرفة الإمام وامتحانه، وحاول المخالفون أن يسخروا من إمامنا الجواد (عليه السلام)، لأنه صبي، فجالسه كبراء علمائهم، وناظروه على مختلف الأصعدة ، فرأوا بحرا لا ينفد، وعطاء علميا لا ينضب.
فقد روي أن الإمام الجواد صعد منبرا في مسجد النبي (صلى الله عليه وآله)، بعد رحيل والده فقال: (أنا محمد بن علي الرضا، أنا الجواد، أنا العالم بأنساب الناس في الأصلاب، أنا أعلم بسرائركم وظواهركم وما أنتم صائرون إليه، علم منحنا به من قبل خلق الخلق أجمعين وبعد فناء السماوات والأرضين، ولولا تظاهر أهل الباطل ودولة أهل الضلال ووثوب أله الشك لقلت قولا تعجب منه الأولون والآخرون).
ومن جملة المناظرات العقائدية التي نقلت عن الإمام الجواد هذه:
عقد المأمون العباسي حوارا مفتوحا بين يحيى بن أكثم وهو مرجع أهل السنة في زمانه وبين الإمام الجواد وهو ذو تسع سنوات.

فقال يحيى: ما تقول يا ابن رسول الله في الخبر الذي روي أنه نزل جبرئيل على رسول الله وقال: يا محمد: إن الله عز وجل يقرئك السلام ويقول لك سل أبا بكر هل هو عني راض فإني عنه راض؟
فقال الإمام: (إن هذا الخبر لا يوافق كتاب الله قال الله تعالى: (لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ) فالله عز وجل خفي عليه رضا أبي بكر من سخطه حتى سأل من مكنون سره؟ هذا مستحيل في العقول).
فقال يحيى: وقد روي أن مثل أبي بكر وعمر في الأرض كمثل جبرائيل وميكائيل في السماء.
فقال (عليه السلام): ( وهذا أيضاً يجب أن ينظر فيه، لأن جبرائيل وميكائيل ملكان لله مقرّبان لم يعصيا الله قط ، ولم يفارقا طاعته لحظة واحدة، وهما قد أشركا بالله عزّ وجل وإن أسلما بعد الشرك. فكان أكثر أيّامهما الشرك بالله فمحال أن يشبّههما بهما) .

فقال يحيى: وقد روي أيضا أنهما سيدا كهول أهل الجنة فما تقول؟
فقال (عليه السلام): ( وهذا الخبر محال أيضاً، لان أهل الجنة كلهم يكونون شبّاناً ، ولا يكون فيهم كهل ، وهذا الخبر وضعه بنو أُمية لمضادة الخبر الذي قاله رسول الله (صلّى الله عليه وآله) في الحسن والحسين (عليهما السلام) بأنهما  سيدا شباب أهل الجنة).

فقال يحيى: وروي أن عمر بن الخطاب سراج أهل الجنة.
فقال (عليه السلام): (وهذا أيضا محال، لأن في الجنة ملائكة الله المقربين، وآدم ومحمد (صلى الله عليه وآله)، وجميع الأنبياء والمرسلين. لا تضيء بأنوارهم حتى تضيء بنور عمر!.

فقال يحيى: وقد روي أن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: لو لم أبعث لبعث عمر.
فقال (عليه السلام): ( كتاب الله أصدق من هذا الحديث، يقول الله في كتابه: (وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنكَ وَمِن نُّوحٍ) (2)، فقد أخذ الله ميثاق النبيين، فكيف يمكن أن يبدل ميثاقه، وكان الأنبياء (عليهم السلام) لم يشركوا بالله طرفة عين، فكيف يبعث بالنبوة من أشرك وكان اكثر أيامه مع الشرك بالله؟! وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله):  (نبّئت وآدم بين الروح والجسد). حتى سكت يحيى وانهزم من جولة الحوار.

عبادة الإمام الجواد (عليه السلام)
قلنا سابقا أن عبادة المعصوم تمثل التكامل والاقتراب، والفناء في الله تبارك وتعالى ، وبنفس الوقت تفيض على الناس بركة وعطاء.
فكان إمامنا الجواد ،كثير النوافل يصلي ركعتين ،يقرأ في كل ركعة الفاتحة وسورة الإخلاص سبعين مرة، وكان كثير الصيام، بل يأمر بعض أصحابه المقربين، ومن في بيته من الجواري والنساء أن يصوموا في أيام الاستحباب، وهكذا يروي عنه الرواة أفعاله العبادية في الحج وأدعيته ، وأحرازه المشهورة.
وسجل الإمام الجواد درسا رائعا في سجل الإنسانية، عندما أعرض وهو في ريعان الشباب عن الأموال الطائلة التي كان يبعثها إليه المأمون، وعن حياة الترف والبذخ، فهذا درس للزاهدين ونهج للمتقين، أن لا يغتروا بالمال والمتاع.
وقد رآن الحسين المكاري في بغداد، وكان الإمام محاطا بالتعظيم والتكريم، من قبل الأوساط الرسمية والشعبية، فحدث نفسه أنه لا يرجع إلى وطنه، بل يقيم عند الإمام في هذه النعم، فعرف الإمام قصده ، فانعطف عليه وقال: يا حسين خبز الشعير، وملح الجريش، في حرم جدي رسول الله أحب إلي مما تراني فيه.

من معاجز الإمام الجواد (عليه السلام)
المعجزة حالة موجودة عند جميع الأنبياء والأوصياء، فهي كل أمر خارق للعادة، يزود الله بها أولياءه، لتدلل على صدق دعوتهم ،ولا تكون إلا ضمن أسباب عقلانية.
ومن المعاجز المهمة في هذا الصدد هذه القصة الظريفة:
المتهم بادعاء النبوة:
يقول علي بن خالد: كنت في العسكر فبلغني أن هناك رجلا محبوسا ،أتي به من ناحية الشام، وقالوا أنه ادعى النبوة، فوصلت إليه فرأيته رجلا فاهما ،ولا يدعي النبوة وأن ما قيل عنه كذبا.
فقلت له: ما قصتك وما أمرك؟
فقال: كنت أعبد الله في الموضع الذي يقال له موضع رأس الحسين (عليه السلام)، فبينما أنا في عبادتي إذ أتاني شخص فقال: قم بنا، فقمت معه ، وإذا نحن في مسجد الكوفة، فقال لي: تعرف هذا المسجد، قلت: نعم هذا مسجد الكوفة، فصلينا، ثم أخذ بيدي وإذا نحن بمدينة رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فصلينا ثم قمنا، وإذا نحن بمكة، فلم أزل معه حتى أرجعني في طرفة عين إلى موضعي في الشام، ثم مضى الرجل.
فلما كان العام القادم وفي أيام موسم الحج ،جاءني وفعل بي كما فعل في أول مرة، ولما أراد أن ينصرف قلت له: سألتك بحق الذي أقدرك على ما رأيت ،إلا أخبرتني من أنت؟، فقال: ( أنا محمد بن علي بن موسى)، ثم ذهب عني.
بعد ذلك قصصت هذه الأمور على بعض الأصحاب، فتسرب إلى الوزير محمد بن عبد الملك الزيات، فبعث إلي بالشرطة فأخذوني ،وحملوني إلى العراق ،وقالوا عني أنني أدعي النبوة.
فقال له علي بن خالد: ارفع قصتك في ورقة وابعثها على الوزير.
فكتبها وبعثها إليه، فلما قرأها الزيات كتب خلفها: قل للذي أخرجك في ليلة ، من الشام إلى الكوفة، ومن الكوفة إلى المدينة ،ومن المدينة إلى المكان ، أن يخرجك من حبسك.
يقول علي: فغمني ذلك، ثم ذهبت بعد يوم إليه لأراه، فرأيت الشرطة وصاحب السجن ومجاميع أخرى عند السجن، فقلت: ما هذا؟، فقالوا: المحمول من الشام الذي تنبأ افتقد البارحة ولا ندري خسفت به الأرض أو اختطفه الطير.
فعلم الجميع أن الذي أخرجه هو الإمام الجواد (عليه السلام).
ويقول علي: كنت زيديا ولكن بعد هذه الحادثة قلت بالإمامة وحسن اعتقادي.

حضوره إلى والده الرضا وعودته في نفس الليلة:
ومن معاجز الإمام الجواد (عليه السلام) هو حضوره من المدينة إلى خراسان ، بطرفة عين ليحضر مراسم وفاة والده العظيم.

يقول أبو الصلت الهروي ، وكان خادما للإمام الرضا:
عندما تناول الإمام الرضا السم ، دخلت معه إلى البيت ،وأمرني أن أغلق الباب فغلقته، وعدت إلى وسط الدار، فرأيت غلاما عليه وفرة ، ظننته ابن الرضا ، ولم أك قد رايته من قبل ذلك، فجلس مع الرضا مدة تناجيا فيها، ثم ضمه إلى صدره، بعدها تمدد الإمام الرضا على السرير، وغطاه ابنه محمد بالرداء وقال: (يا أبا الصلت: عظم الله أجرك في الرضا ، فقد مضى)، فبكيت، قال: (لا تبك، هات الماء لنقوم في تغسيله)، ثم أمرني بالخروج، فقام بتغسيله وحده ، وكفنه وحنطه ، إلى أن قام الإمام بجميع مراسيم الوفاة ، ثم عاد في نفس تلك الليلة إلى المدينة.

الجواد يؤكد قداسة آبائه المعصومين ومظلومية الزهراء
يروي زكريا بن آدم يقول: إني لعند الرضا (عليه السلام) إذ جيء بأبي جعفر (عليه السلام)، وسنه أقل من أربع سنين، فضرب بيديه إلى الأرض ، ورفع رأسه إلى السماء فأطال الفكر، فقال له الرضا (عليه السلام): بنفسي فيم جال فكرك؟.
فقال: (فيما صنع بأمي فاطمة (عليها السلام) ، أما والله لأخرجنهما ثم لأحرقنهما)....
فنلاحظ أن مأساة سيدتنا الزهراء كانت في طليعة هموم وغموم الأئمة الكرام.
ودخل عليه رجل، فقال له: إني طفت يوما نيابة عن رسول الله، ويوما عن أمير المؤمنين ،ويوما عن الحسن، ويوما عن الحسين، ويوما عن السجاد، وهكذا بقية الأئمة، إلى أن قال: وطفت يوما عنك ، وربما طفت عن أمك فاطمة (عليها السلام).
فقال له الجواد: ( إذا والله تدين الله بالدين الذي لا يقبل من العباد غيره، استكثر من هذا فإنه افضل ما أنت عامله إن شاء الله ) .
وهذا التأييد منه بمثابة تأكيد هذه العقيدة والإشادة بمواقع آبائه الأطهار.

استشهاد الإمام الجواد (عليه السلام)
وأخيرا حاول جعفر بن المامون ،أن يتصل بأخته (أم الفضل) ،زوجة الإمام الجواد (عليه السلام)، وكانت أم الفضل منحرفة في سلوكها، وقد عرف جعفرغيرتها من زوجة الإمام الأخرى - أم الإمام الهادي- ، فأخذ يبث إليها سمومه، وكلماته، وشرح لها الخطة في القضاء على أبي جعفر، فوافقت، فأعطاها جعفر بأمر من المعتصم سما فتاكا، جعلته له في الطعام، يقال أنها وضعته في العنب الرازقي ،الذي كان الإمام يحبه، فلما أكل منه الإمام أحس بالآلام والأوجاع.
ثم ندمت أم الفضل لعنها الله على فعلها، فأخذت تبكي فقال لها الإمام: والله ليضربنك بفقر لا ينجي، وبلاء لا ينستر، فبليت بعلة في بدنها فأنفقت كل مالها على مرضها هذا فلم ينفع ، إلى أن نفذ مالها كله.

وأما جعفر فإنه سقط في بئر عميقة فأخرج ميتا.
وانتقل الإمام إلى جنة المأوى، فقام ابنه الإمام علي الهادي بإجراء مراسم الوفاة عليه ، وحفر له قبرا ملاصقا إلى قبر جده الكاظم (عليه السلام).
وهكذا ختمت صفحة بيضاء وأفل نجم من نجوم أهل البيت.

ـــــــــــــــــــ

* منقول من إحدى المنتديات بتصرف . مراجعة وتنسيق شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي .