الإيمان بالإمام المهدي عليه السلام
  • عنوان المقال: الإيمان بالإمام المهدي عليه السلام
  • الکاتب: سماحة السيد علاء الموسوي
  • مصدر:
  • تاريخ النشر: 21:25:7 6-10-1403

الإيمان بالإمام المهدي عليه السلام

  سماحة السيد علاء الموسوي

الحمد لله الأول قبل الإحياء والإنشاء والآخر بعد فناء الأشياء، العليم الذي لا ينسى من ذكره ولا ينقص من شكره، ولا يخيب من دعاه ولا يقطع رجاء من رجاه.

والصلاة والسلام على أشرف بريته وخاتم رسله أبي القاسم محمد صلى الله عليه وآله وعلى آله الطيبين الطاهرين المنتجبين.

أوصيكم اخواني بتقوى الله، فإن التقوى خير الزاد ليوم لا ينفع فيه مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.

عظّم الله أجورنا وأجوركم في هذه المناسبة الأليمة، مناسبة شهادة الإمام الحادي عشر الحسن العسكري صلوات الله وسلامه عليه.

في مثل هذا اليوم تبدأ مرحلة جديدة في حياة الشيعة، بعد أن غاب عنهم آخر إمام ظاهر، وهو الإمام الحسن العسكري عليه السلام فالإمام العسكري عليه السلام هو آخر إمام ظاهر بين الشيعة كان يجلس ويستقبل ويتحدث إليهم ويستلم منهم الحقوق ويوجههم ويبين لهم الأحكام ويتعامل معهم بشكل طبيعي لم يكن يحتجب عنهم.

من مثل هذا اليوم تبدأ مرحلة جديدة في حياة التشيع والشيعة، إذ يغيب عنهم هذا الإمام المظلوم الذي استشهد بسم الحاكم في وقته، وتبدأ إمامة الإمام المهدي صلوات الله عليه، هذه الفترة والمرحلة الحساسة التي لا زلنا نعيشها.

مسألة الإيمان بالإمام المهدي صلوات الله وسلامه عليه لها جانبان:

 

الجانب الأول: الفكري العقائدي:

ويتضمّن إثبات النص على الإمام، إثبات إمامة الإمام، إثبات اسمه واسم أبيه وأنه من ولد فاطمة صلوات الله عليها، طول عمر الإمام، وإثبات إمكان أن عمره يمكن أن يطول كما طالت الأعمار سابقاً، كما طال عمر الخضر وأمثال الخضر، إثبات أو الحديث عن مقدمات ظهوره، الحديث عن أيام ظهوره..وهكذا.

هذا الحديث في الواقع جانب تأريخي عقائدي، وقد تكفل بهذا الجانب مئات الكتب في الحديث عن هذه الجوانب، تكفل بذلك مئات الكتب والرسائل والبحوث التي كتبت حول الإمام المهدي صلوات الله وسلامه عليه من الفريقين.

لا تتصور أن مسالة الإمام المهدي مسألة خاصة بنا نحن فقط الشيعة، فهذه المسالة مسألة عامة يمكن أن نجزم أنها مسألة بشرية عامة لا فقط إسلامية عامة، المسلمون جميعاً يعتقدون بها وكتبوا فيها، وعلماء المسلمين جميعاً كانت لهم مؤلفات ومصنفات حول هذا الإمام وحول ظروف غيبته وحول ظروف ظهوره وحول اسمه واسم أبيه وبقية التفاصيل عنه.

وهكذا يمكن تعميم المسألة إلى غير المسلمين، إذ نجد غير المسلمين من الطوائف الدينية أيضاً يعتقدون برجل يأتي في آخر الزمان لينشر العدل في الأرض غاية الأمر أنهم يختلفون عنا في تعيين اسم الرجل وفي تعيين المصدر الديني أو المنبع الديني للرجل هل هو مسلم أم غير مسلم، القضية هنا يكون فيها اختلاف، ليس أكثر.

وأما أصل المبدأ، الذي هو مبدأ وجود مصلح في آخر الزمان، فإنه مبدأ إنساني عام.

هذه المسألة من الجانب الأول، الجنبة الأولى هي مسالة عقائدية فكرية تأريخية تكفّل ببيانها مئات الكتب والرسائل والبحوث.

 

الجانب الثاني: الجانب الوجداني:

الجانب الوجداني ما معناه؟ كيف نتعامل مع هذه العقيدة مع هذه الفكرة بشكل يجعلها فاعلة في حياتنا كما نتعامل مع أي حقيقة أخرى فاعلة في الحياة؟ ونذكر _ من باب المثل _ مسألة المال، الأموال هذه الأداة التي سيستخدمها الإنسان في حياته، في كل تصرفاته وحركاته ومعاملاته، هذه مسألة فاعلة في الحياة، بمعنى أن لها تأثيراً فاعلاً جداً وقوياً جداً في الحياة، فلا تكاد تخلو معاملة من مال، ولا تكاد تخلو حركة من حركات الإنسان من هذه المسألة، وكثير من المشاكل التي تنشأ في الحياة منشؤها المال، فالنزاعات المالية والمشاكل والجرائم كثير منها ينشأ من المال، حتى الحروب الكبيرة تنشأ من المال.

إذن مسألة المال مسألة لها فاعلية، لها تأثير في حياة الإنسان، الإنسان يحمل همها وتؤرقه وتسهره، الإنسان إذا خسر لا ينام الليالي، تمر عليه ليالٍ طويلة لا ينام. فإذن المسألة مهمة جداً، داخلة في وجود الإنسان، تؤثر فيه.

هذا الذي نريد أن نقوله: كيف نجعل مسألة الإمام المهدي عليه السلام مسألة فاعلة في حياة الإنسان كفاعلية المال بل أكثر؟ كيف نتعامل مع الإمام الحي الغائب؟،

هذا الإمام الذي يعيش بين أظهرنا يرانا و لا نراه، يرقب أفعالنا ويشهد علينا أمام الله، هو الإمام المسؤول عنا نحن جيل عصر الغيبة؟ هذا هو الإمام المسؤول عنا كيف نتعامل معه؟ هل نتعامل معه كغيب وفكرة من الأفكار؟

نعم ثبتت هذه الفكرة بالدلائل العلمية وبالبراهين الثابتة، و نعتقد بها، لكن لا نتجاوز هذه العقيده إلى أكثر من ذلك، هي فكرة من الكتب و نمر عليها بين مناسبة و أخرى و نتحدث عنها لا أكثر، هل نقف عند هذا الحد أم أننا نريد أن نتجاوز العقيدة إلى الاطمئنان..

إلى الاطمئنان القلبي وإلى جعل هذه الفكرة أمراً فاعلاً في حياتنا بحيث تسهرنا كما يسهرنا المال وتؤرقنا كما يؤرقنا المال وحب الولد وحب الدنيا، بل أكثر من ذلك، فالمفروض في المؤمن أن يبحث عن كيفية تفعيل هذه الفكرة في حياته وإنزالها إلى واقعه.

هناك _ في الواقع _ نقاط ومراحل علينا أن نفهمها جيداً حتى نصل إلى إمكانية هذه العملية..عملية تفعيل العقيدة في الحياة وجعلها أمراً فاعلاً في حياة الإنسان مشاركاً في قرارات الإنسان في حياته.

أولاً: يجب أن نعلم أن الإمام صلوات الله عليه حي يرزق، كثير منا يغفل عن ذلك..صحيح نحن نعتقد انه حي موجود لكن شعورنا بحياته يكاد يكون منعدماً أو ضعيفاً جداً، لا نشعر بأنه موجود، وهذه في الواقع مسألة تتعلق بالإيمان بالغيب (الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ)(1) الذي يؤمن بالغيب يستطيع أن يشعر بالغيب وإن لم يره بعينه الباصرة.

الإمام المهدي وإن كنّا لا نراه بهذه العين، لكن المفروض أن نراه بعين البصيرة، المفروض أن نعيش معه بالقلب.

الإمام حي يرزق يعيش بين أظهرنا ويحضر مواسمنا الرئيسية كمسلمين، يحضر الحج ويقف عرفة، لذلك الواقفون في عرفة في ذلك اليوم العظيم هم أقرب الناس إلى صاحب الأمر صلوات الله وسلامه عليه، لأنهم يقفون معه على صعيد واحد، في ذلك الصعيد صعيد عرفة(2)، يحضر المواسم، يحضر زيارة الإمام الحسين عليه السلام في ليالي الجمع، وفي المواسم الرئيسية في الأربعين وغير الأربعين، ويحضر مجالس الشيعة، ويحضر محافل المسلمين، غاية الأمر أنك لا تراه، وكون الشخص لا يراه لا ينبغي أن يؤثر في عقيدته بأنه موجود وفي شعوره بوجوده، هذا الشعور ينبغي أن يتعمق بأنه موجود ومراقب، والرقابة هذه طبعاً ينبغي التنبيه على أنها ليس مثل أي رقابة أخرى، فرقابة الإمام المهدي علينا وشهادته على أعمالنا تختلف عن بقية الرقابات، فمثلاً أنت إذا دخلت إلى سوق ضخم مراقب بالكاميرات حتى لا يسرق أحد وأنت تعلم حينما تدخل إلى ذلك السوق بأنك مراقب فتكون حذراً، لكن هذا الحذر في الواقع حذر سلبي بمعنى أنّك تشعر أن الذي يراقبك يريد أن يمسك عليك عثرة لكي يجازيك ويأخذ منك الحق.

أما رقابة الإمام المهدي علينا فهي رقابة من نوع آخر، رقابة المحب، ورقابة الرؤوف، ورقابة الأب الذي يرقب أولاده ورعيته، يرقبهم كيف يكبرون وكيف يتكاملون وكيف يسيرون في هذه الحياة، رقابة من نوع آخر ليس رقابة إنسان مترصد للعيوب إنما رقابة أب رحيم يريد لنا الصلاح ويريد لنا التسديد، رقابة من يرفع يده دائماً في الدعاء لنا ليلاً ونهاراً أن يسددنا الله عز وجل وأن يحفظنا وأن يوفقنا للطاعة وأن يثبتنا على الإيمان..الإمام في دعاء دائم لشيعته بل لكافة المسلمين.

فإذن هذا هو الأمر الأول، ينبغي أن نشعر بالرقابة وأن الإمام عينه مفتوحة علينا دائماً وأنه حي يرزق بين أظهرنا.(3)

ثانياً: ينبغي أن نعتقد أن وجوده صلوات الله وسلامه عليه هو سبب بقائنا واستمرار بقائنا، وهو البركات التي تحل بنا، فهو الواسطة بين الله تبارك وتعالى وبيننا في إيصال كل خير، وجودنا رهين بوجوده، البركات والنعم التي نتمتع بها رهينة بدعائه ورهينة برضاه، هذه مسالة أخرى.

وهو أيضاً يمكن تسميته بالمنعم، لأنه واسطة في النعمة، والمنعم الأول والأصيل هو الله تبارك وتعالى، والواسطة في هذه النعمة الإمام المهدي عجل الله فرجه فهو أيضاً منعم بدرجة من الدرجات، فينبغي النظر إليه نظر الامتنان والشكر.  ثالثاً: ينبغي أن نعلم ونتيقن أن رضى الله تبارك وتعالى مرهون برضاه صلوات الله عليه، فإذا لم يرض عنك إمامك اعلم أن الله غير راض عنك، لا يمكن لأحد أن يصل إلى رضى الله عز وجل إلا عن هذا الطريق، الطريق الذي عينه الله تبارك وتعالى، وهو الإمام الحاضر، والحجة الحاضر هو الإمام المهدي صلوات الله عليه. إذن يجب أن يرضى عنك فإذا علمت أن رضى الله مرهون برضاه ومربوط برضاه حينئذ الموقف بلا شك سوف يتغير ويتبدل. مجموع هذه الأمور إذا نضجت في الذهن:

إذا علمنا إن الإمام حي يرزق وشاعر بنا تماماً، يحيط بكل ما نفعل وما نقول، يراقبنا مراقبة الأب الرحيم بأولاده يدعو لنا ليلاً ونهاراً. وعلمنا أن بقاءنا مرهون بوجوده. ثم علمنا أن رضى الله مرهون برضاه.

كل ذلك يؤدي إلى هذا الشعور الناضج المتكامل في أننا نعتبر الإمام فاعلاً في حياتنا ومؤثراً في اتخاذ القرار، كما نفكر في أي مسألة حيوية في الحياة ونقلق من أجلها ونفكر بها ونعتبرها دائماً هاجساً يومياً لنا، فكذلك سنفكر بالإمام المهدي عليه السلام وسنعيش معه وسننتظره.

 

الانتظار:

هنا ننتقل إلى الانتظار بعد هذه المقدمة، ويتضح أو يقترب معنى الانتظار إلى الذهن، انتظار الإمام صلوات الله وسلامه عليه، ماذا يعني حينئذ؟ يعني انتظار الفضائل، شمس الفضائل التي غاب قرصها عن العالم، وينتظر كل البشر هذا القرص أن يظهر من جديد فيشع على البشرية كمالاً وعقلاً وروحاً متكاملة وسعادة، هذه الشمس التي غربت فغرب معها كل خير وغرب معها العقل الكامل.

الآن _ في الواقع _ من أكبر ما يعانيه البشر ضعف العقل، العقل الإنساني لا يستخدم في هذه الدنيا استخداماً كاملاً وتاماً، لا نستخدم نحن من عقولنا إلاّ نسبة ضئيلة جداً..من الذي يفجر هذه الطاقات؟ ومن الذي إذا ظهر مسح على رؤوس الخلائق فتكمل عقولهم؟ هو الإمام المهدي صلوات الله وسلامه عليه.

وبلا شك إن الرواية أنه إذا ظهر يمسح بيده على رؤوس الخلائق فتكتمل عقولهم.(4) لا شك إن هذا لا يعني أن الناس _ مثلاً _ يمرون أمام الإمام والإمام يمسح على رؤوسهم، ليس هذا هو المقصود، بل المقصود وجود الإمام، والتعبير بـ «يد الإمام» يعني سيطرة الإمام وهيمنة الإمام على الناس ورعايته للناس الفكرية والروحية، هذه ببركتها تكتمل عقول الناس تربية وتعليماً وترقية، مع عنايات إلهية طبعاً، مع معجزة وكرامة بلا شك.

فإذن الإمام انتظاره يعني انتظار الكمال الإنساني، انتظاره يعني انتظار فرج الناس جميعاً، انتظاره يعني انتظار السعادة التي ترتقب البشر والتي ينتظرها البشر ويرنو إليها البشر جميعاً.

وعلى ذلك حينما نأتي إلى الروايات التي تتحدث عن الانتظار:

عن النبي صلى الله عليه وآله: (أفضل أعمال أمتي انتظار الفرج)(5) أفضل الأعمال..مع هذه المقدمات وهذا البيان لعله يتضح أن الانتظار المقصود به في

الرواية ماذا؟ الانتظار الذي يعني أنك تنتظر الكمال وتتهيأ له، هناك مثل بسيط اضربه للتوضيح: إذا أخبرت أن شخصية مرموقة بارزة سيزورك في دارك في منزلك، ماذا ستفعل؟ بلا شك أنك ستهيئ نفسك ودارك وأهلك وأولادك وكل ما في وجودك تهيئه لانتظار هذه الشخصية العظيمة المحترمة، فتدخل إلى الدار وتحاول أن ترتبها من جديد، وإذا كان أثاثها قديماً تبدل الأثاث إلى أثاث أفضل، وإذا كانت تحتاج إلى صبغ الجدران تصبغ الجدران حتى تبدو زاهية ناصعة، وإذا كان فيها أشياء لا تليق من قبيل وجود تماثيل مثلاً فيها أو صور غير مناسبة أو غير ذلك أنت سوف تستقبل مرجعاً، المفروض أن يدخل ذلك الإنسان وينظر إلى الأشياء كما يناسبه إلى ما يسره ويفرحه، فأنت سوف تزيل كل ما من شأنه أن يزعج هذا الضيف الكريم، وسوف ترتب دارك على طبق ما يحب ذلك الزائر، وسوف ترتب الوجبة التي هو يحبها والأجواء التي هو يريدها حتى تكون قد استقبلت ذلك الضيف الكبير بشكل لائق.

هنا نحن بانتظار الإمام المهدي صلوات الله وسلامه عليه، انتظاره ماذا يعني؟! انتظاره يعني أن نهيئ أنفسنا وحياتنا لاستقباله، وبلا شك أن الإمام المهدي هناك خصوصية فيه، وهي أنّه حينما يظهر هو مطلع على السرائر ولا يستطيع أحد أن يخفي سريرته على الإمام(6)، ويتعامل مع الناس أيضاً بشكل خاص، فيسير بهم بسيرة داوود.

فعلى هذا إذا ظهر الإمام ولم أكن قد هيأت قلبي ونفسي لاستقباله كيف أكون منتظراً له؟! كيف يهيئ الإنسان نفسه؟

يطهّر هذا القلب من الفواحش ما ظهر منها وما بطن، ويزكي نفسه، ويخلص نفسه من الأمراض النفسية والشوائب والحقد وحب الدنيا والحسد والبغضاء، فكل هذه الصفات ينبغي أن يطهر الإنسان نفسه منها، وإلا إذا ظهر الإمام واطلع على قلبه بلا شك لن يكون عنده مرضياً، يعني في أحسن الأحوال لم يكن معتبراً عنده، هذا إذا لم يتعرض للعقوبة.

وهكذا الحياة من حولنا، فينبغي أن نهيئ ما حولنا بعد تهيئة النفس نهيئ ما حولنا للإمام، أن تكون حياتنا مهيأة لاستقباله، حياة طاعة حياة طهارة، أن نهيئ أولادنا للإمام.

فالإنسان الذي يهمل أولاده ويترك ابنه ضحية وفريسة للتلفزيون والفضائيات وأمثال ذلك هل يمكن لهذا أن يكون منتظراً؟ كيف يخرج الإمام وكيف ينظر إلى ولده حين ذاك؟ هل تريد أن تقدم للإمام هدية بهذا الشكل؟ نحن نحاول دائماً أن نكون نحن وأبناؤنا وذرارينا جنداً مجندةً للإمام عليه السلام.

فإذا أردت أن تقدم جندياً إلى الإمام تقدمه بهذا الشكل ولد يكبر على التلفزيون والفضائيات ولا يعرف من دينه شيئاً، ولا يعرف من أحكام دينه شيئاً عقائده غير واضحة وسلوكه غير مستقيم.. هكذا يريد منا الإمام؟ إن هذا ليس بانتظار.

الانتظار الصحيح بمفهومه الذي يطرح هنا في هذا الحديث (أفضل أعمال أمتي انتظار الفرج) أن تتهيأ، أولاً تهيئ نفسك ثم تهيئ ما حولك..أولادك وعائلتك وبيتك ومجتمعك، وتحاول أن تكون في كل ذلك مرتقباً للإمام ناظراً إلى ذلك اليوم السعيد الذي يظهر فيه فيراك على أحسن أهبة فتكتمل السعادة.

تصور حالة المؤمن إذا ظهر الإمام وأهمله كم تكون المصيبة عظيمة، إذا ظهرالإمام وأعرض عنك وأشاح بوجهه عنك، لماذا؟ لأنك لم تفعل كذا لم تزكّ أموالك ولم تخمس، فالإمام لا يدخل بيتاً غير مخمس، ولا يجلس إلى سفرة فيها طعام حرام، ولا ينظر إلى وجه ولا يزكي أحداً انغمس في المحرمات.

نحن منتظرون للإمام، ينبغي أن نكون قد هيأنا أنفسنا لذلك اليوم لتكتمل السعادة، كم هي سعادة المؤمن حينما يظهر إمامه وسيده وحجة الله عليه ابن رسول الله يظهر فيستقبلنا بوجه ضحوك ويستقبلنا بذراع مفتوحة، حينذاك تكتمل الفرحة، حينذاك يشعر الإنسان المؤمن بأنه نجح في الامتحان وأنه عبر مرحلة الانتظار إلى النجاح.

ثم قد تقول: إننا قد نموت قبل أن يظهر الإمام، أقول: نعم الروايات تؤكد أن من مات منتظراً للإمام على هذه الهيئة في الانتظار للاستعداد التام في النفس وفي ما حول الإنسان كتب في معسكر الإمام.

الرواية تقول: (ما ضرّ من مات منتظراً لأمرنا أن لا يموت في وسط فسطاط القائم)(7) أي أنه لو مات وهو في وسط العسكر لما كان أحسن حالاً منه وقد مات منتظراً.

الانتظار في حد ذاته رتبة يحصل عليها الإنسان، جائزة يحصل عليها الإنسان، سواء أدرك الظهور أو لم يدرك. ثم هناك روايات أخرى تقول أن من مات منتظراً مترقباً للإمام قد يظهر مع الإمام في الرجعة(8)، يرجع مع الإمام ويظفر بتلك المرتبة العظيمة في نصرة الإمام المهدي صلوات الله وسلامه عليه.

نسأل الله تبارك وتعالى أن يوفقنا لرضاه، وأن يوفقنا لتتبع هداه، وأن يعجل فرجه ويسهل مخرجه، ويجعلنا من أنصاره وأعوانه والمستشهدين بين يديه.

والحمد لله رب العالمين

الهوامش:

(1) سورة البقرة، الآية: 3.

(2) راجع كمال الدين للشيخ الصدوق: 346.

(3) راجع التوقيع الشريف الى الشيخ المفيد في كتاب الاحتجاج للطبرسي ج2: 322_ 325: وفيه : (.. ونحن وإن كنا ناوين بمكاننا النائي عن مساكن الظالمين... فإنّا نحيط علماً بأنبائكم، ولا يغرب عنّا شيء من أخباركم...إنّا غير مهملين لمراعاتكم، ولا ناسين لذكركم، ولولا ذلك لنزل بكم اللأواء...)، وفي توقيع آخر: (... لأننا من وراء حفظهم بالدعاء الذي لا يحجب...).

(4) كمال الدين للصدوق: 674، ولفظه: عن أبي جعفر الباقر عليه السلام :( اذا قام قائمنا وضع يده على رؤوس العباد فجمع بها عقولهم وكملت بها أحلامهم).

(5) كمال الدين للصدوق: 644، وروي أيضاً بلفظ: ( أفضل العبادة انتظار الفرج).

(6) عن أبان بن تغلب قال: قال أبو عبد الله عليه السلام:( إذا قام القائم عليه السلام لم يقم بين يديه أحد من خلق الرحمن إلا عرفه صالح هو أم طالح...)، راجع كمال الدين للصدوق: 671، ح 19_ 20.

(7) الكافي للكليني، ج1: 372، ح6، كتاب الغيبة للنعماني: 200.

(8) لاحظ الكافي 1 / 370 باب أنه من عرف إمامه لم يضره تقدم هذا الأمر أو تأخر، إكمال الدين وإتمام النعمة / 644 باب ما روي في ثواب المنتظر للفرج.