الإمام المنتظر
  • عنوان المقال: الإمام المنتظر
  • الکاتب: العلامة جعفر سبحاني
  • مصدر:
  • تاريخ النشر: 16:48:24 6-10-1403

الإمام المنتظر

العلامة جعفر سبحاني

 

إنّ الاعتقاد بالإمام المهدي المنتظر عقيدة مشتركة بين جميع المسلمين، إلاّ من أصمّه الله، فكلّ من كان له إلمام بالحديث يقف على تواتر البشارة عن النبي وآله وأصحابه، بظهور المهدي في آخر الزمان لإزالة الجهل والظلم، ونشر أعلام العلم والعدل، وإعلاء كلمة الحقّ، وإظهار الدين كلّه، ولو كره المشركون، وهو بإذن الله ينجي العالم من ذلّ العبودية لغير الله، ويبطل القوانين الكافرة التي سنّتها الأهواء، ويقطع أواصر التعصبات القومية والعنصرية، ويميت أسباب العداء والبغضاء التي صارت سبباً لاختلاف الأمّة واضطراب الكلمة، ومصدراً خطيراً لا يقاد نيران الفتن والمنازعات، ويحقق الله بظهوره وعده الذي وعد به المؤمنين بقوله:

 تظافر مضمون قول الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) (لو لم يبق من الدنيا إلاّ يوم واحد، لطوّل الله ذلك اليوم حتى يخرج رجل من ولدي، فيملأها عدلاً وقسطاً كما ملئت ظلماً وجوراً).

بلى إنّ جميع المسلمين يتفقون أساساً على فكرة قيام المهدي وما سيعمّ الأرض في عهده من العدل والأمن والخير العميم.

(وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ  ).(سورة النور: الآية 55).

وقال سبحانه: ( وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ )( سورة الأنبياء: الآية 105).

هذا ما اتّفق عليه المسلمون في الصدر الأوّل والأزمنة اللاحقة، وقد تظافر مضمون قول الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) (لو لم يبق من الدنيا إلاّ يوم واحد، لطوّل الله ذلك اليوم حتى يخرج رجل من ولدي، فيملأها عدلاً وقسطاً كما ملئت ظلماً وجوراً).

بلى إنّ جميع المسلمين يتفقون أساساً على فكرة قيام المهدي وما سيعمّ الأرض في عهده من العدل والأمن والخير العميم، وإن كان هناك من اختلاف يذكر في مضمون هذا الأمر العظيم، والحلم المنشود، فإنّه قد لا يتجاوز في أهمّ نقاطه الحدود الأساسية المرتكز عليها، والتي تتمحور أهمها في تحديد ولادته (عليه السلام)، فإنّ الأكثرية من أهل السنّة يقولون بأنّه سيولد في آخر الزمان، وأمّا الشيعة ولاستنادهم على جملة واسعة من الروايات والأدلّة الصحيحة يذهبون إلى أنّه (عليه السلام) ولد في (سرّ من رأى) عام 255 هـ، وغاب بأمر الله سبحانه سنة وفاة والده الإمام الحسن بن علي العسكري (عليه السلام)، عام 260 هـ، وهو يحيى حياة طبيعية كسائر الناس، غير أنّ الناس يرونه ولا يعرفونه، وسوف يظهره الله سبحانه ليحقق عدله.

وهذا المقدار من الاختلاف لا يجعل العقيدة بالمهدي عقيدة خلافية، ومن أراد أن يقف على عقيدة السنّة والشيعة في مسألة المهدي فعليه أن يرجع إلى الكتب التالية لمحقّقي السنّة ومحدّثيهم:

1- (صفة المهدي) للحافظ أبي نعيم الأصفهاني.

2- (البيان في أخبار صاحب الزمان) للكنجي الشافعي.

3- (البرهان في علامات مهدي آخر الزمان) لملاّ علي المتقي.

4- (العرف الوردي في أخبار المهدي) للحافظ السيوطي.

5- (القول المختصر في علامات المهدي المنتظر) لابن حجر.

6- (عقد الدرر في أخبار الإمام المنتظر) للشيخ جمال الدين الدمشقي.

ومن أراد التفصيل فليرجع إلى (منتخب الأثر في الإمام الثاني عشر) للعلامة الصافي (دام ظله)، وإلى كتاب المهدي عند أهل السنّة صدر في مجلّدين وطبع في بيروت.

ولعلّ الروايات والأخبار المستفيضة المؤكدة على قضية الإمام المهدي من الوفرة وقوّة الحجية بحيث لا يرقى إليها الشكّ والنقاش سواء في متونها أو في أسانيدها، وعلى ذلك دأب الماضون وتبعهم اللاحقون، إلاّ ما أورده ابن خلدون في مقدمته من تضعيفه لهذه الأخبار والتشكيك في أصحيتها، وفي مدى حجيتها، وقد فنّد مقالته محمد صديق برسالة أسماها (إبراز الوهم المكنون من كلام ابن خلدون).  وقد كتب أخيراً الدكتور عبد الباقي كتاباً قيّماً في الموضوع أسماه (بين يدي الساعة) يشير فيه إلى تظافر الأخبار الواردة في حق المهدي بقوله: (إنّ المشكلة ليست في حديث أو حديثين أو راو أو راويين، إنّها مجموعة من الأحاديث والأخبار تبلغ الثمانين تقريباً، اجتمع على تناقلها مئات الرواة، وأكثر من صاحب كتاب صحيح.

فلماذا نردّ كل هذه الكمية؟ أكلّها فاسدة؟ لو صحّ هذا الحكم لانهار الدين - والعياذ بالله - نتيجة تطرق الشكّ والظنّ الفاسد إلى ما عداها من سنة رسول الله (صلى الله عليه وآله).

ثمّ إنّي لا أجد خلافاً حول ظهور المهدي، أو حول حاجة العالم إليه، وإنّما الخلاف حول من هو، حسني أو حسيني؟ سيكون في آخر الزمان، أو موجود الآن، خفي وسيظهر؟ ظهر أو سيظهر؟ ولا عبرة بالمدّعين الكاذبين، فليس لهم اعتبار.

ثمّ إنّي لا أجد مناقشة موضوعية في متن الأحاديث، والذي أجده إنّما هو مناقشة وخلاف حول السند، واتّصاله، ودرجة رواته، ومن خرّجوه، ومن قالوا فيه.

وإذا نظرنا إلى ظهور المهدي نظرة مجردة فإنّنا لا نجد حرجاً من قبولها وتصديقها، أو على الأقل عدم رفضها. فإذا ما تؤيّد ذلك بالأدلّة الكثيرة، والأحاديث المتعددة، ورواتها مسلمون مؤتمنون، والكتب التي نقلتها إلينا كتب قيمة، والترمذي من رجال التخريج والحكم، بالإضافة إلى أنّ أحاديث المهدي لها ما يصح أن يكون سنداً لها في البخاري ومسلم، كحديث جابر في مسلم الذي فيه: (فيقول أميرهم (أي لعيسى): تعال صلّ بنا)(صحيح مسلم باب نزول عيسى ص 59) ، وحديث أبي هريرة في البخاري، وفيه: (كيف بكم إذا نزل فيكم المسيح ابن مريم وإمامكم منكم)(صحيح البخاري ج14 ص 334)، فلا مانع من أن يكون هذا الأمير، وهذا الإمام هو المهدي.

يضاف إلى هذا إنّ كثيراً من السلف (رضي الله عنهم) لم يعارضوا هذا القول، بل جاءت شروحهم وتقريراتهم موافقة لإثبات هذه العقيدة عند المسلمين) (بين يدي الساعة للدكتور عبد الباقي ص123 ص125).