صورة عامة لعصر ظهور الإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه)
  • عنوان المقال: صورة عامة لعصر ظهور الإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه)
  • الکاتب: الشيخ علي الكوراني العاملي
  • مصدر:
  • تاريخ النشر: 16:24:46 6-10-1403

صورة عامة لعصر ظهور الإمام المهدي(عجل الله تعالى فرجه)

الشيخ علي الكوراني العاملي

مع أنّ القرآن الكريم بنفسه معجزة نبينا(صلى الله عليه وآله وسلّم)الخالدة في كُلّ عصر، فإنّ من معجزاته المتجددة أيضاً ما أخبر به(صلى الله عليه وآله وسلّم)عن مستقبل البشرية ومسيرة الإسلام فيها، إلى أن يجئ عصر الإسلام الموعود، فيظهره الله على الدين كله.

وعصر ظهور الإسلام هو موضوع هذا الكتاب. وهو نفسه عصر ظهور الإمام المهدي الموعود(عليه السلام)، لا فرق بينهما في أحاديث البشارة النبوية التي تبلغ مئات الأحاديث، والتي رواها الصحابة والتابعون، وأصحاب الصحاح والمجاميع، على اختلاف مذاهبهم.

بل نراها تبلغ مئات الأحاديث إذا أضفنا إليها أحاديث الأئمة من أهل البيت(عليهم السلام)لأنّ ما يحدّثون به إنّما عن جدّهم خاتم النبيين(صلى الله عليه وآله وسلّم).

والصورة التي ترسمها هذه الأحاديث لوضع العالم في عصر الظهور وخاصة لوضع منطقة الظهور، التي تشمل اليمن والحجاز وإيران والعراق وبلاد الشام وفلسطين ومصر والمغرب، صورة شاملة، فيها الكثير من الأحداث الكبري، والعديد من التفاصيل، وأسماء الأمكنة، والأشخاص.

وقد سعيت أن أستخلصها من النصوص بأكثر ما يمكن من الوضوح والتسلسل والدقة، لتكون في متناول جماهيرنا المسلمة المباركة.

وفي هذا الفصل أعرض خلاصة عامة لعصر الظهور، قبل تفاصيله:

تذكر الأحاديث الشريفة أنّ حركة ظهور الإمام المهدي أرواحنا فداه تبدأ في مكّة المكرّمة بعد تمهيدات عالمية وإقليمية.

فعلى صعيد المنطقة تقوم دولتان مواليتان للمهدي(عليه السلام)في إيران واليمن.

أمّا أنصاره الإيرانيون فتقوم دولتهم قبله بمدّة، ويخوضون حرباً طويلة وينتصرون فيها، ثُمّ يظهر فيهم قبيل ظهوره(عليه السلام)شخصيتان هما السيد الخراساني القائد السياسي، وشعيب بن صالح القائد العسكري، ويكون للإيرانيين بقيادتهما دور هام في حركة ظهوره(عليه السلام).

وأمّا أنصاره اليمانيون فتكون ثورتهم قبل ظهوره(عليه السلام) ببضعة أشهر. ويبدو أنّهم يساعدون في ملء الفراغ السياسي الذي يحدث في الحجاز، كما يمهدون لحركة ظهوره(عليه السلام).

وسبب هذا الفراغ السياسي في الحجاز أنّه يقتل ملك من آل فلان اسمه (عبد الله) فيكون آخر ملوك الحجاز، ويختلفون بعده على خليفته، ويستمر اختلافهم إلى ظهور المهدي(عليه السلام) :

( أمّا أنّه إذا مات عبد الله لم يجتمع الناس بعده على أحد، ولم يتناه هذا الأمر دون صاحبكم إن شاء الله، ويذهب ملك السنين ويكون ملك الشهور والأيام. قال أبو بصير فقلت: يطول ذلك ؟ قال: كلا).

ويتحول الخلاف بعد مقتل هذا الملك إلى صراع بين قبائل الحجاز:

(إنّ من علامات الفرج حدثاً يكون بين الحرمين. قلت وأي شئ يكون الحدث ؟ فقال: عصبية تكون بين الحرمين، ويقتل فلان من ولد فلان خمسة عشر كبشاً)

أي يقتل شخص خمسة عشر زعيماً أو شخصية، من القبيلة المعادية له، أو من أبناء زعيم معروف معادين له.

وفي الإمامة والتبصرة ص130: (عن عبد الرحمن بن سيابة، عن أبي عبد الله(عليه السلام) أنّه قال:( كيف أنتم إذا بقيتم بلا إمام هدى ولا علم؟ يتبرأ بعضكم من بعض؟! فعند ذلك تميزون وتمحصون وتغربلون، وعند ذلك اختلاف السيفين وإمارة من أول النهار، وقتل وخلع من آخر النهار ).

في هذه الأثناء تبدأ آيات ظهور المهدي(عليه السلام)، ولعلّ أعظمها النداء من السماء باسمه في الثالث والعشرين من شهر رمضان:

( قال سيف بن عميرة: كنت عند أبي جعفر المنصور فقال ابتداء: يا سيف بن عميرة لا بدّ من مناد ينادي من السماء باسم رجل من ولد أبي طالب.

فقلت: جعلت فداك يا أمير المؤمنين، تروي هذا ؟

قال: إي والذي نفسي بيده، لسماع أذني له.

فقلت له: يا أمير المؤمنين إنّ هذا الحديث ما سمعته قبل وقتي هذا !

قال يا سيف، أنّه لحقّ، فإذا كان ذلك فنحن أوّل من يجيب، أما أنّه نداء إلى رجل من بني عمنا.

فقلت: رجل من ولد فاطمة(عليه السلام)؟

قال: نعم يا سيف، لولا أنّي سمعته من أبي جعفر محمد بن علي(عليه السلام) ولو يحدّثني به أهل الأرض كلهم ما قبلته منهم، ولكنه محمد بن علي ! ).

بعد هذا النداء السماوي يبدأ المهدي(عليه السلام) بالاتصال ببعض أنصاره ويكثر الحديث عنه في العالم ويلهج الناس بذكره (ويُشربون حبه) كما تذكر الأحاديث، ويتخوّف أعداؤه من ظهوره، فينشطون في البحث عنه.

ويشيع عند الناس أنّه يسكن المدينة المنورة، فتستدعي حكومة الحجاز أو القوى الخارجية جيش السفياني من سورية، من أجل ضبط الوضع الداخلي في الحجاز، وإنهاء صراع القبائل فيه على السلطة.

ويدخل هذا الجيش إلى المدينة المنورة فيلقي القبض على كُلّ هاشمي يظن فيه، ويقتل الكثير منهم ومن شيعتهم، ويحبس الباقين.

ويبعث السفياني بعثاً أي جيشاً إلى المدينة فيقتل بها رجلاً، ويهرب المهدي والمنصور منها، ويؤخذ آل محمد صغيرهم وكبيرهم لا يترك منهم أحد إلاّ أخذ وحبس. كما تقول رواية ابن حماد

ويخرج الجيش في طلب الرجلين، ويخرج المهدي منها على سنة موسى (عليه السلام) خائفاً يترقب، حتى يقدم مكّة.

وفي مكّة يواصل المهدي(عليه السلام) اتصالاته ببعض أنصاره، حتى يبدأ حركته المقدّسة من الحرم الشريف في ليلة العاشر من محرّم بعد صلاة العشاء، حيث يلقي بيانه الأوّل على أهل مكّة، فيحاول أعداؤه قتله، ولكن أنصاره يحيطون به ويدفعونهم عنه، ويسيطرون على المسجد ومكّة.

وفي صبيحة اليوم العاشر من محرّم يوجه الإمام المهدي(عليه السلام) بيانه إلى شعوب العالم بلغاتهم المختلفة، ويدعوهم إلى نصرته.

ويعلن أنّه سيبقى في مكّة حتى تحدث المعجزة التي وعد بها جدّه المصطفى(صلى الله عليه وآله وسلّم)، وهي الخسف بالجيش الذي يتوجه إلى مكّة للقضاء على حركته. وبالفعل تقع المعجزة الموعودة بعد فترة قصيرة حيث يتوجه جيش السفياني إلى مكّة :

( حتى إذا انتهى إلى بيداء المدينة خسف الله به. وذلك قول الله عزّ وجلّ: (وَلَوْ تَرَى إِذْ فَزِعُوا فَلا فَوْتَ وَأُخِذُوا مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ) ).

(حتى إذا كانوا بالبيداء خسف بهم، فيرجع من كان أمامهم لينظر ما فعل القوم فيصيبهم ما أصابهم. ويلحق بهم من خلفهم لينظر ما فعلوه فيصيبهم ما أصابهم).

وبعد معجزة الخسف هذه، يتوجه الإمام المهدي(عليه السلام) من مكّة بجيشه المكوّن من بضعة عشر ألفاً إلى المدينة المنورة، فيحررها بعد معركة صغيرة مع القوات المعادية التي تكون فيها.

وبتحرير الحرمين يتمّ له فتح الحجاز والسيطرة عليه.

وفي طريقه من الحجاز إلى العراق يلتحق به جيش الإيرانيين وجمهورهم بقيادة الخراساني وشعيب بن صالح فيبايعونه، ويدخل الإمام بعد ذلك إلى العراق ويصفي أوضاعه الداخلية، فيقاتل بقايا قوات السفياني ويهزمها، ويقاتل فئات الخوارج المتعددة ويقتلهم، ويتخذ العراق مركزاً لدولته، والكوفة عاصمة له.

ويكون بذلك قد وحد اليمن والحجاز وإيران والعراق وبلاد الخليج تحت حكمه.

وتذكر بعض الروايات أنّ أوّل حرب يخوضها الإمام المهدي(عليه السلام) بعد فتحه العراق تكون مع الترك: ( أوّل لواء يعقده يبعثه إلى الترك فيهزمهم ).

وقد يكون المقصود بهم الأتراك، أو الروس لأنّه ورد التعبير عن كُلّ الأمم الشرقية بأمم الترك !

ثُمّ يُعدُّ الإمام المهدي(عليه السلام) جيشه الكبير ويزحف به نحو القدس، فيتراجع أمامه السفياني حتى ينزل جيش المهدي(عليه السلام) في (مرج عذراء) قرب دمشق، وتجري مفاوضات بينه وبين السفياني فيكون موقف السفياني أمامه ضعيفاً، خاصة وأنّ التيار الشعبي العام يكون إلى جانب الإمام المهدي(عليه السلام)، ويكاد السفياني أن يسلم الأمر إليه كما تذكر بعض الروايات، ولكنّ الذين وراءه من اليهود والروم ووزرائه يوبخونه، ويعبئون قواتهم ويخوضون معركة كبرى مع الإمام المهدي(عليه السلام) وجيشه تمتدّ محاورها من عكا في فلسطين إلى أنطاكية في تركيا ساحلياً، ومن طبرية إلى دمشق والقدس داخلياً. وينزل فيها الغضب الإلهي على قوات السفياني واليهود والروم فيقتلهم المسلمون، حتى لو اختبأ أحدهم وراء حجر لقال الحجر يا مسلم هذا يهودي ورائي فاقتله. وينزل النصر الإلهي على الإمام المهدي(عليه السلام) فيدخل القدس فاتحاً.

نزول السيد المسيح عيسى(عليه السلام) من السماء:

ويتفاجأ الغرب المسيحي بهزيمة اليهود والقوات المساعدة لهم، على يد المهدي(عليه السلام) فيستشيط غضباً ويعلن الحرب على الإمام المهدي والمسلمين ولكنه يتفاجأ بنزول المسيح(عليه السلام) من السماء، ويكون نزوله آية للعالم يفرح بها المسلمون والشعوب المسيحية.

ويبدو أنّ المسيح(عليه السلام) هو الذي يقوم بالوساطة بين المهدي(عليه السلام) والغربيين، فيتفقون على عقد هدنة سلام مدتها سبع سنوات:

( بينكم وبين الروم أربع هدن، تتم الرابعة على يد رجل من أهل (آل) هرقل، تدوم سبع سنين. فقال له رجل من عبد القيس يقال له المستور بن غيلان: يا رسول الله، من إمام الناس يومئذ؟ قال: المهدي من ولدي، ابن أربعين سنة، كأن وجهه كوكب دري، في خده الأيمن خال، عليه عباءتان قطوانيتان، كأنّه من رجال بني إسرائيل. يستخرج الكنوز، ويفتح مدائن الشرك).

ولعلّ السبب في أنّ الغربيين ينقضون هذه الهدنة بعد سنتين أو ثلاث كما تذكر الروايات، أنّهم يتخوفون من التيار الذي يحدثه المسيح(عليه السلام) في شعوبهم فيدخل كثير منهم في الإسلام، ويؤيدون الإمام المهدي(عليه السلام). لذلك ينقض الروم الهدنة ويقومون بهجوم مباغت على منطقة بلاد الشام وفلسطين بنحو مليون جندي: ( ثُمّ يغدرونكم فيأتونكم تحت ثمانين راية كُلّ راية اثنا عشر ألفاً ).

ويعلن المسيح موقفه إلى جانب الإمام المهدي(عليه السلام)، ويصلي خلفه في القدس. وتدور المعركة معهم على نفس محاور معركة فتح القدس تقريباً، من عكا إلى أنطاكية، ومن دمشق إلى القدس ومرج دابق، وتكون الهزيمة الساحقة على الروم، والنصر المبين للمسلمين.

وبعد هذه المعركة ينفتح الباب أمام المهدي(عليه السلام) لفتح أوروبا والغرب المسيحي.

ويبدو أنّ كثيراً من بلادها تفتحها شعوبها التي تقوم بإسقاط حكوماتها المعادية للمسيح والمهدي(عليهما السلام)، وتقيم فيها حكومات موالية لهما(عليهما السلام).

وبعد فتح المهدي الغرب ودخوله تحت حكمه وإسلام أكثر أهله، يتوفى المسيح(عليه السلام)

ويصلي عليه الإمام المهدي (عليه السلام) والمسلمون ، ويقيم مراسم دفنه والصلاة عليه على مرأى من الناس ومسمع، كما تذكر الرواية، حتى لا يقول الناس فيه ما قالوا أوّل مرّة، ويكفنه بثوب من نسج أمّه الصدّيقة مريم(عليها السلام)، ويدفنه إلى جانب قبرها الشريف في القدس.

وبعد فتحه العالم وتوحيده في دولة واحدة. يعمل الإمام المهدي(عليه السلام) في تحقيق الأهداف الإلهية في شعوب الأرض، في المجالات المختلفة. فيقوم بتطوير الحياة المادية وتحقيق الغنى والرفاهية لجميع الناس، وتعميم الثقافة، ورفع مستوى الوعي الديني والدنيوي.

وتذكر بعض الأحاديث أنّ نسبة ما يضيفه إلى معلومات الناس في العلوم نسبة خمس وعشرين إلى اثنين، حيث يضيف الخمس وعشرين جزءاً من العلم ويضمها إلى الاثنين ويبثها في الناس سبعاً وعشرين.

كما يتحقق في عصره(عليه السلام)انفتاح سكان الأرض على سكان الكواكب الأخرى، بل تبدأ مرحلة انفتاح عالم الغيب على عالم الشهادة، فيأتي أناس من الجنة إلى الأرض ويكونون آية للناس، ويرجع عدد من الأنبياء والأئمة (عليه السلام)إلى الأرض في زمن المهدي(عليه السلام)وبعده، ويحكمون إلى ما شاء الله من الزمان.

ويبدو أنّ حركة الدجال الملعون وفتنته، تكون حركة استغلال منحرفة لحالة الرفاهية وتطور العلوم الذي يصل إليه المجتمع البشري في عصر الإمام المهدي(عليه السلام)، فيستعمل الدجال أساليب الشعوذة لإغراء الناس، ويتبعه اليهود والنواصب والشاذّون والشاذّات، ويستعمل الحيل والمخاريق والألاعيب فيصدّقه بعض الناس أو يشاركونه في شيطنته فيحدث في العالم فتنة. لكن الإمام المهدي(عليه السلام)يكشف زيفه، ويقضي عليه وعلى أتباعه.

هذه صورة عامة عن حركة المهدي الموعود(عليه السلام)وثورته العالمية.

 أبرز معالم عصر الظهور:

أمّا العصر الذي تحدث فيه، فهذه أبرز معالمه وأحداثه:

من ذلك الفتنة التي تذكر الأحاديث أنّها تحدث على الأمّة الإسلامية وتصفها بأنّها تكون آخر الفتن التي تمرّ عليها وأصعبها، حتى تنجلي بظهور المهدي المنتظر(عليه السلام).

ومن الملفت حقاً أنّ الأوصاف الكلية والتفصيلية لهذه الفتنة تنطبق على فتنة الغربيين وسيطرتهم على بلاد المسلمين في مطلع هذا القرن، وعلى حلفائهم الشرقيين أيضاً. فهي فتنة تشمل كُلّ بلاد المسلمين وكلّ عائلة فيها: حتى لا يبقى بيتٌ إلاّ دخلته، ولا مسلمٌ إلاّ صكته!

وتتداعى فيها الأمم الكافرة على بلاد المسلمين كما يتزاحم الجائعون النهمون على مائدة دسمة: (وعندها يأتي قوم من المغرب وقوم من المشرق فيلون أمر أمتي) ! أي يحكمون بلاد المسلمين.

وهي فتنة تبدأ من بلاد الشام، التي بدأ أعداؤنا منها مدهم الاستعماري المظلم، وسموها مركز الإشعاع الحضاري.

وتنتج عنها فتنة تسميها الأحاديث الشريفة باسمها (فتنة فلسطين) وتصفها بأنّها تمخض بلاد الشام مخض الماء في القربة :

( إذا ثارت فتنة فلسطين تردد في بلاد الشام تردد الماء في القربة، ثُمّ تنجلي حين تنجلي وأنتم قليل نادمون) !

أي قليلون لكثرة ما يقتل منكم، بيد أعدائكم وبيد أنفسكم.

وتصف الأحاديث أجيال أبناء المسلمين الذين ينشؤون على ثقافة هذه الفتنة حتى لا يكادون يعرفون غيرها.

وتصف الحكام الجبابرة الذين يحكمون شعوب المسلمين بأحكام الكفر والأهواء، ويسومونهم سوء العذاب.

وتسمي الروم أصحاب هذه الفتنة، وإخوان الترك الذين يرجح أن يكون المقصود بهم الروس، وأنهم عندما تتفاقم الأحداث في سنة ظهور المهدي (عليه السلام)، ينزلون قواتهم في الرملة بفلسطين وفي أنطاكية على الساحل التركي السوري، وفي الجزيرة عند الحدود السورية العراقية التركية :

( فإذا استثارت عليكم الروم والترك. ويتخالف الترك والروم وتكثر الحروب في الأرض... ستقبل إخوان الترك حتى ينزلوا الجزيرة، وستقبل مارقة الروم حتى ينزلوا الرملة ).

وتذكر الأحاديث الشريفة أنّ بداية ظهور المهدي(عليه السلام)يكون من المشرق: (يكون مبدؤه من قبل المشرق، وإذا كان ذلك خرج السفياني).

أي مبدأ التمهيد له(عليه السلام)على يد قوم سلمان أصحاب الرايات السود، وأنّ حركتهم تكون على يد (رجل من قم يدعو الناس إلى الحقّ. يجتمع معه قوم قلوبهم كزبر الحديد، لا تزلهم الرياح العواصف، لا يملون من الحرب ولا يجبنون، وعلى الله يتوكلون. والعاقبة للمتقين).

وأنهم بعد خروجهم وثورتهم يطلبون من أعدائهم (الدول الكبرى) أن يتركوهم وشأنهم فلا يتركونهم:

(يطلبون الحقّ فلا يعطونه، ثُمّ يطلبونه فلا يعطونه، فإذا رأوا ذلك وضعوا سيوفهم على عواتقهم، فيعطون ماسألوا فلا يقبلونه حتى يقوموا. ولا يدفعونها إلاّ إلى صاحبكم (أي المهدي(عليه السلام)). قتلاهم شهداء ).

وتذكر الأحاديث أنّهم تظهر فيهم شخصيتان موعودتان يسمى أحدهما الخراساني وهو فقيه مرجع أو قائد سياسي، والثاني شعيب بن صالح وهو قائد عسكري، شاب أسمر خفيف اللحية ورد أنّه من أهل الري، وأنّهما يسلمان الراية إلى الإمام المهدي(عليه السلام) ويشاركان مع جيشهما في حركة ظهوره ويكون شعيب بن صالح القائد العام لقواته(عليه السلام).

وتصف الأحاديث حركة في سوريا يقوم بها (عثمان السفياني) الموالي للروم والمتحالف مع اليهود، وأنّه يوحد سوريا والأردن تحت حكمه: (السفياني من المحتوم، وخروجه من أوّله إلى آخره خمسة عشر شهراً. ستة أشهر يقاتل فيها، فإذا ملك الكور الخمس ملك تسعة أشهر ولم يزد عليها يوماً) !

والكور الخمس تشمل بالإضافة إلى سوريا، الأردن كما تدلّ الأحاديث، ويحتمل أن تشمل لبنان. ولكن هذه الوحدة التي يحققها السفياني لبلاد الشام تكون وحدة غير مباركة، لأنّ الغرض منها أن تكون خط دفاع (عربي) عن (إسرائيل)، وقاعدة مواجهة للإيرانيين الممهدين للمهدي(عليه السلام).

ولذلك يقوم السفياني باحتلال العراق فتدخله قواته:

( ويبعث مئة وثلاثين ألفاً إلى الكوفة، وينزلون الروحاء والفاروق، فيسير منها ستون ألفاً حتى ينزلوا الكوفة، موضع قبر هود(عليه السلام)بالنخيلة...

كأنّي بالسفياني (أو بصاحب السفياني) قد طرح رحله في رحبتكم بالكوفة، فنادى مناديه: من جاء برأس (من) شيعة علي فله ألف درهم. فيثب الجار على جاره ويقول هذا منهم).

ثُمّ يكلفونه أن يملأ الفراغ السياسي الذي يحدث في الحجاز، ويساعد حكومته الضعيفة للقضاء على حركة المهدي(عليه السلام) التي يلهج الناس بها، ويتوقعون بدايتها في مكّة، فيرسل السفياني جيشه إلى الحجاز، ويدخل المدينة المنورة ويعيث فيها فساداً، ثُمّ يقصد مكّة المكرّمة حيث يكون الإمام المهدي(عليه السلام) قد بدأ حركته، فتقع المعجزة الموعودة على لسان النبي(صلى الله عليه وآله وسلّم) في جيش السفياني فيخسف به قبل وصوله إلى مكّة: (يعوذ عائذ بالبيت فيبعث إليه جيش، حتى إذا كانوا بالبيداء بيداء المدينة خسف بهم) !

ثُمّ يتراجع السفياني بعد هزيمته في العراق على يد الإيرانيين واليمانيين، وهزيمته في الحجاز بالمعجزة على يد المهدي(عليه السلام)، ويجمع قواته داخل بلاد الشام لمواجهة زحف الإمام المهدي(عليه السلام) بجيشه نحو دمشق والقدس.

وتصف الروايات هذه المعركة بأنّها ملحمة كبرى، تمتد من عكا إلى صور إلى أنطاكية في الساحل، ومن دمشق إلى طبرية والقدس في الداخل، وأنّ الغضب الإلهي ينزل على السفياني وحلفائه اليهود والروم فيهزمون هزيمة ساحقة ويؤخذ السفياني أسيراً ويقتل.

ويدخل الإمام المهدي(عليه السلام) والمسلمون القدس.

كما تذكر الأحاديث حركة أخرى ممهدة للمهدي(عليه السلام) تحدث في اليمن. وتمدح قائدها (اليماني) وتوجب على المسلمين نصرته:

( وليس في الرايات أهدى من راية اليماني، فإذا خرج اليماني حرّم بيع السلاح على الناس. وإذا خرج اليماني فانهض إليه، فإنّ رايته راية هدى. ولا يحلّ لمسلم أن يلتوي عليه، فمن فعل ذلك فهو من أهل النار، لأنّه يدعو إلى الحقّ وإلى طريق مستقيم ) !

وتذكر بعض الروايات دخول القوات اليمانية إلى العراق لمساعدة الإيرانيين في مواجهة قوات السفياني. كما يبدو أنّ لهذا اليماني وقواته دوراً هاماً في الحجاز، في نصرة الإمام المهدي(عليه السلام).

وفي مصر تذكر الروايات دخول قوات غربية أو مغربية إلى مصر، وأنّه على أثرها يكون خروج السفياني في بلاد الشام.

وتذكر أنّ الإمام المهدي(عليه السلام) يجعل لمصر مكانة إعلامية خاصة في العالم، ويتخذها منبراً له. وتصف دخوله مع أصحابه إلى مصر: ( ثُمّ يسيرون إلى مصر فيصعد منبره فيخطب الناس، فتستبشر الأرض بالعدل. وتعطي السماء قطرها، والشجر ثمارها، والأرض نباتها، وتتزين لأهلها، وتأمن الوحوش حتى ترتعي في طرق الأرض كالأنعام. ويقذف في قلوب المؤمنين العلم فلا يحتاج مؤمن إلى ما عند أخيه من العلم. فيومئذ تأويل هذه الآية: ( يُغْنِ اللَّهُ كُلاّ مِنْ سَعَتِهِ) ).

وتذكر أحاديث عصر الظهور أنّ اليهود في آخر الزمان يفسدون في الأرض ويعلون علواً كبيراً، كما أخبر الله تعالى في كتابه، وأنّ تدمير علوهم يكون على يد رايات تخرج: (من خراسان فلا يردّها شئ حتى تنصب بإيلياء). أي في القدس، وأنّ الإيرانيين والشيعة هم القوم الذين سيبعثهم الله تعالى هذه المرة على اليهود:(بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَاداً لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ)، وقد يكون المقصود أنّ عمدة جيش الإمام المهدي(عليه السلام) الذي يفتح القدس يكون منهم.

ولا تحدد الأحاديث هل يكون هذا التدمير الموعود مرحلة واحدة، أم على مراحل قبل ظهور المهدي(عليه السلام) وبعده. لكنها تصف المرحلة النهائية، وأنّها تكون على يد المهدي(عليه السلام) وجيشه، وذلك في معركة كبرى يكون فيها عثمان السفياني حاكم بلاد الشام واجهة اليهود الروم، وخطهم الدفاعي المباشر.

وتذكر أنّ الإمام المهدي(عليه السلام) يستخرج أسفار التوراة الأصلية من غار بأنطاكية، ومن جبل بفلسطين، ومن بحيرة طبرية، ويحتجّ بها على اليهود، ويظهر لهم الآيات والمعجزات، فيسلم له بعض من بقي منهم بعد معركة فتح القدس. ثُمّ يخرج من لم يسلم منهم من بلاد العرب.

كما تصف الأحاديث الشريفة حرباً عالمية تكون قبيل ظهور المهدي(عليه السلام)، يكون سببها من المشرق، ويفهم من بعض أحاديثها أنّها تكون في سنة الظهور على شكل حروب إقليمية (وتكثر الحروب في الأرض)، وأنّ خسائرها تتركز على أمريكا وأوروبا :

( وتشب نار في الحطب الجزل في غربي الأرض ).

(يختلف أهل الشرق وأهل الغرب نعم وأهل القبلة، ويلقى الناس جهداً شديداً مما يمر بهم من الخوف).

وتذكر أنّ خسائرها مع الطاعون الذي يكون قبلها وبعدها تبلغ ثلثي سكان العالم، ولاتصل إلى المسلمين إلاّ بشكل ثانوي :

( لا يكون هذا الأمر حتى يذهب ثلثا الناس. فقلنا: إذا ذهب ثلثا الناس فمن يبقى؟ قال: أما ترضون أن تكونوا في الثلث الباقي ).

وتشير بعض الروايات إلى أنّ هذه الحرب تكون على مراحل، وأنّ آخر مراحلها تكون بعد ظهور المهدي(عليه السلام) وتحريره الحجاز ودخوله العراق. وأنّ سببها يكون له ارتباط بالفراغ السياسي وأزمة الحكم في الحجاز.

إلى آخر ما سيأتي تفصيله إن شاء الله.

الفتنة الغربية والشرقية على المسلمين:

وردت كلمة (الفتنة) في القرآن والسنة بمعنى عام، ومعنى خاص.

فالمعنى العام: كُلّ امتحان وابتلاء يتعرّض له الإنسان، سواء كان من نفسه أو من الشيطان أو الناس، فينجح فيه وينجو من الفتنة، أو يسقط فيها.

والمعنى الخاص: الأحداث والأوضاع التي تؤدي إلى افتتان المسلمين عن دينهم. وهذا المعنى هو المقصود بالفتن التي أنذر منها النبي(صلى الله عليه وآله وسلّم).

وقد روى الصحابة والتابعون على اختلاف مذاهبهم أحاديث عديدة حذَّر فيها النبي(صلى الله عليه وآله وسلّم) من الفتن من بعده، وكان الصحابي الجليل حذيفة بن اليمان (رضي الله عنه) معروفاً بين الصحابة بأنّه خبير بأحاديث الفتن، لأنّه كان يهتم بسؤال النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم)عنها ويحفظ ما يقوله. ولذا نجد كثيراً من أحاديث الفتن في المصادر مسنداً إلى حذيفة عن النبي(صلى الله عليه وآله وسلّم) أو عن أمير المؤمنين(عليه السلام) حيث كان حذيفة من خاصة أصحابه أيضاً، وكان(ره) يقول: ( ما من صاحب فتنة يبلغون ثلاث مئة إنسان إلا لو شئت أن أسميه باسمه واسم أبيه ومسكنه إلى يوم القيامة. كُلّ ذلك مما علمنيه رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلّم)).

وكان يقول: ( لو حدّثتكم بكلّ ما أعلم ما رقبتم بي الليل! )

أي لقتلتموني فوراً وما انتظرتم بي إلى الليل. (مخطوطة ابن حماد ص1- 2)، وهذا يدلّ على أنّ الأمّة بعد وفاة النبي(صلى الله عليه وآله وسلّم) قد دخلت في الفتنة.

وقد بلغ من اهتمام المسلمين بأخبار الفتن أنّها غلبت عند بعضهم أحياناً على أخبار المهدي(عليه السلام) وظهوره، لأنّ النبي(صلى الله عليه وآله وسلّم) أخبر أنّ الأمّة لا تخرج من الفتنة إلاّ على يده، فعقد لها أصحاب الموسوعات الحديثية أبواباً وفصولاً بعنوان(الفتن أو الملاحم والفتن) أي الأحداث والمعارك المهمة التي أخبر النبي(صلى الله عليه وآله وسلّم) بوقوعها.

كما ألفّ عدد من الرواة والعلماء مؤلفات خاصة باسم الفتن، والملاحم، وما شابه، جمعوا فيها الأحاديث الواردة فيها.

وتتفاوت الأحاديث في تعداد الفتن التي حذر النبي(صلى الله عليه وآله وسلّم)الأمّة منها، فيذكر بعضها أنّ عددها خمس فتن، ويذكر بعضها أنّها أربع أو ستّ أو سبع وأكثر، ولعلّ السبب في اختلاف الرواة أو الروايات في عددها أنّ النبي(صلى الله عليه وآله وسلّم) كان في بعض المقامات يعدد الفتن الداخلية ويصفها، وفي بعضها يعدد الفتن الخارجية ويصفها، أو يذكر الفتن بحسب أنواعها وتأثيرها على المسلمين.

والذي يهمنا هنا ليس البحث في تعدادها وبدايتها وتطبيقها على تاريخ المسلمين، بل معرفة الفتنة الأخيرة منها، التي يتفق الجميع على أنّها تنجلي بظهور المهدي(عليه السلام)، والتي تنطبق أوصافها وأحداثها الواردة في الأحاديث الشريفة على الفتنة الغربية التي عظم بلاؤها واشتدت وطأتها على شعوب الأمّة في مطلع هذا القرن، حيث غزانا الغربيون في عقر ديارنا، وسيطروا على مقدراتنا وشؤوننا، وشاركهم الشرقيون فغزوا قسماً من بلادنا، وأزالوا منها معالم الإسلام، وضموها إلى دولتهم.

وهذه نماذج من الأحاديث الشريفة:

عن النبي(صلى الله عليه وآله وسلّم) قال: ( لتأتين على أمتي أربع فتن: الأولى تستحلّ فيها الدماء. والثانية تستحلّ فيها الدماء والأموال. والثالثة تستحلّ فيها الدماء والأموال والفروج. والرابعة صماء عمياء مطبقة، تمور مور السفينة في البحر، حتى لا يجد أحد من الناس ملجأ. تطير بالشام، وتغشى العراق، وتخبط الجزيرة بيدها ورجلها. يعرك الأنام فيها البلاء عرك الأديم، لا يستطيع أحد أن يقول فيها مه مه ! لا ترفعونها من ناحية إلاّ انفتقت من ناحية أخرى). (الملاحم والفتن ص17 ).

وفي رواية: ( إذا ثارت فتنة فلسطين تردد في الشام تردد الماء في القربة، ثُمّ تنجلي حين تنجلي وأنتم قليل نادمون ). (ابن حماد ص63)

وفي رواية: ( تطيف بالشام، وتغشى العراق، وتعرك الجزيرة ) (ابن حماد: ص9)

وفي رواية أخرى: ( ثُمّ تكون فتنة كلما قيل انقطعت تمادت، حتى لا يبقى بيت إلاّ دخلته ولا مسلم إلاّ صكته، حتى يخرج رجل من أهل بيتي). (ابن حماد: ص10)

ونلاحظ في هذا الحديث الشريف والأحاديث الكثيرة المشابهة عدة صفات لهذه الفتنة، التي هي الأخيرة بحسب كُلّ الروايات:

أولاً: أنّ أخبارها بلغت حدّ التواتر الإجمالي في مصادر الشيعة أو السنة، بمعنى أنّه قد رواها رواة عديدون بالمعنى وإن اختلفت ألفاظ رواياتهم، بحيث يحصل العلم للمتأمل أنّ مضمون هذه الأخبار قد صدر عن النبي(صلى الله عليه وآله وسلّم) وأهل بيته(عليهم السلام).

ثانياً: أنّها فتنة عامة تشمل كُلّ أمور المسلمين الأمنية والثقافية والاقتصادية حيث تستحلّ فيها المحارم كلها كما في حديث آخر أيضاً، فهي (صماء عمياء) أي لا تسمع حتى تدفع بالكلام، ولا ترى فتميز بين أحد وآخر، بل تشمل الجميع وتطبق عليهم، وتدخل كُلّ بيت وتصك بضربتها شخصية كُلّ مسلم، وتموج بمجتمع المسلمين موجاً شديداً كمور السفينة في البحر المضطرب، ولا يجد أحد ملجأ من خطرها على دينه ودين أسرته، ولا ملجأ من ظلم الحكام ومن وراءهم.

ثالثاً: أن شرها وبداية موجها يتركز على بلاد الشام (تطير بالشام) أي تبدأ من بلاد الشام، التي سموها بلد الإشعاع وزرعوا فيها (إسرائيل)، وفي رواية (تطيف بالشام) أي تحيط ببلاد الشام، ثُمّ تمتد إلى بقية بلاد المسلمين.

بل أطلقت إحدى الروايات الشريفة عليها اسم (فتنة فلسطين) التي يتركز موجها على أهل بلاد الشام أكثر من غيرهم.

رابعاً: أنّ هذه الفتنة تتمادى زمناً طويلاً ولا ينفع معها أنصاف الحلول، لأنّها فتنة حضارية أعمق من حلول الترقيع والصلح، ولأنّ موج المقاومة في الأمّة وموج عداوة العدوّ يفتق الحلول من ناحية أخرى: ( لا ترقعونها من ناحية إلاّ انفتقت من ناحية أخرى) وفي رواية: (لا ترتقونها من جانب إلاّ انفتقت أو جاشت من جانب آخر) والمعنى واحد، لأنّ حلها يكون فقط بحركة التمهيد للمهدي (عليه السلام) في الأمّة، ثُمّ بظهوره المبارك أرواحنا فداه.

وقد صرّحت العديد من رواياتها بأنّها متصلة بظهور المهدي(عليه السلام) وأنّها آخر الفتن، وبعض رواياتها وإن وردت مطلقة لم يصرح فيها بأنّها الفتنة التي قبل ظهور المهدي(عليه السلام)، ولكنها ذكرت أنّها الفتنة الأخيرة، ووصفتها بنفس الصفات. فتكون هي المقصودة لا محالة، حملاً للمطلق على المقيد.

هذه الصفات الأساسية في هذه الفتنة، وصفات أخرى وردت في أحاديث أخرى، لا يمكن تطبيقها على أي فتنة داخلية أو خارجية تعرّضت لها الأمّة من صدر الإسلام إلى عصرنا هذا، سوى الفتنة الغربية. فهي لا تنطبق على الفتن الداخلية في صدر الإسلام وبعده، ولا على فتنة الغزو المغولي، ولا على فتنة الغزو الصليبي في مراحل حملاته التاريخية التي بدأت قبل نحو تسع مئة سنة، وكانت في مدّ وجزر متباعدين.

وإنّما تنطبق فقط على مرحلته الأخيرة حيث تمكن الغربيون من غزو الأمّة غزواً كاملاً، ودخلت جيوشهم كُلّ بلادها وأسقطوها صريعة في فتنتهم، وزرعوا في قلبها قاعدة حلفائهم اليهود.

عن النبي(صلى الله عليه وآله وسلّم) قال: (والذي نفسي بيده ليلينَّ أمتي قوم، إذا تكلموا قتلوهم، وإن سكتوا استباحوهم. ليستأثرنّ بفيئهم، وليطأنّ حرماتهم، وليسفكنّ دماءهم، وليملأنّ قلوبهم دغلاً ورعباً، فلا تراهم إلاّ وجلين خائفين مرعوبين.

عندها يجئ قوم من المشرق وقوم من المغرب يلون أمتي، فالويل لضعفاء أمتي منهم، والويل لهم من الله، لا يرحمون صغيراً، ولا يوقرون كبيراً، ولا يتجافون من شئ. جثثهم جثث الآدميين، وقلوبهم قلوب الشياطين). (بشارة الإسلام ص25)

وهذا الحديث الشريف يكشف عن الترابط بين الظلم الداخلي والاستعمار الخارجي، ويجعل السبب في سيطرة الكفار الشرقيين والغربيين على الأمّة جور حكامها وظلمهم لشعوبهم المسلمة، وإرهابهم وخنقهم لحرياتهم، لأنّ ذلك يجعل الناس ناقمين على حكامهم مشغولين بمصيبتهم بهم عن دفع العدو الخارجي، فيستغلّ العدوّ ذلك ويغزو بلادهم بحجة إنقاذهم من ظلم الحكام، كما فعل نابليون في غزوه لمصر ! فقد وجه رسالة إلى المصريين عندما اقتربت سفنه من الساحل المصري يمدح فيها الإسلام ويظهر حبه له ! وأنه إنّما جاء لينقذ المصريين من ظلم المماليك !

ثُمّ واصل سياسته هذه بعد احتلاله مصر، حتى أنّه لبس الزيّ المصري وأعلن إسلامه، واحتفل بعيد المولد النبوي !

ثُمّ استعملت بريطانيا وفرنسا وأمريكا وروسيا أساليب مشابهة، مدعية أنّها جاءت لتحرير شعوب المسلمين، وما زالت تستعملها لإدامة سيطرتها على بلاد المسلمين ومقدراتهم.

وعن النبي(صلى الله عليه وآله وسلّم) قال: ( لا يزال بكم الأمر حتى يولد في الفتنة والجور من لا يعرف غيرها، حتى تملأ الأرض جوراً فلا يقدر أحد يقول: الله. ثُمّ يبعث الله عزّ وجلّ رجلاً مني ومن عترتي فيملأ الأرض عدلاً كما ملأها من كان قبله جوراً). (البحار:51/ 68 ).

وهذا الحديث الشريف يدلّ على أنّ الفتنة الأخيرة تستمرّ أجيالاً حتى يولد فيها الجيل من أبناء المسلمين لا يعرف فكراً غير فكر الانحراف عن الدين، ولا سياسة غير سياسة الظلم والجور. وهو تعبير دقيق عن الأجواء الثقافة المسيطرة، التي ينشأ الطفل المسلم في ظلها وهو لا يعرف شيئاً عن أجواء الإسلام وثقافته وعدله، إلاّ من هيأ الله تعالى له أسباب الهداية والعصمة.

ومعنى قوله(صلى الله عليه وآله وسلّم): (حتى تملأ الأرض جوراً فلا يقدر أحد يقول: الله) أنّ قوانين الظلم والجور وسياسات الظالمين الجائرين تشمل كُلّ مرافق الحياة ومناطقها، حتى لا يقدر أحد أن يقول: نحن مسلمون، ربنا الله تعالى، وهو يأمرنا برفض الظلم والجور.

وعن أمير المؤمنين(عليه السلام) قال: (إنّ دولة أهل بيت نبيكم في آخر الزمان، ولها إمارات فإذا استثارت عليكم الروم والترك، وجهزت الجيوش. ويتخالف الترك والروم، وتكثر الحروب في الأرض). (البحار:52/208 ).

وكلامه(عليه السلام) واضح في أنّ فتنة الروم والترك وتحرّكهم لغزو بلادنا من أمارات ظهور المهدي(عليه السلام). وتعبير (استثارت) تعبير دقيق، أي تحركت ذاتياً على بلادنا الإسلامية من أجل التسلط عليها واستثمارها.

وكذلك تعبير (ويتحالف الترك والروم) وذلك في صراعهم على تقاسم النفوذ والسيطرة بعد أن كانوا متخالفين ولكنهم متفقون في عدائهم لنا.

(وتكثر الحروب في الأرض) كما نرى أنّه لا تخلو قارة من حرب أو أكثر، ولا تهدأ حرب حتى تنفتح حرب أخرى أو أكثر، كُلّ ذلك بسبب استثارة الروم، واليهود وراءهم يشعلون فتيل الحروب كلما استطاعوا.

وعن النبي(صلى الله عليه وآله وسلّم) قال: ( ينزل بأمتي في آخر الزمان بلاء شديد من سلطانهم لم يسمع بلاء أشدّ منه، حتى تضيق بهم الأرض الرحبة، وحتى تملأ الأرض جوراً وظلماً حتى لا يجد المؤمن ملجأ يلجأ إليه من الظلم. حتى يبعث الله عز وجل رجلاً من عترتي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً، كما ملئت ظلماً وجوراً. يرضى عنه ساكن السماء وساكن الأرض. لا تدّخر الأرض من بذرها شيئاً إلاّ أخرجته، ولا السماء من قطرها إلاّ صبته عليهم مدراراً ). ( بشارة الإسلام ص 28 ).

وعن حذيفة بن اليمان عن النبي(صلى الله عليه وآله وسلّم) قال: ( ويح هذه الأمّة من ملوك جبابرة كيف يقتلون ويطردون المسلمين إلاّ من أظهر طاعتهم ! فالمؤمن التقيّ يصانعهم بلسانه ويفرّ منهم بقلبه. فإذا أراد الله تبارك وتعالى أن يعيد الإسلام عزيزاً قصم ظهر كُلّ جبار عنيد، وهو القادر على ما يشاء، وأصلح الأمّة بعد فسادها. يا حذيفة لو لم يبق من الدنيا إلاّ يوم واحد لطوّل الله ذلك اليوم حتى يملك رجل من أهل بيتي، يظهر الإسلام، والله لا يخلف وعده وهو على كُلّ شئ قدير).( بشارة الإسلام ص 29).

وعنه(صلى الله عليه وآله وسلّم) قال: ( يوشك أن تداعى عليكم الأمم، تداعي الأكلة على قصعتها. وأنتم كثير ولكنكم غثاء كغثاء السيل. ولينزعنّ الله من صدور عدوكم المهابة منكم، وليقذفنّ في قلوبكم الوهن، من حبّ الدنيا وكراهية الموت). (الملاحم والفتن ص129)

وهي أحاديث واضحة بليغة عليها نور النبوة، تصور حالة الأمّة مع عدوها المتسلط، وتبشر بالفرج بظهور المهدي(عليه السلام).

وعنه(صلى الله عليه وآله وسلّم) قال: (يستخدم المشركون المسلمين ويبيعونهم في الأمصار، ولا يتحاشى لذلك برّ ولا فاجر. ولا يزال ذلك البلاء على أهل ذلك الزمان، حتى إذا يئسوا وقنطوا وأساءوا الظنّ أن لا يفرج عنهم، إذ بعث الله رجلاً من أطايب عترتي وأبرار ذريتي، عدلاً مباركاً زكياً، لا يغادر مثقال ذرة، يعزّ الله به الدين والقرآن والإسلام وأهله، ويذل به الشرك وأهله. يكون من الله على حذر، لا يغتر بقرابة، ولا يضع حجراً على حجر، ولا يقرع أحداً في ولايته بسوط إلاّ في حدّ. يمحو الله به البدع كلها، ويميت الفتن كلها. يفتح الله به باب كُلّ حقّ، ويغلق به باب كُلّ باطل. يردّ به سبي المسلمين حيث كانوا ). ( الملاحم والفتن ص 108).

وهو حديث يصور حالة استضعاف المسلمين المؤلمة، وبيعهم وشراءهم وسبيهم في البلاد. وهي حالة لا تقتصر على المسلمين الذين يعملون عند المشركين خدماً وموظفين محتقرين، بل تشمل بيع المشركين لشعوبنا الإسلامية وشراءها وتهجيرها وسبيها.

ثُمّ يذكر الحديث الشريف ظهور المهدي المنقذ أرواحنا فداه، فجأة في حالة اليأس والاستضعاف.