الإمامة الإثنا عشرية جوهر مفهوم المهدويّة 2
  • عنوان المقال: الإمامة الإثنا عشرية جوهر مفهوم المهدويّة 2
  • الکاتب:
  • مصدر:
  • تاريخ النشر: 8:53:27 20-9-1403

الخصوصية الثانية: الإمامة
المبكرة

ومن مقتضيات المفهوم المهدوي عند أئمة أهل البيت(عليهم السلام)الاعتقاد بالإمامة المبكرة للإمام المهدي(عليه السلام)، وهذه الخصوصية تارة ننظر إليها من الزاوية الإسلامية بقصد البرهنة والإثبات ودفع ما يمكن أن يرد عليها من اشكال ديني، واُخرى من زاوية الواقع لبيان أن هذه الإمامة ; إمامة واقعية تحمل المؤهلات الكافية، وليست إمامة مفترضة أو مدّعاة.
وإذا نظرنا إليها من الزاوية الإسلامية وجدنا ضرورة تمييز مسألة الإمامة أوّلاً، هل هي مسألة عقائدية؟ أم أنها مسألة تشريعية؟ فإن كانت مسألة عقائدية ـ كما هو معتقد الشيعة ـ فإننا نجد القرآن يصرّح بثبوت النبوّة ـ وهي مسألة عقائدية ـ للصبي، قال تعالى: (يا يحيى خذ الكتاب بقوة وآتيناه الحكم صبياً)[1] ، وإن كانت مسألة تشريعية، فإن من واضحات الشريعة الاسلامية ثبوت الحجر على الصغير، ومن كان محجوراً عليه، فاقداً للولاية على نفسه كيف تتاح له الولاية على غيره؟ فلا تكون إمامة الصبي مشروعة حينئذ.
وقد اختلف المسلمون في هذه المسألة، فمدرسة المذاهب الأربعة جعلت الخلافة والإمامة والولاية من شؤون الشريعة، وأعمال المكلفين، بينما آمنت مدرسة أهل البيت(عليهم السلام)بأنها مسألة عقائدية ومن جملة اُصول الدين التي هي من شؤون رب العالمين، وليست من خصائص المكلّفين وأعمال العباد. وحينئذ فمدرسة أهل البيت(عليهم السلام) حينما تعتقد بالإمامة المبكرة لعدد من الأئمة (عليهم السلام) ومن جملتهم الإمام المهدي(عليه السلام) فهي منسجمة مع نفسها في هذا المضمار، لا يرد عليها اشكال من جهة عقائدية، مادام القرآن يصرّح بالنبوة المبكرة ليحيى(عليه السلام)، ولا من جهة تشريعية مادامت المسألة من وجهة نظر أهل البيت(عليهم السلام) خارجة عن نطاق التشريع وداخلة في نطاق العقيدة . وأحكام الشريعة في باب الحجر على الصغير تنطبق على المكلّفين ولا تنطبق على الله سبحانه وتعالى، لأن الشريعة خطابات إلهية موجهة إلى المكلّفين .
وهكذا يتّضح أن غرضنا من الاستشهاد بنبوة يحيى(عليه السلام)هو لبيان أن الإمامة كالنبوة مسألة عقائدية، وأن المسألة العقائدية لا تخضع لمقاييس الناس، بل لا تخضع حتى لمقاييس الشريعة التي جاءت لتنظيم سلوك المكلفين فلا يصح تطبيقها على رب العالمين، فهي ـ أي نبوة يحيى ـ تفيدنا أن المسألة العقائدية تتقوم بالدليل والبرهان، فإذا قام البرهان العقائدي على إمامة الصغير فلابد من الإذعان بها كما أذعنا بنبوة الصغير حينما قام البرهان العقائدي عليها، وحينئذ فلا معنى لما قد يقال من أن الاستشهاد بنبوة يحيى(عليه السلام) لا محلّ له، لأنها مذكورة صراحة في القرآن بخلاف المسألة المهدوية.
ومن هنا فإن اعتراض ابن حجر الهيثمي وأمثاله على إمامة الإمام المهدي ساقط لا أساس له، حيث كتب وباُسلوب غير مناسب يقول: «ثم المقرر في الشريعة المطهرة أن الصغير لا تصح ولايته، فكيف ساغ لهؤلاء الحمقى المغفلين أن يزعموا إمامة من عمره خمس سنين...»[2] .
فقد اتّضح أن هذا ليس من مقررات الشريعة وانما من مقررات فقههم الذي لا يصح لهم الزامنا به.
وإذا نظرنا إليها من زاوية الواقع التاريخي وجدنا أن المهدي(عليه السلام)خَلفَ أباه في إمامة المسلمين وهو ابن خمس سنين، وهذا يعني أنه كان إماماً بكلّ ما في الإمامة من محتوىً فكري وروحي في وقت مبكر جداً من حياته الشريفة.
يقول السيد الشهيد الصدر(رضي الله عنه) في هذا المضمار:
«والإمامة المبكرة ظاهرة سَبقه إليها عددٌ من آبائه(عليهم السلام)، فالإمام محمد بن علي الجواد(عليه السلام)تولّى الإمامة وهو في الثامنة من عمره [3]، والإمام علي بن محمد الهادي تولّى الإمامة وهو في التاسعة[4] من عمره، والإمام أبو محمد الحسن العسكري[5] والد القائد المنتظر تولّى الإمامة وهو في الثانية والعشرين من عمره، ويلاحظ أن ظاهرة الإمامة المبكرة بلغت ذروتها في الإمام المهدي والإمام الجواد، ونحن نسميها ظاهرة لأنها كانت بالنسبة إلى عدد من آباء المهدي(عليه السلام)تشكل مدلولاً حسيّاً عمليّاً عاشه المسلمون، ووعوه في تجربتهم مع الإمام بشكل وآخر، ولايمكن أن نُطالب بإثبات لظاهرة من الظواهر أوضح وأقوى من تجربة اُمّة[6] ، ونوضح ذلك ضمن النقاط التالية:
أ ـ لم تكن إمامة الإمام من أهل البيت مركزاً من مراكز السلطان، والنفوذ التي تنتقل بالوراثة من الأب إلى الابن، ويدعمها النظام الحاكم كإمامة الخلفاء الفاطميين، وخلافة الخلفاء العباسيين، وإنما كانت تكتسب ولاء قواعدها الشعبية الواسعة عن طريق التغلغل الروحي، والإقناع الفكري لتلك القواعد بجدارة هذه الإمامة لزعامة الإسلام، وقيادته على اُسس روحية وفكرية.
ب ـ إنّ هذه القواعد الشعبية بنيت منذ صدر الإسلام، وازدهرت واتسعت على عهد الإمامين الباقر والصادق(عليهما السلام)، وأصبحت المدرسة التي رعاها هذان الإمامان في داخل هذه القواعد تشكل تياراً فكرياً واسعاً في العالم الإسلامي، يضم المئات من الفقهاء والمتكلمين والمفسرين والعلماء في مختلف ضروب المعرفة الإسلامية والبشرية المعروفة وقتئذ، حتى قال الحسن بن علي الوشا: إني دخلت مسجد الكوفة فرأيت فيه تسعمائة شيخ[7]  كلهم يقولون حدثنا جعفر بن محمد.
ج ـ إن الشروط التي كانت هذه المدرسة وما تُمثله من قواعد شعبية في المجتمع الإسلامي، تؤمن بها وتتقيد بموجبها في تعيين الإمام والتعرف على كفائته للإمامة، شروط شديدة; لأنها تؤمن بأنّ الإمام لا يكون إماماً إلاّ إذا كان أعلم علماء عصره[8] .
د ـ إنّ المدرسة وقواعدها الشعبية كانت تقدم تضحيات كبيرة في سبيل الصمود على عقيدتها في الإمامة; لأنها كانت في نظر الخلافة المعاصرة لها تشكل خطاً عدائياً، ولو من الناحية الفكرية على الأقل، الأمر الذي أدّى إلى قيام السلطات وقتئذ وباستمرار تقريباً حملات من التصفية والتعذيب، فقُتل من قُتل، وسُجن من سُجن، ومات في ظلمات المعتقلات المئات، وهذا يعني أنّ الاعتقاد بإمامة أئمة أهل البيت كان يكلّفهم غالياً[9] ، ولم يكن له من الاغراءات سوى ما يحسّ به المعتقد أو يفترضه من التقرب إلى الله تعالى والزلفى عنده.
هـ ـ إنّ الأئمة الذين دانت هذه القواعد لهم بالإمامة لم يكونوا معزولين عنها، ولا متقوقعين في بروج عالية شأن السلاطين مع شعوبهم، ولم يكونوا يحتجبون عنهم إلاّ أن تحجبهم السلطة الحاكمة بسجن أو نفي، وهذا ما نعرفه من خلال العدد الكبير من الرواة والمحدثين عن كلّ واحد من الأئمة الأحد عشر، ومن خلال ما نقل من المكاتبات التي كانت تحصل بين الإمام ومعاصريه، وما كان الإمام يقوم به من أسفار من ناحية، وما كان يبثّه من وكلاء في مختلف أنحاء العالم الإسلامي من ناحيه اُخرى، وما كان قد اعتاده الشيعة من تفقّد أئمتهم وزيارتهم في المدينة المنورة عندما يؤمون الديار المقدسة من كلّ مكان لأداء فريضة الحج[10] ، كلّ ذلك يفرض تفاعلاً مستمراً بدرجة واضحة بين الإمام وقواعده الممتدة في أرجاء العالم الإسلامي بمختلف طبقاتها من العلماء وغيرهم.
و ـ إن الخلافة المعاصرة للأئمة(عليهم السلام) كانت تنظر إليهم وإلى زعامتهم الروحية والإمامية بوصفها مصدر خطر كبير على كيانها ومقدّراتها، وعلى هذا الأساس بذلت كل جهودها في سبيل تفتيت هذه الزعامة، وتحملت في سبيل ذلك كثيراً من السلبيات، وظهرت أحياناً بمظاهر القسوة والطغيان حينما اضطرها تأمين مواقعها إلى ذلك، وكانت حملات الاعتقال والمطاردة مستمرة للأئمة[11] أنفسهم على الرغم مما يخلّفه ذلك من شعور بالألم أو الاشمئزاز عند المسلمين وللناس الموالين على اختلاف درجاتهم.
إذا أخذنا هذه النقاط الست بعين الاعتبار، وهي حقائق تاريخية لا تقبل الشك، أمكن أن تخرج بنتيجة وهي: أنّ ظاهرة الإمامة المبكرة كانت ظاهرة واقعية ولم تكن وهماً من الأوهام; لأنّ الإمام الذي يبرز على المسرح وهو صغير فيعلن عن نفسه إماماً روحياً وفكرياً للمسلمين، ويدين له بالولاء والإمامة كلّ ذلك التيار الواسع، لابدّ أن يكون على قدر واضح وملحوظ بل وكبير من العلم والمعرفة وسعة الاُفق والتمكن من الفقه والتفسير والعقائد ; لأنه لو لم يكن كذلك لما أمكن أن تقتنع تلك القواعد الشعبية بإمامته، مع ما تقدم من أنّ الأئمة كانوا في مواقع تتيح لقواعدهم التفاعل معهم وللأضواء المختلفة أن تُسلّط على حياتهم وموازين شخصيتهم. فهل ترى أنّ صبيّاً يدعو إلى إمامة نفسه وينصب منها علماً للإسلام وهو على مرأىً ومسمع جماهير قواعده الشعبية، فتؤمن به وتبذل في سبيل ذلك الغالي من أمنها وحياتها بدون أن تكلّف نفسها اكتشاف حاله، وبدون أن تهزّها ظاهرة هذه الإمامة المبكرة لاستطلاع حقيقة الموقف وتقييم هذا الصبي الإمام؟[12] وهبْ إن الناس لم يتحركوا لاستطلاع المواقف، فهل يمكن أن تمرّ المسألة أياماً وشهوراً بل أعواماً دون أن تتكشف الحقيقة على الرغم من التفاعل الطبيعي المستمر بين الصبي الإمام وسائر الناس؟ وهل من المعقول أن يكون صبيّاً في فكره وعلمه حقاً ثمّ لا يبدو ذلك من خلال هذا التفاعل الطويل؟
وإذا افترضنا أنّ القواعد الشعبية لإمامة أهل البيت لم يُتح لها أن تكتشف واقع الأمر، فلماذا سكتت الخلافة القائمة ولم تعمل لكشف الحقيقة إذا كانت في صالحها؟ وما كان أيسر ذلك على السلطة القائمة لو كان الإمام الصبي صبياً في فكره وثقافته كما هو المعهود في الصبيان، وما كان أنجحه من اُسلوب أن تقدم هذا الصبي إلى شيعته وغير شيعته على حقيقته، وتبرهن على عدم كفاءته للإمامة والزعامة الروحية والفكرية، فلئن كان من الصعب الإقناع بعدم كفاءة شخص في الأربعين أو الخمسين قد أحاط بقَدر كبير من ثقافة عصره لتسلّم الإمامة، فليس هناك صعوبة في الإقناع بعدم كفاءة صبي اعتيادي مهما كان ذكياً وفطناً للإمامة بمعناها الذي يعرفه الشيعة الإماميون[13] ، وكان هذا أسهل وأيسر من الطرق المعقدة وأساليب القمع والمجازفة التي انتهجتها السلطات وقتئذ.
إنّ التفسير الوحيد لسكوت الخلافة المعاصرة عن اللعب بهذه الورقة[14] ، هو أنها أدركت أن الإمامة المبكرة ظاهرة حقيقية وليست شيئاً مصطنعاً.
والحقيقة أنها أدركت ذلك بالفعل بعد أن حاولت أن تلعب بتلك الورقة فلم تستطع، والتاريخ يحدثنا عن محاولات من هذا القبيل وفشلها[15]  ، بينما لم يحدثنا إطلاقاً عن موقف تزعزعت فيه ظاهرة الإمامة المبكرة أو واجه فيه الصبيّ الإمامُ إحراجاً يفوق قدرته أو يزعزع ثقة الناس فيه.
وهذا معنى ما قلناه من أن الإمامة المبكرة ظاهرة واقعية في حياة أهل البيت(عليهم السلام)وليست مجرد افتراض، كما أنّ هذه الظاهرة الواقعية لها جذورها وحالاتها المماثلة في تراث السماء، الذي امتد عِبْرَ الرسالات والزعامات الربّانية.
ويكفي مثالاً لظاهرة الإمامة المبكرة في التراث الرباني لأهل البيت(عليهم السلام):يحيى(عليه السلام) ، إذ قال الله سبحانه وتعالى: (يا يحيى خذ الكتاب بقوّة وآتيناه الحكم صبيّاً)[16] .
ومتى ثبت أنّ الإمامة المبكرة ظاهرة واقعية ومتواجدة فعلاً في حياة أهل البيت، لم يعد هناك اعتراض فيما يخصّ إمامة المهدي(عليه السلام) وخلافته لأبيه وهو صغير  [17]»  [18].

الخصوصية الثالثة:
الغيبة المستلزمة لعمر مفتوح مع انفتاح الزمن
من مقتضيات وخصائص المفهوم المهدوي عند أهل البيت(عليهم السلام)، هو الاعتقاد بغيبة الإمام(عليه السلام) عن الأنظار، واستمراره على ذلك إلى حين يأذن الله سبحانه وتعالى له بالظهور، وإثبات هذه الخصوصية ننجزه في مرحلتين: ـ

الاُولى: مرحلة إثبات إمكانية العمر الطويل الى آخر الزمان
إن المشكلة الأساسية التي تواجه المفهوم المهدوي عند أهل البيت(عليهم السلام) ،تتمثل في ما يستلزمه هذا المفهوم من عمر مفتوح، مع انفتاح الزمن وممتد بامتداده، وقد عولجت هذه المشكلة بإجابات كثيرة نورد هنا إجابة السيد الشهيد الصدر عليها ، فقد كتب يقول :
«هل بالإمكان أن يعيش الإنسان قروناً كثيرة كما هو المفترض في هذا القائد المنتظر لتغيير العالم ، الذي يبلغ عمره الشريف فعلاً أكثر من ألف ومائة وأربعين سنة ، أي حوالي (14) مرة بقدر عمر الإنسان الاعتيادي الذي يمر بكل المراحل الاعتيادية من الطفولة إلى الشيخوخة؟
كلمة الإمكان هنا تعني أحد ثلاثة معان : الإمكان العملي ، والإمكان العلمي ، والإمكان المنطقي أو الفلسفي .
وأقصد بالإمكان العملي : أن يكون الشيء ممكنا على نحو يتاح لي أو لك ، أو لإنسان آخر فعلاً أن يحققه ، فالسفر عبر المحيط ، والوصول إلى قاع البحر ، والصعود إلى القمر ، أشياء أصبح لها إمكان عملي فعلاً. فهناك من يمارس هذه الأشياء فعلاً بشكل وآخر.
وأقصد بالإمكان العلمي : أن هناك أشياء قد لا يكون بالإمكان عملياً لي أو لك ، أن نمارسها فعلاً بوسائل المدنية المعاصرة ، ولكن لا يوجد لدى العلم ولا تشير اتجاهاته المتحركة إلى ما يبرر رفض إمكان هذه الأشياء ووقوعها وفقاً لظروف ووسائل خاصة ، فصعود الإنسان إلى كوكب الزهرة لا يوجد في العلم ما يرفض وقوعه ، بل إن اتجاهاته القائمة فعلاً تشير إلى إمكان ذلك ، وإن لم يكن الصعود فعلاً ميسوراً لي أو لك ; لأن الفارق بين الصعود إلى الزهرة والصعود إلى القمر ليس إلاّ فارق درجة ، ولا يمثل الصعود إلى الزهرة إلاّ مرحلة تذليل الصعاب الإضافية التي تنشأ من كون المسافة أبعد ، فالصعود إلى الزهرة ممكن علمياً وإن لم يكن ممكناً عملياً فعلاً[19] . وعلى العكس من ذلك الصعود إلى قرص الشمس في كبد السماء فإنه غير ممكن علمياً، بمعنى أن العلم لا أمل له في وقوع ذلك ، إذ لا يتصور علمياً وتجريبياً إمكانية صنع ذلك الدرع الواقي من الاحتراق بحرارة الشمس ، التي تمثل اُتوناً هائلاً مستعراً بأعلى درجة تخطر على بال إنسان .
وأقصد بالإمكان المنطقي أو الفلسفي : أن لا يوجد لدى العقل وفق ما يدركه من قوانين قبلية ـ أي سابقة على التجربة ـ ما يبرر رفض الشيء والحكم باستحالته .
فوجود ثلاث برتقالات تنقسم بالتساوي وبدون كسر إلى نصفين ليس له إمكان منطقي ; لأن العقل يدرك ـ قبل أن يمارس أي تجربة ـ أن الثلاثة عدد فردي وليس زوجاً، فلا يمكن أن تنقسم بالتساوي; لأن انقسامها بالتساوي يعني كونها زوجاً، فتكون فرداً وزوجاً في وقت واحد، وهذا تناقض ، والتناقض مستحيل منطقياً. ولكن دخول الإنسان في النار دون أن يحترق، وصعوده للشمس دون أن تحرقه الشمس بحرارتها ليس مستحيلاً من الناحية المنطقية ، إذ لا تناقض في افتراض أن الحرارة لا تتسرب من الجسم الأكثر حرارةً إلى الجسم الأقل حرارةً، وإنما هو مخالف للتجربة التي أثبتت تسرب الحرارة من الجسم الأكثر حرارةً إلى الجسم الأقل حرارةً إلى أن يتساوى الجسمان في الحرارة .
وهكذا نعرف أن الإمكان المنطقي أوسع دائرة من الإمكان العلمي ، وهذا أوسع دائرة من الإمكان العملي .
ولا شك في أن امتداد عمر الإنسان آلاف السنين ممكن منطقياً; لأن ذلك ليس مستحيلاً من وجهة نظر عقلية تجريدية ، ولا يوجد في افتراض من هذا القبيل أي تناقض ; لأن الحياة كمفهوم لا تستبطن الموت السريع ، ولا نقاش في ذلك .
كما لا شك أيضاً ولا نقاش في أن هذا العمر الطويل ليس ممكناً إمكاناً عملياً، على نحو الإمكانات العملية للنزول إلى قاع البحر أو الصعود إلى القمر ، ذلك لأن العلم بوسائله وأدواته الحاضرة فعلاً، والمتاحة من خلال التجربة البشرية المعاصرة، لا يستطيع أن يمدد عمر الإنسان مئات السنين ، ولهذا نجد أن أكثر الناس حرصاً على الحياة وقدرة على تسخير إمكانات العلم ، لا يتاح لهم من العمر إلاّ بقدر ما هو مألوف.
وأما الإمكان العلمي فلا يوجد علمياً اليوم ما يبرر رفضه من الناحية النظرية[20] . وهذا بحث يتصل في الحقيقة بنوعية التفسير الفسلجي لظاهرة الشيخوخة والهرم لدى الإنسان ، فهل تعبر هذه الظاهرة عن قانون طبيعي يفرض على أنسجة جسم الإنسان وخلاياه ـ بعد أن تبلغ قمة نموها ـ أن تتصلب بالتدريج وتصبح أقل كفاءة للاستمرار في العمل ، إلى أن تتعطل في لحظة معينة ، حتى لو عزلناها عن تأثير أي عامل خارجي ؟ أو أن هذا التصلب وهذا التناقص في كفاءة الانسجة والخلايا الجسمية للقيام بأدوارها الفسيولوجية ، نتيجة صراع مع عوامل خارجية كالميكروبات أو التسمم الذي يتسرب إلى الجسم من خلال ما يتناوله من غذاء مكثف أو أي عامل آخر ؟
وهذا سؤال يطرحه العلم اليوم على نفسه ، وهو جاد في الإجابة عنه ، ولا يزال للسؤال أكثر من جواب على الصعيد العلمي .
فإذا أخذنا بوجهة النظر العلمية التي تتجه إلى تفسير الشيخوخة والضعف الهرمي ، بوصفه نتيجة صراع واحتكاك مع مؤثرات خارجية معينة ، فهذا يعني أن بالإمكان نظرياً، إذا عزلت الأنسجة التي يتكون منها جسم الإنسان عن تلك المؤثرات المعينة، أن تمتد بها الحياة وتتجاوز ظاهرة الشيخوخة وتتغلب عليها نهائياً.
وإذا أخذنا بوجهة النظر الاُخرى التي تميل إلى افتراض الشيخوخة قانوناً طبيعياً للخلايا والأنسجة الحية نفسها ، بمعنى أنها تحمل في أحشائها بذرة فنائها المحتوم ، مروراً بمرحلة الهرم والشيخوخة وانتهاءً بالموت .
أقول : إذا أخذنا بوجهة النظر هذه ، فليس معنى هذا عدم افتراض أي مرونة في هذا القانون الطبيعي ، بل هو ـ على افتراض وجوده ـ قانون مرن ; لأننا نجد في حياتنا الاعتيادية ; ولأن العلماء يشاهدون في مختبراتهم العلمية ، أن الشيخوخة كظاهرة فسيولوجية لا زمنية ، قد تأتي مبكرة ، وقد تتأخر ولا تظهر إلاّ في فترة متأخرة ، حتى أن الرجل قد يكون طاعناً في السن ولكنه يملك أعضاء لينة ، ولا تبدو عليه اعراض الشيخوخة كما نص على ذلك الأطباء[21] . بل إن العلماء استطاعوا عملياً أن يستفيدوا من مرونة ذلك القانون الطبيعي المفترض ، فأطالوا عمر بعض الحيوانات مئات المرات بالنسبة إلى أعمارها الطبيعية ; وذلك بخلق ظروف وعوامل تؤجل فاعلية قانون الشيخوخة .
وبهذا يثبت علمياً أن تأجيل هذا القانون بخلق ظروف وعوامل معينة أمر ممكن علمياً ، ولئن لم يتح للعلم أن يمارس فعلاً هذا التأجيل بالنسبة إلى كائن معقد معين كالإنسان ، فليس ذلك إلاّ لفارق درجة بين صعوبة هذه الممارسة بالنسبة إلى الإنسان ، وصعوبتها بالنسبة إلى أحياء اُخرى. وهذا يعني أن العلم من الناحية النظرية وبقدر ما تشير إليه اتجاهاته المتحركة لا يوجد فيه أبداً ما يرفض إمكانية إطالة عمر الإنسان ، سواءً فسرنا الشيخوخة بوصفها نتاج صراع واحتكاك مع مؤثرات خارجية أو نتاج قانون طبيعي للخليّة الحيّة نفسها يسير بها نحو الفناء .
ويتلخص من ذلك: أن طول عمر الإنسان وبقاءه قروناً متعددة أمر ممكن منطقياً وممكن علمياً ، ولكنه لا يزال غير ممكن عملياً، إلاّ أن اتجاه العلم سائر في طريق تحقيق هذا الإمكان عبر طريق طويل .
وعلى هذا الضوء نتناول عمر المهدي(عليه السلام)وما اُحيط به من استفهام أو استغراب ، ونلاحظ:
إنه بعد أن ثبت إمكان هذا العمر الطويل منطقياً وعلمياً، وثبت أن العلم سائر في طريق تحويل الامكان النظري إلى إمكان عملي تدريجاً ، لا يبقي للاستغراب محتوىً إلاّ استبعاد أن يسبق المهدي العلم نفسه ، فيتحول الامكان النظري الى إمكان عملي في شخصه قبل أن يصل العلم في تطوره إلى مستوى القدرة الفعلية على هذا التحويل ، فهو نظير من يسبق العلم في اكتشاف دواء ذات السحايا أو دواء السرطان .
وإذا كانت المسألة هي أنه كيف سبق الإسلام ـ الذي صمم عمر هذا القائد المنتظر ـ حركة العلم في مجال هذا التحويل ؟
فالجواب: إنه ليس ذلك هو المجال الوحيد الذي سبق فيه الإسلام حركة العلم .
أوَليست الشريعة الإسلامية ككل قد سبقت حركة العلم والتطور الطبيعي للفكر الإنساني قروناً عديدة ؟[22]
أوَلم تناد بشعارات طرحت خططاً للتطبيق لم ينضج الإنسان للتوصل إليها في حركته المستقلة إلاّ بعد مئات السنين ؟
أوَلَم تأت بتشريعات في غاية الحكمة ، لم يستطع الإنسان أن يدرك أسرارها ووجه الحكمة فيها إلاّ قبل برهة وجيزة من الزمن ؟ أو لم تكشف رسالة السماء أسراراً من الكون لم تكن تخطر على بال إنسان ، ثم جاء العلم ليثبتها ويدعمها ؟
فإذا كنا نؤمن بهذا كله ، فلماذا نستكثر على مرسل هذه الرسالة ـ سبحانه وتعالى ـ أن يسبق العلم في تصميم عمر المهدي؟[23] وأنا هنا لم أتكلم إلاّ عن مظاهر السبق التي نستطيع أن نحسّها نحن بصورة مباشرة ، ويمكن أن نضيف إلى ذلك مظاهر السبق التي تُحدّثنا بها رسالة السماء نفسها .
ومثال ذلك: أنها تخبرنا بأن النبي (صلى الله عليه وآله)قد اُسري به ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى ، وهذا الإسراء[24] إذا أردنا ان نفهمه في إطار القوانين الطبيعية ، فهو يعبر عن الاستفادة من القوانين الطبيعية بشكل لم يتح للعلم أن يحققه[25]  إلاّ بعد مئات السنين ، فنفس الخبرة الربانية التي أتاحت للرسول (صلى الله عليه وآله) التحرك السريع قبل أن يتاح للعلم تحقيق ذلك ، أتاحت لآخر خلفائه المنصوصين العمر المديد ، قبل أن يتاح للعلم تحقيق ذلك .
نعم ، هذا العمر المديد الذي منحه الله تعالى للمنقذ المنتظر يبدو غريباً في حدود المألوف حتى اليوم في حياة الناس ، وفي ما أنجز فعلاً من تجارب العلماء .
ولكن أوَ ليسَ الدور التغييري الحاسم الذي اُعد له هذا المنقذ غريباً في حدود المألوف في حياة الناس ، وما مرت بهم من تطورات التاريخ ؟
أوَ لَيسَ قد اُنيط به تغيير العالم ، وإعادة بنائه الحضاري من جديد على أساس الحق والعدل ؟
فلماذا نستغرب إذا اتّسم التحضير لهذا الدور الكبير ببعض الظواهر الغريبة والخارجة عن المألوف كطول عمر المنقذ المنتظر؟ فإن غرابة هذه الظواهر وخروجها عن المألوف مهما كان شديداً ، لا يفوق بحال غرابة نفس الدور العظيم الذي يجب على اليوم الموعود إنجازه . فإذا كنا نستسيغ ذلك الدور الفريد[26]  تاريخياً على الرغم من أنه لا يوجد دور مناظر له في تاريخ الإنسان ، فلماذا لا نستسيغ ذلك العمر المديد الذي لا نجد عمراً مناظراً له في حياتنا المألوفة ؟ ولا أدري! هل هي صدفة أن يقوم شخصان فقط بتفريغ الحضارة الإنسانية من محتواها الفاسد وبنائها من جديد ، فيكون لكل منهما عمر مديد يزيد على أعمارنا الاعتيادية أضعافاً مضاعفة ؟
أحدهما: مارس دوره في ماضي البشرية وهو النبي نوح ، الذي نص القرآن الكريم[27]  على أنه مكث في قومه ألف سنة إلاّ خمسين عاماً، وقدر له من خلال الطوفان أن يبني العالم من جديد .
والآخر: يمارس دوره في مستقبل البشرية وهو المهدي الذي مكث في قومه حتى الآن أكثر من ألف عام وسيقدر له في اليوم الموعود أن يبني العالم من جديد .
فلماذا نقبل نوح الذي ناهز الف عام على أقل تقدير ولا نقبل المهدي؟[28]
وقد عرفنا حتى الآن أن العمر الطويل ممكن علمياً ، ولكن لنفترض أنه غير ممكن علمياً، وأن قانون الشيخوخة والهرم قانون صارم لا يمكن للبشرية اليوم ، ولا على خطها الطويل أن تتغلب عليه ، وتغير من ظروفه وشروطه ، فماذا يعني ذلك ؟ إنه يعني أن إطالة عمر الإنسان ـ كنوح أو كالمهدي ـ قروناً متعددة ، هي على خلاف القوانين الطبيعية التي أثبتها العلم بوسائل التجربة والاستقراء الحديثة ، وبذلك تصبح هذه الحالة معجزة عطلت قانوناً طبيعياً في حالة معينة للحفاظ على حياة الشخص الذي اُنيط به الحفاظ على رسالة السماء ، وليست هذه المعجزة فريدة من نوعها، أو غريبة على عقيدة المسلم المستمدة من نص القرآن والسنة[29]  ، فليس قانون الشيخوخة والهرم أشد صرامة من قانون انتقال الحرارة من الجسم الأكثر حرارة إلى الجسم الأقل حرارة حتى يتساويا، وقد عطل هذا القانون لحماية حياة إبراهيم (عليه السلام)حين كان الاُسلوب الوحيد للحفاظ عليه تعطيل ذلك القانون . فقيل للنار حين اُلقي فيها إبراهيم (قلنا يا نار كوني برداً وسلاماً على إبراهيم)[30] فخرج منها كما دخل سليماً لم يصبه أذىً، إلى كثير من القوانين الطبيعية التي عطلت لحماية أشخاص من الأنبياء وحجج الله على الأرض ، ففلق البحر لموسى(عليه السلام[31])  ، وشبه للرومان أنهم قبضوا على عيسى[32]  ولم يكونوا قد قبضوا عليه ، وخرج النبي محمد (صلى الله عليه وآله)من داره وهي محفوفة بحشود قريش التي ظلت ساعات تتربص به لتهجم عليه، فستره الله تعالى عن عيونهم وهو يمشي بينهم[33] . كل هذه الحالات تمثل قوانين طبيعية عطلت لحماية شخص ، كانت الحكمة الربانية تقتضي الحفاظ على حياته ، فليكن قانون الشيخوخة والهرم من تلك القوانين .
وقد يمكن أن نخرج من ذلك بمفهوم عام وهو أنه كلما توقف الحفاظ على حياة حجة لله في الأرض على تعطيل قانون طبيعي ، وكانت إدامة حياة ذلك الشخص ضرورية لانجاز مهمته التي أعد لها، تدخلت العناية الربانية في تعطيل ذلك القانون لانجاز ذلك ، وعلى العكس إذا كان الشخص قد انتهت مهمته التي اُعد لها ربانياً فإنه سيلقى حتفه ويموت أو يستشهد وفقاً لما تقرره القوانين الطبيعية .
ونواجه عادة بمناسبة هذا المفهوم العام السؤال التالي: كيف يمكن أن يتعطل القانون[34]  ؟ وكيف تنفصم العلاقة الضرورية التي تقوم بين الظواهر الطبيعية ؟ وهل هذه إلاّ مناقضة للعلم الذي اكتشف ذلك القانون الطبيعي ، وحدد هذه العلاقة الضرورية على اُسس تجريبية واستقرائية ؟!
والجواب : أن العلم نفسه قد أجاب عن هذا السؤال بالتنازل عن فكرة الضرورة في القانون الطبيعي ، وتوضيح ذلك : أن القوانين الطبيعية يكتشفها العلم على أساس التجربة والملاحظة المنتظمة ، فحين يطرد وقوع ظاهرة طبيعية عقيب ظاهرة اُخرى يستدل بهذا الاطّراد على قانون طبيعي ، وهو أنه كلما وجدت الظاهرة الاُولى وجدت الظاهرة الثانية عقيبها ، غير أن العلم لا يفترض في هذا القانون الطبيعي علاقة ضرورية بين الظاهرتين نابعة من صميم هذه الظاهرة وذاتها ، وصميم تلك وذاتها; لأن الضرورة حالة غيبية، لا يمكن للتجربة ووسائل البحث الاستقرائي والعلمي اثباتها ، ولهذا فإن منطق العلم الحديث يؤكد أن القانون الطبيعي ـ كما يعرفه العلم ـ لا يتحدث عن علاقة ضرورية ، بل عن اقتران مستمر بين ظاهرتين[35] ، فإذا جاءت المعجزة وفصلت إحدى الظاهرتين عن الاُخرى في قانون طبيعي لم يكن ذلك فصماً لعلاقة ضرورية بين الظاهرتين .
والحقيقة أن المعجزة بمفهومها الديني ، قد أصبحت في ضوء المنطق العلمي الحديث مفهومة بدرجة أكبر مما كانت عليه في ظل وجهة النظر الكلاسيكية إلى علاقات السببية .
فقد كانت وجهة النظر القديمة تفترض أن كل ظاهرتين اطّرد اقتران إحداهما بالاُخرى فالعلاقة بينهما علاقة ضرورة ، والضرورة تعني أن من المستحيل أن تنفصل إحدى الظاهرتين عن الاُخرى، ولكن هذه العلاقة تحولت في منطق العلم الحديث إلى قانون الاقتران أو التتابع المطرد[36]  بين الظاهرتين دون افتراض تلك الضرورة الغيبية .
وبهذا تصبح المعجزة حالة استثنائية لهذا الاطّراد في الاقتران أو التتابع دون أن تصطدم بضرورة أو تؤدي إلى استحالة .
وأما على ضوء الاُسس المنطقية للاستقراء[37] فنحن نتفق مع وجهة النظر العلمية الحديثة ، في أن الاستقراء لا يبرهن على علاقة الضرورة بين الظاهرتين ، ولكنا نرى أنه يدل على وجود تفسير مشترك لاطّراد التقارن أو التعاقب بين الظاهرتين باستمرار، وهذا التفسير المشترك كما يمكن صياغته على أساس افتراض الضرورة الذاتية ، كذلك يمكن صياغته على أساس افتراض حكمة دعت منظم الكون إلى ربط ظواهر معينة بظواهر اُخرى باستمرار ، وهذه الحكمة نفسها تدعو أحياناً إلى الاستثناء فتحدث المعجزة[38] .
وهكذا يتّضح بنحو علمي منطقي مبرهن أن العمر الطويل أمر ممكن، ولا يلزم منه محذور علمي ولا فلسفي. وبهذا تنتهي المرحلة الاُولى من البحث في خصوصية الغيبة.
-------------
[1] مريم: 12.
[2] الصواعق المحرقة: 256، دار الكتب العلمية.
[3] الفصول المهمة لابن الصباغ المالكي: 253، والإرشاد للشيخ المفيد: 2 / 274 وما بعدها.
[4] التتمة في تواريخ الأئمة ، السيد تاج الدين العاملي من أعلام القرن الحادي عشر الهجري، نشر مؤسسة البعثة ـ قم، وراجع: الصواعق المحرقه لابن حجر: 312 ـ 313، إذ ذكر طرفاً من سيرة الإمام وكراماته.
[5] التتمة في تواريخ الأئمة ، السيد تاج الدين العاملي من أعلام القرن الحادي عشر الهجري، نشر مؤسسة البعثة ـ قم، وراجع: الصواعق المحرقه لابن حجر: 312 ـ 313، إذ ذكر طرفاً من سيرة الإمام وكراماته.
[6] الأرشاد / الشيخ المفيد: 2 /281 وما بعدها، الصواعق المحرقة: 312 ـ 313. فقد أوردا قصة المحاورة التي دارت بين الإمام الجواد(عليه السلام) وبين يحيى بن أكثم زمن المأمون، وكيف استطاع الإمام(عليه السلام) أن يثبت أعلميته وقدرته على إفحامه وهو في تلك السن المبكرة.
[7] راجع: المجالس السنيّة ، السيد الأمين العاملي: 2/468، وهذه قضية مشهورة تناقلها الخاص والعام. وراجع: صحاح الأخبار ، محمد سراج الدين الرفاعي: 44، نقلاً عن الإمام الصادق والمذاهب الأربعة ، أسد حيدر 1: 55، وقال ابن حجر في الصواعق المحرقة: 305 «جعفر الصادق، نقل الناس عنه من العلوم ما سارت به الركبان، وانتشر صيته في جميع البلدان، وروى عنه الأئمة الأكابر كيحيى بن سعيد وابن جريج ومالك والسفيانين وأبي حنيفة وشعبة وأيوب السختياني...».
[8] كون الإمام أعلم أهل زمانه أمرٌ متسالم عليه عند الإمامية، راجع: الباب الحادي عشر، العلاّمة الحلي: 44 هذا وقد عُرّضوا لأكثر من إختبار صلوات الله وسلامه عليهم لإثبات هذا المدّعى، ونجحوا فيه.
راجع: الصواعق المحرقة لابن حجر: 312، فقد نقل تفصيلاً في هذه المسألة عن مسائل يحيى بن أكثم للإمام الجواد(عليه السلام) .
[9] إن الإعتقاد بإمامة الأئمة كلّف أتباعهم غالياً، وهذا ثابت تاريخياً، وليس إلى إنكاره من سبيل، والشاهد يدل على الغائب أيضاً. راجع: مقاتل الطالبيين لأبي الفرج الأصبهاني.
[10] وقد أوصى الأئمة بذلك أتباعهم كما هو لسان الروايات الكثيرة.
راجع:اُصول الكافي :1/392، كتاب الحجة ـ باب «إن الواجب على الناس بعدما يقضون مناسكهم أن يأتوا الإمام فيسألونه عن معالم دينهم، ويُعلمون هولايته مومودتهم له».
[11] راجع في تاريخ الأئمة(عليهم السلام)، وتعرّضهم للاضطهاد والمطاردة والسجن والقتل أحياناً .
أ ـ الفصول المهمة لابن الصباغ المالكي.
ب ـ مقاتل الطالبيين لأبي الفرج الأصفهاني.
ج ـ الإرشاد للشيخ المفيد.
[12] إشارة إلى الإمام المهدي(عليه السلام) ومن قبل إلى الإمام الجواد(عليه السلام) مثلاً.
[13] أي على أنه يجب أن يكون أفضل الناس، وأعلم الناس كما هو معتقد الإمامية الاثني عشرية.
راجع: حق اليقين في معرفة اُصول الدين للسيد عبدالله شُبر المتوفّى سنة(1242 هـ ): 1/ 141، المقصد الثالث.
[14] يقصد تقديم الإمام الصبي للاختبار أمام الملأ لإظهار حقيقة الأمر.
[15] قد فعل المأمون ذلك، وانكشف لدى الخاص من العلماء مدى ما يمتلكه الإمام الجواد(عليه السلام) من الفقه والعلم. راجع الصواعق المحرقة لابن حجر: 312.
[16] مريم: 12.
[17] وقد شاهد خاصة الشيعة الإمام المهدي واتصلوا به، وأخذوا عنه، كما حصل عن طريق السفراء الأربعة، راجع: تبصرة الولي فيمن رأى القائم المهدي، البحراني، الإرشاد، الشيخ المفيد: 345، وراجع تفصيلاً وافياً في الدفاع عن الكافي، السيد ثامر العميدي: 1/ 535 وما بعدها.
[18] بحث حول المهدي، للسيد الشهيد(قدس سره): 93 ـ 99 بتحقيق الدكتور عبدالجبارة شرارة.
[19] الكلام في وقته دقيق علمياً، فهو يقول: إنه ممكن علمياً، ولكنه لم يكن قد تحقق فعلاً، والواقع أن كثيراً من الإنجازات في عالم الفضاء ، وتسيير المركبات الفضائية إلى كواكب وتوابع الأرض وغيرها قد أصبحت حقائق في أواخر القرن العشرين .
[20] نعم ، لا يوجد مبرر علمي واحد يرفض هذه النظرية ، بل إن علماء الطب منشغلون فعلاً بمحاولات حثيثة لإطالة عمر الإنسان، وأن هناك عشرات التجارب التي تتم في هذا المجال ، وذلك وحده ينهض دليلاً قوياً على الإمكان النظري أو العلمي .
[21] يؤكد الأطباء والدراسات الطبية على هذه الملاحظة ، وأن لديهم مشاهدات كثيرة في هذا المجال ، ولعل هذا هو الذي دفعهم إلى إجراء محاولات وتجارب لإطالة العمر الطبيعي للإنسان ، وكالمعتاد كان مسرح التجربة في البداية هي الحيوانات لميسورية ذلك، وعدم وجود محاذير اُخرى تمنع إجراء مثل تلك التجارب على الإنسان .
[22] هذه التساؤلات التي يثيرها السيد الشهيد (رضي الله عنه)تهدف إلى ترسيخ حقيقة مهمة ، هي أن الرسول الاعظم (صلى الله عليه وآله)عندما بشر (بالمهدي) ، وهو حالة غير اعتيادية في سياق البشرية، تنبئ في جملتها عن تسجيل سبق في الامكانية العملية ، بعد تأكيد الامكانية العلمية ، أي لبقاء الإنسان مدة أطول بكثير من المعتاد ، فإن مثل هذا السبق في التنبيه على حقائق في هذا الوجود كان قد سجله القرآن والحديث الشريف في موارد كثيرة جداً في مسائل الطبيعة والكون والحياة . راجع : القرآن والعلم الحديث ، الدكتور عبد الرزاق نوفل .
[23] إشارة إلى أن هذا من قبيل الاعجاز أيضاً ، وهو افاضة ربانية خاصة ، وهذا أمر لا يسع المسلم انكاره ، بعد أن أخبرت بامثاله الكتب السماوية ، وبالأخص القرآن ، كالذي ورد في شأن عمر النبي نوح (عليه السلام)، وكذا ما أخبر به القرآن من المغيبات الاُخرى، على أن كثيراً من أهل السنة ومن المتصوفة وأهل العرفان يؤمنون بوقوع الكرامات ومايشبه المعجزات للأولياء والصلحاء والمقربين من حضرة المولى تعالى . راجع : التصوف والكرامات، الشيخ محمد جواد مغنية . وراجع التاج الجامع للاُصول: 5 / 228، كتاب الزهد والرقائق .
[24] إشارة إلى الآية المباركة: (سبحان الذي اسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الاقصى ...)الاسراء: 1 .
[25] إشارة إلى تصميم المركبات الفضائية ، وركوب الفضاء والتوغل إلى مسافات بعيدة عن أرضنا ، وقطعها في ساعات أو أيام معدودة ، وقد أضحت هذه حقائق في حياتنا المعاصرة في أواخر القرن العشرين .
[26] إشارة إلى ما اُعد للإمام المهدي المنتظر من دور ومهمة تغييرية على مستوى الوجود الإنساني برمته كما يشير الحديث ؤالصحيح: «يملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعد ما ملئت ظلماً وجوراً» . وهذا الدور وهذه المهمة عليها الاجماع بين علماء الإسلام ، والاختلاف حصل في اُمور فرعية . ومن هنا كان التساؤل الذي أثاره السيد الشهيد (رضي الله عنه)له مبرر منطقي قوي .
[27] في الآية المباركة: (فلبث فيهم الف سنة إلاّ خمسين عاماً) العنكبوت: 14 .
[28] السؤال موجه إلى المسلمين المؤمنين بالقرآن الكريم وبالحديث النبوي الشريف ، وقد روى علماء السنة لغير نوح ما هو أكثر من ذلك . راجع تهذيب الاسماء واللغات، النووي: 1 /176 ، ولا يصح أن يشكل أحد بأن ذاك أخبر به القرآن فالنص قطعي الثبوت، وهو يتعلق بالنبي المرسل نوح (عليه السلام)، أما هنا فليس لدينا نص قطعي ، ولا الأمر متعلق بنبي .
والجواب: إن المهمة أولاً واحدة ، وهي تغيير الظلم والفساد ، وأن الوظيفة كما أوكلت إلى النبي(صلى الله عليه وآله)، فقد أوكلت هنا إلى من اختاره الله تعالى أيضاً كما هو لسان الروايات الصحيحة. قال الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله): «لو لم يبق من الدنيا إلاّ يوم لطوّل الله ذلك اليوم حتى يبعث رجلاً من أهل بيتي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً...» التاج الجامع للاصول: 5/ 343 .
وأما من جهة قطعية النص ، فأحاديث المهدي بلغت حد التواتر ، وهو موجب للقطع والعلم ، فلا فرق في المقامين . راجع: التاج الجامع للاُصول: 5/ 341 و 360 فقد نقل التواتر عن الشوكاني ، وانتهى المحققون من علماء الفريقين إلى القول بأن من كفر بالمهدي فقد كفر بالرسول محمد (صلى الله عليه وآله)وليس ذلك إلاّ بلحاظ أنه ثبت بالتواتر ، وأنه من ضرورات الدين ، والمنكر لذلك كافر اجماعاً . وراجع: الإشاعة لاشراط الساعة، البرزنجي في بحثه حول المهدي . وقد نقلنا حكاية التواتر في المقدمة أيضاً .
[29] أي أن الأمر يصبح من قبيل المعجز ، وهو ما نطق به القرآن ، وجاء في صحيح السنة المطهرة ، والإعجاز حقيقة رافقت دعوة الأنبياء ، وادعاء سفارتهم عن الحضرة الإلهية ، وهو ما لا يسع المسلم إنكاره أو الشك فيه ، بل إن غير المسلم يشارك المسلم في الاعتقاد بالمعجزات.
[30] الأنبياء: 69 .
[31] إشارة إلى قوله تعالى: (فأوحينا إلى موسى أن اضرب بعصاك البحر فانفلق فكان كل فرق كالطود العظيم) الشعراء: 63 .
[32] إشارة إلى قوله تعالى: (وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم ...) النساء: 157.
[33] راجع : سيرة ابن هشام: 2 / 483 ، فقد نقل هذه الحادثة وهي مجمع عليها .
[34] قد يقال: إن القانون بصفته قانوناً لا بد أن يطرد، ولا يتصور التعطيل والانخرام ، وقد لاحظ بعضهم أن الانخرام إنما هو بقانون آخر ، كما هو الأمر بالنسبة إلى قانون الجاذبية ، الذي يستلزم جذب الاشياء إلى المركز ، ومع ذلك فإن الماء يصعد بعملية الامتصاص في النباتات من الجذر إلى الاعلى بواسطة الشعيرات ، وهذا بحسب قانون آخر هو (الخاصية الشعرية) . راجع: القرآن محاولة لفهم عصري / الدكتور مصطفى محمود .
[35] وقد بسط الشهيد الصدر القول في هذه المسألة في كتابه فلسفتنا فراجع: 295 و 299 .
[36] راجع فلسفتنا: 282 وما بعدها .
[37] راجع بسط وشرح النظرية في «الاسس المنطقية للاستقراء» حيث توصل الإمام الشهيد الصدر (رضي الله عنه)إلى اكتشاف مهم وخطير على صعيد نظرية المعرفة بشكل عام .
[38] بحث مستفاد من كتاب بحث حول المهدي للسيد الشهيد الصدر(قدس سره): 65 ـ 80 بتحقيق وتعليق الدكتور عبدالجبار شرارة.