مقدمة (*) :
ولدت الدكتورة مونتسدات بمدينة " برشلونة " في أسبانيا (1) ، وترعرعت في أحضان عائلة مسيحية ، تشرّفت باعتناق مذهب أهل البيت (عليهم السلام) خلال عقد الثمانينيات في بلادها، وتسمت بإسم " زينب " لإعجابها بالسيدة زينب بنت الإمام عليّ (عليه السلام) .
مرحلة الضياع الفكري والفراغ الديني : تقول الدكتورة مونتسدات : " قبل أن أهتدي للإسلام كنت أشعر دائماً بأنّ شيئاً ما ينقصني ، وكنت أحس بوجود حجب وموانع تمنعني من التقدم والتكامل ، وتعيقني من التقرب إلى الله الذي كنت أعتقد به على ضوء الديانة المسيحية .
وكانت أمنيتي أن أتخلص من هذه الحجب ، لأنّ النظرة المسيحية لله تعالى لم تكن مقنعة بالنسبة لي ، ولم أكن أتقبل مسألة التثليث ، وربوبية عيسى (عليه السلام) ! ، فكنت دوماً أعيش في حيرة من أمر معتقداتي وأفكاري ، وكانت هذه الحيرة تحفزني للبحث والتساؤل " ؟ .
____________
(*) اقتبست المقدمة من موقع العلامة الشيخ حسين أنصاريان (شبكة الإمامين الحسنين) .
1- أسبانيا: تقع في الجنوب الغربي من قارة أوربا ، يبلغ عدد سكانها قرابة (40) مليون نسمة ، يدين أغلبهم بالمسيحية الكاثوليكية الرومانية .
غموض عقيدة التثليث عند النصارى : في الحقيقة أنّ الباحث يجد أنّ الاضطراب سمة واضحة في تفسير المسيحيين لعقيدتهم في التثليث ! ولايخرج المتأمل في أقوالهم بنتيجة تذكر ، وإليك بعض الأمثلة على ذلك :
1 ـ يقول " إكلمينص " مدير مدرسة اللاهوت بالاسكندرية ـ القرن الثاني الميلادي ـ : " ليس كل أقنوم عين الآخر، ومع ذلك فإنّ الأقانيم ليسوا ثلاث ذوات ، بل هم ذات واحدة ، لأنّ جوهرهم واحد وهو اللاهوت " (1) .
2 ـ يقول " آموري بين " ـ القرن الثالث عشر الميلادي ـ : " الأقانيم الثلاثة ليست هي الله ، بل هي كائنات سامية خلقها الله أوّلا ، لتقوم بتنفيذ أغراضه " (2) .
3 ـ يقول " ديونسيوس " بطريرك الاسكندرية ـ القرن الرابع الميلادي ـ : " الأب والإبن والروح القدس هم الله ، لأنّ الله لاينقسم أو يتجزأ على الإطلاق ... لذلك لاينفصل أقنوم عن الآخر بأيّ حال من الأحوال " (3) .
فهذه آراء وتفاسير بعض أعلام النصارى حول عقيدة التثليث وطبيعة الأقانيم ، وتوجد آراء أخرى لاتتفق معها بحال من الأحوال ، قد خبطوا فيها خبط عشواء .
وتقول الدكتورة مونتسدات : " كانت لي صديقة أسبانية مثقفة وواعية ، التجأت إليها لحلّ الأسئلة والاستفسارات التي كنت أعاني منها في معرفة معتقداتي ، فكانت تحدثني عن الإسلام والمسلمين ، وتشرح لي عقائدهم ومزاياهم وتسامحهم في التعامل ، لأنّها كانت قد أسلمت من قبل ، وهذا ما غيّر الصورة المشوشة التي كانت عالقة في ذهني عن هذا الدين وأتباعه ، لأنّ نشأتي في الأوساط المسيحية لم تمكنني من الإطلاع التام على التاريخ الحافل للمسلمين في هذا البلد ـ أسبانيا ـ ".
____________
1- أنظر: المسيح في القرآن: 334.
2- المصدر نفسه.
3- المصدر نفسه: 333.
آراء بعض النصارى حول تسامح المسلمين : قد شهد عدد من رجالات المسيحيين بسماحة المسلمين وحسن تعاملهم مع غيرهم من أهل الأديان الأخرى ، وكان منهم :
1 ـ " الكونت هنري دي كاسترو " حيث ذكر في كتابه (الإسلام سوانح وخواطر): " لقد درست تاريخ النصارى في بلاد الإسلام ، فخرجت منه بحقيقة مشرقة ، وهي أنّ معاملة المسلمين للنصارى تدلّ على لطف في المعاشرة ، وترفّع عن الغلظة ، وعلى حسن مسايرة ، ورقة ومجاملة ، وهذا إحساس لم يؤثر عند غير المسلمين ، فإنّ الشفقة والحنان كانا يعتبران لدى الأُوربيين عنواناً على الضعف ، وهذه ملاحظة لا أرى وجهاً للطعن فيها " (1) .
2 ـ المستشرق " أرنولد " الذي قال : " من الحق أن نقول : إنّ غير المسلمين نعموا في ظل الحكم الإسلامي بدرجة من التسامح لا نجد معادلا لها في أُوربا قبل الأزمنة الحديثة " (2) .
3 ـ وقال " غوبينو " في كتابه (أديان آسيا الوسطى وفلسفتها): " أقول إلى حدّ الجزم : بأن لادين يضاهي الإسلام في التسامح " (3) .
____________
1- أنظر: التعصب والتسامح بين المسيحية والإسلام: 210.
2- أنظر: تعدد الاديان وأنظمة الحكم لجورج قرم: 537.
3- المصدر نفسه: 238.
4 ـ وقال بطريرك بيت المقدس : " إن المسلمين قوم عادلون ، ونحن لانلقى منهم أي أذى أو تعنّت " (1) .
تعامل المسيحيين مع المسلمين في القرون الوسطى : إنّ الناظر للتاريخ ؛ يجد تعامل بعض المسيحيين مع المسلمين يباين ويخالف تماماً الروح الإنسانية ، خصوصاً في المناطق التي خضعت للنفوذ المسيحي في القرون الوسطى ، فقد ارتكب المسيحيون مجازر رهيبة مع المسلمين ، واستخدموا أساليب وحشية كانت وما تزال وصمة عار وخزي في تاريخ الكنيسة وزعامتها الدينية ! .
فقد حفظ التاريخ في سجلاته قصص الموت الرهيب التي يتحاشاها أكثر المؤرخين والباحثين المسيحيين ، ويمرون بها مروراً عابراً وسريعاً ، بإعتبارها حقبة سوداء في تاريخهم (2) ، ولكن مع ذلك قد سجّل بعضهم هذه الأحداث الفظيعة التي جرت على المسلمين ، كان منهم :
1 ـ " غوستاف لوبون "، حيث يقول : " كان بطرس الناسك على رأس أهم العصابات الزاحفة إلى الشرق ، ولكن لم تكد تصل إلى بلغاريا حتى بدأ أفرادها ينهبون القرى ، ويذبحون أهاليها ، ويأتون ما يفوق الوصف من الأعمال الوحشية ، فكان من أجنّ ضروب اللهو إليهم قتل من يلاقونهم من الأطفال المسلمين ، وتقطيعهم إرباً إرباً وشيّهم !! كما روت (آن كومنين) إبنة قيصر الروم " (3) .
2 ـ " الراهب روبرت "، حيث يقول : "... أحضر (يوهيمند) جميع الذين أعتقلوا في برج القصر ، فأمر بضرب رقاب عجائزهم وشيوخهم وضعافهم ، وبسوق فتيانهم وكهولهم إلى إنطاكية لكي يباعوا فيها ! " (1) .
____________
1- أنظر: تاريخ العلاقات بين الشرق والغرب في العصور الوسطى للدكتور سعيد عاشور: 19.
2- أنظر: قصة الأديان: 415، في خطى محمّد: 219.
3- أنظر: حضارة العرب: 323.
وأضاف أيضاً: " حدث قتل المسلمين في يوم الأحد المصادف 16 ديسمبر ، وإذا لم يكن إنجاز كل شيء في ذلك اليوم ، قتل قومنا ما بقي من أولئك في اليوم التالي ! " (2) .
والجدير بالذكر : يقدّر كثير من العلماء عدد المسلمين الذين قتلوا وذبحوا وأحرقوا منذ دخل " فرديناند " غرناطة ، وحتى أجلاءهم الأخير بثلاثة ملايين مسلم (3) ، ولقد شن هؤلاء حرباً ـ يزعمون أنّها مقدسة ـ باركها ودعمها رجال الكنيسة بشتى الصور ! لاستئصال شأفة الإسلام والمسلمين ، ولكنهم فشلوا مع ذلك في تحقيق أغراضهم .
وقد أقر بذلك المبشّر " غاردنر " بقوله : " لقد خاب الصليبيون في إنتزاع القدس من أيدي المسلمين ، ليقيموا دولة مسيحية في قلب العالم الإسلامي ، والحروب الصليبية لم تكن لإنقاذ هذه المدينة ، بقدر ما كانت لتدمير الإسلام " (4) .
التحرّر من التيه المظلم : تقول الدكتورة مونتسدات : " لقد كنت أحمل نظرة مشوهة عن المسلمين ، شأني في ذلك شأن بقية الأوربيين بشكل عام ! إلاّ أنّ انكشاف الحقائق وتعرفي على بعض الوقائع التاريخية من قبل صديقتي ، غيّرا كل ذلك .
واستمرت اللقاءات بيني وبين صديقتي ، وبمرور الزمان إزدادت معرفتي بالإسلام ، وكانت صديقتي تحمل معها نسخة من القرآن الكريم ، وكانت تستشهد بآياته أثناء الكلام ، وأهدتني مصحفاً وبعض الكتب الإسلامية ، فبدأت أقارن بين القرآن والإنجيل ، فعرفت خلال ذلك جملة من الأمور ، منها إنسانية عيسى المسيح (عليه السلام) وعدم الوهيته ! " .
____________
1- المصدر نفسه: 325.
2- المصدر نفسه: 332.
3- أنظر: تعدد الأديان وأنظمة الحكم لجورج قرم: 169.
4- أنظر: التبشير والاستعمار للدكتور عمر فروخ: 115.
ومن العجب ! أن يدّعي النصارى أنّ النبيّ عيسى (عليه السلام) هو الأب ـ الذي هو الخالق عندهم ـ في حين أننا نجد أنّ الإنجيل يقرّر حقيقة كونه رجلاً مخلوقاً قد منّ الله عليه بالكرامة ، حيث يؤكد بطرس ذلك بقوله : " يا بني إسرائيل ، أسمعوا هذا الكلام : إنّ يسوع الناصري رجل أيده الله بمعجزات وعجائب أجراها على يده بينكم ، كما تعلمون " (1) .
لكنهم يناقضون أنفسهم بأنفسهم ! لأنّ أي شخص ولدته أمّه لايمكن أن يكون إلهاً ، وهذا ما يقول به الإنجيل أيضاً (2) ، ونبيّ الله عيسى (عليه السلام) أمهُ السيدة مريم بنت عمران ، فأين إلوهيته من هذا القول ؟ ! .
وتناقضاتهم بوصفهم لعيسى (عليه السلام) تارة بـ (ابن الإنسان) ! وأخرى بـ (ابن الله) ! ، حيث جاء وصفه بأنّه ابن الإنسان 83 مرّة ، وأنّه ابن الله 13 مرّة في العهد الجديد ! .
وفي الحقيقة أنّ النبيّ عيسى (عليه السلام) مبعوث من قبل الله تعالى ، والإدعاء بأنّه ربّ أو شريك له يفنده الواقع ، وقد أبطله عيسى (عليه السلام) بنفسه ، عندما أقرّ بعدم علمه بيوم القيامة ، حيث جاء في الإنجيل عنه (عليه السلام) : " وأمّا ذلك اليوم وتلك الساعة فلا يعلم بهما أحد ، لا الملائكة الذين في السماء ولا الإبن إلاّ الأب " (3) .
____________
1- أنظر : التفسير التطبيقي للكتاب المقدس: 3273، أعمال الرسل: 2 / 22.
2- أنظر: التفسير التطبيقي للكتاب المقدس: 1106، أيوب: 25 / 4 ـ 6.
3- أنظر: التفسير التطبيقي للكتاب المقدس: 2033، مرقس: 13 / 32.
الكنيسة وطقوسها المبهمة : تقول الدكتورة مونتسدات: " بدأت تتضح لي الحقائق أكثر فأكثر يوماً بعد آخر ، وبقدر ماكانت تتسع مطالعاتي ومناقشاتي كنت أصل إلى حلول مقنعة للأسئلة والاستفسارات في خلدي من مسائل واستفسارات .
كما تبيّن لي أنّ العقيدة الإسلامية عقيدة سهلة سمحاء ، لا يشوبها ذلك التعقيد الذي تلبست به المسيحية " .
وقد أقرّ بهذا التعقيد المسيحيون أنفسهم! ، إذ يقول " رونالد بنتون " صاحب كتاب (الكنيسة من النشوء إلى القرن العشرين) : " وتكاد تكون أكثر الأديان السماوية والوضعية تعقيداً ، وقد علّمها عيسى (عليه السلام) ديناً بسيطاً سهلا ، ولكن التعقيد طرأ عليها بعد ذلك ، حتى أصبح عسيراً جداً فهم كثير من مبادئها ، وحتى أصبح غموضها طبيعة واضحة فيها .
ويقول أيضاً : إنّ المسيحية بدأت بسيطة ، ولكن الناس عقّدوها بعقائد صعبة عصفت بها " (1) .
ولكثرة تعقيد المسيحية أصبحت لاتوضّح مقصوداً ، فهي عبارات وفقرات إنشائية غامضة لا أكثر ! ، وخلاصة القول بخصوص العقيدة المسيحية في التثليث كما يقول القس وهيب عطا الله : " إنّ التجسيد قضية فيها تناقض مع العقل والمنطق والحس والمادة والمصطلحات الفلسفية ، ولكننا نصدّق ونؤمن أنّ هذا ممكن حتى ولو لم يكن معقولا ! " (2) .
____________
1- أنظر المسيحية لأحمد شلبي: 21.
2- طبيعة السيد المسيح: 18.
انتشال النفس من الأوهام : ومن هذا المنطلق تقول الدكتورة مونتسدات : " اعتنقت الإسلام عن وعي وبصيرة ، فأحسست بعد ذلك بالراحة النفسية عندما لامست روحي شفافية هذا الدين ، المتجلية في عقيدته السمحاء ، وعبادته التي تنمي الروح الخيرة المحبّة الصادقة في الإنسان ، فتغيرت نظرتي للمجتمع وللكون والحياة تبعاً لذلك ، وإنّي أحمد الله تعالى إذ هداني للدين الحقّ ، وأنقذني من ظلمات الشرك والظلال " .
الأخت الأسبانية
(مونتسدات روفيرا)
(زينب)
* لا أجد قيمة ولا معنى لحياة الإنسان بدون الإسلام .
* أعجبت بالإسلام لأنه ليس في عقيدته الواضحة , أسرار إيمانية فوق العقل يطلب الإيمان بها بلا جدال , كما في غيره .
حيث تعيش مع زوجها وعائلتها هانئة مطمئنة في كنف الإسلام , الذي ارتضته دينا ومنهاج حياة , وذلك في قرية (معروب) الواقعة في جنوب لبنان ، التقت (نور الإسلام) الأخت الأسبانية مونتسدات روفيرا (زينب) ، وأجرت معها الحديث التالي الذي يظهر مدى سعادتها بالإسلام وحماستها في المحافظة عليه والدعوة إليه .
س: هل لك أن تعرفينا عن نفسك ؟
ج ـ نعم بكل سرور .. اسمي ( مونتسدات بايا روفيرا ) , وقد اتخذت اسم زينب بعد الإسلام , من منطلق إعجابي بالسيدة زينب (عليها السلام) وشخصيتها الفذة ..
ولدت في مدينة (برشلونة) الأسبانية من عائلة مسيحية عادية ، تجهل أي شئ عن الإسلام سوى ما تسمعه من أن المسلمين كان لهم تاريخ حافل في هذا البلد , كما تحمل نظرة مشوهة عنهم وعن الإسلام كما هو حال الأوربيين بشكل عام... كنت أتابع دراستي كقابلة قانونية عندما اهتديت للإسلام . حيث تعرفت بعد ذلك على زوجي المسلم اللبناني ، وانتقلت معه للعيش ففي لبنان وأنا إلى جانب واجباتي الأسرية أخصص وقتا مهما للاطلاع أكثر على الإسلام ، من أجل أن أصبح قادرة على التبليغ والدعوة إلى الله كما هو واجب كل مسلم .
س: قبل اعتناقك للإسلام , هل كان لديك تساؤلات إيمانية حول معتقدك الديني السابق ؟
ج ـ قبل أن أهتدي للإسلام كنت دائما أحس بأن شيئا ما ينقصني ويدفعني للتساؤل ، كنت أعتقد بأن الله موجود وأنه خالق كل شئ ، ولكن نظرة المسيحية لله لم تكن تقنعني , ولم أكن أتقبل مسألة التثليث وألوهية عيسى(عليه السلام) ولذا كانت الحيرة تلازمني من هذه الجهة ، ولم تزل عن عقلي ؛ إلا بعد أن اطلعت على عقيدة الإسلام التوحيدية المطلقة ونظرتها المتكاملة الواضحة لله تعالى ، والتي يسهل على المرء المتفتح العقل أن يقبلها ويقتنع بها , شأن كل المسائل العقيدية الأخرى في الإسلام التي تخلو من الأسرار التي هي فوق العقل ، والتي على المرء أن يؤمن بها بدون جدال ، فهذا ليس موجودا في الإسلام .
س: كيف كانت بداية طريقك نحو الإسلام ؟
ج ـ كان لي صديقة إسبانية قد تعرفت على الإسلام قبلي , وهذه الفتاة كانت تأتي لزيارتي بين فترة وأخرى , وكنا كلما التقينا تحدثني عن الإسلام وتشرح لي عقيدته ومزاياه , وقد أحضرت لي مصحفا وبعض الكتب الإسلامية ، عندها بدأت أقارن بين القرآن والإنجيل , فوجدت اختلافاً تاماً بينهما ، وأيضا وجدت تناقضا بين العهد القديم والعهد الجديد ، فالعهد القديم ـ مثلا ـ يقول للنبي موسى (عليه السلام) قل للناس هذا حرام ، والعهد الجديد يقول للنبي عيسى (عليه السلام) قل للناس عكس ما قيل للنبي موسى (عليه السلام) ، أي افعلوا ما تشاءون !..
كانت هذه المسألة وأمثالها تتضح لي يوما بعد يوم ، وعلى العكس من ذلك كنت كلما توسعت بقراءة الكتب الإسلامية , أجد حلولا وأجوبة مقنعة للمسائل العقيدية والتشريعية التي أبحث عنها ، ثم بدأت ألتقي بعد ذلك بأشخاص مسلمين ملتزمين , ومن خلالهم اطلعت أكثر على الإسلام وعلى العادات الإسلامية ، فحصل لدي اقتناع تام ، وهكذا أشهرت إسلامي .. ، ولكن أقول ليس سهلا اعتناق الإسلام ؛ بل الأمر يحتاج إلى جهد كبير وإرادة صلبة ، خاصة لمن نشأ في مجتمع غربي مادي ، ولكن مع الصبر يصل الإنسان إلى ما يريد , خاصة وأن الجائزة كبيرة جدا وهي سعادة الدنيا والآخرة .
س: ما كان وقع اعتناقك للإسلام على أهلك ومحيطك ، وما هي المشاكل التي صادفتك بسبب ذلك ؟
ج ـ بالنسبة لوضع الأهل والأقارب والناس حولي بشكل عام , كان من الطبيعي أن يرفضوا الإسلام .. ، مع أهلي كانت هنالك مشاكل كثيرة في بادئ الأمر , مثلا : كانوا يقولون لي إننا عائلة مسيحية ، وإذا أسلمت سيبدأ الناس بالكلام علينا ! ، لم أعتني بهذا الكلام ، لأنني كنت قد اعتنقت الإسلام , ولكن وضع أهلي عموما كان يختلف عن بقية الناس , فكانوا يحافظون علي ، وعندما صممت على الإسلام قبلوا ذلك طبعا بعد جهد ومناقشات ، وبعد الإسلام كنت أواجه مشاكل في البيت , تعود إلى مسألة الطهارة والأكل والمحرمات الموجودة ، ولكن مع الوقت تعود أهلي على عادتي الإسلامية الجديدة ، وأصبحوا يتفهمون وضعي ، ولكن معاناتي مع الأقارب والناس في الشارع كانت أصعب , فكنت كل يوم أواجه مشاكل ، وأسمع كلاما منهم لا يحتمل , ولكن عندما يشعر الإنسان أن الله معه لا يهتم لكلام الناس وأذاهم .
س: هل تغير وضعك النفسي بعد الإسلام ؟
ج ـ بعد اعتناق الإسلام عن وعي , يخص الإنسان باطمئنان كبير يفتقده قبل ذلك , خاصة إذا كان يعيش في مجتمع تسود فيه القيم المادية ، كالمجتمع الذي عشت فيه ، وأنا أحسست بالراحة النفسية عندما لامست روحي شفافية الإسلام ، المتجلية في عقيدته السمحاء ، وعباداته التي تنمي الروح الخيرة المحبة الصادقة في الإنسان , فتغيرت نظرتي للمجتمع وللكون والحياة تبعا لذلك , فأصبحت أكثر تفاؤلا ورغبة بالعمل من أجل الغير .
س: على ضوء تجربتك الخاصة , ما هو برأيك الأسلوب الأفضل لدعوة الآخرين إلى الإسلام ؟
ج ـ أعتقد أن كل شخص ـ أو فئة عن الناس ـ يحتاج إلى أسلوب خاص في التحدث معه عن الإسلام ودعوته إليه , فإذا كان الشخص يعترف بوجود الله يكون الكلام معه أسهل , بخلاف الملحد , فالمعترف بوجوده تعالى يمكن أن تحدثه عن خلق العالم ، وعن الأنبياء والكتب السماوية ، ويمكن أن تقدم له مقارنة بين القرآن والإنجيل , وتبين له صلاحية الإسلام لحل مشاكل البشرية وهكذا ، والملحد أيضا عليك أن تقرب فكرة الله والدين من ذهنه ، وتبين له تناقض الفكر المادي .
س: كما هداك الله للإسلام , فإن الإسلام يحفزك على أن تعملي على هداية غيرك , فما هو الدور الذي تقومين به حاليا ، أو تنوين أن تقومي به على هذا الصعيد ؟
ج ـ إنني حاليا أسعى لتعلم اللغة العربية ، بشكل يمكنني من دراسة وتفهم الكتب الإسلامية ، وخاصة القرآن الكريم , حتى أصل إلى هدفي الذي أقوم به بشكل جزئي الآن , وهو العمل على دعوة الفتيات غير المسلمات بشكل خاص ، والناس بشكل عام للإسلام ، وأحكي لهم قصتي وتجربتي نحو الإسلام ، حتى يعرفوا أن الإسلام أفضل شيء في الوجود ، وأفضل شيء يمتلكه الإنسان في حياته ، كما أود أن أخاطب الفتيات المسلمات المبتعدات عن الدين بسلوكهن ، بسبب الانحرافات الخطيرة الموجودة في المجتمعات الإسلامية , لأبين لهن الفرق بين أن يكون الإنسان مسلما حقيقيا يتمتع بنعمة الإسلام والإيمان , وبين أن يكون غير ذلك , وقد لاحظت أنا هذا الفرق وعايشته .
س: ما رأيك بوضع المرأة المسلمة في البلاد الإسلامية عموما ؟
ج ـ علي أن أميّز بين وضعين للمرأة المسلمة في البلاد والمجتمعات الإسلامية , فهناك المرأة الملتزمة المتقيدة بتعاليم الإسلام من حيث الستر والسلوك والاهتمامات الإسلامية العامة , ففي بعض البلاد الإسلامية تلقى المرأة المسلمة اهتماما خاصا من قبل السلطات الرسمية ، المتبنية للشريعة الإسلامية بشكل خاص .
وعموما توجد نهضة مباركة للمرأة المسلمة في العالم الإسلامي في مختلف المجالات ، من حيث الالتزام الشرعي والتعليم والوعي لدورها , وهذا مدعاة للارتياح ، مع أني أرى هذه المسيرة ما زالت في بدايتها ، وعلى المرأة تتابعها لما فيه مصلحة الإسلام والمرأة والمجتمع , وفي جانب آخر ، نرى أعداداً كبيرة من النساء والفتيات اللواتي يبتعدن في مظهرهن وسلوكهن وشخصياتهن عن الإسلام ، ويقلدن في ذلك وبأسلوب فاشل المرأة الغربية ، التي هي في نظري لا تعيش التحرر الحقيقي , وإنما تستغل أبشع استغلال من قبل الرأسماليين ؛ لزيادة ثرواتهم عن طريق استغلال وضع المرأة ، واستغلال أنوثتها وقتل إنسانيتها لتدميرها ، وتدمير الحضارة والمجتمعات الإنسانية ، فلا بد من مضاعفة الجهود من قبل الجميع في البلاد الإسلامية , لتوعية المرأة على هذه الحقيقة , وإيجاد الأجواء التي تحصن المرأة ومجتمع ضد وباء الانحلال والفساد والتقليد الأعمى ، لكل ما هو ساقط في الغرب والشرق .
س: هل من كلمة أخيرة توجهينها عبر (نور الإسلام) ؟
ج ـ بعد أن أحمد الله تعالى الذي هداني للدين الحق ، وأنقذني من ظلمات الشرك والضلال , أريد أن أقول للمسلمين بشكل عام إنكم تحظون بأغلى جوهرة ؛ وهي الإسلام ، فحافظوا عليها كي لا تفقدوا نعمة وجودها ، وتكونوا أنتم الخاسرين .. إن للإسلام في نظري أهمية عظيمة ، إنه كالماء للحياة السليمة , إذا بقي الإنسان بلا ماء يذبل ويموت , وكذلك الإنسان بدون إسلام لا قيمة له ولا لحياته .
---------------------------------
مراجعة وضبط النص شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي .