الأمومة والتسخير الآلهي لطاقة المرأة
  • عنوان المقال: الأمومة والتسخير الآلهي لطاقة المرأة
  • الکاتب:
  • مصدر:
  • تاريخ النشر: 11:41:23 2-10-1403

الامومة ضرورة حيوية في المجتمع البشري ، تنمي الترابط الروحي والاجتماعي والام هي العامل الاساس في الاسرة اذ يجد الطفل الراحة والامن التام عندما تضمه أمه الى صدرها ، يلوذ ويرتمي في احضانها عند اقتراب أي طارئ منه .

ذلك الاحساس بالامن يجعله يستجيب لما تمليه عليه توجيهات فهي قادرة على أن تغرس في نفسه اسمى العقائد والخصائل الكريمة .

ان الاطفال الذين يحرمون من حنان ورعاية امهاتهم ، يعانون من علل جسمية وعقلية ووجدانية… و من هنا احاط الاسلام الانثى منذ صغرها بسياج قوي ومتين يحفظ لها حسن تربيتها، فقد نهى عن ايذائها او تفضيل الذكر عليها ، في المقابل اوجب على المرأة رعاية وتربية اطفالها كما اوجب على الرجال الانفاق عليها ، وكلاهما يغرسان في ابنائها قيم الفضائل والخلق الكريم .

اعداد الام ، يعني اعداد الانسان ، وبالتالي فأن المرأة لاتحتاج اكثر من النجاح في مدرسة الحياة بكل جوانبها ، كي تصبح اما صالحة لاعداد انسان صالح فيما بعد ، فالامومة ليست وظيفة بل هي دور ورسالة ومسؤولية كبرى .

شرع الاسلام للمرأة ، الحقوق التي تتطلبها فطرتها وتستوجبها طبيعة رسالتها فاحترم فيها انسانيتها وسن اسلوب معاملتها وتعهد لها الكفالة والرعاية ، لتقوم باقدس رسالة في الحياة ( الامومة ) بكل ما تتضمنه من ارضاع وتربية وتهذيب وان الرسول ( ص ) جعل القيام على امرها سبيلاً الى الجنة .

ومن هنا كانت العناية بالانتى في جميع مراحل حياتها ، عناية بالمجتمع ككل ، كعامل اساس في نمو الطفل بدنياً وعقلياً وروحياً .

لاشك ان هناك ارتباطاً وثيقاً لا ينفعهم بين الطفولة والامومة ، فلو لا الامومة لا توجد الطفولة واذا وجدت فانها في حاجة ماسة لعطاء الامومة وحنانها ورعايتها ولو لا الطفولة ما ظهرت ملامح العظمة في عطاء الامومة وكيانها الانساني المبدع ، فالامومة تتضح دائماً بالعطاء وتتغنى به طول التاريخ الانساني وقد حفظ لها هذا التاريخ في ذاكرته صفحات ناصعة تدل دلالة قاطعة على ان الامومة اودعها الله سر الحنان والعطف على صغارها لتحيطهم بحناحيها فتمنحهم الحب والحنان لترى بعد رحلة طويلة ، رجالا يقيمون للمجتمع اعمدته واساسه كما اثبت التاريخ ان انحراف الامومة عن اداء دورها مضيع ليقم الطفولة ومستقبلها ومؤدي بها الى التهلكة والتشرد ، فكم من طفولة فقدت نضارتها ورقتها وانسانيتها لفقدها حنان الامومة وكم من طفولة تلقفتها ايدي الجريمة لانها لم تجد الامومة الواعية المدركة لدورها وهذا لا يعني ان نقلل من دور الاب ولكن الامومة لها بصماتها الواضحة التي لا تنمحي من ذاكرة الطفولة خصوصاً في سنواتها الاولى قبل ان تشب عن الطوق , وحتى لم شبت عنه فانها تتعامل مع الحياة من خلال العوامل النفسية المعتملة داخلها خلال السنوات الخمس الاولى بشكل او بآخر ما يبرهن على اهمية دور الامومة .

واذا اردنا ان نتعرض للامومة والاسلام فلابد ان نتعرض لوضعها في الجاهلية ووضعها في الاسلام لنرى فضل الاسلام في صقل قدرات الامومة وحفضها من الانحراف عن اداء دورها الفاعل في بناء المجتمع المسلم بعد ان اعطاها حقوقها المشروعة كنصف المجتمع ومكنها من العيش الهانئ الكريم في كنف اسرة نعتبرها الركن الركين في اخراج اجيال المستقبل .

 

ويمكن بصفة عامة ان نميز بين طبقتين من المجتمع الجاهلي :

طبقة الاشراف : كانت العلاقة بين الرجل والمرأة على درجة كبيرة من الرقي ، اذ كان للمرأة من حرية الارادة ونفاذ العقول ، القسط الاكبر وكانت محترمة اذ كان الرجل يبحث في الام عن عراقة الاصل وعلو النسب ، يعتز الرجل ويسعى على ان تكون زوجته حرمة تحمى وكان مجرد تعريض الام للون من الوان الضعة او الهوان يحدث حرباً ضروساً لاتنتهي فالامومة كانت مقدسة في الجاهلية لما للام من مكانة مرموقة .

وكان الرجل يعرف وضع الام ومالها من اثر على أبنائة ويعرف ما يعكسه عملها ودورها من ضلال ، فعمل على ان يختار ويدقق في الاختيار من النساء حتى تكون في المستقبل أماً لاولاد لاتهون ولاتطأطئ الرأس .

وقد كانت الام تعرف دورها كأم ومكانتها كصانعة اجيال فعملت على ان تكون مرفوعة الرأس وان يكون ابناؤها كذلك وذلك يؤكد حرص ارتباط الرجل بالمرأة بعقد زواج تحت اشراف اوليائها .

 

اوساط اخرى :

انتشر بينها انواع اخرى من الاختلاط بين الرجل والمرأة لاتستطيع ان تعبر عنه الا بالدعارة والمجون والفاحشة وكان من المعروف في اهل الجاهلية حروب القبائل التي يسبى فيها نساء المهزوم فيستحلها المنتصر ولكن الاولاد الذين تكون هذه امهم يلحقهم العار مدة حياتهم ، ومن المعروف ايضاً تعدد الزوجات بغير حد معروف ينتهي اليه والطلاق بلا حدود .

من هنا نستنتج ان الامومة في الجاهلية كانت متارجحة الموقف فتارة مقدسة واخرى مهينة لا تستطيع ان تذب عن صغارها العار والشنار .

الامومة اذن… لايمكن ان تتحقق الا بتحقق مقدماتها واعني الانجاب ، والطفولة لا يمكن ان تولد من فراغ , او تنبثق من عدم فلا بد لها من امومة .. ومن هنا يتاكد ان هناك تلازما جذرياً خالداً ينهض بين الامومة من جهة والطفولة من جهة آخرى ، ومن هنا يتحتم كذلك ان لا نقدم الحواجز الشاهقة بين طبيعة الحديث عن الامومة او طبيعة الحديث عن الطفولة .

 

وقد يقال هنا :

ليس من اللازم ان توجد الطفولة ليتحقق معنى الامومة في الانثى فما اكثر ما رأينا عبر الاجيال البشرية ومراحل التاريخ من امهات لم يعقبن ذكراً ولا انثى ومع ذلك فقد كن امهات رائدات أليست امهات المؤمنين– مثلاً– لنا أمهات مع انحسام الروابط المادية بيننا وبينهن ؟

نحن لانجهل ان كل انثى في تاريخ البشر مهما كان لونها او جنسها تتربع على عرش الامومة الروحية للملايين اذا استوت على افق معين من افاق التفوق الانساني .

ولكننا هنا فث مثل هذا البحث لسنا بصدد الحديث عن الامومة بمعناها المجازي العام وانما الحديث عن الامومة النوعية التي تحتضن صغارها ساكبة حنان قلبها في ثنايا قلوبهم لترى بعد رحلة شاقة هؤلا الاطفال وقد اصبحوا رجالاً .

ترتبط الامومة دوماً بالغريزة وهي غريزة طبيعية لدى المرأة كما يعتقد معظم الناس علماً ان غريزة الامومة لاتتفتح في المرأة لا مع الحمل والانجاب وهذه الغريزة كما هي الحال بالنسبة للغرائز الاخرى ذات وظيفة بنائية اساسية في الحياة الانسانية وهدفها حماية الطفل ورعايتة حتى اكتمال نضجه ، فلا شك ان ذاك المخلوق الصغير العاجز ، لا يمكنة ان يخطو خطواته الاولى في الحياة دون معين ، فهو عاجز عن التحكم بجسده وتأمين حاجياته وبذلك فإن غريزة الامومة هي نعمة الهية كبرى من قبيل التسخير الالهي لطاقة المرأة للحب والعناية بالانسان خصوصاً اذا ما آمنا ان حب الام لا ينتظر مقابلاً .

ان الاقرار بأن الامومة هي دور غريزي تقوم به المرأة يسلب هذا الدور جزءاً كبيراً من قدسيته ويدفع الى التساؤل حول قول الرسول الاكرم (ص) : الجنة تحت أقدام الامهات .

فالامومة حسب مايوحيه قول الرسول ( ص ) ليست مجرد غريزة تحرك المرأة باتجاه الاعتناء بالطفل ورعايته وحمايته ، بل هي تتجاوز البعد الغريزي الى أبعاد انسانية أكبر ، وهذه والابعاد تحديداً هي التي تميز أما عن اخرى والتي تجعل من الامومة دوراً انسانياً لا وظيفة بيولوجية محضة .

واغلب الناس يعتقد بأن المرأة خلقت لتكون أماً وان الامومة هي دورها الاساس والوحيد في الحياة وبالتالي فإن اختصاص المرأة الاوحد يجب ان ينصب على اعدادها لدورها المستقبلي كأم .

أهمية الامومة كدور تربوي واعدادي للانسان ، لايترك مجالاً للشك في ان الامومة رسالة مقدسة خصت بها المرأة تكريماً ولكن البعد الغريزي لهذا الدور يجعل من حصر مهام المرأة في الحياة بناء على اساسية دورها كأم ، انتقاصاً من انسانيتها ، فالغريزة لاتكفي لبناء الحياة الانسانية كما هو الحال بالنسبة للحيوان وهذا امر بديهي وبالتالي فأن عزل المرأة الكامل عن الحياة بحجة ان دورها المستقبلي كأم يحتم ذلك .

أمر بغاية الخطورة ، والخطورة تكمن في الاختزال الحاصل لدور الام الى مجموعة من المسؤوليات التي تتناول ارضاع الطفل واطعامه وتنويمه ومساعدته في واجباته المدرسية فيما بعد وما الى ذلك ومما لاشك فيه ان هذه المهام والمسؤوليات ذات اهمية بالغه بالنسبة للعناية بالطفل ، ولكن بما ان الانسان لايحيا باخبز وحده ، فأنه لا ينشأ أيضاً على تلبية حاجاته الحياتية فحسب ، ولاحتى على الاغتراف النهم من عاطفة الام الغريزية ، فتلك العاطفة لاتكفي لتغطية جميع ابعاد الرسالة ، فما هو دور الام اذن ؟ وكيف يتحقق لها الاضطلاع الحقيقي بهذا الدور ؟ .

وصف دور الام بالرسالة ، ينزع عن هذا الدور بعده الغريزي المحض ، وان تضمنه حتماً ، ويسبغ عليه ابعاداً اخرى اكثر حساسية واهمية في الحياة الانسانية ، الامر الذي يوقع الكثير من الامهات في التقصير او القصورعن اداء هذا الدور المعقد و والحقيقة ان الامومة ليست علماً خاصاً بذاته ، لانها واقع غريزي للعطاء بلا حدود ، وفيض محبة وعاطفة و ولكنها ليست ذلك فقط بل هي اكرم من ذلك ، انها وظيفية اعداد الانسان ، الامر الذي يفترض قبل كل شئ الاعتراف الكامل بانسانية المرأة ، ويستلزم فتح آفاق الحياة الواسعة امامها كي تحقق تكاملها الشخصي ، الذي تستطيع به بناء الانسان والا فان أي انتقاص من انسانية المرأة يعزلها عن الحياة و ويعيقها عن اداء دورها كأم حقيقية .

اعداد الام ، يعني اعداد الانسان ، وبالتالي فأن المرأة لا تحتاج اكثر من النجاح في مدرسة الحياة بكل جوانبها ، كي تصبح اما صالحة لاعداد انسان صالح فيما بعد ، فالامومة ليست وظيفة بل هي دور ورسالة ومسؤولية كبرى  .