يتضح من الآية الكريمة أن الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ و الضَّالِّينَ مجموعتان لا مجموعة واحدة، و أما الفرق بينهما ففيه ثلاثة أقوال:
1- يستفاد من استعمال التعبيرين في القرآن أنّ «المغضوب عليهم» أسوأ و أحطّ من «الضّالّين»، أي إنّ الضّالين هم التائهون العاديّون، و المغضوب عليهم هم المنحرفون المعاندون، أو المنافقون، و لذلك استحقوا لعن اللّه و غضبه.
قال تعالى: ﴿ ... وَلَٰكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ ... ﴾ 1.
و قال سبحانه: ﴿ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ ... ﴾ 2.
الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ إذن يسلكون- إضافة إلى كفرهم- طريق اللجاج و العناد و معاداة الحق، و لا يألون جهدا في توجيه ألوان التنكيل و التعذيب لقادة الدعوة الإلهية.
يقول سبحانه: ﴿ ... وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ ... ﴾ 3 ﴿ ... ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذَٰلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ ﴾ 3.
2- ذهب جمع من المفسرين إلى أن المقصود من الضَّالِّينَ المنحرفون من النصارى، و الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ المنحرفون من اليهود.
هذا الفهم ينطلق من مواقف هذين الفريقين تجاه الدعوة الإسلامية. فالقرآن يصرّح مرارا أنّ المنحرفين من اليهود كانوا يكنون عداءا شديدا و حقدا دفينا للإسلام.
مع أن علماء اليهود كانوا من مبشّري ظهور الإسلام، لكنهم تحوّلوا إلى أعداء ألدّاء للإسلام لدى انتشار الدعوة لأسباب عديدة لا مجال لذكرها، منها تعرّض مصالحهم المادية للخطر. (تماما مثل موقف الصهاينة اليوم من الإسلام و المسلمين).
تعبير الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ ينطبق تماما على هؤلاء اليهود، لكن هذا لا يعني حصر مفهوم المغضوب عليهم بهذه المجموعة من اليهود، بل هو من قبيل تطبيق الكلي على الفرد.
أما منحرفو النصارى فلم يكن موقفهم تجاه الإسلام يبلغ هذا التعنت، بل كانوا ضالين في معرفة الحق. و التعبير عنهم بالضالين هو أيضا من قبيل تطبيق الكلي على الفرد.
الأحاديث الشريفة أيضا فسّرت الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ باليهود، و الضَّالِّينَ بمنحرفي النصارى، و السبب في ذلك يعود إلى ما ذكرناه4.
3- من المحتمل أن الضَّالِّينَ إشارة إلى التائهين الذين لا يصرّون على تضليل الآخرين، بينما الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ هم الضالّون و المضلّون الذين يسعون إلى جرّ الآخرين نحو هاوية الانحراف.
الشاهد على ذلك حديث القرآن عن المغضوب عليهم بوصفهم: ﴿ الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ... ﴾ 5 إذ يقول:﴿ وَالَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا اسْتُجِيبَ لَهُ حُجَّتُهُمْ دَاحِضَةٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ ﴾ 6.
و يبدوا أن التّفسير الأول أجمع من التّفسيرين التاليين، بل إن التّفسيرين التاليين يتحركان على مستوى التطبيق للتفسير الأول. و لا دليل لتحديد نطاق المفهوم الواسع للآية.
و الحمد للّه رب العالمين (نهاية سورة الحمد)7.
___________
1. القران الكريم: سورة النحل (16)، الآية: 106، الصفحة: 279.
2. القران الكريم: سورة الفتح (48)، الآية: 6، الصفحة: 511.
3. a. b. القران الكريم: سورة آل عمران (3)، الآية: 112، الصفحة: 64.
4. راجع تفسير نور الثقلين، ج 1، ص 23 و 24.
5. القران الكريم: سورة هود (11)، الآية: 19، الصفحة: 223.
6. القران الكريم: سورة الشورى (42)، الآية: 16، الصفحة: 485.
7. المصدر: كتاب الامثل في تفسير كتابالله المنزل، لسماحة آية الله الشيخ مكارم الشيرازي دامت بركاته.