بعض قواعد التفكير واستخدام العقل
  • عنوان المقال: بعض قواعد التفكير واستخدام العقل
  • الکاتب: الشيخ علي الفتلاوي
  • مصدر:
  • تاريخ النشر: 20:14:53 1-10-1403

القاعدة الأولى: (في ضرورة التفكر)

١. عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: «أصل العقل الفكر».(ميزان الحكمة: ج٧، ص١٦٤)

٢. القاعدة: لا عقل لمن لا فكر له.

هذه القاعدة استوحيتها من الحديث الشريف عن أمير المؤمنين عليه السلام: «أصل العقل الفكر».

ويشير الحديث إلى أن العقل الذي وهبه الله تعالى لعباده لم يهبه دون حكمة فهذه الحكمة هي أن يستخدمه الإنسان في التفكير وإلاّ لو لم يستخدم الإنسان عقله في التفكير لصار هو وفاقد العقل سيان.

فلابد لكل عاقل أن يفكر ولا يجوز له أن يعطل العقل.

٣. المثل: (لو أن إنساناً عاقلاً قلّد غيره في عبادة الأصنام ولم يفكر بكونها لا تضر ولا تنفع، فهذا كمن لا عقل له).

ولذا قال الإمام الصادق عليه السلام: «إن لكل شيء دليلاً ودليل العقل التفكر».(الكافي الشريف:٢/٦٠)

 

القاعدة الثانية

(ضرورة التفكر في الأُمور الإلهية)

١. عن أمير المؤمنين عليه السلام أنّه قال: «تفكر ساعة خير من عبادة سبعين سنة».(الارتقاء:١٧٦)

٢. القاعدة: التفكر في الأُمور الإلهية خير من العبادة بلا تفكر.

يشير الحديث الشريف إلى التفكير في عظمة الله تعالى وصفاته يجعل المرء على بيّنة من أمره، ويرتبط بربه عزّ وجل ارتباطاً وثيقاً مبنياً على القناعة التامة، بل إنّ التفكير بذاته عبادة كما ورد عن الإمام الصادق عليه السلام: «أفضل العبادة إدمان التفكر في الله وفي قدرته».(الكافي الشريف:٢/٥٥)

٣. المثل: (لو أن إنساناً يعبد ويتهجد وهو لا يعرف الله تعالى حق معرفته كذاك العابد الذي أعجب به أحد الملائكة المقربين فقال يا رب إنّي معجب بعبادة عبدك هذا ألا تريني أجره، فلما رأى أجره استقله فقال: يا رب لمَ أجره قليل؟ فقال الله تعالى: (أنزل عليه وكلّمه)، فلما نزل الملك وجده يتعبد في روضة وخضرة ماء، قال له إنّ مكانك جميل، فأجاب العابد ولكني أأسف لعدم وجود حمار لربي يرعى في هذا المكان، فعرف الملك مقدار عقله، فقال يا رب هذا عبدك وقد سمعت مقالته، فقال الله تعالى قد أُعطيَ على قدر العقل والمعرفة لديه).(الكافي الشريف:٢/٥٦)

 

القاعدة الثالثة

(الامتناع عن التفكر في الذات الإلهي)

١. قال الإمام الصادق عليه السلام: «من نظر في الله كيف هو هلك».(الكافي الشريف:١/١٤٨)

٢. القاعدة: لا يفكر المحدود في اللامحدود.

يشير الحديث الشريف إلى عدم جواز التفكير في الذات الإلهية لما فيه من الخطورة على النفس، فإنّ التفكير في الذات الإلهية اللامحدودة خارج عن قابلية المخلوق المحدود مهما كانت منزلته واستعداداته، ولذا قال الإمام أبو جعفر عليه السلام: «إياكم والتفكر في الله ولكن إذا أردتم أن تنظروا إلى عظمته فانظروا إلى عظيم خلقه».(الكافي الشريف:١/١٤٩)

وقال عليه السلام: «تكلموا في خلق الله ولا تتكلموا في الله فإنّ الكلام في الله لا يزداد صاحبه إلاّ تحيراً». (الكافي الشريف:١/١٤٧)

فيتضح من كلامهم عليهم السلام أنّ من أراد الخوض في معرفة الذات فقد أتى بالمحال، والمحال أمر باطل لا يقود إلاّ إلى الباطل، والباطل ليس بشيء، وسيقع صاحبه في التهلكة لأن الأمر أكبر من قابلية المخلوق.

٣. المثل: (كما لو أن إنساناً أراد أن يحيط بالبحر في قدح، فهل يعقل هذا؟ مع أنّ البحر محدود، فكيف يحيط العقل المحدود بالله تعالى الذي هو محيط بكل شيء، فلا ينقلب المحيط بكل شيء إلى محاط به).

مجلة الوارث - العدد 102القاعدة الرابعة

(الامتناع عن التفكر في صفة الله تعالى برأينا)

١. عن الإمام الكاظم عليه السلام أنّه قال: «إنّ الله أعلى وأجل وأعظم من أنّ يبلغ كنه صفته، فصفوه بما وصف به نفسه، وكفّوا عما سوى ذلك».(الكافي الشريف:١/١٥٥)

٢. القاعدة: من وصف الله تعالى برأيه هلك.

يشير الحديث الشريف إلى أن الله تعالى لا يحد ولا يوصف لأنّه ليس كمثله شيء، فكل من أراد أن يصف الله تعالى فليرجع إلى كتاب الله تعالى ولينظر إلى ما وصف به نفسه وإلاّ سيقع في ضلال وحيرة وهذا ما أشار إليه الإمام أبو الحسن عليه السلام بعد أن سأله عن الصفة بقوله: «لا تجاوز ما في القرآن».(الكافي الشريف:١/١٥٦)

فلذا لا يحق لأحد أن يفكر في صفات لم يوصف الله تعالى بها نفسه، فيقع في التجسيم أو التشبيه.

٣. المثل: (لو أنّ إنساناً أراد أن يفكر بصفة السميع والبصير ثم ينتقل بفكره فيقول كما أنّه تعالى سميع بصير فيمكن أن يكون لثاماً أو لا مس وهذه من الصفات الخمس فيقع في التجسيم، كما وقع غيرنا عندما وصف الله تعالى بأنّ له جسماً أو صورة).

 

القاعدة الخامسة

(ضرورة التفكر في الغذاء الفكري)

١. عن زيد الشحام، عن أبي جعفر عليه السلام في قول الله عزّ وجل: {فَلْيَنْظُرِ الإِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ}.[عبس:٢٤]

قال: قلت ما طعامه؟ قال عليه السلام: «علمه الذي يأخذه، عمن يأخذه».(الكافي الشريف:١/١٠١)

٢. القاعدة: لا تأخذ العلم إلا من منبعه الصافي.

يشير الحديث الشريف إلى ضرورة معرفة منبع العلم والأفكار التي تدخل إلى عقل الإنسان، وضرورة التفكير في سلامة هذه المعلومات وصحتها لئلا يصاب بانحراف فكري أو خلقي، فعليه أن يهتم بذلك كما يهتم بسلامة الطعام الذي يدخل إلى جوفه، وعليه أن يحذر من الانحراف الفكري كما يحذر من التسمم من الطعام، فمعرفة مصدر العلم والتأكد من صفاء نبعه يؤدي إلى سعادة الدنيا والآخرة والفوز الكبير.

٣. المثل: (لو أنّ إنساناً أخذ علمه من جاهل متصف بصفة أهل العلم أو من صاحب أفكار منحرفة سيقع لا محالة في الضلال والتهلكة، ولكن لو بحث عن النبع الصحي للعلم ليأخذ منه سينال بذلك سعادة الدنيا والآخرة، والأمثلة الحيّة كثيرة، هناك من يعبد الشيطان لأنه أخذ علمه من معلم شيطاني وهناك من يعبد غير الله تعالى لأنه أخذ علمه من مشرك أو ملحد، وهناك من يعبد الله تعالى ويتصرف ويتحدث بسلامة ولياقة لأنّه أخذ علمه من منبعه الصافي).

فيجب أن يتفكر العاقل فيما يأخذه من العلم لكي ينجو من الهلكة، وهذا ما أشار إليه الإمام الحسن عليه السلام، بقوله: «عجبت لمن يتفكر في مأكوله! كيف لا يتفكر في معقوله فيجنب بطنه ما يؤذيه، ويودع صدره ما يزكية».(الكافي الشريف:١/١٠٢)

القاعدة السادسة (ضرورة الامتناع عن التفكر السلبي)

١. عن أمير المؤمنين عليه السلام أنّه قال: «الفكر في غير الحكمة هوس».(غرر الحكم:٦٨)

٢. القاعدة: التفكير في غير الخير خسارة.

ألف: يشير الحديث الشريف إلى وجود النوع السلبي من التفكير، فيقول الإمام عليه السلام إنّ التفكير في غير الحكمة وغير ما يرقى بالنفس إلى الكمال هو تفكير سلبي يجب عدم الامتناع عنه لما فيه من مردودات سلبية على صاحبه، ومن هذه المردودات كدورة صفو النفس وحجبها عن التكامل لأنّ الهوس الذي أشار إليه الإمام عليه السلام هو طرف من الجنون، ومن مردوداتها احتمال الوقوع في المعاصي وهذا ما أكده أمير المؤمنين عليه السلام في حديث آخر قال: «من كثر فكره في المعاصي دعته إليها».(غرر الحكم:٦٢٣)

وقوله عليه السلام: «من كثر فكره في اللذات غلبت عليه».(عيون الحكم:٤٥٧)

فيتضح مما تقدم ضرورة الابتعاد عن التفكير السلبي.

باء: ومن نتاج التفكير السلبي هي النظرة السوداوية والتشاؤمية للأشياء، والشعور بالتردد والخوف من الفشل، ويؤدي إلى الحزن وسوء الحالة النفسية ثم ينجر المرء من أفكاره السلبية إلى النظرة السلبية اتجاه الآخرين فيقع في سوء الظن والحقد والكره وهذا بدوره يؤدي إلى الشعور بالانتقام وهذا ما أشار إليه الحديث الشريف عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «القلب ملك وله جنود، فإذا صلح الملك صلحت جنوده، وإذا فسد الملك فسدت جنوده».(نهج الفصاحة:٦٠٢)

وعن أمير المؤمنين عليه السلام قال: «شر ما ألقي في القلوب الغلول».(عيون الحكم والمواعظ:٢٩٥)

٣. المثل أ: (لو أنّ إنساناً رأى نعمة عند غني فأخذ يحدث نفسه، يا ليتني مثل هذا الغني ثم يبدأ التفكير بالطريقة التي يصل بها إلى المال ولنفرض أنّه أخذ يفكر في الاختلاس أو السرقة، أو الغش، ثم استولت الفكرة الشريرة على عقله فإنّه لا شك سيقع في الذنب لكي يصل إلى مآربه، أو يفكر في كيفية الوصول إلى المرأة الجميلة التي رآها، ثم ذهب بفكره إلى مفاتنها وأنوثتها فسيقود ذلك إلى الوقوع في المعصية).

٤. المثل ب: (لو أنّ إنساناً سمع من آخر كلمة كأن يقول له إنّك ليس على قدر من الجمال، ثم يأخذ في التفكير بهذه الكلمة فيصل إلى أن يرى نفسه قبيحاً، وقد يقول احتمال أن لا تحبني النساء، فيبدأ الشعور باحتقار الذات إلى أن تنقلب حياته إلى جحيم، فيقول إذن أنا قبيح يعني لا أحد يحبني فحياتي تعسة، وقد يلجأ إلى الانتحار.