إنَّ الحكمة في الأهلَّة، هي معرفة الأوقات، وتحديد الزمن بها، ولذا حينما سأل معاذ بن جبل عن فائدة الهلال ولماذا يبدو دقيقاً كالخيط ثم يزيد حتى يستوي ثم لا يزال ينقص حتى يعود كما بدأ؟
فجاء الجواب: قل هي مواقيت للناس و الحجّ، فالسؤال عن الحكمة في اختلاف حال القمر وتبدّل أمره، فأمره الله أن يجيب بأنّ الحكمة الظاهرة في ذلك أن تكون معالم للناس يوقّتون بها اُمورهم، ومعالم للعبادات المؤقتة يعرف بها أوقاتها وخصوصاً الحج، فإنّ الوقت مراعى فيه أداءً وقضاءً(1) وتوقيت الزمان والحساب من الاُمور الضروريّة للإنسان في جميع اُموره، وبه يرتّب شؤون حياته ونظام دينه; لأنّ أفعال الإنسان من الاُمور الزمانية.
إذْ أنّها واقعة في الزمان.
فالتوقيت بالعام، والشهر والاُسبوع واليوم والساعة والدقيقة، من الاُمور الضرورية للحياة الإنسانية ولذا اعتمدها الإنسان منذ القديم.
وكان أقرب الطرق إلى الإنسان وأقدمها هو قياس الزمن بالقمر ودورته الشهرية، فقد كانت الاُمم السابقة تستند استناداً أساسياً إلى التقويم القمري، وإن كان في عرض ذلك بعض التقاويم الاُخرى، كالتوقيت بطلوع نجم، أو موت إنسان عظيم، أو حادثة، ونحو ذلك، ولكنهم أساساً لم يستغنوا عن التقويم القمري كسائر التقاويم حتى عصرنا الحاضر. ويرجع ذلك إلى عدّة أسباب طبيعية ودينية.
وقد كان للجداول والتقاويم في جميع المراحل التأريخية شأن كبير لمعرفة الوحدات الفلكيّة، وهي وإن كانت مفيدة، بل أصبحت من التراث، ولكنّها لاتخلو من فوضى; لأنّ وضع أي تقويم لابدّ وأن يكون مستنداً إلى اعتبارات إمّا دينيّة أو سياسيّة أو علميّة .
_________________________
(1) لاحظ: تفسير كنز العرفان: 1/447 .