فلسفـة الحجاب
  • عنوان المقال: فلسفـة الحجاب
  • الکاتب:
  • مصدر:
  • تاريخ النشر: 22:2:49 6-10-1403

الحجاب ما قبل الإسلام

إن الثابت تاريخياً هو أنّ الحجاب قبل الإسلام كانت له مصداقية لدى بعض الأمم، فقد كان الحجاب ظاهرةً في إيران القديمة وبين اليهود، ومن المحتمل أن يكون هناك حجاب في الهند وكان الحجاب لدى هذه الأمم أكثر تشدّداً ممّا جاء في شريعة الإسلام.

أمّا لدى العرب الجاهلية فلم يكن هناك وجود للحجاب، وقد تحقّق لهذه الظاهرة وجود بفضل رسالة الإسلام، يقول ويل ديورانت في قصّة الحضارة :" كان في وسع الرجل أن يطلّق زوجته إذا عصت أوامر الشريعة اليهودية، بأن سارت أمام الناس عارية الرأس أو غزلت الخيط في الطريق العام، أو تحدّثت إلى مختلف أصناف الناس، أو كانت عالية الصوت أي إذا كانت تتحدّث في بيتها ويستطيع جيرانها سماع ما تقول " ويقول ديورانت في وصف واقع المرأة في بلاد فارس :" لم تكن نساء الطبقات العليا يجرؤن على الخروج من بيوتهنّ إلاّ في هوادج، ولم يكن يسمح لهنّ بالإختلاط بالرجال علناً، وحرّم على المتزوّجات منهن أن يرين أحداً من الرجال ولو كان أقرب الناس إليهنّ كآبائهن أو إخوتهنّ، ولم تُذكر النساء قط أو يُرسمن في النقوش أو التماثيل العامّة في بلاد فارس القديمة"، غير أنّ ديورانت قد أخطأ وجانَب الحقيقة عندما ادّعى أن الحجاب قد تسرّب للمسلمين من خلال اختلاطهم وتمازجهم مع الحضارات الأخرى وأنّه لم يكن في رسالة الإسلام تشريع للحجاب. وبطلان دعواه هذه مؤكّد من خلال دراسة النصوص والتشريعات التي وردت في القرآن الكريم والسنّة النبوية الشريفة والسيرة التي قام عليها المجتمع الإسلامي في عهد رسول الله(ص). نعم على أثر ما حصل بعد الفتح الإسلامي من اختلاط العرب بغيرهم من الداخلين في الإسلام، فقد اشتدّ أمر الحجاب عمّا كان عليه زمن رسول الله(ص)، لا أنّ الإسلام لم يعتنِ بحجاب المرأة أساساً على كل حال فالثابت هو أنّ الحجاب كان موجوداً في العالم قبل الإسلام ولم يبتكر الإسلام الحجاب.

 

العوامل المؤثّرة في ظهور الحجاب

سعى المناهضون لظاهرة الحجاب إلى إبراز جملة ممارسات ظالمة بوصفها عللاً لهذه الظاهرة ولم يميّزوا في ذلك بين الحجاب الإسلامي وغير الإسلامي، فأوحوا أنّ الحجاب الإسلامي ينطلق من هذه الممارسات الظالمة أيضاً.

وقد طرح الباحثون نظريات متنوّعة بصدد أسباب ظهور الحجاب وقد ثبّتت هذه الأسباب في الأعمّ الأغلب لإبراز الحجاب بوصفه عملاً ظالماً وممارسةً جاهلةً، ويمكننا تصنيف النظريات التي عثرنا عليها إلى فلسفية، إجتماعية، أخلاقية، إقتصادية ونفسية وهي كما يلي :

" الجذر الفلسفي"

الإتجاه الرهباني والميل نحو الرياضة الروحية

ترتبط مسألة الحجاب بالإتجاه الرهباني والرياضة الروحية من خلال اعتبار المرأة موضوعاً للذّة التي يتوفّر عليها الرجال، فإذا اختلط الرجل بالمرأة فسوف يتجهان حتماً صوب الفتنة والإستغراق في اللّذات المادية، وبغية أن يكون المحيط الإجتماعي منسجماً بشكل كامل مع روح الزهد والرياضة أقام أتباع الفلسفة الرهبانية حاجزاً بين الرجل والمرأة وألزموها بالحجاب، وجاء ظهور الحجاب في ضوء هذه النظرية، نتيجة احتقار الزواج وتقديس العزوبة، وقد ذكروا عللاً كثيرة لبروز ظاهرة الرهبنة والرياضة الروحية ومنها ميل البشر نحو الوصول إلى الحقيقة، خصوصاً إذا كان الإعتقاد بأنّ كشف الحقيقة يحصل للروح حينما يُقهر جسدها وميولها الماديّة.

نحن لا ننكر أنّ للرهبانية والرياضة الروحية وجوداً في نقاط من العالم وربما يكون اعتبار الحجاب في النقاط التي يسيطر عليها هذا اللون من التفكير نتيجة له. ولكن عندما شرّع الإسلام الحجاب لم يستند في جميع الحالات إلى مثل هذه العلّة، كما أنّ مثل هذا الإتجاه لا ينسجم مع روح الإسلام ولا مع سائر أحكامه، فالإسلام حارب بشدّة التفكير الرهباني وهذه الحقيقة يذعن بها حتّى المستشرقون الأوروبيون.

" الجذر الإجتماعي"

فقدان الأمن والعدالة الإجتماعية

المبرّر الآخر الذي ذكروه لبروز ظاهرة الحجاب هو فقدان الأمن فقد قالوا :" لقد كان فقدان الأمن والعدالة الإجتماعية ظاهرة سائدة في الأزمنة الغابرة، فقد كانت يد ذوي النفوذ طويلة على أموال الناس ونواميسهم، فإذا كان للناس مال أو ثروة فإنّهم مضطرّون لإخفائها بالدفن تحت الأرض. وكما لم يكن هناك اطمئنان أمنيٌ بالنسبة للثروة لم يكن أيضاً بالنسبة للمرأة فكل شخص لديه إمرأة جميلة كان مضطر لإخفائها عن الأشقياء، من هنا وبرأيهم جاءت ظاهرة الحجاب تجنيباً للمرأة الأذى والسوء.

نحن لا ننكر أنّ فقدان الأمن والعدالة في الأزمنة الماضية كان له أثر في إخفاء المرأة، ومن المسلّم أنّ الحجاب المتطرّف والأفكار المتطرّفة بشأن ستر المرأة ناتجة عن هذا اللون من الممارسات في التاريخ ولكن يجب علينا أن نتساءل هل أن فلسفة الحجاب في الإسلام تقوم على أساس هذا الأمر ؟.

من المقطوع به أن علّة تشريع الحجاب في الإسلام ليست هي فقدان الأمن وعلى الأقل ليست هي العلّة الوحيدة والأساسية، إذ أنّ فقدان الأمن لم يأت علّةً في النصوص الإسلامية، كما أنّه لا يتطابق مع وقائع التاريخ، فرغم أن الحجاب لم يكن تقليداً في العصر الجاهلي إلاّ أن العرب كانوا يعيشون بأمن في ظلّ محيطهم القبلي والبدوي، ففي نفس الوقت الذي كان يسود إيران فقدان الأمن الأخلاقي والتجاوز على الأعراض بحدّه الأعلى وكان هناك حجاب أيضاً، لم تكن بين أفراد القبائل العربية مثل هذه التجاوزات.

إن العرب كانت تفتقد في حياتهم القبلية الأمن الإجتماعي بين القبائل، والحجاب ليس تدبيراً لمعالجة هذا الوضع، فقد كانت القبائل تتصارع بشكل دموي فيما بينهم، ويغير بعضها على البعض الآخر فيؤسر الرجال والنساء وبالتالي لا يعالج الحجاب مشكلة المرأة، هذا مع العلم أن توفّر الأمن الأخلاقي في المجتمعات في عصرنا هذا هو محض توهّم وافتراض وهذا ما تؤكّده إحصائيات الجريمة الأخلاقية في العالم.

"الجذر الإقتصادي"

حكومة الأب وتسلط الرجل على المرأة واستغلال طاقتها الإقتصادية

ذهب البعض إلى اعتبار العامل الإقتصادي جذراً من جذور ظاهرة الحجاب، فقالوا إن ظاهرة الحجاب والحريم ذكرى عهد ملكية وسلطة الأب، فبغية أن يتوفر الرجال من خلال النساء على منافع اقتصادية، كانوا يحفظونهن في البيوت، ولأجل تكييف المرأة وإقناعها بالبقاء ذاتياً في البيت، واعتبار الخروج من المنزل عملاً قبيحاً، اخترعوا فكرة الحجاب.

من المقطوع به أن الإسلام لا يستهدف ذلك، فالإسلام لم يرد مطلقاً أن يستغلّ الرجل المرأة اقتصادياً، لقد أعلن الإسلام بحزم لا مجال للشك إليه، أن الرجل لا يتمتّع بأي حق في استثمار المرأة، فاستقلال المرأة اقتصادياً من المسلّمات الثابتة في الشريعة الإسلامية، فعمل المرأة تعود ثماره إليها، فإذا رغبت المرأة في العمل داخل الدار تبرّعاً فلها ذلك وإلاّ لا يحق للرجل إجبارها على أن تعمل. حتّى رضاعة طفلها، فرغم إن الأم أولى من غيرها في إرضاع ولدها لكن هذه الأولوية لا تُسقط حقها في الأجرة، ثم إنّ المرأة إسلامياً تستطيع أن تختار أي عمل لا يؤدّي إلى إفساد الأسرة ولا يتعارض مع حقوق الزوج، وترجع ثماره المادّية إليها.

ثم إننا لا نصدّق الحقيقة إن الرجل ـ في الماضي ـ كان ينظر للمرأة بوصفها أداة يحقّق من خلالها مآربه الإقتصادية كحقيقة عامة وأصل كلّي يحكم كل المجتمعات القديمة.

" الجذر الأخلاقي"

أنانية الرجل وحسده

الجذر الآخر الذي ذكروه بروز ظاهرة الحجاب ذو وجهة أخلاقية، فقد طرحوا أن علّة ظهور الحجاب هي سلطة الرجل وأسر المرأة مع فارق وهو أنّ الإتجاه هنا استبدل الجذر الإقتصادي بآخر أخلاقي في تفسيرسلطة الرجل، فقالوا : " إن علّة حفظ الرجل للمرأة بهذه الصورة التي تضحى فيها المرأة أسيرة هي أحاسيسه الحسود وأنانيته إزاء الرجال الآخرين، فالرجل لا يرغب أن يستغلّ الرجال الآخرون إمرأته ولو بالنظرة أو بالحديث.

نحن نعتقد أن الحسد والغيرة صفتان مختلفتان تماماً ولكلّ منهما أساس مستقل، فأساس الحسد هو الأنانية وهو ينطلق من غرائز الإنسان وأحاسيسه الذاتية، لكنّ الغيرة لون من الإحساس الإجتماعي العام الذي يعود بالفائدة على الآخرين.

الغيرة لون من الصيانة أودعتها يد الإبداع في الوجود البشري بغية الإحتراز عن إختلاط النسل وسر توفّر الرجل على حساسية شديدة إزاء اختلاط زوجته مع غيره هو أنّ التكوين والخلق وظّفه للحفاظ على نسبه في الأجيال القادمة وهذ الميل لحفظ النسل موجود لدى المرأة أيضاً، ولكنّ هذا الميل لا يحتاج إلى حراسة وصيانة إذ نسبة الولد لأمه محفوظة على الدوام ولا تقبل الشك والإشتباه، وأمّا هل أنّ تقديس الإسلام للستر والحجاب إستجابة لغيرة الرجل أم لا ؟ فالجواب إن الإسلام بلا شك يحسب نفس الحساب الذي تحسبه الغيرة، يعني الحفاظ على النسل وعدم اختلاط الأنساب، ولكن ذلك ليس هو العلّة الوحيدة للحجاب.

"الجذر النفسي"

إحساس المرأة بالنقص أمام الرجل

يعتقد البعض أنّ الحجاب وجلوس المرأة في المنزل ذو جذر نفسي، فالمرأة منذ البدء تحسّ بنقص أمام الرجل، وينشأ هذا الإحساس من النقص العضوي والتفاوت في القدرات ومن خلال التربية التي كانت سائدة في المجتمعات والتي كانت تعتبر الرجل أفضل من المرأة ويملك من القدرات العقلية ما لا تملكه المرأة، إضافة إلى التفكير الذي كان سائداً منذ القِدم عند بعض الأمم والمجتمعات، والذي ينظر إلى المرأة في أيام نفاسها أو حيضها نظرة احتقار ونقص. ولعلّ هذا الإعتبار كان السبب في سؤال الرسول(ص) عن هذه العادة وموقف الإسلام فيها، فنزلت الآية القرآنية الكريمة ï´؟ ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيضï´¾ بحيث كان هذا الجواب القرآني دليلاً على النظرة الكريمة والإنسانية العالية التي يوجّهها الإسلام للمرأة في مختلف الحالات، من هنا لا يمكن أن يكون الحجاب، في الإسلام منطلقاً من نظرة انتقاص للمرأة واحتقار لمكانتها.